أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - الفنجري أحمد محمد محمد - الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس كورونا -كوفيد19 - أنموذجًا- دراسة ميدانية بإحدى مدن محافظة سوهاج















المزيد.....


الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس كورونا -كوفيد19 - أنموذجًا- دراسة ميدانية بإحدى مدن محافظة سوهاج


الفنجري أحمد محمد محمد

الحوار المتمدن-العدد: 6532 - 2020 / 4 / 8 - 04:26
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


يحتفظ الكثير من المصريين بكثير من العادات، والتقاليد، والقيم الاجتماعية المتوارثة خلال الأجيال، لتصبح ممارسات ضرورية تؤثر في أسلوب حياتهم، ويرجعون لها في مختلف المواقف الاجتماعية, حتى وإن تم ذلك أحيانًا دون وعي، أو تفكير في مدى أهمية هذه الممارسات في الحياة اليومية، بل أنهم يكررون الممارسات نفسها في مختلف المواقف الحياتية المتشابهة، على أساس أن هذه الأساليب مجربة من قبل في مواقف مماثلة، دون التفكير في مدى منطقية هذه الأشياء من عدمه.
وعلى الرغم من تغير الظروف، والأحداث في المجتمع المصري بصفة عامة، فإن الرواسب الثقافية في هذه المجتمعات تلقى من يساندها في إعادة إنتاج نفسها مرة أخرى، وربما يكون هذا سببًا في بقائها وممارسة الناس لها في حياتهم اليومية، وقد لا يكون هذا التفسير هو التفسير الوحيد لوجود مثل هذه الرواسب، وتمسك الناس بها، وقد لا يكون لهذه الرواسب أية وظائف تُذكر في المجتمع في بعض الأحيان، فالدور الوظيفي لهذه الرواسب غير واضح، وغير محدد بصورة دقيقة، لكن ما زال هناك أفراد يؤمنون بقوتها وقدرتها على تكيفهم مع الواقع الذي يعيشونه.
"وقد لا تكُتسب الرواسب الثقافية من خلال الخبرة المباشرة مع أعضاء الجماعة، ولكن يتم توارثها من الأجيال السابقة، وهذا ما أطلق عليه " ليبمان lippman " في كتابه الرأي العام مصطلح "القوالب الجامدة " للدلالة على تلك الصور التي في أذهاننا (الرواسب الثقافية) والتي تزودنا بمعايير جاهزة للحكم على الأشياء وتفسير الأحداث". ( )
ومن ثمّ يمكننا القول إن " ليبمان "يرى أن الرواسب الثقافة يتم توريثها من جيل الى جيل, أي أنها موروثة وليست مكتسبة, وإن تم اكتسابها عن طريق التنشئة الاجتماعية تكون على هيئة قوالب جامدة كما أطلق عليها، وهو بالتالي ينكر دور المجتمع الحديث في إكساب الشخص للرواسب الثقافية في الحاضر، ويقصر الأمر على فكرة توريث هذه الرواسب على هيئة قوالب جامدة، وقد لا نتفق كثيرًا مع رأي " ليبمان " في هذا الأمر، فقد يكتسب أفراد المجتمع الرواسب الثقافية أحيانًا من خلال التفاعل الاجتماعي، والخبرة المباشرة مع أعضاء الجماعة التي ينتمون إليها، على عكس ما ذهب إليه " ليبمان "، بل يمكن القول إن الرواسب الثقافية من الممكن أن تظهر في صور مختلفة، وليست صورة واحدة نمطية، وبالتالي هي ليست قوالب جامده مثلما وصفها " ليبمان".
