أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - السموأل راجي - كُورونا تقُوم بالفَرْز















المزيد.....


كُورونا تقُوم بالفَرْز


السموأل راجي

الحوار المتمدن-العدد: 6529 - 2020 / 4 / 5 - 21:32
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


يعُمّ مُنذ أكثر من شهرٍ خِطابٌ سَــمِـج مُكَرّر انشائِيّ كرِيه يجتَرّ مُفردَات الـتّضامُن والتّكافُل والتّراحُم، وينُوح مصِير البشرِيَّة "الـمُوَحَّدَة" أمام بشاعَة وشساعَة انتِشار فايرُوس الــSARS-CoV-2 المـعرُوف اختِصارًا بِــكورونا، البَعض وصَل به الأمر للتّأكِيد أنّ الانسانِيّة تقارَبَت وتلاحَمَت وانصهرَت و....... ، لا مُوجِب لِــذِكر أبواق الدِّعاية الـمُرَدِّدَة لِـسُمُوم عصابات البيت الأبيَض والإليزِيه و الـمبغَى الكائِن في شارع داوننغ (10 Downing Street)، الذِين يُسَبِّحُون بِحَمْد الـمُساعدَات والـمبَالغ الـمرصُودَة للدَّعم والإغاثَة، فهؤلاَء أزفت ساعتهم، ولَن يختلِف مصِيرهم عن مصِير آلاف الجُثَث التِي تجمعُها الجُيُوش وتدفنهَا خارِج مناطِق العُمْرَان أو تُلقِي بِها فِي نارٍ مُـــــــوقَدَة.
في أحَد التّقَارِير الصّادِرَة في الشّهر الثّامِن من سنَة 2018، تبوَّأت اسبانِيَا الـمَرْكَز الأوّل بأعلَى أمَل حياة عِند الوِلاَدَة من بيْن كُلّ دُوَل الاتِّـحَاد الأورُوبيّ حيث تتوفَّر الخَدَمَات الطِبيَّة فِي كُلّ الـمنَاطِق مع كُلْفَة مُنخَفِضَة مُقارنةً ببقيّة الأقطَار وقُرب الـمَرَافِق الصحيَّة من الـمُواطِنَة والـمُوَاطِن، سآخُذ التّصنِيف كَـمَا هُو ووِفقَ تعلِيق الـموقَع، والتّعلِيق سيكُون بعد الاقتِبَاس.
الدُّوَل العَشْر التِي تَــلَت تايوَان الـمُحتلّة للمرتَبَة الأولَى من حيثُ جودَة الخَدَمَات الصحيّة والتّأطِير الطبِّي هِي كوريا الجنوبيّة واليابان والـنِّـمسا والدّانمارك وتايلاَند تليها إسبَانيا وفَرنسا وبلجِيكا وأستراليا، أمّا أسوَأ الدُّوَل فهِي بنغلاديش في المركز 85 وأذربيجان 86 والعِراق 87 وفنزويلاّ 88 والمغرب 89.
الصّين، وِفْق تصنِيف نومبيو (numbeo) جَاءَت في المركز 46، وذلك نتيجة لبنيتها التّحتية المتهالِكة، وعدم وصُول أغلب السُكّان إلى النّظام الصحّي.
الولايات المتّحدة، حلّت في المرتبة 30، وتأتِي المكسِيك قبلَـهَا في المركز 29، فيما حلّت الأرجُنتين في المركز 27 باعتِبارها أفضَل دولة لاتِينيّة.
الدُّوَل النّاطِقة بالإسبَانيّة في مُنتصَف التّرتيب، حيث إنّ كُولُومبيَا في المرتبَة 35، والأورُوغْوَاي 38 والشّيليّ 44 وكوستاريكا 50 وكذلك البيرُو 62، وبُورتوريكو 64 وجمهُورية الدُّومِينِيكَان 72. عربِيًّا، احتلَّت مَشْيَخَة نَجْع قطَر الــمرتبَة 18 عالمِيًّا، وتونس المرتبة 63.
التّقرِير/التّصنِيف الذِي تلُوكُه الألسِنَة في هذِه الأيّام، وتُعِيد ما جاءَ فيه من غبَاء قصدِيّ في منهَج الاحصَاء واحتِسَاب مُقدّرات الدّوْلَة المعنِيّة دُون اعتِبَار عامِل المجانِيّة أو أهميّة القِطاع العامّ الصحيّ ومدَى التدخُّل الاجــتِماعِيّ للدَّوْلَة، تلُوكُه قُلت للاسـتِغراب الشّدِيد من تفشِّي الأوبِئَة بسُرعَة فتّاكَة فِي مراكِز الرّأسـمَال لدرجَة جعلت هؤلاَء الأبوَاق يحمدُون الله على نِعْمَة السّلاَمَة وأنّ "بلادهم" (وليسَ شعبهُم طبعًا فهُم ليسُوا جُزْءًا منهُ، هُم جُزءٌ من الـمُجـتَمَع، وليسَ من الشّعب) بخيْر فها هِي دُوَل "عُظْمَى" و "مُتَقَدِّمَــة!" تحوّلَت مُستشفياتها "العصريّة" إلى مقَابِر، وبالتّالِي من وِجهَة نظَر هؤلاء المزابِل الاعلامِيّة لا بُدّ للـــــ"جمِيع" من الانضِبَاط و"واجِب" على كُلّ شخْص مُلازَمَة المنزِل مُلتَزِمًا الصَّبْر، وانظُر إلى الولايات الـمُتّحِدَة أقوَى بلد في العالَم ومركَز التقدُّم (هُناك من يقُول مركز الحَضَارَة!) فابقَ في البيت وأيّ أكلٍ يكفِي.

