أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان سبخاوي - قصة قصيرة: الرّدية















المزيد.....

قصة قصيرة: الرّدية


إيمان سبخاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6533 - 2020 / 4 / 9 - 03:15
المحور: الادب والفن
    


نُتــَف العجين التي تتناثر خارج القصعة، تشي بانفعال (الـــزهرة الحمرة)، نظرة ابنها الغاضب تخترق صدرها حتى تخرج من بين كتفيها، دثّرت العجين بمنديل مخطط بالأحمر و الأسود في اغتضاب. فرائسها المرتعدة عجـــزت عن فعل شيء غير تحريك مكنسة الدوم و ضرب البلاط. صفق الباب... انقبض قلبها وجلا، فزّت إلى زوجته.. يا (مرزاقة) أمسكي زوجك عني، راه قتلني... لم أعد قادرة على تحمّل نظرته التي تشق الصدر نصفين. ترد كنتها: زوجي؟ من يوم جاء الحسّاب، حرّمني على نفسه.. أنا هنا أعينك على حلب البقـــرة و أدرّ دموعا و قهرا على إيقاع الحليب المشخوب داخل السطل. تحوّل البيت الطيني إلى معتقل للبؤس، من يوم حكمت الأعراف على أمه بالزواج من عمه بعد وفاة والده، ردّوها عليه... كما يقال ليصونها و يربي أبناء أخيه الأيتام، عبدللي أكبرهم لم يتقبّل أن تخرج صورة والده من إطار موتى العائلة، على شكل عم يمتطي أمه و ينام في فراشها بحكم عرف جائر. من يومها كان الذّعــر هو ما تعنيه ملامحه... عذابات روحه فاضت على تقاسيم وجهه كلها، كان يفكر بالانتحار كلما سمع تأوهاتها، أمه تعي ذلك جيّدا لكنها لا تملك خيارا آخر. كان محترقا كعود ثقاب، فقط رأسه بقي مشتعلا... الموت هو الماء. الانتحار ممرّه القسري للخلاص من الصورة، كلمات العرّاف كانت تعويذة السّحر التي وضعت في عمامته ثم أخذت رأسه، إمام لظلمات عشّشت فيها و أفتاه بوجوب انتهاك مكمن الألم بالتخلّص من محرقة الرأس و المخالب المسنونة التي لا تملّ الخدوش، كلما حاول ترتيب الفوضى ؟ ظهرت صورة العم في فراش الوالد و طغت على المشهد. على صياح الديك، اعترضت والدته طريقه، بلا عباءة إلى القفار... متشبثة بثوبها بقوة، تعضّ عليه بكل أصابعها، هرع إلى داخل البيت بقلب منقبض بوجهه الذي ازداد حدة و نحولا. مرزاقة مرتك يا ابني و ذراعي، معاونتني فيكم.. قل لعمي يركبها، ميش انتي تقولي "فرّش الحاذق كساتو رقد فيها البهلول" و لم أر بهلولا أكثر منه. انفلت لسان أمه بالدعاء: ياربي تلّف رايو.. ياربي تلّف رايو.. لمع السكين في جيبه و بذرة العرّاف التي وضعها عن طريق الخطأ في العمامة. يابني عبدلّلي، ثلاث نساء على خط العمر سيرتبن موتك، و سماية مرزاقة راها "قصّة شر و طير منايا، تلحس قع أجنابها و تنقر راسك"... تعويذة كاملة أفتك من أي سلاح نووي هي الكلمة. أمّــه لا تعرف ما قاله العرّاف و لا مرزاقة... و لا سبب الطلاق، لكن ما سمعه كان كافيا ليعرف أنها سبب كل مصائبه و أن النساء قصص أو نصص... قصة شر... أو ناصية خير... و مرزاقة ما لها فيه و لا من اسمها نصيب. "الحسّاب زقّــاد" أخبره أن أمامه حقيبة سفر و بركة ماء، أكبر من واد الغدير. مشى طويلا و دعاء أمــه يرطن بغرابة في رأسه، يدور كحصّادة، يدور و لا يهدأ... كل تلك البراري تضيق، قوقعتي العزلة تتصالحان حول عنقه، أخرج السكين، استلقى أرضا وضعه على الوريد المتهدّج، صفير الرّاعي يثنيه، يعدل عن الفكرة، يغلق السكين... يتراجع ما ذنب هذا المسكين " يروح في جرتي "، سلك طريقا آخر للعودة، الطريق كلّه أنصال سكاكين... وصل البيت في ساعة متأخرة، ألفى خبزا و لبن.. قضمة واحدة و انسكب الطست، تشرّبته الأرض، تخيل نفسه امتدادا لهاو تمنى لو تسحبه و يختفي و ينتهي كل هذا الجنون من حوله، يده ترتجف على وقع الشبّاك ذو الطلاء المقشر، أمه نائمة في مدخل الدار. عمه فرضت عليه الأعراف بيت شقيقه و زوجته و أبنائه