ونحن نرى أنه على الرغم من أن الرواسب الثقافية قد تؤدى وظائف لها أهميتها لدى الأفراد الذين يمارسونها، ويعتقدون فيها, وأنها قد تؤدي دورًا إيجابيًا في المجتمع, فهي تخلق طرق للتعايش مع الأوضاع القائمة في المجتمع, وتُهوّن كثيرًا من المشكلات على هؤلاء الذي يعتقدون فيها، وتشبع لديهم احتياجات نفسية ومادية، فإنها قد تؤدي دورًا سلبيًا في حياة الأفراد، حيث تعمل أحيانًا على بث روح اللامبالاة والسلبية والأنانية، وسيطرة المصالح الشخصية على المصلحة العامة وخاصة في أوقات الأزمات والكوارث ... وما إلى ذلك.
ويتفق ذلك مع ما ذهب إليه "هاني الجزار "بأن القوالب النمطية (الرواسب الثقافية في دراستنا) قد تؤثر في عمليات تنظيم وتفسير واستدعاء المعلومات بشأن الجماعات الأخرى بما لا يخدم التواصل الإيجابي بين الجماعات، وتمارس تأثيرًا قويًا على تفكيرنا فيما يتعلق بالآخرين.( )، ومن ثم يجعل بعض الأفراد لا يمتثلون إلى قرارات الحكومة التي تهدف إلى السيطرة على الأمور لعدم انتشار المرض ولكي لا نصل الى كارثة مجتمعية ، فهؤلاء الأفراد يتعاملون مع هذه القرارات بسلبية ولامبالاة لأن الرواسب الثقافية المترسبة في أذهانهم وفي أسلوب تفكيرهم تجعلهم لا يثقون في الحكومات المتعاقبة سواء في وقت الشدة أو وقت الرخاء
موضوع الدراسة وأهميتها:
تعد الرواسب الثقافية سلاح ذو حدين في أساليب الحياة اليومية ، حيث تؤدي إلى استدعاء رواسب قديمة، لتحدد نوع الممارسات الحديثة، من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، وعلى أساس الرواسب القديمة التي يتم استدعاؤها تتحدد طبيعة الممارسات بين الأفراد والجماعات في المواقف والمناسبات المختلفة لتصبح علاقة إيجابية أحيانًا، أو علاقة سلبية أحيانًا أخرى
ويعد موضوع الرواسب الثقافية المرتبطة بأساليب التعامل مع الأمراض من الموضوعات المهمة جدًا والجديرة بالدراسة ، ونظرا لما يمر به العالم في الآونة الأخيرة وتعرضه لما يسمى بفيروس كرونا، واعلان العديد من الدول العظمى في العالم عدم قدرتها على السيطرة على الأمور، من هنا جاءت أهمية الدراسة الحالية من كونها تحاول إلقاء الضوء على ظاهرة تشغل المجتمع العالمي بأكمله ويمكن صياغة مشكلة الدراسة في تساؤل رئيس مؤداه:- ما علاقة الرواسب الثقافية بأساليب التعامل مع الأمراض؟ ويمكن إيجاز أهمية الدراسة في محورين على النحو الآتي :
المحور الأول : الأهمية النظرية للدراسة : تأتي الأهمية النظرية للدراسة من محاولة الباحث القاء الضوء على طبيعة العلاقة بين الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع الأمراض، بهدف فهمها، وتفسير وتحليل هذه العلاقة، مما قد يضيف لعلم الاجتماع معرفة جديدة في مجال علم الاجتماع الطبي.
المحور الثاني: الأهمية التطبيقية للدراسة: قد ترجع الأهمية التطبيقية للدراسة الحالية إلى محاولة الاستعانة بنتائجها في محاولة فهم الرواسب الثقافية المتعلقة بأساليب التعامل مع الأمراض، ووضعها أمام متخذي القرار كمحاولة لتدعيم الرواسب الثقافية المفيدة والنافعة، ومقاومة الرواسب الضارة بالمجتمع.
