أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - مازغ محمد مولود - موت.. لا يشبه الموت















المزيد.....

موت.. لا يشبه الموت


مازغ محمد مولود

الحوار المتمدن-العدد: 6530 - 2020 / 4 / 6 - 10:06
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


لاشيء تحت الأرض ، غير الأرض. فأجمل ما في الحياة هو العيش فوق الأرض لا تحتها، وصحبة الأحياء لا يمكن أن تقارن بحال من الأحوال بصحبة الموت والموتى. نهرب من الموت إلى الحياة بقدر ما نستطع إليها سبيلا. لا نملك وسط صخب الحياة ،سوى أن نبحث عن درْع نستطيع به ردّ رماح الموت. ومن ذا الذي يستطيع هزمه وردعه إذا حل حمامه. توقفت كثيرا عند نص الشاعر محمود درويش الذي يناجي فيه الموت ويرجوه أن يتمهل: أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض/ انتظرني في بلادِكَ/ ريثما أُنهي حديثاً عابراً مَعَ ما تبقَّى من حياتي/ قرب خيمتكَ، انتظِرْني ريثما أُنهي/ قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد .
لقد كان الإنسان البدائي لا ينفك يرى أن قوى الطبيعة وراء كل ما يتعرض له من خير أو شر، وبتدرج الوقت وبتقلباته أصبحت النظرة إلى الموت أكثر واقعية، فمثل الموت قلقه الوجودي، إذ ظل يرهق فكره ووجدانه،أيقن أن الموت سوف يدركه كما أدرك الغابرين.. هاجس مؤلم شغل تفكيره وأرقه وأقلقه. إلا أن النظرة تغيرت واختلفت عن نظرة الأسلاف ، أصبح لكل من الحياة والموت غاية تعطي معنى ، الحياة فانية ، والموت رحلة نحو الأبدية. ويمضي الزمن ولغز الحياة والموت ما زال يلح على الفكر البشري..
تمر رحلة الحياة ،ويغدو التفكير بالموت يأخذ حيزا اكبر من ذي قبل. حيث الاكتشافات المذهلة ، والاختراعات المتعددة. والتقنية والرقمية .وما شاب العالم من ظلم وفساد وهيمنة وفقر وتدمير وحروب،كل هذا خلق أجواء مشحونة بالموت وبالتفكير فيه. أخذت النغمة الحزينة، تتضاعف وترتد، طوال مرحلة تطور الرأسمالية المقيتة، وذالك نتيجة الاغتراب المتزايد ، وفتيشية الأشياء والإنسان .الرأسمالية الشر العميق للعالم المعاصر ، كما ذهب إلى ذلك كارل ماركس.
منذ أنْ زالت المشاعة الابتدائية ألتي عاشها الإنسان القديم، وفقد الفرد سلطته على وسائل إنتاجه لصالح الآخرين، تحوّل العمل من متعة وتحقيق للذات، إلى عبودية واغتراب، ومن طقس جماعي تشاركي. إلى وحدة قاسية بلا هدف أو غاية. فقط لقمة العيش اليومية، التي تدفع للاستمرار ليوم آخر. ومع نضوج المجتمعات التسلطية وإحكام حلقاتها على الأفراد، صار الإنسان إلى حالة إحباط دائمة وحياة تبدوا بلا معنى، ولا تسعى إلى غاية، سوى انتظار موت، ليضع حدا لفصل قاس ، وجحيم مؤلم.
المجتمع التسلطي، استطاع انْ يحرّم الفرد من كل شيء. إلّا من رغبته في التغيير. حلم يسعى لتحقيقه،و رغبة بادية أو كامنة. تجلت في ثورات البشر عبر التاريخ ، ضد الاستغلال ، وضد التسلط . في سبيل حياة إنسانية أكثر وحرية أكثر. وتجلّى الحلم، في أدبيات البشر التي تصف عالما يتسم بالحرية الكاملة والمساواة المطلقة والراحة من لعنة الاستغلال المفروض على الإنسان. رغبة في التغيير لم تخرج إلى حيّز الفعل، او لنقل فعل تمّ إحباطه، فصار حلما ينتظر.
