أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - شاهر أحمد نصر - -الإغواء بالعولمة- كتاب يتضمن أفكاراً هامة تدعو إلى التمعن















المزيد.....


-الإغواء بالعولمة- كتاب يتضمن أفكاراً هامة تدعو إلى التمعن


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1579 - 2006 / 6 / 12 - 13:14
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق كتاب "الإغواء بالعولمة" للمفكر الروسي ألكسندر بانارين ـ ترجمة الأديب المهندس عياد ميخائيل عيد... تتجلى أهمية هذا الكتاب في محاولته إعمال منهج النقد الموضوعي في الاتجاهات السلبية التي أخذت تطبع العولمة بطابعها في النصف الثاني من القرن العشرين... ولا يمنع عدم تطابق وجهات النظر مع بعض الأفكار التي يطرحها المؤلف، من التوقف بإمعان عند هذه الأفكار، التي لا بد أن تثير كثيراً من التساؤلات، وتجلب الفائدة لكل من يريد إعمال العقل لتفسير ما يجري حولنا.
يرى المؤلف أنّ الباحثين كانوا قد تحدثوا منذ بداية القرن التاسع عشر عن الفضاء العالمي الواحد الذي كان لحضارة السوق التبادلية فضل في نشوئه... وأنّ الحقبة المعاصرة من العولمة أضافت ـ من وجهة نظره ـ بضعة معايير كمية وحسب: فازدادت على نحو غير مسبوق سرعة التواصل، واتسع نطاقه شاملاً المجال المعلوماتي... كما أخذنا نتعامل باسم العولمة المعاصرة في المجالات الثقافية والأخلاقية والسياسية "مع شكل جديد من العدمية... يتجلى في موقف التخلي المنهجي عن المصالح والمعايير والتقاليد المحلية كلها". فضلاً عن السعي المحموم لانحطاط الدولة... كما تتضمن أيديولوجية العولمة المعاصرة مفاهيم "تتصف بباطنية تعيد إلى الذاكرة، في بعض جوانبها، تعاليم الطوائف الغنوصية الغابرة. وللغنوصية العولمية وجهان. يعكس جانبها الخارجي أكليشيهات عصر الحداثة السابقة كلها ـ أي التقدم والرخاء العام وحقوق الإنسان، أما الجانب الداخلي لمعبر عنها بلغة النخبة السرية فهو قادر على التسبب بتشويش حقيقي للوعي.ص10
ومن الملاحظ مطابقة المؤلف بين العولمة المعاصرة والأمركة.. ويرى أنّه مع التشدق اليومي والمستمر لعلماء سياسة العولمة المعاصرة بالحداثة والديموقراطية، تتفارق غالبية المكتسبات الجماهيرية التي أنجزت في عصر الحداثة العظيم مع منظومة العولمة المعاصرة. و"هذا يخص في المقام الأول مفهوم الديموقراطية المقدس، أو سيادة الشعب السياسية. فالديموقراطية تعني أن يقوم بوظيفة السلطة من انتخبهم الشعب... الخاضعين لرقابته... أما علم سياسة العولمة فلا يمت إلى هذا بأية صلة. فهو يفترض أن مركز السلطة ومراكز اتخاذ القرار الحالية لا تقيم وزناً لتوصيات الناخبين المحليين وتعبر عن الاستراتيجيات المتوافق عليها بين التروستات الدولية ـ الاقتصادية والسياسية". أي يدفن ساسة ومنظرو العولمة (يدفنون) الديموقراطية بمعناها المباشر كتعبير عن السيادة السياسية للشعب الذي ينتخب سلطته، ويراقبها، ويستبدلون بهذه الديموقراطية سلطة وجهاء دوليين. تكمن جريمة الولايات المتحدة الأمريكية بحق الديموقراطية المعاصرة في أنّها حولتها إلى وسيلة من أجل تحقيق أطماعها الخاصة كدولة عظمى، وبذلك حطّت من قدرها.