أهداف الدراسة :-
1- معرفة العلاقة بين الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع الأمراض
2- التعرف على أهم الرواسب الثقافية التي تؤثر في أساليب التعامل مع الأمراض
3- التعرف على الاثار المترتبة على استخدام أساليب تتعلق بالرواسب الثقافية في التعامل مع الأمراض
تساؤلات الدراسة:-
1- معرفة العلاقة بين الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع الأمراض
2- التعرف على أهم الرواسب الثقافية التي تؤثر في أساليب التعامل مع الأمراض
3- التعرف على الاثار المترتبة على استخدام أساليب تتعلق بالرواسب الثقافية في التعامل مع الأمراض
أهم مفاهيم الدراسة :
1- مفهوم الرواسب الثقافية:-
يستخدم مصطلح الرواسب بمعان ثلاثة ، المعنى الأول وهو الاستخدام الشائع ويشير إلى استمرار الحياة ، والثاني الاستخدام البيولوجي بمعنى بقاء الأنواع المرتبط بفكرة الانتخاب الطبيعي ، والبقاء للأصلح ، والثالث الاستخدام الانثروبولوجى ويقصد به استمرار بعض العادات أو التقاليد كمخلفات أو رواسب ثقافية من الماضي .
ويعرف هوبل(Hobble) الرواسب الثقافية بأنها عناصر ثقافية تترسب من مواقف ثقافية قديمة كانت أكثر تكيفاً معها، وذلك بعد زوال الظروف الاجتماعية التي نشأت في ظلها.
ويرى تايلور أن المخلفات أو الرواسب الثقافية هي العمليات الذهنية ، والأفكار، والعادات ، وأنماط السلوك ، والآراء ، والمعتقدات القديمة التي كانت سائدة في المجتمع في وقت من الأوقات ، والتي لا يزال المجتمع يحافظ عليها ويتمسك بها بعد أن انتقل من حالته القديمة إلى حالة جديدة تختلف فيها الظروف كل الاختلاف عما كانت عليه في الحالة الأولى التي أدت في الأصل إلى ظهور تلك الأفكار، والعادات ، والمعتقدات.
ويري "كامل عبد المالك 2008" أن الرواسب الثقافية هي العمليات التي تشمل الأفكار، والعادات، وأنماط السلوك، والآراء ، والمعتقدات ، والاتجاهات التي لا يزال يحافظ عليها الأفراد، ويتمسكون بها في الوقت الحاضر بشكل تلقائي وبلا شعور بالرغم من اختلاف الظروف التي نشأت في ظلها عما هو موجود حالياً .( )
ويعرف "خالد السروجي" الرواسب الثقافية بأنها السمات الثقافية التي تلكأت في سيرها ، وتخلفت عن ركب التطور ، أو على الأقل لم تتطور بنفس السرعة التي تطورت بها هذه السمات ، والنظم في مجتمعات أخرى ، وتتمثل في بعض العادات التي يمارسها الناس دون أن يعرفوا معناها الأصلي أو سبب وجودها ، وكذلك تتمثل في الرواسب ، والبقايا في النظم الاجتماعية ، والأنساق الثقافية السائدة في المجتمعات البدائية . ( )
2- مفهوم المرض :
المرض أو الداء أو العلة هو حالة غير طبيعية تصيب الجسد البشري أو العقل البشري محدثة انزعاجاً، أو ضعفاً في الوظائف، أو إرهاقاً للشخص المصاب مع إزعاج. يستخدم هذا المصطلح أحيانا للدلالة على أي أذى جسدي، إعاقة، متلازمة، أعراض غير مريحة، سلوك منحرف، تغيرات لا نمطية في البنية والوظيفة، وفي سياقات أخرى قد يستلزم الأمر التمييز بين هذه الأمور كلها.
