أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض بن يوسف - سأعبر هذا المدى - قصة قصيرة















المزيد.....

سأعبر هذا المدى - قصة قصيرة


رياض بن يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1584 - 2006 / 6 / 17 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


لم يكن يتكلم كثيرا فلطالما خذلته اللغة و ورَّطتهُ في لعبة الصمت الصاخب. كان يفضل أن يغسل صدأ السؤال- الذي خاتله ذات يوم- بالسباحة والقراءة على شاطئ البحر هاربا من أثاث بيتهم العتيق.. ذلك البيت الذي كان يبدو كدُمَّل حجري في خاصرة الأرض العذراء.. و لكم كان يبدو قزما، ضائعا حين يقارنه بالأفق البعيد الذي تلوح خلاله جبال زرقاء يحيق بها رذاذ كثيف فتغدو صورة شفافة لتمازج الحقيقة
و الحلم...و لقد أسَرَّ في نفسه عهدا أن يزور تلك القمم يومًا ما
..في غمرة تلك الرتابة نبت على دربه المستقيم منعرج طارئ.. التفتَ ففوجئ بوجه أبيض جاء يسكب مقلتيه في نخاريب ضجره، فتشققت حُبيبات الرمل، التي طالما وارَتْه، عن رذاذ الندى..
كانت مثله حزينة ضجرة، فاندغم الحزنان و تلاثم الضجران..
وإذ توثقت بينهما عرى المحبة أخذ يفضي ببعض حرقته لشعرها الأشقر الكتوم..
قال لها بحذلقة المُمتنّ:
- أنتِ اكتمال سحابي التائه، منذ الأزل، في شتات البدء،
و استفاقة ترابي الظامئ بعد أن راعه اغتلام النوء..
ترقرقتْ دمعتان في عينيها فارتسم على عينيه تساؤل عاتبٌ عن جدوى البكاء.. فقالت له:
- أخشى أن تنهش هذا الحلمَ عقارب الساعة!
قال لها عاتبا:
- تقاسيمك أيامي و حضوركِ زمني الوحيد، فأنتِ رقص الكواكب في إيقاع يمد لحاف اللحظة الراهنة على أخمص الماضي و جبين المستقبل فلا أمس..و لا غد!!
مالت عليه بغنج، فأرسل أطراف أنامله تجس روحها عبر سجوف الجسد..
و إذ أحس نبض الكينونة يدغدغ حواسه، قرر أن يرفع الأغطية المتبقية بحثا عن وهج الحلول.. فمد إلى شفتيها شفتين ضارعتين..
لحظـَتها..
نعق غراب في المدى..
فجفلتْ البيضاء..
وتضاءلت بين يديه إلى حزمة من شعاع..
ثم طارت بعيدا..بعيدا..
نحو القمة الزرقاء...
هكذا تلاشت البيضاء..
وتفتتتْ في يديه فصوص البلور..
وأفلتت منه لحظة وردية كان قد خبأها –بشح المالك - بين ضلوعه..
مخلفةً على شفتيه سؤالا حامضا:
- لماذا؟
....لماذا؟؟

أسلمته الحيرة إلى إسفلت المدينة و أزقتها.. وخلال إحدى جولاته، وفي زقاق قصي معزول، صادف وجهًا أسمر أدرك حين كان يمعن النظر فيه أنه قد تورط في أمر ما.
لم يعد يذكر كيف وقف إزاءها.. ربما ناولها زجاجة عطر سقطت من حقيبتها، أو ربما أنقذها من براثن شاب كان يلاحقها..كل ما يذكره أن السمراء أعطته عنوانها
و رقم هاتفها بنبرة ذات مغزى.
في اليوم التالي هتف لها. تحادثا طويلا. علم أنها أرملة بدون أولاد تعيش وحدها، و تكبره بسنوات قليلة..
كانت سماعة الهاتف تنفث، عبر صوتها الدسم، فصوصا من الملح تـثْـقب رخام روحه الصقيلة..
طلبت منه السمراء أن يزورها في اليوم التالي..
فصّدَّع عروقـَـه اختلاج مفاجئ لم يعهدْ مثله..
بعد أن وضع سماعة الهاتف تلمسَ صدرَه بأصابع مرتعشة فألفى تحت غشائه المُزغّب نهرا ساخنا، دافقا، يخرج من صلب الشوق و ترائب اللهفة باحثا عن مسيلٍ له في تضاريس الجسد الأنثوي الأسمر.
عذبه احتقانُ النهر..
كان يجرح كلَّ ساكنٍ فيه..
توعَّدَ نهره الجارح بأنه سيضمد الجراح قريبا..
و انثنى راضيا إلى بيتهم العتيق.
في اليوم التالي طار إليها على خيط من نار. و بعد أن قرع الباب سمع وقع خطواتها السريعة قادمة، متناغمة مع نبضات قلبه، و لم تلبث أن دفعت به إلى سرير رغائبها و شدهته بأسرار الأنثى غير متمهلة ولا مستسمحة..
استقرت نظرته المحمومة على عينيها..
ثم سالت على خديها..
و انزلقت على شفتيها..
و إذ فرَغَتْ من اعتناق الذرى..
أخذت تتزحلق فوق رخام النهد العاري.. لتتأرجح على ثؤلوله اعترافا بليغا بجلال اللحظة..
وحين أدرك أنها ترقب نظرته المتيَّمة علتْه ُ حمرةٌ خفيفةٌ.. فسطتْ على روحه الخجلى، ومرّغتها في لزوجة شبقية آسرة مضمخة بفحيح الأدغال الأولى.. و لم تستأذنه، و هي الخبيرة المتمرسة، حين راحت تزرع فتوحها الإيروسية الظافرة في أعماق غيبه المهملة..
أما هو فكان معذبًا، لاهثًا، يسأل الرحمة.. و يسأل المزيد،
و لم يكن في حاجة إلى الاستجداء لأنها سبقته فعهَّرَتـْه ُ
و طهَّرَتـْه ُ بهوى صاعق، حارق.. له حدة التوابل..وطعم الحلوى..

