أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الماضي هو الحاضر في زمان الأوبئة والانحطاط في العراق!















المزيد.....

الماضي هو الحاضر في زمان الأوبئة والانحطاط في العراق!


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 12:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أعود بذاكرتي أحياناً غير قلية إلى عقود خلت بحلوها ومرّها، بعضها يحمل معه الحنين إلى ماضٍ جميل، إلى حياة الطفولة والصبا والبراءة، وبعضها الآخر يحمل معه ماضٍ يتجدد في حاضر العراق وشعبه، وكأن العراق لم يعرف طيلة هذه العقود كل هذه التغييرات الكبرى والتحولات المدهشة الجارية في العالم الذي يحيط بنا، لاسيما في عالم العلوم، ومنها الطب والتعليم ومكافحة الأمية، والثقافة العامة ومكافحة الجهل والتجهيل ومحاربة الأمية والخرافات والأساطير. في تلك الأيام الخوالي وقبل ما يقرب من ثمانية عقود كانت لي خالة اسمها نرجس، وندعوها أم سيد باقر. كانت هذه الخالة طيبة القلب عطوفة، مليحة الوجه، ممشوقة القامة ومتدينة. كانت حين تخرج من بيتها تكون قد ارتدت شروالاً طويلاً يصل إلى الرسغين، وترتدي فوقه دشداشة طويلة ذات جيبين على الجانبين يغطيان جزءاً من القدمين، وتلبس جواربا يمنع تسرب الهواء إلى الجسم. كما كانت تضع على رأسها عصابة تغطي الشعر والجبين حتى الحاجبين، ثم تضع عباءة سوداء على كتفيها تمتد حتى أسفل اقدمين، ثم تضع عباءة أخرى على رأسها بحيث لا ترى منها سوى السواد من قمة رأسها إلى أخمص قدميها حتى لا يمكن للناظر إليها أن يرى نعليها. وكانت حين تمشي في الأزقة الموصلة من محلة العباسية إلى محلة باب النجف عبر الشوارع والأزقة لتصل إلى دارنا في زيارات غير نادرة وهي في طريقها لزيادة صحني وضريحي الحسين والعباس، حيث يتوسطهما دارنا في شارع على الأكبر، تغطي وجهها بالكامل، إذ كانت تمسك طرف العباءة عند الوجه باليد اليسري لتلفها على الجانب الأيمن الآخر من الوجه بالعباءة الممسكة بطرفها باليد اليمنى. الناظر إليها لا يرى من وجهها شيئاً حتى عينيها لا يمكن رؤيتهما. وكانت كثيراً ما تتعثر في سيرها بسبب سوء رؤية الطريق. وحين كانت تصل إلى دارنا لا تخلع عباءتها، بل تكشف قليلاً عن وجهها، رغم عدم وجود الوالد، وهي في استحياء كبير. كانت تمنحني باستمرار بعض الچكليت (التوفي) الذي تأخذه من دكان ابنها العطار في محلة العباسية، كما كانت تجلب لنا المربى الذي تقوم بصنعها في البيت من قشور الحمضيات وخاصة الاطرنج (ترنج Medic Citrus). وكانت حين يتمرض البعض منا تجلب لنا معها ورقة صغيرة مطوية بعناية تفتحها بحذر شديد وقدسية عالية فيها بعضاً من تراب تطلق عليه (تربة الشفاء)، وهو تراب مأخوذ من أرض كربلاء يدعي بائعوه أنه من تربة الحسين بكربلاء وصالح لمعالجة كل الأمراض. كانت خالتي أمية لا تقرأ ولا تكتب ومؤمنة بما يقوله شيوخ الدين وما ينصحون به. لم تكن اختها (أمي فاطمة) تختلف عنها من حيث الأمية وعدم معرفة القراءة والكتابة، ولكنها كانت تقول لها، "داده اخذ أبني للسيد مهدي الحكيم أحسن، هو يكتبله دوه زين". كانت خالتي تصّر على استخدام تربة الشفاء. فما كان من أمي غير أخذ تربة الشفاء من أختها الأكبر سناً وتضعها جانباً خلف مرآة كبيرة في حوش الدار. وحين تغادر الخالة تقتداني أمي إلى عيادة الحكيم في بيته الواقع في زقاقنا الطويل قرب تكية شير فضة (أسد فضة) [يعرف هذا المقام بين العامة بمقام ( شير فضة ) اي اسد فضة. وفضة هي خادمة السيدة زينب أخت الحسين] ليعالجني بأعشابه الطبية، التي تثق بها أمي، لأن والدي الحاج حبيب الملا عبد كان في شبابه عطاراً يبيع مثل هذه الأعشاب أيضاً وكذلك حبات الكنين ضد الملاريا، وكانت تجد أمي فيها نفعاً. أين رباط الحچي بهذه الخاطرة؟ اليكم ما حصل لي في مكالمة تليفونية مع سيدة صيدلانية في كربلاء قبل ثلاثة أيام ونحن في القرن الحادي والعشرين.