والمرض (يُشار إليه أحيانًا بـ اعتلال الصحة أو السقم) هو كون الفرد في حالة صحية ضعيفة. ويُعتبر المرض أحيانًا كلمة مرادفة لمصطلح داء، لكن يؤكد البعض الآخر أن هناك فروقًا دقيقة بين المعنيين. ويناقش هذا المقال تعريف المرض باعتباره التصوّر الذاتي للمريض لمرضٍ محدد بشكلٍ موضوعي. وفقًا لتعريف منظمة الصحة العالمية، تشمل الحالة الصحية الجيدة " حالة اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية، وليس مجرد الخلو من المرض أو الوهن". في حال عدم تحقق تلك الشروط، يمكن اعتبار المرء يعاني من مرض ما أو به سقم. وتُستخدم الأدوية وعلم الصيدلة في علاج أعراض المرض أو الحالات الطبية، أو التخفيف منها. ويُستخدم مصطلح الإعاقة المرتبطة بالنمو لوصف الإعاقات الحادة التي تستمر مدى الحياة والتي تُعزى إلى الاعتلال العقلي و/أو الجسدي( )
التوجه النظري للدراسة : يرى الباحث أنه لا يوجد اتجاه بعينه يستطيع أن يفسر العلاقة بين الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع الأمراض، حيث أن الرواسب الثقافية تؤدي مجموعة من الوظائف لتكامل النسق وحفظ النظام داخل هذا النسق، فهي تؤدي وظائف ظاهرة تتمثل في اشباع متطلبات الأفراد من خلال ممارسات الحياة اليومية، وتؤدي وظيفة كامنة تتمثل في حفظ تناسق وتكامل النسق الكلي للمجتمع،(بنائية وظيفية) وتتسبب في إحداث توترات وصراع داخل البناء الاجتماعي وتعمل احيانًا على إحداث نوع من اللامبالاة في أساليب التعامل مع الأمراض (نظرية الصراع ) ويفسرها البعض في ضوء الموروثات، والبعض الاخر يفسرها وفقًا لما تعنيه هذه الأفعال للفاعلين،(التفاعلية الرمزية) ومن ثم يرى الباحث أن الاتجاه التكاملي هو الاتجاه الأنسب لتفسير الرواسب الثقافية.
ثانيًا : المدخل المنهجي للدراسة :
أسلوب الدراسة:- اعتمدت دراستنا الحالية على الأسلوب الوصفي بهدف وصف وتحليل الظاهرة موضوع الدراسة، من خلال معرفة العلاقة بين الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع الأمراض المختلفة، والكشف عن أهم الرواسب الثقافية المرتبطة بأساليب التعامل مع الأمراض في احدى مدن محافظة سوهاج.
أدوات جمع البيانات:- اعتمدت الدراسة الراهنة على دليل المقابلة المتعمقة بوصفه أداة رئيسة لجمع البيانات، بالإضافة إلى الملاحظة بالمعايشة، ومقابلة الإخباريين.
مجالات الدراسة :
المجال البشري: يتمثل المجال البشري للدراسة الحالية في سكان مدينة ساقلته محافظة سوهاج.
المجال الجغرافي: تم اختيار مدينة ساقلته، محافظة سوهاج لتطبيق الدراسة الميدانية، وذلك للأسباب التالية :
1- انها مجتمع يحمل خصائص ريفية حضرية ، فهي تصنف مدينة ولكنها أقرب إلى الريف المتحضر
2- محل اقامة الباحث مما سهل على الباحث الملاحظة و اجراء المقابلات في ظل الظروف التي تعيشها البلاد
ج - المجال الزمني: أجريت الدراسة الميدانية خلال شهر مارس 2020
عينة الدراسة وكيفية اختيارها:
اعتمدت الدراسة الراهنة على عينة قوامها 50 حالة تم اختيارها بطريقة غرضية، لاعتقاد الباحث أن هذه العينات تفي بالغرض مع مراعاة متغير النوع والسن والتعليم والحالة الاجتماعية، وتمت المقابلات أونلاين نظرا للظروف التي تمر بها البلاد وهذا هو السبب في قلة عدد المقابلات
نتائج الدراسة الميدانية :