و في لحظة أسطورية حمراء توحدت فيها أشياءُ الكون.. براكينُه و بحارُه.. أطلقا معا صيحة حادة ً واحدةً بارَكتْ تدفُّقَ النهر السجين..
و أحس هو أخيرا أن جسر رجولته قد ارتمى على ضفةٍ ما.

قالت له السمراء:
- أنت رجل عذراء
قال لها بعينين ممتنتين نصف مغمضتين:
- لم أعد كذلك.
.. و رطـَّبا بقية الأوار بندى القبل الأخيرة.
صارت له امرأة..
اعترى سُكونـَه ُ بذْخُ الجسد..
و ظلـَّلـَتْ غربَتَـه ُ أفاريزُ الأنثى..
و اقتضت منه طقوسه الجديدة أن يخيط-بحزم- فم سؤاله القديم الصدئ الذي تسلل خلسة إلى شرايينه.. فلينعم بالصمت والقيلولة.. وليخرس نعيق الكلمات !!
بعد هذه التجربة الأولى صارت له تجارب أخرى...
كان يطارد صخب الكينونة الذي صبته السمراء في أعماقه عند نساء أخريات، بعد أن مل سمراءه وملته، و لكنه كان دائما يرتطم بأجساد رخامية..
لم يستطع أن ينزع اللحاء الأملس عن مخ الروح..
كانت يداه المتوثبتان تنزلقان على السطح وتقبضان على الفراغ...
لكنه ظل رغم خيباته المتجددة يراود لغزه الآبق و يهيئ نفسه للقاء مستحيل..
و بينما كان يلهث بحثا عن عذريةٍ أضاعها، استيقظ سؤاله القديم الصدئ و دَهَمَه ُ بصريره العتيق: لماذا؟ لماذا؟!
فر من وجه السؤال.. هام على وجهه في أزقة المدن،
و دروب القرى الطينية، والغابات العذراء.. لكن السؤال ظل يطارده.. فأنّى يولي وجهه يجد رجلا بلا عينين و لا لسان ولا شفتين يطارده و يصر على صحبته..
فرّ من الوجه المسيخ إلى الحانة فطالعه في شخص الساقي..
فر من الحانة إلى المسجد فطالعه الوجه المسيخ ملتحيا واعظا..
فرّ راكضا إلى بيته، دلف إلى الحمام مسرعا، اغتسل من غبار المطاردة، وحدق في المرآة.. هاله أن يرى وجهَه بلا عينين و لا لسان و لا شفتين.
.. و استيقظ من واقعه الكابوسي على وقع عامه الأربعين،
و قد بدأت خيوط الشيب الأولى تغزو شعره...

التفت خلفه فرأى سنواته أربعين قطعة ًصدئةً، هشَّةً، متراكبةً.. في هيئة عمود مهتز، مترنح، يتوجّسُ من ضربة تأتي على قاعدته أو ثـقل يهوي على قمته..

لكنه انتـفض مصرا على عدم السقوط وصاح:

- لن أسقط.. لأنني سأطير.. نعم سأطير!!
و عاد إلى بيتهم العتيق..
و حدق في الجبال الزرقاء البعيدة..
و تذكر عهده القديم..
أخذ يمشي نحوها رويدا.. رويدا..
ثم شرع يعدو..
و اشتد عدْوُهُ..
أحس بجسمه يخف شيئا..فشيئا ..
نبت زغب أشقر في ذراعيه..
تكاثر الزغب..
صار له جناحان..
خفق الجناحان..
و تصاعد الجسد إلى السماء..
اخترقه الشعاع من كل الجهات..
أصبح جناحاه من نار..
و مضى بسرعة الشهاب..
.. نحو القمة الزرقاء.



#رياض_بن_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت صمتا - قصة قصيرة


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض بن يوسف - سأعبر هذا المدى - قصة قصيرة