التّقرِير أُعِدّ بمنهجِيَّة غرِيبَة لا عِلمِيّة، فلا مجَال لوَضع تصنِيف دُون الأخذ بِعين الاعتِبار عوَامِل مُتعدّدة أهمّها مركزِيّة الطبّ الوقائِيّ الاجـتِماعِيّ، وإلاّ فلا مُوجِب حتّى للاطّلاع عليه، أغفَل التّصنِيف قَصْدِيًّا التّركِيز عند ترتِيب الدُّوَل ذِكر أهميّة الكادِر الطبّي وشبه الطبيّ الوطنِيّ والقُدْرَة على إعدَاد أطقُم طبيّة وتنظِيمــهَا وتوزِيعها عِند الاقتِــضَاء على الـمَرَافق الصحيّة العامّة التِي أُهمِل ذِكر توزِيعها ونِسبَة تغطِيتها للسُكّان وعدالَة تمركُزها الجغرافِيّ، ولم ترِد فِيه أيّ معلُومَة عن كُليّات ومعاهِد الطبّ والاختِصاصات ومخابِر البَحْث والتّحالِيل ومراكِز التّصوِير بالأشعّة ووُجُود إدَارات قارّة مُختصّة في مُكافحَة ودِراسة الأوبِئَة، وأُمّ البهامَات بِلا رَيْب إغفَال ذِكر القُدرة على التّصنِيع الـمحليّ للأدوِية وتطوِيرها وتوفِير مُستَـلْـزمَات العِلاج الأساسِيّة على الأقَلّ مع قُدْرَة الدّولَة على توجِيه امكانِيّاتِها عند الضّرُورة لِخِدْمَة أهداف علاجِيَّة إبّان مُكافَحَة أيّ وباء.
أغفَل التّقرِير ذِكر شِبه غِياب الـمجانِيّة العلاجيّة في كُلّ أوروبا، حيثُ دفَعَت الشّركات الكُبرى المافياوِيّة الحُكُومات لتخفِيف التدخُّل في الـمجال الاجـتِـمَاعِيّ وخَصْخَصَة الـمُستشفيات والاقلاَع نهائِيًّا عن التّصنِيع الحُكُومِيّ للأدوِية والـمُستلزمَات الطبيّة وتشكّلَت منظُومة اجرامِيّة بِكُلّ ما تعنِيه الكلمة عنوانُها "الـمُستشفيات الاسـتِثْمارِيّة" أو ببساطَة "القِطاع الخاصّ" الطبيّ، جُـلِب لهُ كوادِر طبيّة من دُوَل ناتجها المحليّ الخامّ ضعِيف مُقارنةً بأقطَار رأس الـمَال الـمُعَوْلَم، وتكوّنَت مُنافسَة أحيانًا شرسَة بين الطبّ الرِّبحيّ ومصانع الأمصَال والأدوِيَة، وظهرَت مقُولات السّياحَة الطبيّة مثلاً ونُشِرت أرقَام عن أحجام الاسـتِثْـمارات الرّأسـمَالِيّة الخاصّة في القِطاع الطبّي وأُهْمِلت كُليّات الطبّ، وانتقَلَت ملكيّة مراكِز أبحاث كُبرَى لملكيّة لُصُوص بكُلّ ما تعنِيه الكلِمَة، والبقِيّة الباقِيَة رُوّج قصد الاستِيلاء عليهَا لِـمفاهِيم الشّراكَة بين الخاصّ والعامّ، لتكتفِي الدَّوْلَة بالإنفاق على انشَاء وتطوِير شبكَات الطُّرُقات ومدّ خُطُوط القِطارَات السّرِيعَة وإقامَة الجُسُور والـمطارات وشبكَة نقل جوّي بالشّراكَة أيضًا مع القِطاع الخاصّ أو بإسنَاد كُلّ الـمهامّ إلى عِصابات الـمُقاولِين، وطبعًا التّقارِير والتّصنِيفات والـمُؤشّرات تَضَعها دوائِر كُلّها (100%) تابِعَة لدوائِر استخبارِيّة تعمَل فقَط من أجل الرَّفْع من مكانَة "الـمُنافَسَة الحُرّة" والعمَل "الخاصّ" وتُروّج لدور الدَّوْلَة "الرّشِيقَة" التِي لا تتحمّل أعباءً اجتِـمَاعِيّة، حتّى أنّ التّغطِية والتّعوِيض والتّأمِين أصبَح خاصًّا، وما بَقِي عامًّا منهُ، 80% من مجمُوع انفاقه يذهَب لتعوِيض أصحاب الـمُستشفيات والـمصحّات الخاصَّة.
التفَت التّصنِيف والحقُّ يُقال لقُرب الخَدَمَات الطبيَّة من الـمُنتفع، وهذِه أيضًا أُسطُورة، ومن لا يفهَم فقَط عليه سُؤال سُكّان الأريَاف الأوروبيّة بأجمعها وسيفهَم، عِلاوَةً على التّكالِيف الفلكِيَّة لنقلِ مرِيضٍ في سيّارة اسعافٍ من منطقة لأُخرَى، ولم يأتِي لا من بعِيد ولا من قرِيب على ذِكر القوافِل الطبيّة والدّورِيّات الصحيّة الـمُشكّلة في إطار منظُومات الصحّة الرِّيفيّة وطِبّ الـمناطِق النّائِية ولا التّلقِيح الاجبارِيّ وطبّ المدرسَة والجامِعة وطبّ العمل، اكتفَى بأخذ أرقام ودمجها وتصنِيف الأقطَار، والبهائِم تحوّلَت لكائِنات مُجتَرّة تلُوك ما يُلقَى لهَا على منابِر الاعلاَم بمختلف أشكالِه.