تؤكد دراستنا أن الرواسب الثقافية تؤدي دورًا مهمًا في أساليب التعامل مع المرض، وهي سلاح ذو حدين فعلى الرغم من أن هناك رواسب ثقافية عديدة في مجتمع الدراسة تدعو إلى الالتزام بتعليمات الحكومة وارشادات الأطباء، إلا أن هناك رواسب أخرى تسبب اللامبالاة والتواكل في أساليب التعامل مع الأمراض سواء بطريق مباشر أو طريق غير مباشر، ويمكن ايضاح نتائج الدراسة وفقًا لما يلي :
1- اتضح من نتائج الدراسة الميدانية أن هناك العديد من الرواسب الثقافية التي تدعو إلى توخي الحذر واتباع التعليمات الحكومية في أساليب التعامل مع الأمراض ، وهناك أيضا رواسب ثقافية تدعو الى عدم الالتزام وتدعو الى السلبية واللامبالاة وتبني نظرية المؤامرة ومن أهم الرواسب الثقافية التى ارتبطت بأساليب التعامل مع المرض ما يلي:
أ‌- راسب الخوف من تفشي المرض:
على الرغم من انعدام ظهور حالات ايجابية في مجتمع الدراسة إلا أن الكثير من أفراد المجتمع ينتابهم شعور بالخوف من انتشار المرض، وتلعب الرواسب الثقافية دور في هذا الخوف والقلق مما يدعوهم الى الحذر واتباع اجراءات الأمان والسلامة التي وضعتها الحكومة وهي البقاء في المنازل وعدم النزول منها إلا في حالات الضرورة القصوة، وذلك ناتج عن الوساوس التي تصيب البعض نتيجة الخوف من انتشار المرض، ومن الرواسب الثقافية التي تشجع على ذلك كما ظهر في أقوال المبحوثين ( من طلع من داره اتقل مقداره ) بعد اصدار مجلس الوزراء قرار حظر التجوال والمناداة بالبقاء في المنازل بدأ الناس استرجاع هذا المثل الشعبي المترسب لديهم وقد تم تحوير هذا المثل القديم إلى مثل حديث ليتناسب مع الحدث الحالي بقول أحد المبحوثين: " زمان كنا نقول من خرج من داره اتقل مقداره دلوقتي بنقول من خرج من داره المرض زاره) وهو يوضح هنا ضرورة البقاء في المنزل وعد النزول للشارع وعدم الاختلاط بالأخرين ، ويقول اخر ( اللى يخاف يسلم ) وهنا يظهر هذا الراسب بوضوح في اسلوب التعامل مع المرض المنتشر حاليا وهو ما يعرف بكرونا المستجد وأنه من الطبيعي والضروري الخف من هذا المرض وأن هذا الخوف هو ما يؤدي إلى السلامة من هذا المرض ، ويقول ثالث( الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح )، وهذا الراسب يوضح أنه حتى وان كان هناك احتمال بالاصابة وليست تأكيد الاصابة فيجي على الانسان توخي الحذر وعدم المخاطرة ( الخوف نص المرجلة)، يقال هذا المثل للرد على بعض الأشخاص الذين يدعون أن الخوف يتعارض مع سمات الرجولة(ربنا بيقول لازم ناخد بالأسباب ) والأخذ بالأسباب يؤكد فكرة الخوف المترسب في أذهان الناس من الوباء أو الامراض التي تنتشر بين الناس وخاصة الأمراض المعدية ومن ثم يجب استشارة الأطباء المتخصصين والالتزام باجراءات الأمان والسلامة التي تضعها وزارة الصحة والوزارات المختصة
ب‌- راسب طاعة الحاكم والخوف من العقاب :
يقول أحد المبحوثين " يا باشا ربنا بيقول اطيعوا الله والرسول وأولى أمر منكم ، يعني هنا طاعة ولي الأمر واجبة ، والحكومة مبتعملش حاجة وحشة " ويأتي هذا الراسب من مبدأ ديني في قوله تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ومن الواضح أن هذا الراسب من الرواسب المتأصلة في الكثير من أفراد الشعب المصري وفي صعيد مصر بالتحديد وبالتالي فهم يطيعون القرارات الصادرة عن الجهاز الحكومي بحجة أن هذا أمر واجب ولابد من اطاعة ولي الأمر في ذلك .