هكذا نشهد تكون الأخلاق المزدوجة، واللغة المزدوجة. التي يلعب فيها قسم من المصطلحات الموروثة عن المرحلة الليبرالية الكلاسيكية، دوراً ملفقاً لتخدير يقظة الشعوب... مع اختلاف دعاة العولمة عن رسل التنوير و"طليعيي التقدم" السابقين بأنّهم، عوضاً عن أن يحسنوا الوسط الاجتماعي ـ الجغرافي الوطني، يفضلون مغادرته في الغالب مصطحبين معهم في أثناء ذلك الموارد الضرورية لتطويره والتي أصبحت قابلة للحركة.ص178 وفي مقابل المنورين العظماء الذين أنجبهم عصر النهضة، نجد المحتالين والنصابين (العظماء) في هذا العصر. ولما كان الاحتيال على الأغبياء وغير المتنورين أسهل، لهذا تطوى في عصر العولمة برامج التنوير الجماهيري بحجة أنّها ليست مربحة "اقتصادياً".
إضعاف الدولة والتشهير بها:
يرى ألكسندر بانارين أنّ العولميين يسعون بكل ما في وسعهم إلى إضعاف الدولة الوطنية والتشهير بها ـ تحديداً لأنّها تقف عائقاً في وجه جشعهم العولمي. مع تأكيده على أنّ النخب المعاصرة ـ الاقتصادية والسياسية والفكرية ـ هي التي جعلت الدولة تنحط، مبيناً ولادة ظاهرة جديدة مفادها: "أن تكون من النخبة اليوم، فهذا معناه أن تجعل نفسك في حلّ من المصالح والآمال الوطنية... كانت الشعوب من قبل تضع أفضل آمالها على نخبها الوطنية. كانت النخبة خلاصة التجربة الشعبية، والمعبرة عن إرادة الأمة... أما الآن، فأن تكون نخبة، فهذا معناه، العضوية في أممية سرية ما غير مرتبطة قط بالمصالح الوطنية الحقيقية". لقد وضع عصر العولمة النخب الوطنية في منتصف المسافة بين شعوبها، ومراكز السلطة العالمية... وتربط نفسها أكثر فأكثر بقرارات الأممية الجديدة المتخذة من وراء ظهر الشعوب.
السبيل الناجع لخضوع النخب الوطنية لسلطة المال العولمي هو فصلها عن الشعب، وإبعاد الشعب باعتباره ذاتاً مستقلة في التاريخ وصاحبة سيادة. بإضعاف الشعب تصبح علاقات البيع والشراء شاملة لكافة مجالات الوجود الاجتماعي. ومن الوسائل المتبعة لتفتيت وإخضاع وأبعاد الشعب كمجموعة متلاحمة تعميم وتفعيل ما يسمى بـ"المذهب السلوكي" الذي يعد أساساً للممارسات الاجتماعية والسياسية الخاصة بالمجتمع الأمريكي.ص131 يؤكد هذا المذهب، الذي يعيد الاعتبار العلمي للفردية الأمريكية و"أخلاق النجاح" الأنانية، على المسلمات السلوكية التالية في الحياة اليومية:
1 ـ لا تعتبر هذه المجموعة أو تلك الخلية الأساسية في المجتمع، بل الفرد المكتفي ذاتياً، والذي تحمل صلاته بمحيطه الاجتماعي طابعاً اتفاقياً شرطياً، وطابعاً متقلباً.
2 ـ يميز الفراغ الموجود بين الناس ـ الذرات الاجتماعية المعزولة ـ كلاً منهم من الداخل أيضاً.ص132
كما تسخر مفاعيل الحسية اللااجتماعية في خدمة العولمة، فيحوّل الإنسان على أساس مثل هذه الحسية إلى بهيمي وعلى أساسها تجري عملية "حيونته"... من هنا هذا الدفاع المستميت عن البدائية والقسوة الوحشية.
هكذا يجري تفتيت وتذرير المجتمع لأنّ هدف "ثوريي المذهب النقدي" الحاليين الرئيسي هو تحطيم المجتمع أخلاقياً وتثبيط عزيمته، وحرمانه من القدرة على المحاكمة الأخلاقية، وقلب منظومة التقويمات. ويؤدي ذلك كله إلى إضعاف دور الدولة...
