أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغاني بوشوار - قصة أأحمد -باريزيان- من الذاكرة














المزيد.....

قصة أأحمد -باريزيان- من الذاكرة


عبد الغاني بوشوار

الحوار المتمدن-العدد: 6532 - 2020 / 4 / 8 - 21:10
المحور: الادب والفن
    


قصة أحمد "باريزيان"من الذاكرة
كنت أسكن في مدينة تزنيت بسوس في الجنوب الغربي من المغرب الأقصى عندما كنت صغيرا أتابع دراستي الابتدائية. وكان بيت خالاتي (أخوات جدتي) الذي كنت مقيما فيه يوجد ب لقسبت نتافوكت"(زنقة الشمس) بحي أيت محمد وكان البيت قريبا من مسكن رجل متقدم في السن غريب الأطوار معروفا في المدينة ب بريزيان .
اسمه الحقيقي هو أحمد، كان نحيفا ومعروف عنه أنه يعاقر الخمرة يوميا، ولا أحدا يعرف عنه كثيرا عدا أنه عاش في فرنسا لمدة قبل أن تقوده الأقدار إلى لقسبت نتافوكت (زنقة الشمس). كان مؤدبا، نضيف البزة منحني الضهر بشوشا يتمتم مع نفسه ولا يخرج من مسكنه إلا وهو معلق قفة على ذراعه الأيسر. لم أره قط ينهر أطفال الحي والمدينة بالرغم من أن البعض منهم يتهكم عليه.
كانت مدينة تزنيت مميزة في تاريخها بوجود شخصيات غريبة تثيرهم اعتداءات الأطفال فيردون بالعنف ورمي بالأحجار والسب، لكن الساكنة تتسامح معهم وينهون الأطفال عن إدائهم. أتذكر وأنا طفل لم أتجاوز الخامسة من عمري، شابا كثيف الشعر وكانت ملابسه رثة يجوب أزقة المدينة وفي يده مزمار مثل مزمار الرعاة يخرج منه أصواتا عجيبة يتلذذ ويطرب بها كل من يسمعه. كانت النساء في حينا يتمتعن بسماعه ويطلبن منه المزيد عند اجتماعهن أمام منزل إحداهن للدردشة والترفيه عن أنفسهن ويا لها من فرحتهن إذا صادف أن مر "فريكس "بقربهن لسماع طربه الذي لا يبخل به عليهن بعد توسلهن إليه. ما زال صدى صوت مزمار "فريكيس" يدندن في آذاني، وبالمقارنة مع ما سمعته وأسمعه في هذا العمر، فإنه لا يمكن لي أن أصف هذا الشاب إلا بالعبقري وفنان ساحر يبهر كل من سمع مزموره، على أن "فريكس" يخاف منه الأطفال الذين يرمونه بالحجارة ويعتبرونه مجنونا فيطاردهم ويهربون منه خوفا من أيصدر منه ما لا تحمد عقباه لأنه في نظرهم أحمق. لكن موهبته وترانيم مزماره لا يضاهيها أحد واختفى من المدينة فجأة ففقدت بذلك هذا الشاب الذي لا نعرف عنه غير صوت مزماره العذب الساحر ولم أتذكر أنه يسعى ولا علم لي كيف يدبر معيشته.
وبالرجوع إلى قصة "باريزيان" فقد تقدم أنه كان يسكر يوميا ويقتني مشروبه المفضل "الروج" (نبيذ أحمر) من الدكان الوحيد الذي يملكه أحد التجار من الطائفة اليهودية عندما يستطيع شراءه، إذا حصل على الدراهم من مصدر غير معلوم ربما من تقاعده أو من تمويل معارفه في فرنسا. لا أحد يعلم حقيقة موارده، فهو كتوم وقليل الكلام، يعيش في عالم خاص به، من الصعوبة بمكان تخيله.