الخمسة... حياة مدبرة، مقيدة الحرية كعقوبة، لكنها متسعةة للذهاب و الإياب فوق جسد امرأة كانت تحت شقيقه يوما ما... ذنبه الوحيد أنه أعجب أحد كبار الموت، فزاره في المنام و أخذه معه. بعد ليلة محمومة على ذات الفراش و ذات الجسد البضّ، أثمن الموروثات.. علمه أبجديات التسلق بكرا، متحسسا محط أصابع شقيقه كلها و أقوى رائحة تركها، مودعا أجمل النتوءات التي كانت تدثر شقيقه في أشد أوقاته عزلة و تجردا، كأنه يودعه عبر جسدها. مستنفذا كل عسل الجرة... نافثا كلامه وقت الضحى مع سيجارته كأنه يدخنه، بعدما غسلت الزهرة الحمرة سراويل أبناءها الخمسة و سرواله سادسهم، على طرف الغدير و عمائمهم، نشرتهم على شجرة السدر. باغتها بسؤال مفخخ: أين سروالي من بينهم و أين عمامتي؟ انتفض الدم كله إلى وجهها، كعادتها كانت الحمرة تعبيرها الجلي عن كل الأحكام الجائرة التي طبقوها عليها، كانت دما على وجهها، يفور و يهدأ. ألجمها السؤال، فهمت مقصوده، أن المهمة انتهت و أن أولادها قد كبروا... كان عبدللي العمامة السادسة المعلقة على شجرة الفاجعة، ستبقى تلوح لأمه من بعيد لما بقي من عمر. أم طعنته مرة بالانصياع لرغبة كبار القوم و مرة بدعاء ظل يطارده كلعنة. ـــ بالقرب من مضاربهم حط مرحول يقتفي أثر العشب، كعادة البدو، لا خلاص من صوت المطر المنحدر من قرميد الأسقف و لا خلاص من سحر ضفائر طويلة لشعر أجعد كثيف، ينقصها مشط خشبي، مقطوع من سنديانة كانت مشروعا لجسر أو مقعد وحيد في غابة... لا منجاة من نبع سري يغذي شيئا جديدا، لم يخبره عبدللي... اعترضت طريقه في غنج طفولي ممزوج بأنوثة لم تنضج بعد كباكورة على رمانة.. كان متجها للتسوق، أمسكت بنطاله و هــزته. ــ جيب لي مشطة. ابتسم للمرة الأولى، كأن تلك الابتسامة تشقّ فمه لتتسرب الحياة كقشعريرة تسري فيه بالكامل.. انكشفت أسنان بيضاء لامعة، تحت شاربين كــثّين. شعر "سمرة"، طلبها الأنثوي الذي يختبئ خلف جسد طفلة. كان تعطيلا للألم.. تأجيله... حيلة مؤقتة لتأجيج الاشتعال الذي أكل ثلث رأسه. لم ينس بوعبدللي مشط ابنة عم والده عطية، فهم الشيخ لعبة الحب اللذيذة، دفعه للعمل في فرنسا مقابل تزويجها له، انحصرت فكرة الخلاص في الموت، عيناها الدعجاوين كانتا تمنحانه كل ما يعده به الدين، كانت أنهار خمر و لبن، لم يكن يبحث عن الجنة خارجهما. ثلاث سنوات كاملة، اشتغل أجيرا عند فرنسا و نفس السنوات كانت كافية لسقوط الحب من رمانة سمرة و لاضرام نار أخرى في جسد عبدللي، كان شغوفا لنار أرحم تحرق كل جروحه.. تزوجا بعد عودته، قبلتها الأولى أشبه بلقاح ضد الموت، أراد إفراغ صوته دفعة واحدة كقنينة خمر في جوفها، أن تثملي، أن تحبلي، يعني أنك خاصتي تنتمين إلي... لم ير ثمرتهما الأولى، تركها في الشهر الثامن، كان مضطرا للسفر مرة أخرى، لكن الحياة المومس كما يقول صديق طفولته لخضر؛ أوقعته ثلاث أشهر كاملة أسير مرض السل في مستشفى فرنسي، صديقه الهواري الوهراني كان الوحيد الذي يسأل عنه من حين لآخر كلما سمح له وقت الركض خلف لقمة العيش... راسلهم من أجل العودة و بشأن مرضه مرسلا مبلغا مبللا بعرقه و غربته للكل و لزوجته فردّ شقيقه لا تأتي إلا ومعك (لمحنّة) أوراق تثبت عملك هناك وتجعلك تتقاضى راتبا من فرنسا لما بقي لك من عمر... صرخ عبدللي صرخة مكسور، أمسك رأسه و انبرى يبكي، عاد قمل الإنتحار الذي بذره العرّاف من جديد، مثابرا.. يتوالد... لا يستكين. لم يكتف بالدم هذه المرة، طمع في الرأس كله. القملة الأولى أمه، بالزواج من عمه و الإنصياع لقرار العرش و "دعوة الشر" التي طاردته كلعنة، فقط لإبقائه على امرأة انقضت فترته معها، فقط كي تعينها و لم تفكر في سعادته. القملة الكبيرة التي لم يجد لها تفسيرا خارج حدود