ومن العوامل المساعدة على إضعاف الدولة عدم بنائها على أسس ديموقراطية سليمة، أو ما يسمى مفارقات الديموقراطية... ولما كانت البنية السياسية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، وتداول السلطة بين الأحزاب السياسية، والمعارضة التي تنشط في أجواء الحرية والديموقراطية، هي إحدى أهم دعامات بناء الدولة العصرية، يجرى لوي عنق العملية السياسية في المجتمع عن طريق تضخيم دور الأجهزة الأمنية، ليتشكل "ملاك الأحزاب "الداخلية" أساساً من المراكز الدماغية للأجهزة الأمنية"... إنّ غالبية أحزابنا السياسية قد ولدت في جوف الأجهزة الأمنية، وإنّ غالبية ملاكنا الخاصين المحدثين هم من موظفي هذه الأجهزة.ص142 وتشيد "الأجهزة الأمنية مسرح اللامعقول الجديد الخاص بها. فما كان يعتبر سراً على أجهزة العدو الأمنية أخذوا يخفونه سراً عن مواطنيهم.ص40 وهذا ما يدعوه الكاتب بـ"السلطة الخامسة". و"السلطة الخامسة" ليست غير متوافقة وحسب مع مبادئ الديموقراطية، بل إنّها غير متوافقة أيضاً مع مبادئ التنوير الأكثر عمومية: التسليم بالثقة بعقل المواطن العادي، باعتباره صاحب كمون ذهني عمومي... وبذلك يعود المجتمع إلى سلفية الطوائف المغلقة ما قبل التنويرية، وإلى كهنوت السحر التجديفي غير الشرعي لكن المتسلط، والحائز على حق تضليل الجماهير واستغفالها... إن وضع الأجهزة الأمنية هذا يقوض مبدأ آخر من مبادئ المجتمع الديموقراطي لمعاصر، ألا وهو مبدأ السيادة السياسية للأغلبية... كلما اتسعت صلاحيات الأجهزة الأمنية صارت سيادة الأغلبية أكثر سرابية ومجازية، مع إخفاء أسرار السلطة ونوابضها عنها. وهذا الوضع يصير تدريجياً مهيناً ليس للمجتمع الديموقراطي وحسب، بل ولسياسيي العامة، الذين يزداد شعورهم أكثر فأكثر بأنّهم دمى في مسرح العرائس.ص41 ـ 42 ويرى الكاتب أنّ هذه الأجهزة أضحت جزءاً من النخبة العالمية، ولا يخفي إمكانية تواطئها مع ما تصنفه عدواً، ويستشهد بعملية "اغتيال كيندي": "كيف يعبر شاب أمريكي، باسم لي هارفي أوسفالد، "الستار الحديدي" المنيع عبوراً طبيعياً، ويسكن في الاتحاد السوفيتي، ويتزوج هناك، ثم يعود بعد مضي فترة من الزمن إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كي يرتكب "جريمة العصر" ـ قتل الرئيس الأمريكي. المميز في الأمر أنّ أجهزة البلدين الأمنية قد حافظت في أوج هذه الأحداث الدراماتيكية على الصمت المتأدب بخصوص الغياب الغريب لقاتل الرئيس في الاتحاد السوفيتي. ويستنتج أنّ تلك كانت على ما يبدو أول سابقة في التعاون العملي بين "محترفي الأمن" (بعض النخب) من وراء ظهر الأوساط الاجتماعية"..ص44
ومما يساعد في أضعاف دور الدولة، أيضاً، اغتراب النخب الاقتصادية المنهجي عن المصالح القومية المحلية مع نهوض عصر المراباة الجديد. وكما في عهد المراباة السابق يجري فصل رأس المال الممول عن الاقتصاد المنتج. لقد طغى ربح المضاربات والمراباة على الربح الاستثماري السابق، والدليل على هذا سيادة البنك على المؤسسة، وسيادة الطغم المالية العابرة للقارات والمضاربين الماليين الدوليين على الأمم، التي فقدت استقلالها الاقتصادي.