الغرب الواهم،بتطوره المتواصل نحو عالم أفضل. وإيمانه بالتقدم اللامحدود. بالتقنية والرقمنة..بالايدولوجيا المتعالية . النموذج الذي يحمل معيار التاريخ. تحول إلى جغرافيا للهلع الواضح، الخوف البادي، القلق المزمن..التوتر المنهك. يصيبه الوباء. ونشاركه الوباء. نحن نستهلك كل ما ينتج .نشاركه الإصابات، والوفيات.نشاركه الموت، والحجر الصحي وكل الاملاءات. ينزلق الغرب والإنسانية إلى أسفل مع تفشي الوباء. ونرى نظام الصحة يأخذ منحدرا بئيسا.وتحول الشعار الشهير لادم سميت ( دعه يعمل دعه يمر ) إلى شعار مأساوي ( ابقي في بيتك ، مت في بيتك).
هذا الزمن ، زمن علينا. يغتالنا فيه الموت اللئيم . واحدا تلو الأخر .كم مرة لوننا التاريخ بالأسود والأحمر.. من طلع البدر حتى عام كورونا. من فلسطين ، لبنان ، العراق، سوريا ، اليمن ، ليبيا.. حتى جائحة كورونا ، مرة أخرى ، نطعم الموت صمتا وصبرا. ويستحيل علينا فهم معضلة الموت فينا . ننزف موتا ،و ينزفنا فقراء وهامشيين ، تعودنا أن نغرق في بحر الدماء. أن نعيد الوجع لانتقام السماء. أن نكون ساحة معركة . نحن العزل ، كم وباء ينخر أوطاننا، كم لعنة حملنا باسم التاريخ ، جروحا وخطايا باسم السياسة والساسة ، كم جرائم مرت على لحمنا ودمنا ،ارتكبت في حقنا وحاصرتنا ، دجنتنا وكبلتنا.أي طب يستطيع أن يداوي أمراضنا وإعطابنا ، أمراض زرعت فينا ، وأمراض اكتسبنها من ضعفنا.أي طب ، يعيد ابتسامة دمشق ؟ بهاء بغداد ؟ رونق عدن ؟ زينة طرابلس ؟ جمال لبنان ،؟ وللقدس عريسها، وسلامها؟ أي طب يلم الشتات ، ويعيد اللاجئين.؟
الموت هو الموت، لكن ليست الحياة هي الحياة. لا العيش هو العيش، لا النفوس هي النفوس، ولا الأحلام هي الأحلام. الموت فجيعة ، حزن ، والأم. الموت الوجه الأخر للعدم ، الوجه البشع للحروب ، والأمراض والكوارث، يستوطنها كما يستوطن الذات.يلازمنا ويحتوينا ويعشش بداخلنا . التاريخ البشري مليء بالمآسي. مليء بالبكاء والنواح. والعويل والصراخ ، التاريخ الطبيعي مليء بالأمراض والكوارث. وبالموت والقبور. التاريخ لا يسمع إلا الأصوات العالية ، أما الأصوات الخافتة فلا تصل إلى سماعه...تأتي كرونا ، بوجه أخر لمعنى الموت. موت ، لا يشبه الموت ..لا أصوات ، لا دموع ،لا بكاء ، لا نحيب .لا صلاة ولا مشيعين ، لا عزاء ولا مواسين. ولا إكرام الميت دفنه بما يليق.. اللعنة على كورونا ؟ أم للعنة على زمن كورونا؟
ونحن في لحظة حصاد الموت ، وفي حجرنا الصحي ، حيث الموت بترصدنا خلف الأبواب. نتأمل قليلا ، ربما نجد شيئا من العزاء.
صارع الإنسان الموت، وشغل باله منذ أن أكتسب عقله الوعي ، تاريخ الدين والأسطورة هو صراع الذات مع الموت .صراع الذات المسحوقة أمام مسيطر جبار، لا مهرب منه ولا فكاك من أسره الأبدي.حتى الشعراء، والفلاسفة تحدثوا عن الموت، قال ابيقور: (إن الموت لا يعنيني البتة، فهو إن وجد، لن أكون موجوداً، وإن وجدت أنا لن يكون موجودا)ً أما القديس اوغسطين قال: (انتابني اشمئزازاً هائلاً من الحياة وفزع الموت) .