القدر، والده الذي تركه دون توضيح للأسباب، والده الذي تعلق به أكثر من الحياة نفسها، لماذا الموت لا يمنح الفرصة و لا يستشير... القملة التي أكلت الكل و معهم رأسه، إخوته... لا أحد يهتم لعبدال كما يسميه الفرنسيون، لا أحد اكترث لمرضه، كانوا يرونه صرّة نقود. ليلة كاملة يهذي، لن أدفن في مقابركم، سأنبذ في العراء، لن أدخل الجنة.. حيث لا نار هناك، أعدكم أن رأسي لن يكف عن الاشتعال بينكم، سأكون جذوة النار الوحيدة في الجنة لكن لا أحد سيأتيكم مني بقبس، سيطاردني الكل كسراب، جنازة واحد لتشييع الألم لا تكفي.. أنا النار الوحيدة التي ملّها الدخان، أنا التنور الذي أوقدته نبوءة العرّاف، أمي.. عمي.. إخوتي.. لم يكفه ماء الموت لينطفئ. تنبح فكرة الانتحار ككلب مستوحش ملدوغ... هيا اشربوا نخب الفاجعة هاهي سترتي و فيها كل أوراقي الثبوتية، معلقة على شجرة عارية.. (منام الأشجار العارية الذي سبب له الرّعب خرج للواقع الآن و لم يعد يخيفه). فيها المرتب الذي تريدون و كل حبات العرق التي قايضتها عمري، قسّم شقاءه و تعبه بالتساوي بينهم و ترك أكبر حصة لسمرة و ابنه دحمان الذي لم يره. دعوني أشرب نخب التخلّي، سأحلّق تحليقا لا متناهيا، لأول مرة، سأمارس سلطتي في الاختيار لمرة واحدة أخيرة، أنا هذه اللحظة أملك ذاتي، أرسم مصيرها دون تدخلهم في رسم الطريق. كوني لن أحظ بقبر لا تقولي مات منتحرا من أجل طفلنا، و إن خانتك الكلمات قولي له، محض موت. لن يدفن في جبّانة العرش من قتل نفسه، لا يهم... كنت منبوذا كالجيفة حيا، لا حياة لهم خارج سياج الأعراف، أنا الميت الوحيد الذي يسعى للحياة التي يجهلونها و أزرع الهلع في جينات المقبرة. سيبذلون قصار جهدهم في قتل العصفور الوحيد الذي شذّ عن الخمسة، ها أنا أخفف عنهم عناء الاحتكام إلى أعقلهم و أكبرهم سأضع عنهم أوزارهم و ألقيها في نهر السين. يصعد قارب الموج الأخير خلسة عن تيار التساؤلات، الذي سيمطره به الهواري، لن يشغله شاغل عن الضفة الأخرى و هو ينظر في دوّامات المجرى. لا مشط أبطل مفعول السحر، لا قلبة تضيء من حدقتيها، جريمة الصمت وحدها تستعر على رؤوس أصابعها، شعرها الذي اشتعل شيبا، أنكرته أسنان مشطها الخشبي، ثدييها يبكيان حليبا، كلما جاع طفلها الذي انتزعه عمه بالقوة. بالعبارة قال: موتي و قطعي شعرك و خدودك... لن نعطيك ابننا كي لا ينهره رجل آخر على حبة تمر أو قطعة سكر، رباه عمه؛ من ليلتها و هي لا تنطق إلا شعرا، أرادوا تكرار المصيبة التي أودت بوالده معها... إذا كنتي تريدين طفلك، تزوجي سلفك عبدالقادر... غاضبة و هادئة كلعنة، لم تجبهم، كل الرفض الذي يسري في عروقها خرج على شكل قيء، على شكل كره أبدي لعبدالقادر الذي أرادوا توريطه في مأساة مشابهة للتي أودت بشقيقه... بدلته الأنيقة لم تخفف قبح الأعراف. يقول الهواري : بعدما علق سترته أكل لقمة واحدة و أعطاني حصته من اللحم. لم يكن لديه ما يكفي من حبال ليلف بها عنقه، اختار النهر... فكر كمن لا يصدق في عينيها الصافيتين كالينابيع، لاحت في الأفق غيمة، مدّ نحوها سلّما من كلام، لا تسعه اللحظة، داهمني الموت، لا مجال للتفاصيل... عندما أصل قبري سالما، ستجيبك الأعشاب القدرية التي تنبت هناك، عن سر مجيئي الباكر، و ستقول لكبيرهم الذي علمهم السحر أنني أصبت بنبوءة عراف و فتوى مضادة للحياة و أخرى مضادة للموت.



#إيمان_سبخاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة: عاثر حظ
- قصة قصيرة: أرواح معلّبة
- قصة قصيرة: حورية خلاسية
- قصة قصيرة: ما في وسعك من جنون
- قصة قصيرة عنوانها: مكيرد
- قصة قصيرة: أزرار مفتوحة
- قصة قصيرة
- قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان سبخاوي - قصة قصيرة: الرّدية