يبدَأ تقيِيم الخِدمَة الطبيّة من نوعِيّتها ومدَى قُدرة الجمِيع بدُون استِثناء من التمتُّع بِها، وبالتّالِي مُنْطلَقها طِب العائِلَة، وطبّ الأطفَال والطبّ المدرسِيّ، طبّ العمَل، دورِيّات الـمُراقبة الطبيّة للسُكّان، وضع مُنشآت طبيّة قادِرة على تغطِية أكبر عدد من المواطِنات والـمُواطنِين فِي مراكِز قرِيبَة من أحيائِهِم وتوزِيع مصحّات وقايَة وعلاج سرِيع وكشْف وتشخِيص واسعَاف، ثُمّ قُدْرَة الدّولَة بمُؤسّساتها التّعلِــيـمِـيَّـة الـمجانِيّة على تكوِين وتدرِيب وتأهِيل وتوفِير كوادِر طبيّة وشبه طبيّة (أطقُم تمرِيض وأعوان مخابِر ونقل استعجالِيّ واسعاف وخدمات داخِل الـمُستشفيات من تنظِيف وطبخ وصِيانة) وتعزِيز هذا الكادِر عند الضّرُورة بشبكة مُتدرّبِين وطلبَة في مراحلهم النّهائِيّة الدِّراسيّة، شبكَة خدمات صحيّة وطنيّة فعليًّا، وليس طاقاتٍ مُستوردة مدفُوعٌ لها بالبترُودولاَر أو باليُورو أو على شاكِلة الولايَات الـمُتّحدة القائِمَة على الانتِفاع بالهجرة والعناصِر الوافِدَة الجاهِزَة؛ والعامِل الآخر في العمليّة العلاجيّة هُو توفُّر الـمُختبرَات ومراكِز الأبحاث الطبيّة (أحيانًا تكُون داخِل الـمُستشفى نفسه وليس بالضّرُورة في ناطحات سحابٍ زُجاجيّة) مع وُجُود اتّصال وتنسِيق مع إدارة لـمُكافحَة الأوبِئَة والأمراض المنقُولة أو سرِيعة العَدْوَى، مع قُدْرة تصنِيع الدّوَاء بطاقَات محليّة وفِي معامِل محليّة وقُدرة توزِيع على كُلّ الـمناطق عالِية تعمَل بدُون ارتِباك، والأهَمّ مجانِيَّة العِلاَج والدّوَاء وتغطِيَة الدَّوْلة لنفقَات الـمُواطِنَة والـمُواطِن من حجم الضّرائِب التِي تجمعها حتّى مِــمَّا يسِيل داخِل قنوات الصَّرْف الصحِّي ويدفع 75% أو أكثَر مُتوسّطُو الدَّخْل أو ضِعافه وحتّى الـمُعدمِين عند اقتِناء أيّ سلعَة بسِعرٍ يتضمّن الأدَاء على القِيـمَة الـمُضَافة.