ومع تضعضع دور الدولة تجري الدعوة للخصخصة كمنقذ ومخلص من الحالة الاقتصادية البائسة التي وصلت إليها المجتمعات... و"تشهد التجربة الأحدث للخصخصة ما بعد السوفيتية (التي لعبت الأجهزة الأمنية دوراً مقرراً فيها) بكل وضوح على أنّ الخصخصة الشاملة تدمر في البلاد بنية التنوير التحتية: إنّها "تمسح" منهجياً تلك الفروع وأنواع النشاط التي تجسد عملية التراكم العام والاستثمار للمستقبل القومي الجماعي.ص139
يجري بجهود العولميين، وخلافاً لخطاباتهم الليبرالية، تركيب عالم الاحتكار الاقتصادي والسياسي، الذي تستبدل فيه عملية التنافس الطبيعي والشراكة بالفصل بين عرق السادة وعرق المنبوذين، أي بين "المليار الذهبي"، والأطراف عديمة الحقوق.ص14
ويبرر ضعف الدولة عملية الترويج إلى فكرة أنّ العالم لم يعد مقسوماً إلى قادرين على التكيف مع السوق وغير قادرين على التكيف معها باعتبارها آلية الاصطفاء الأفضل طبيعياً فقط، بل هو "مقسوم كذلك إلى أولئك القادرين بمفردهم على إرساء النظام الحضاري لديهم، وأولئك غير المؤهلين لفعل ذلك من حيث المبدأ، ويحتاجون إلى فرض الحماية الخارجية عليهم."ص56 وهذا نشهد في عصر الأمركة ترويجاً جديداً وتبريراً لفكرة الاستعمار والاحتلال...
اليهود في عالم القطب الواحد
يفرد المؤلف فصلاً خاصاً لدور اليهود في عملية العولمة، ويلاحظ أنّ القدر قد حكم على اليهود أن يكونوا "عولميين". فوضعهم مزدوج المعنى باعتبارهم شخصيات وقفت منذ القدم على تخوم الثقافات، من غير أن تتطبع حتى النهاية في الوسط الذي تعيش فيه، ومن غير أن تتقبله حتى النهاية، يكوّن نفسية ذلك الانسلاخ ذاته، الذي عرّفناه سابقاً على أنّها مقدمة ذاتية رئيسية للعولمة.
وخلافاً لأولئك الذين يفترضون أنّ اليهودية العالمية تستخدم الولايات المتحدة من أجل تحقيق أهدافها، يرى بانارين أنّ أمريكا هي التي تستغل آمال اليهود وتخدع وعيهم. ويبين كيفية تغير مواقع اليهود في الحراك العالمي، الذين ربطوا الحل "النهائي" للمسألة اليهودية في بداية القرن العشرين بالأممية الشيوعية، التي ستزيل لا الحدود والحواجز القومية وحدها، بل والقوميات ذاتها أيضاً مع اللغات القومية... أما الآن فيبدو الأمر وكأن المخرج يبقى وحيداً: الاتكال على أمريكا في تنفيذ رسالة الرقابة الديموقراطية على غالبية الكوكب غير الديموقراطية. الضمانات لليهود في هذا العالم المليء بالشك مرتبطة بالحضور العولمي الأمريكي.ص65 ويحذر من هذه الرؤية التي تشبه إصدار حكم نهائي جديد على التاريخ الإنساني قبل الأوان؟ ؟ص65 بهذا الفارق يتغير، من وجهة نظر الكاتب، أفق اليهودية الاجتماعي والسياسي، وتحويلها من حليف للحركات الديموقراطية العظمى من أجل المساواة والعدل إلى عدو مكشوف للجميع. ويبقى معروفاً اتكالها على الحماية والرعاية الأمريكية، إلى درجة يبدو معها من غير المرجح أن يزداد الود نحوها من جانب الشعوب المضطهدة على يد سادة العالم الأمريكيين. إنّ الرهان المغامر على انتصار الولايات المتحدة الأمريكية "الكامل والنهائي" على العالم كله يهدد بإحباط لم يشهد له التاريخ اليهودي مثيلاً.ص90
العولمة الأمريكية، وغدر "الشركاء":
يرى الكاتب أنّ الأمريكان نصبوا فخاً للسوفيت اسمه مكاسب العولمة، وراحوا يوهمون ويقنعون الإصلاحيين الروس بشتى الوسائل بأنّ "انسلاخهم" عن شعبهم لا يقل قط عن انسلاخ الأمريكيين، "وأن فكرة إقامة اتحاد سياسي فوق قومي بين النخبتين الحاكمتين، المدعومتين معاً إلى البلوغ بالنظام العالمي والقومي حد الكمال، قد نضجت". وبعد استدراج النخبة البيرسترويكية... تبين أنّ الأمريكيين هم أشباح عولميين يتبعون مصالح دولتهم العظمى وميالين إلى استعمال المعايير المزدوجة.ص50... ففسروا النظام العولمي والسلطة العولمية بأنّه نظامهم وسلطتهم على العالم...
