أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - غربة الفكر العظيم















المزيد.....

غربة الفكر العظيم


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1579 - 2006 / 6 / 12 - 13:12
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


إيلام المشاعر النبيلة تبدى واضحا في الرسالة المؤثرة، والمعبّرة، التي كتبها الصديق الدكتور سيد القمني، حول محنته التي يكابدها في عالم الجهل، ومومياءات الفكر المحنط، والذي تديره مافيات الطواغيت المتغولة، والحيتان الكبيرة، وتتحكم به شرائع الغاب والقوانين الديناصورية البائدة، تكشف عن أزمة أخلاقية، وقانونية، وحتى إنسانية عميقة، وحادة تواجه هذه المجتمعات، برغم حجم الشعارات، والنفاق الإعلامي الكبير الرسمي، والموازي، الذي يحاول أن يظهرها بصورة تقية، فاضلة، وبيضاء وعذراء، وبأكثر مما تخيلها المرحوم إفلاطون نفسه، طيب الله ثراه. وهذه الرسالة ما هي إلا جزء يسير، ورأس جبل الرعب الظاهر، من الحملة العامة الرسمية، والشعبية، والحرب العلنية المفتوحة ضد الفكر التنويري الحر، وحََمَلَتِه، التي، لم، ولن يكن السيد القمني، آخر ضحاياها على الإطلاق. فإن سياسات التجويع، والمطاردة، والإفقار التي يتعرض لها المثقفون، وحملة رايات الكلمة الحرة، في هذا المحيط الشرق أوسطي المريض، تعتبر بحق جريمة كبرى نكراء، بحق الإنسانية جمعاء، تتطلب تدخل كافة المنظمات الدولية الشرعية، والقانونية، التي تعنى بشؤون الفكر، لنشل تلك الأعلام البارزة من مستنقعات الخوف، والفقر، والمطاردة، والحصار التي تحاول أن تحشرهم بها أنظمة التجهيل، والنهب، والطغيان. هذا، ولم تعد هذه المهمة ترفاً سلوكياً، أو خلاصاً شخصياً، بقدر ما هي، إسهام فعال، لإعادة الهيبة، والاعتبار للعقل البشري الخلاق، من براثن الجهلة والأدعياء، وإخراجه محنة تطويقه، وفك الحصار عنه، ومنع كافة محاولات لجم اندفاعاته، التي تهدد هذه البني القميئة والرثة بالزوال، والفناء.

إن ما ورد في رسالة الصديق العزيز للحوار المتمدن، تنبئ بكوارث مجتمعية قادمة، لجهة التحدي العلني لتبني خرق القانون كسبيل في الحياة، والتحلل الظاهر، من أي التزام قانوني، وأخلاقي يضبط سلوك المجتمعات، والدول، ويوجهها نحو الأمن الاجتماعي العام. والأخطر من هذا كله، هو ربط هذا التحلل، والانفلات القانوني، أحياناً، بغيبيات، وأباطيل، وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان. فحين يصبح الأشخاص مرجعيات دستورية وقانونية، وكل ينحو لتطبيق القانون، وأخذ حقه بيديه بعيداً عن المؤسسات القانونية والشرعية، أو لا يطبق القانون وفقاً لمزاجه، ومصالحه الشخصية، أوارتباطاته العائلية، والقبلية، والعشائرية، فهذا يعني بالمطلق، وحكماً، أن هذه المجتمعات مازالت في أطوار بدائية من دولة اللاقانون المشاعية. كما تحمل الرسالة في طياتها ، إزاء الصمت الرسمي وحالة المهادنة واللاحراك المتعمد، الكثير من الدلالات المؤكدة، والانطباعات المطلقة، والقناعات الراسخة، عن سلوك رسمي عام لتبني هذه التوجهات الغريبة، والشاذة، الذي تتبعه هذه الحكومات في علاقاتها مع الأفراد الذين هم، افتراضاً، ضمن مسؤوليتها القانونية، والدستورية، والأخلاقية (هذا في حال وجود أي فائض من هذه الأخيرة). ويسقط، بالتالي، عنها أية حيادية، أو صفة أخلاقية تحاول بالكاد، وعبثاً، أن تتقمصها، حين تخاطب الرأي العام. وتفسر، بالآن ذاته، السبب الحقيقي، والجوهري، وراء هذا الكم الهائل من التردي، والانحطاط، الذي تعاني منه هذه المجتمعات، بسبب الغياب الكامل لتلك الآلية القانونية، التي تعتبر الناظم الأقوى، والأوحد، والأنسب لشبكة العلاقات، والمصالح الاجتماعية، والاقتصادية في أي بلد من بلدان العالم.

ومحنة المثقف، والكاتب تتجلى أكثر، وأكثر حين تتم إماطة اللثام عن شبكة الضواغط الثقيلة، والمعقدة الكثيرة التي يرزح تحتها هؤلاء المبدعين، والكتاب. وهذا هو السبب الأول، ربما، في صمت الكثيرين، وهجرة آخرين لهذا العك، والصداع المزمن، ووجع الرأس، الذي لا طائل منه، والذي لم يثمر، ولم يغن، ولم يسمن من جوع، حتى الآن، ولم يكتسب الأهمية والاعتبار في مجتمعات التجهيل، والتجويع، والقهر، والإملاق، الذي تتواطئ فيه أنظمة الاستبداد، مع تروستات، وماكينات غسل الدماغ.