واطاعة أولى الأمر هنا لم تكن كما يدعي البعض من الواجب وانما ارتبطت هنا بالخوف من العقاب في حال مخالفة الأوامر الصادرة من الجهات المختصة مثل حظر فتح المقاهي ، واغلاق كافة المحلات التجارية من الساعة الخامسة مساء وحتى السادسة صباحًا ما عدا الصيدليات والمخابز ومحلات البقالة ، وحظر تجول المواطنين بأي وسيلة من الساعة السابعة مساءًا وحتى الساعة السادسة صباحًا
يقول أحد المبحوثين :" الناس بتلتزم علشان خايفه من الظابط (ضابط الشرطة) عندنا رئيس مباحث بيعدي بنفسه يشوف المحلات قفلت ولا لا ، واللي يلاقيه فاتح يبقى ليلته سودا"
2- الرواسب الثقافية التي تعمل على انتشار اللامبالاة والسلبية في التعامل مع الأمراض:
هناك العديد من الرواسب الثقافية المنتشرة في مجتمع الدراسة والتي تعمل على استخدام اللامبالاة والسلبية في التعامل مع المرض المنتشر الذي يعده العديد من الأفراد وباء قد يقضي على مجتمعات بأكملها، وهذه الرواسب الثقافية تجعل من يعتقدون فيها يستخدمون أساليب غير منطقية للتعامل مع المرض من حيث عدم التزامهم بالتعليمات الصادرة من الحكومة والأطباء من حيث استخدام وسائل التعقيم والبقاء بالمنازل وعدم السلام باليد أو التقبيل وما الى ذلك من اجراءات الوقاية والحماية ، فنجدهم يأخذون بعضهم بالأحضان والقبلات والسلام بالأيدي والتواجد في تجمعات والذهاب من مكان لآخر حتى لو اضطروا إلى النزول في ساعات الحظر المفروضة من قبل الحكومة ومن هذه الرواسب التي يعتقدون بها ( ما حدش بيموت ناقص عمر ) ( اللي ميت ميت ) ، ( اللي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين ) ( ابن يوم عمره ما هيعيش اتنين ) ،( الصعايدة عندهم معده تفرم الظلط) ، ( احنا ناس غلابة ومش هيحصلنا حاجة ) ،( اللى معاه ربنا مش هيحصله حاجة ) ( يا عم سلمها لله ) ( احنا بلادنا مفيهاش حاجة البلاوي كلها في البلاد اللي بتاكل الخفافيش والكلاب وبتشرب خمرا ، لكن احنا الحمد لله ما فيش حاجة )
3- الرواسب الثقافية المرتبطة بالدين
وينقسم أصحاب هذا الاتجاه الى قسمين القسم الأول يرى أن هذا المرض يصيب الكفار والمشركين والعاصين ويظهر ذلك في قول البعض ( من أعمالهم سلط عليهم ) ،( ده غضب من ربنا ) ، (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )، ( المرض ده جند من جنود ربنا بيسلطه على الكفرة والمشركين والمذنبين علشان يتوبوا الى الله ) ( لما الناس بتنسى ربنا ، ربنا بيعتلهم وباء علشان يعرفوا ان ربنا قادر على كل شيئ)
والقسم الاخر يرى ان المرض يصيب المؤمن قبل الكافر ( المؤمن منصاب ) ( ربنا لما بيحب عبد بيبقى عايز يطهره من الذنوب فيبتليه بالمرض ) ( اللي بيموت من الوباء بيموت شهيد )
4- رواسب ثقافية مرتبطة بنظرية المؤامرة :
يرى أصحاب هذه الاتجاه أن مرض الكرونا ما هو إلا كذبة ابتدعتها الدول العظمى للسيطرة على عقول الدول الفقيرة والنامية أو هو صنيعة أمريكية للسيطرة على العالم فهم من يخترعون المرض ثم يكتشفون له علاج فيتاجرون به ويربحون المليارات من الدولارات ويظهر ذلك في قول بعض المبحوثين
( كرونا ده سلاح من الأسلحة المحرمة دوليًا صنعته أمريكا علشان تحارب بيه الصين )
( انت فاكر ان كرونا ده وباء ، لا كرونا ده فيرس زي فيروس الكمبيوتر بيصنعوه وبعدين يعملوله انتي فيروس علشان الناس تشتريه ، دي سياسة مش أكتر)
الموضوع أكبر من الكرونا، الموضوع موضوع سياسة بين دول كبيرة واحنا اتاخدنا في الرجلين )
ويتفق رأي هؤلاء المبحوثين مع ما ذهب اليه "باريتو" في نظريته عن (الرواسب والمشتقات)، حيث ربط باريتو بين الرواسب والمشتقات والصراع ، فالصراع بين الدول الكبرى والدول الصغرى وبين الإمبريالية والدول النامية أو المتخلفة، عند باريتو هو صراع يرجع إلى الرواسب التي تحملها تلك الدول الكبرى.. وهذه الرواسب تنعكس في الهيمنة والسيطرة على الموارد الاقتصادية واحتلال أراضي الغير وقهر الشعوب ونهب خيراتها ومقدراتها.