عودة الآن لأوروبا بعد وَضْع ملامح أوليّة حقِيقيّة وعقلانِيّة لمفهُوم الخِدمَة الطبيّة الشّامِلة والرّاقِيَة، حجم الانفاق الأوروبيّ على العِلاج ضخم، حتّى يُمكن وصفُه بالـمهُول، لكن 93% منهُ يذهب لأرصِدَة "القِطاع الخاصّ" وسدَاد تكالِيف تصنِيع الأدوِيَة من شركاتٍ عابِرة للقارّات وتعوِيض لا مُبرّر لهُ لتُجّار الآلام والأوجَاع، تخلَّت الدُّوَل هُناك عن مُستشفياتها إثر التخلِّي عن مفهُوم مُجتمعات الرّفَاه ودُخُول النّيولِيبرالِيّة وعولمَة الاقتِصادَات والانسِحاب الكُليّ من التدخُّل الاجتِـمَاعِيّ، لترشِيد النّفقَات وكبْح جِماح المال الـمهدُور على حَدّ زعـمِـهَا، ومن ثَمَّة إعادَة ضَخّ ذلِك الـمال من جدِيد ولكِن فِي إطار سيلٍ مُزمن من إسهال تعوِيضَات ودُفُوعات وتسدِيد فواتِير لأصحاب الشّركات والـمُستشفيات الخاصَّة.