وهكذا يضع الكاتب تصنيفاً لأنواع العولمة:
* عولمة التنوير
* العولمة الباطنية للنخب الحاكمة التي تواطأت فيما بينها من وراء ظهر الشعوب.
* العولمة المرتكزة على الإجراءات التقليدية لتحول دولة عظمى، بمحدوديتها المحلية والقومية كلها إلى حامل احتكاري للسلطة العالمية ـ أي حامل احتكاري لمنظومة العولمة أحادية القطب.
ومع انتصار العولمة الأمريكية تنمو ظاهرة مدهشة، هي تحوّل كثيرين من "مدرّسي الشيوعية العلمية، ودعاة نمط الحياة السوفيتية إلى دعاة للثقافة السياسية الأمريكية "الأكثر تقدماً"، وإلى دعاة نمط الحياة الأمريكي. لا ينحصر الأمر في سياق الناس المعتاد، الذين يتبعون بغير اعتراض الإرشادات الجديدة من الأعلى. بل يكمن الأمر أيضاً في التشابه المدهش بين "إنسان البلشفية الجديد"، و"إنسان الأمريكانوية الجديد"، فهما يتمتعان بوحدة معينة في البنية الذهنية. من وجهة نظر الكاتب.ص98
وفي مقابل الثورة الثقافية، التي دعا بناة الاشتراكية الأوائل إليها، نجد الثورة الثقافية العولمية، في عالم تقاس السلطة فيه بكمية الدولارات المخصصة للرشوة.ص122، وترتبط خصوصيات استراتيجيات الثورة الثقافية العولمية بمفهوم السلعة باعتبارها معياراً عمومياً شاملاً لكل شيء. ويتبين أنّه من المربح إصدار القصص البوليسية والهزلية والتقويمات الفلكية وتقليص إصدار الكلاسيكيات الأدبية.ص139 يدور الحديث حول إكساب ظواهر الحياة والثقافة كلها حرفياً شكلاً سلعياً، وهذا معناه، شكلاً مغترباً، من أشكال القيمة التبادلية... يعتبر الحب، والإلهام، والحقيقة، والجمال في كل ثقافة سليمة قيماً غير معدة للبيع، كذلك لم تكن معدة للبيع القيم الجماعية المجربة: اللغة الأم، وأرض الأجداد المقدسة، والأراضي القومية والمصالح الوطنية والواجب الوطني.
أما السلطة الاقتصادية الدولية، المتمثلة اليوم بسلطة الدولار، فتنظر بغيرة مرضية إلى كل هذه القيم غير المعدة للبيع والمتاحة للجميع.ص122 إنّهم لا يكتفون بالموافقة على فاعلية اصطفاء السوق في المجال الاقتصادي نفسه. بل يطالبون: بالوثوق بالاصطفاء الطبيعي للسوق في كل المجالات من غير استثناء... إنّ التحولات التجارية في الثقافة لا تؤدي فقط إلى اضمحلال مؤسسات ثقافية سامية مثل المسرح والفيلارمونيك والمكتبة الوطنية والجامعة وتلاشيها. إنّها ترمز بذاتها إلى ثأر لم يسبق له مثيل في تاريخ الحضارة الإنسانية للعفوية المتوحشة من العقل والثقافية.
الشمولية الجديدة:
يتساءل بانارين عن السلطة الشمولية الجديدة بعد القضاء على الشمولية السوفيتية، ولما كانت الملامح التي تكونها بنية العقيدة الشمولية هي: عدم اعترافها بالمعارضة القانونية، وعدم تبنيها لمبدأ فصل السلطات... فضلاً عن مطالبتها لأتباعها بضرورة إبداء الحماسة في دعمهم وتأييدهم لها، إذ تشعر بعدم الاكتفاء بانصياعهم الميكانيكي.. فإنّ مثل هذه السلطة توجد الآن في أمريكا، متمثلة بالسلطة الاقتصادية. قد لا يتفق الكثيرون مع هذا الرأي خاصة وأنّ البنية الاقتصادية السياسية الأمريكية تفتخر بأنّها ليبرالية... إلاّ أنّ بانارين يرى أنّ الليبرالية الجديدة تخون مبادئ الليبرالية الكلاسيكية: إنّها تخون التقاليد الإنسانية العظيمة بإضفاء شكل الباطنية الجديدة وأخلاق الكهنة "الخاصة بالأتباع" عليها؛ وتكرس خيانتها على النحو التالي:
أولاً ـ خانت الليبرالية قيم التقدم بعد أن وضعت مكان الثالوث الزمني العظيم "الماضي ـ الحاضر ـ المستقبل" ثنائية: "التقليدي ـ المعاصر" محاولة بذلك أن تؤبد الوضع الراهن المريح لأولئك الذين يعتبرون أنفسهم "العصريين الوحيدين" مقابل "الأغلبية غير العصرية".