مع انتشار وباء كورونا في العالم كله ووصوله إلى العراق مع الزائرين المصابين به، ورغم الدعوات العالمية بالحذر من الإصابة به واتخاذ الإجراءات الكفيلة لمنع انتشاره، أعادت جمهرة من مخرفي شيوخ الدين، لا بسبب كبر سنهم، بل بسبب خلو الرأس من العقل ومن القدرة على التفكير السليم، وجمهرة من الرواديد في عزاءات الحسين بكربلاء، تشجيع الناس على عدم الالتزام بالإجراءات الصحية والقيام بالزيارة الشعبية الجماهرية لضريح وصحن موسى الكاظم في مدينة الكاظمية بمناسبة ذكرى ميلاده. فقد جاء في مقال للسيد أزهر الربيعي بعنوان "لطميات كورونية في العراق لمواجهة الفيروس المميت" ما يلي: "رغم الدعوات العالمية لالتزام المنازل والابتعاد عن الاختلاط، نشر رواديد عراقيون لطميات يتحدون فيها فيروس كورونا ويشجعون الناس على مواصلة إحياء الشعائر الدينية، ذاكرين أن زيارة مقام الإمام موسى الكاظم تشفي من أي مرض". وهي دعوة لإصابة الناس بالجملة بهذا الوباء وموت الكثير منهم تدريجاً. وبعض هذه اللطميات تقول: "خلينه نمشيله، خلينه نمشيله… ترى الكاظم دوانه (لنذهب إليه، لنذهب إليه، فالكاظم دواؤنا) ـ يا كورونا هاي ومنها نختاض؟!… ترا الكاظم دوا ويشافي الأمراض (ما هذه الكورونا حتى نخشاها؟!... الكاظم دواء ويشفي من الأمراض)" (راجع: أزهر الربيعي، لطميات كورونية في العراق لمواجهة الفيروس المميت، موقع رصيف، بتاريخ 24 أذار/مارس 2020". أليس هؤلاء الشيوخ والرواديد دجالون من الدرجة الأولى؟ أليس هؤلاء هم من ينبغي أن يطاردهم القضاء والادعاء العام؟
أجريت مكالمة هاتفية مع سيدة صيدلانية قريبة لي في مدينة كربلاء وتحدثنا عن وباء كورونا وكيف هم الآن، وعن نقص الأدوية والأجهزة. وكيف كان الناس في السابق يلجؤون إلى "تربة الشفاء" التي لا تنفعهم في شيء. فتصدت لي السيدة الصيدلانية التي درست أربع سنوات في كلية الصيدلة وهي منذ ثلاثين عاماً صيدلانية وقالت بانفعال: لماذا لا؟ تربة الشفاء تنفع، من قال لا، ربما في التربة الكثير المسائل القلوية النافعة! لقد صدمت حقاً بهذا الجواب من السيدة المتعلمة. ولكنها لم تع من سني دراستها في كلية الصيدلة وعملها الطويل كصيدلية ما يقيها من هذه الأوهام والخزعبلات، إنها تعرف القراءة والكتابة ولكنها أمية الثقافة العلمية لاسيما الطبية. إنها امرأة مؤمنة وليست مثقفة، وأنها لا تزال تعيش كخالتي أم السيد باقر في الماضي وقبل ثمانية عقود، وأن العراق في ظل هؤلاء الناس لا يمكن أن يكون بخير عميم أو يتجنب الأمراض والأوبئة السارية. هناك طبيب عراقي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي خبراً يقول فيه: فحصت حذاءً في كشوانية الحسين في كربلاء (مكان قبل الدخول إلى بهو الضريح يضع فيه الزائرون أحذيتهم قبل الدخول إلى المقام)، فوجدت إن الحذاء خالٍ من المكروبات، ثم فحصته في المختبر بنفس الجهاز، فظهر أنه مليء بالميكروبات!". أليس هذا الطبيب دجالاً، أليس موقفاً حين نقترح سحب شهادة هذا الطبيب الدجال!
لقد كان من واجب القضاء العراق، لاسيما المدعي العام، إقامة الدعوة القضائية ضد هؤلاء الرواديد وشيوخ الدين الذين ينشرون الجهل والتجهيل والخزعبلات و"المعجزات!" التي تقود الناس إلى موت محقق. ولكن هل لدينا قضاة ومدّعون عامون يهتمون بأحوال الناس ويحملون معهم همومهم ومشكلاتهم ويتصدون لأولئك الذين يسرقون لقمة العيش من افواه المساكين من حكام العراق ويضحون على عقول البشر؟ لا ليس لدينا مثل هؤلاء القضاة ولا مدعون عامون، إلا القليل وربما ليسوا في الوظيفة! العراق لا يعاني من وباء كورونا المؤقت وحده، بل من أوبئة قاتلة لم تعد مخفية على كثير من شعب العراق!