وهذه الرواسب تكمن في غرائز الموت والدمار وشن الحروب وحب التملك والسيطرة على الآخرين، ولكن هذه الدول الكبرى لا تستطيع تحقيق هذه الرواسب إلا عن طريق المشتقات، أي استخدام شعارات مزيفة وبراقة، كالرغبة في السلام والتنمية أو التطور أو إزالة أماكن التوتر في العالم أو نظام العولمة أو حقوق الإنسان وهي الشعارات التي تستخدمها الدول الكبرى كأقنعة مزيفة تخدع بها الشعوب الضعيفة أو المغلوب على أمرها مما يؤدي ذلك إلى حدوث الصراع(.(

ثالثًا: صور أساليب التعامل مع الأمراض في مجتمع الدراسة :–

1- الصورة الأولى : اللامبالاة واعتبار الأمر بسيط ولا توجد مشكلة حقيقية
2- الصورة الثانية : الخوف الشديد وأخذ كافة الاحتياطات
3- الصورة الثالثة : الشك في الموضوع باعتباره مؤامرة من بعض الدول مثل الصين وأمريكا واسرائيل
أهم التوصيات :
1- ضرورة اهتمام الجهات المعنية بالثقافة والاعلام بنشر الرواسب الثقافية الايجابية والتى تدعو الى تدعم موقف الدولة من المرض
2- الاهتمام بالنشء وتربيتهم على القيم الايجابية من أجل الحفاظ على الهوية واحترام الوطن والدولة
3- توعية أفراد المجتمع بخطورة بعض أساليب التعامل مع الأمراض والأوبئة على الفرد والمجتمع
4- تربية الشباب على المواطنة والانتماء والتضحية
5- بث القيم الايجابية مثل قيم التطوع ، والتكافل الاجتماعي ..... الخ
المراجع
1- هاني الجزار: في أسباب التعصب ـ مكتبة الأسرة ـ سلسلة العلوم الاجتماعية ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرةـ 2009– ص45
2- Giddens A: sociology – 4Ed –Cambridge – Polity Press – 2002 – P 247.
3- كامل عبد المالك: ثقافة التنمية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – سلسلة العلوم الاجتماعية- مكتبة الأسرة – القاهرة- 2008 – ص ص 17 ، 18.
4- خالد السروجي– السحر والدين دراسة في العلاقة بينهما (3)– نظرية السحر والدين عند "جيميس فريزر" - الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب – 4/12/2006 تم الدخول إلى الموقع في 21/ 11/ 2017 الساعة 10.45 دقيقة مساءًا http://www.wata.cc 04/12/2006, 02:05 AM
5- عوض كشميم – نظرية الصراع عند باريتو – صحيفة أخبار اليوم- الأربعاء 20 مارس - آذار 2019 08:03:41 ص https://akhbaralyom-ye.net/articles.php?id=82218



#الفنجري_أحمد_محمد_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضبط الاجتماعي وتحقيق توازن المجتمع


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - الفنجري أحمد محمد محمد - الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس كورونا -كوفيد19 - أنموذجًا- دراسة ميدانية بإحدى مدن محافظة سوهاج