ثانياً ـ خانت قيم العقل الأوربي بأن أعطت الضوء الأخضر للحسية الحيوانية المنفلتة من "القيود" كلها، والساعية إلى الثأر من العقل والأخلاق...
ثالثاً ـ خانت الليبرالية الحالية أهم مبدأ من مبادئ التنوير وهو الفضاء الاجتماعي الكبير الموحد، الحيادي تجاه الفروق الإثنية والمذهبية بين الناس...ص233
بل ذهب المؤلف أبعد من ذلك بتأكيده أنّ الليبراليين الجدد حضروا، ومن غير أن يدروا، نظام فصل عنصري عالمي... مع شنهم الحرب الإعلامية الشاملة ضد غالبية الكوكب المنبوذة.ص144 وترويجهم للشمولية الجديدة تحت شعارات ملفقة ومزيفة حول الديموقراطية ومحاربة الشمولية.
البحث عن البدائل
قبل البحث عن البدائل ينوه بانارين إلى المفهوم الأساسي في علم النفس الاجتماعي المعاصر، ألا وهو مفهوم المجموعة المرجعية... فسكان العاصمة يعدّون مرجعية لسكان الأطراف...ص180 ويصبح الغرب مجموعة مرجعية لمجتمعات الجنوب... ومع زيادة "الهوة" الاقتصادية الفعلية بين مركز العالم وأطرافه، تتولد عملية ممارسة المعيار الثقافي الواحد، خاصة عند أولئك الذين لا يقيسون أو يربطون مطامحهم بتجربتهم الواقعية ومحيطهم الواقعي. فتنشأ ظاهرة الاغتراب السوسيوثقافي الجماعي عن المهنة المزاولة وعن الفئة الاجتماعية المنتمي إليها، والتي يأخذ الانتماء إليها يعد بمثابة الفشل. وتظهر التأثيرات العولمية حين تأخذ النخب عينُها ترى مجموعتها المرجعية متمثلة في الغرب المتقدم. هنا تحديداً يحصل توافق موال للغرب بين النخب المفتونة والجماهير السائرة وراءها. تبايع النخب الغرب طوعاً، والجماهير مستعدة لتفهمها فيما يتعلق بهذا الأمر. وعلى هذا التوافق تبنى السياسة الكومبرادورية المعاصرة. حين يحدث الاستسلام في مجال الثقافة ـ أي الاغتراب عن تجارب الآباء وعن التقاليد الوطنية لصالح أخرى مستعارة، فإنّ الاستسلام السياسي يصير مسألة وقت لا أكثر. هذه هي الجذور السوسيوثقافية والآليات النفسية الاجتماعية للعولمة المعاصرة الموالية للغرب وأمريكا.ص182، وقد يوقظ ذلك حساً عرقياً جديداً يشكل خطراً على الأفق الإنساني العام... وخلافاً للإعلان المتباهي عن الانفتاح الديموقراطي والتعددية، وما شابه ذلك، يرى المؤلف أنّ المنظومة الغربية المنتجة والسوسيوثقافية مغلقة منذ وقت بعيد ومتعددة المنطق وغير قادرة على التصحيح الذاتي الملموس. ويضع مهمة أمام الغرب بأن يبحث عن منبع التطورات القياسية النوعية خارجه ـ أي في ثقافة اللاغرب المعارضة له.ص269 بالتالي يمكن أن تتلخص العولمة الإنسانية البديلة، من وجهة نظره، في التركيب الجديد لتجربة حضارتي الشرق والغرب من غير التخلي عن إرث التنوير الأوربي، لكن بعد تصحيحه...