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بؤرة خطرة للصراع الإيراني – الأمريكي
- وباء كورونا والأوبئة الأخطر في العراق!
- تحية إلى رفاق وأصدقاء ومؤيدي الحزب الشيوعي العراقي في الذكرى ...
- نقاش هادئ مع الدكتور فؤاد حسين حول الحكومة المستقلة
- اطماع دول الجوار الكبيرة بالعراق ومعضلة الدولة العراقية الهش ...
- المرأة في عيدها الأممي في الثامن من أذار: [قرة العين: النموذ ...
- نحو قراءة متمعنة لبيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
- السقوط المدوي للإسلام السياسي والتشبث بالحكم في العراق
- ضعف الثقة والتنافس الفظ حالة مميزة في التيار الديمقراطي العر ...
- هل تساهم الجاليات العراقية في الشتات في دعم الانتفاضة؟
- ماذا تشهد ليالي بغداد المنتفضة من أحداث؟
- وحدة القوى الديمقراطية دعم لانتفاضة الشعب الباسلة
- المأساة والمهزلة مستمرة في عراق اليوم!
- شُلّت أيدي قتلة المناضلين في ساحات وشوارع العراق
- استراتيجية تكريس المحاصصة والهيمنة الإيرانية في العراق، فما ...
- ليس من مصلحة أحد الإساءة للأستاذ الدكتور فارس نظمي
- نداء عاجل وملح دعونا نتحاور بود وحرية، دعونا ننتبه لمهماتنا ...
- نحو حوار هادئ وموضوعي بين القوى الديمقراطية واليسارية
- دكتاتور مصر يتعرض لاشد إساءة مطلوبة
- الديمقراطيون وظاهرة مقتدى الصدر


المزيد.....




- روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب ...
- مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث ...
- -نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي ...
- إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا ...
- ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الماضي هو الحاضر في زمان الأوبئة والانحطاط في العراق!