في يوم من الأيام، أواخر الخمسينات من القرن الماضي، بعد رجوع محمد الخامس من المنفى وحصول المغرب على الاستقلال وجلاء قوات المستعمر الفرنسي ألقي القبض على أحمد بارزيان بتهمة السكر، وكانت الشرطة في ذلك الوقت صارمة وشديدة على كل من تشم فيه رائحة الخمر، أثار بلبلة في الشارع أو لم يثرها علما أنه لا توجد حانة في المدينة آنذاك ولا مكان عام لتناول الشراب، فكانت عادة المدمنين اقتناء ما يحتاجون إليه من المشروبات الكحولة من أخينا اليهودي الذي تزوده شاحنة تأتي من مدينة أغادير مرة في الأسبوع، وبالطبع فإن بيع الخمور ممنوع عن المسلمين، لكن السلطات تغض الطرف والتاجر مرخص له البيع للأجانب من غير المسلمين فقط. شاءت الأقدار أن ألقي القبض على "باريزيان" وقدم للمحكمة أمام القاضي.
لما مثل أحمد أمام القاضي، واعترف بجرمه حكم عليه بعقوبة السجن لمدة، لكن أحمد شعر بالظلم واحتج على الحكم ثم قال للقاضي: "سيدي القاضي، سبحان الله، لم تروا غير قنينة أحمد والشاحنة القادمة من مدينة أغادير أسبوعيا لا تحمل غير القنينة التي يتناولها أحمد، فيها خير يا سيدي".
بعد خروج صاحبنا من السجن، استمر على حاله ونمط حياته وانقطعت عني أخباره بسبب هجرتي إلى مدينه أغادير لمتابعة دراستي الثانوية.
إن قضية بيع وشراء وتناول المشروبات الكحولية في المغرب في غاية التعقيد لأن القانون يحرمها ويحكي الناس قصصا بخصوص تعامل السلطات مع هذه الظاهرة لا تخلو من التعجب والذكاء سواء من البائع أومن السكران.
فقد حدث أن انتقل تاجرنا اليهودي من مدينة تزنيت إلى مدينة أغادير التي فتح فيها دكانه، وذات يوم ألقي القبض على سكير أثار البلبلة في الشارع وسألوه عن مصدر مشروبه فدلهم على التاجر اليهودي الذي قدموه إلى المحكمة بتهمة بيع الخمور للمسلمين، فكا جوابه للقاضي: «سيدي القاضي، ، اليس الخمر حراما على المسلمين، حسب الشريعة الإسلامية؟" أجابه القاضي: "بلى". فقال التاجر: "أنا لا أبيع الخمر إلا لغير المسلمين، فكل من يدخل عندي لشراء الخمر أعتبر من غير المسلمين لأنني واثق أن المسلم حرام عليه تناولها وعلى هذا الأساس فإنني ملتزم بالقانون وحريص على التقيد به ولا تسمح لي نفسي بتزويد أي مسلم بالخمر الذي تحرمه علية شريعته"، فضحك القاضي وأطلق سراحه.
وحدث مرة أن ألقي القبض على سكير كان قد تناول "الروج" في حانة من الحانات ولما مثل أمام القاضي تنبه وتذكر، عندما كان القاضي يتناول مشروبه المفضل "الويسكي" بجانبه في نفس الحانة، فلما أصدر القاضي حكمه بالسجن عليه، تبسم المحكوم عليه وقال: "إيه يا دنيا الويسكي يحكم على الروج"، فقهقه الحاضرون، ورفعت الجلسة. ها ها. قصص قد تملأ مجلدات لمن يستطيع كتابتها.



#عبد_الغاني_بوشوار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض التوضيحات حول القرآن وبعض توظيفاته
- ضرورة إنشاء نظام عالمي جديد: التغيير المنتظر
- زيارة أخرى إلى حرف -تيفيناغ- الأمازيغية


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغاني بوشوار - قصة أأحمد -باريزيان- من الذاكرة