والكاتب في المحصلة لا يدعو إلى مواجهة العولمة بحجة مصادرة قوى سياسية معروفة لها؛ فالمخرج لا يمكن أن يكون في مواجهة العولمة والجدل حول مبدئها، بل بتوسيع المشاركة في هذه العملية وتصحيح انحرافاتها في أثناء ذلك. أي ينبغي التعامل معها بإرادة الأغلبية المنظمة في أشكال ديموقراطية.ص357 مع التأكيد على أنّ رفض المستقبل سيؤدي حتماً إلى سيادة نمط السلفية والعودة إلى الوراء في ثقافتنا ـ أي إلى استيقاظ ألد الشياطين التي خيل أنّها قتلت منذ زمن. ويدعو إلى انبعاث فئة المثقفين باعتبارها الشرط الضروري للبديل الإنساني... مع التنويه إلى أنّ قلب فئة المثقفين الأصلية اليوم في الشرق وعقلها في الغرب. يمنحها الشرق الإيمان والقدرة على التضحية باسم العدالة المغتصبة. أما الغرب فيمنحها العقلانية بأحدث حللها...
إنّ التمعن في هذا العمل الهام يبين أهمية الأسئلة التي يطرحها وتداعياتها في ذهن المتلقي، كما يبين الجهد الملموس الذي بذله المترجم في ترجمة هذا الكتاب الهام. وإن لم يخل النص العربي من بعض الجمل، وهي قليلة، التي كان بالإمكان صياغتها بأسلوب أمتن وأسهل على المتلقي، فضلاً عن استخدام المترجم لمصطلحات تثير الجدل مثل: الطبيعاوي، والبيننصي، والديسبورة... علماً بأنّ ذلك يدل على جرأة يمتاز بها الأستاذ عياد في اقتراح معادلات لغوية جديدة، فضلاً عن أن ذلك لا يقلل من شأن النص، الذي قد يجد بعض النقاد الذين يذكروننا بالغربان التي تجتمع على مخلفات فريسة الأسد، ليتوقفوا عند هذه الكلمة، أو الهفوة، أو تلك مبينين وسع باعهم في المعرفة والترجمة، على حساب الجهد الكبير الذي يبذله المترجم لإخراج هكذا عمل نوعي يزيد حجمه عن 360 صفحة من القطع الكبير...
وفي الختام لا يسعنا إلاّ أن نتقدم بالشكر لاتحاد الكتاب العرب، وللأستاذ عياد عيد، على حسن اختياره وترجمته واغنائه المكتبة العربية بالأعمال الجادة والمفيدة والملحة...
طرطوس 8/6/2006 شاهر أحمد نصر
[email protected]




#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحية إلى ميشيل كيلو وفاتح جاموس ورفاقهم
- الحكومة العالمية والسلاح الصامت
- نضال الطبقة العاملة والفئات المنتجة ضمانة اساسية لتحقيق الدي ...
- صدور الطبعة العربية من الكتاب الإشكالي: اغتيال الحريري
- عبد المعين الموحي خسارة لا تعوض
- المعارضة في خطر
- دمعة على أمير شعراء الرثاء عبد المعين الملوحي
- أين يكمن الخطأ؟
- تحية إليكِ وإلى ناشدات الحرية جميعاً في عيد المرأة العالمي
- عبد المعين الملوحي زيتونة الشام
- لا تنسوا الدكتور عارف دليلة
- الماركسية والديموقراطية - نظرة تاريخية نقدية
- الحوار المتمدن يؤلف القلوب ويوحد الأحزاب
- كيلا تطغى الشعارات على الإصلاح في الوثيقة الوطنية
- إعلان دمشق نقلة نوعية متقدمة تحتاج إلى نظرة نقدية وممارسة مو ...
- جورة حوا الحموية تعادل مئات البيانات الثورية في تحرر المرأة ...
- ملاحظات حول مشروع أهداف جمعية مكافحة الفساد
- القمع والخوف يحصنان الفساد
- الديموقراطية وسيلة ضرورية للإصلاح السياسي في العالم العربي
- الإصلاح الاقتصادي السليم يتطلب إصلاحاً سياسياً ديموقراطياً


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - شاهر أحمد نصر - -الإغواء بالعولمة- كتاب يتضمن أفكاراً هامة تدعو إلى التمعن