باسكال قال: (إن كل ما أعلمه هو أنه قد قضي علي بالموت، ولكن ما أجهله إنما هو هذا الموت باعتباره شيئاً لا سبيل لي إلى الخلاص منه). أما الفيلسوف الهولندي كيركارد كتب في يومياته: (الواقع بأسره يخيفني من اصغر ذبابة حتى أسرار البعث، وكل شيء عبارة عن لغز بالنسبة لي، وأكثرها ألغازا أنا ذاتي، والوجود بأسره يبدو مسموماً لي، وأكثرها سموماً وجودي، أنا ذاتي، وكم هو فضيع عذابي).جاك دريدا عبر قائلا(لا تتحقق الحياة إذن ، دونما وجود للموت، إنهما متلازمان يقودان الوجود الإنساني نحو “الحقيقة").
ما من فيلسوف غازل الموت كما فعل "مارتن هيدغر"،يقدم لنا في تحليلاته الأنطولوجية صورة موسيقية عن الموت. يغني له، يحتضنه، يرسمه لنا بلون مختلف، مستخدماً من ألوان الفلسفة ما تعمل على زحزحة الغطاء الميتافيزيقي عن فكرة الموت، يعريه ليكون وجودياً محضا ً، يتحدث عن الموت وكأنه يرقص معه، وفي آخر الرقصة سقط ميتاً وهو يهذي بالكينونة والزمان...(( الموت ليس زائراً ولا ضيفاً، بل هو صاحب مكان، إنه ممتزج بالحياة، إنه أسلوبها الخفي في اختطافنا تحت مسمى الموت، لا أحد سيموت عني، ولا أحد سيقضيه عني، ولا أحد يستطيع أن يبعده عني. الموت قابع داخل الوجود الإنساني الذاتي، فموتي أنا يعني أني أنا من يموت وليس أنت، حتى تجربة موتي أو موت الآخرين لن تجعلنا نفهم الموت)). تجربة هيدغر متميزة وأساسية، حيث كشف عن معنى الوجود ، انطلاقاً من العدم. ويرجع ذلك إلى تجربته الخاصة مع القلق، الذي عايشه في علاقته بفكرة العدم. فالإنسان يقلق وذلك لإدراكه بأنه محكوم في النهاية بالموت الذي هو العدم نفسه. "وما القلق إلا حالة الخوف المطلق أمام العراء المطلق" كما قال. ويقول،((قد لا نأكلُ يوماً أو يومين، ولكن لا نموتُ بالضرورة لأننا لا نأكل، وقد لا نشربُ يوما أو يومين، ولكن لا نموتُ بالضرورة لأننا لا نشربْ، ولكن إذا متنا لن نأكل إلى الأبد، ولن نشرب إلى الأبد.إذن جئنا... لنموت.. لقد خُلِقنا لنموت،،))
يتحول الموت الى حرية .الحرية المنشودة ، ((إذا قبلت الموت في حياتي واعترفت به وواجهته مباشرة، سأحرّر نفسي من قلق الموت وحقارة الحياة، وحينها فقط سأكون حرًا في أن أصبح نفسي )).



#مازغ_محمد_مولود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكورونا..بين المأساة والمسخرة
- شكرا كورونا ..لقد فضحت العالم
- الشاعر لا يحب الموت
- كنز سرغينة بين الجهل المركب والفقر المؤسس
- كليميم من زمن القداسة إلى زمن العهر
- القبيلة و لعنة التعالي
- المسرح بوادنون عبداللطيف أصاف تجربة متميزة
- الموت في الانتظار
- استهامات واقعية
- القدس ..بين الهيمنة الامريكية والخيانة العربية
- ماركس النافع
- كليميم مدينة ولدت من رحم حي- لكصر-
- ثورة اكتوبر لن تموت
- كليميم ..ينبت الحجر مكان الشجر
- لماذا علينا ان نكون يساريين ؟
- السياسة المغربية بين الاخلاق والنضج
- المعطل بين الحق والهامش .
- كليميم...هل تستحقين هذا المديح ؟
- اية حكومة يجري الرهان عليها في المغرب
- صناعة النجم ...وثقافة الهدم


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - مازغ محمد مولود - موت.. لا يشبه الموت