فبين مطاردة الهمّ التنويري، والهاجس الوطني الدائم لهذه النخب الفذة، والاعتمال العقلي الدؤوب الذي لا يهدأ، ومطاردة فلول الإرهاب الأسود لها، هناك، أيضاً، قوافل أخرى من المطاردين، والدائنين، والمتربصين بهم، بدءاً بأبسط طلبات، ومستلزمات الحياة، ورغبات الأطفال، ونظرات، وعبسات البقال، واللحام، وشركات الهاتف، والماء والصرف الصحي، والكهرباء، وكل االفواتير والضرائب القراقوشية التي ما أنزل الله بها من سلطان، إلى "جحافل المكوجية"، (وليس بينهم شعبان عبد الرحيم، طبعاً، الذي ترك هذا الكار، بعد أن أنعم الله عليه بالعز، والجاه والمال، بسبب المواهب الفكرية النادرة، والعقلية الخارقة التي تفقت عنه فجأة، وصار، بقدرة شركات البترودولار لهز البطون، وكشف السيقان الفضية، وتجارة الأبدان البشرية، من منظري القومية العربية والصراع المصيري مع العدو الغاشم، وحامل لواء النهضة الفنية في زمن الانحطاط، ورسولاً للنوايا الحسنة، ومروجاً لجامعة العربان)، وليس انتهاء، آخراً، بأجهزة القمع، وعرفاء، وجنرالات أجهزة أمن الدولة العليا الغرّ الميامين الأبطال، أصحاب الفتوحات الكبرى في مدن الصفيح، وأحياء الفقراء، المختصين بإذلال الشرفاء.

إنها محنة الفكر، والأدب، والأدباء في مجتمعات أقفلت على عقولها بمزلاج فولاذي صارم من تابوهات ومحرمات ومنكرات، ومنحتها إجازة مفتوحة، وعطلت، ومنعت كل آليات التفكير الحر، المبدع، الخلاق، والبناء. إنها التجارة الوحيدة البائرة التي سيتعرض صاحبها، وحتماً، للفقر المادي والإفلاس. لكنه، وفي حسابات أخرى، صاحب ثروة أسطورية، وخرافية بمعايير، وقيم المجتمعات التنويرية، التي تعرف، وتقدر قيمة العقل البشري الجبار، وتمنحه القداسة من هذا المنطلق، والباب.

لقد انقلبت القيم، والمفاهيم، والمعايير. وصارت القاعدة استثناء، والاستثناء قاعدة. وصار الفكر الحر النير العظيم غريباً، ونكبة اجتماعية، وسياسية، وأمنية بالدرجة الأولى على حامليه. وصار لسان حال هذه المجتمعات يقول: أنت في الـ safe side والأمان الكبير مادمت سائرا، وخانعاً مع القطيع ، ولكن حالما ترفع رأسك فستنهال عليك شتى أنواع المدى والسواطير، وحملات الزندقة والتكفير. غربة، ومحنة، وورطة كبيرة أضحى يعيشها المثقف المتنور الحقيقي في مجتمعات لا تريد أن تفتح الشبابيك، ووتنسم نسائم الحرية، وعبير الديمقراطية الأثير.

وفي هذه المناخات الفاقعة السوداء، أتذكر قول الشاعر "المنحط"، في الزمن المنحط، يتحدث بنبرة رجل منحط، حين هجر الشعر، والأدب، وكل هذا الابتلاء العقلي، ليشتغل بالجزارة، و"التقصيب"، وهي بالمناسبة، وأيضاً، مهنة مارسها الكثير من القادة، والزعماء، ولكن ليس بحق الغنم، والبهائم، والعجول، والدواب أعزكم الله، ولكن بحق البشر، وأبناء الناس.

يقول شاعرنا المنكوب :

كيف لا أشكر الجزارة ما عشت وأهجر الآدابا
وبها صارت الكلاب ترجوني وبالشعر كنت أرجو الكلابا

وقول شاعرنا السوري الكبير والفذ نزار قباني:

يا تونسُ الخضراءُ هذا عالَمٌ يِثْري بِهِ الأمِّيُ والنصابُ
في عَصْرِ زيتِ الكازِِ يَِِطلبُ شاعِرٌ ثوباً وترفلُ بالحَريرِِِِ قِحَابُ



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزرقاوي: نهاية الأسطورة
- مسلسل النكسات القومية
- أصنام المعارضة السورية
- نعوات بدون عزاء
- ميشيل كيلو: طرق المحرمات
- ديمقراطية الطوائف
- الدهاء السياسي، واللعب على المتناقضات
- الاستخفاف بالداخل
- فاتح جاموس: عزيمة الأحرار
- الاستبداد والإرهاب
- إرهاب فيديو- كليب
- وسام شرف جديد على صدر الحوار المتمدن
- منظومة الاستبداد، ومخاطر التغيير
- آفة العقل السقيم
- قبل فوات الأوان
- تخصيب الشحّاطات
- الحُقََراء
- مدخل إلى التغيير
- الحرية والإبداع
- نعم: إنهم مختلون عقلياً


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - غربة الفكر العظيم