ترافقَت عملِيّة اغتِيال الشُّعُوب برصَاص رأس الـمَال الخاصّ والاستِثـمَار الهمـجِيّ في الطِبّ مع التخلِّي عن مصانع الأدوِيَة ومُستلزَمَات العِلاج وغيرها، وعِند أوّل أزمَة لفايرُوس عدوَاهُ شدِيدة، حتّى كمَّامَات ورقِيّة لم تُوجَد، واحتجّ القِطاع الخاصّ على اجراءَات العَزْل بل ووقَف ضِدّهَا وحرَّك أعوانه من أجل كبحِها (المتخلّف عقلِيًّا رئِيس البرازِيل الحالِيّ أبرَز مِثال، يلِه بُورِيس جُونسُون) وصرَّح قادَة دُوَل أنّهُم لن يخسِرُوا اقتِصاد"هُم" من أجل دعايَاتٍ لا أساس لهَا، أو في أفضَل الأحوال "ودِّعُوا أحِبّاءكُم" كـمَا قالهَا علانِيّة رئِيس وُزراء برِيطانِيا "العُظْمَى" التِي لم تكُن إلاّ عَظْمَة تأنَف الكِلاب السّائِبَة قَضْمَـهَا، بعد مُرُور شهرٍ كامِل، أي مُفتَتَح مارِس/آذَار 2020، الاجرَاءات مُتأخِّرة، كمّامات الأفواه الورقِيّة أو القُماشيّة غائِبة ولا أحد يُصنّعها (15 كمّامة كُلفة تصنِيعها أقلّ من دُولاَر واحِد، وورشَة بسِيطَة قادِرة على توفِير أكثر من 20 ألف يومِيًّا)، أجهِزة التنفُّس الاصطِناعِيّ غائِبَة فتوزِيع العمَل العالـمِيّ يقُوم على الاحتِكَار، عِلمًا وأنّ أيّ مصنَع تركِيب أجهزة راديُو أو تلفَاز قادِر على تصنِيعها بكفاءَة عالِية وبسُرعة، وتغطِية احتياجَات كُلّ الـمُستشفيات في خِلال شهر واحِد، مصانع الأدوِيَة دخَلَت إجازَة مفتُوحَة فالتّنافُس فيـمَا بينهَا مُحتَدِم حول أدوية السّمنَة والسُكّرِي وضَغط الدّم وأمراض القلب والشّرايِين وهِي أدوية شدِيد الاستعــمَال بفضل عاداتٍ غِذائِيّة حيوانِيّة مُرَوَّجٌ لها عالـمِيًّا، وتردُّد من وزارَات "الصحَّة" في السّماح باستِعـمَال هيدرُوكسِيد الكلوروكِين (Hydroxychloroquine (HCQ)) الذِي تم استخدامُه في مُكافحة المالاريَا أوبِئَة أخرَى إلى وقتٍ قرِيبٍ كانَت تعصِف بأوروبا، مع عُزُوف، وطبعًا تهدِيد مُبطَّن وحتّى علنِيّ، من اللُّجُوء لاسـتِخْدَام الدّوَاء الكُوبِيّ (Interféron Alfa-2B) والمعرُوف تجارِيًّا باسمِه (Heberon® Alfa R)، وحتّى الأَسِــــــــرَّة مصانعهَا غائِبَة أو مُتخوِّفَة من عدَم دفع الحُكُومات، ولم الشُّعُوب إلاّ بقايَا القِطاع العامّ الصحّي الذِي يعمَل بِــمَا لديْه ويبكِي أطبّاؤُه صباحًا مساءً أمام عدسَات التّصوِير الرّقــمِيّ بل وغادَر بعضهُم الـمُستشفيات ليتركُوا الـمرضَى لمصِيرِهم، وبدأت نزَعَات فاشِيّة في الظُّهُور من قِطاعات بورجوازِيّة صُغرى تتغنّى بِــمَا قدّمتهُ إيطالِيا للعالَم (طبعًا لم يذكرُوا مجازِر الرُّومان ولا نهب الشّعوب ولا سرقات حتّى المقابِر والآثَار ولا إذكاء الحُرُوب ولا احتِضانهم الفاشيّة ولا ملايِين الأرواح إبّان استعمار الحبشَة وليبيَا والصُّومال، واكتفوا بذكر المثلجَات والسباغيتِيّ التِي أخذُوها عن الأمازِيغ في شمال افرِيقِيا والرقصَات ولوحات فنيّة أيّ شعب يُنتج مثلها) وبأنّ العالَم ترَك ايطالِيا وحِيدَة، وفعل بعض الاسبَان مثلهُم وطبعًا أنهار الدِّماء وحملات الإبادة نُسِيَت وحتّى الملِك الذِي أعاد سلفه كارلُوس من مكتبة التّارِيخ الجنرال فرانكُو الفاشِيّ تغنّى ببلادهِ ودعَا لتقدِيم الـمُساعَدَة وتعالَت الأصوات حتّى من داخِل فرنسَا تهافُتًا على الـمُساعدَات الصِّينِيّة والرُّوسِيّة، ومن تحت الطّاوِلَة طلَب التدخُّل من بيجِين ومُوسكُو للحُصُول على الدّوَاء الكُوبيّ، بل ونزَلت أطقُم من الكتائِب الطبيّة الخارجِيّة الكُوبيّة في لومبارديا وفي أندورا البلد الأوروبِيّ الصّغِير المحصُور في الجِبال بين مطرقَة فرنسَا وسندَان اسبانِيا، وطبعًا الهستِيريا الكِلابيّة الأمرِيكِيّة لا يُمكنها التحمُّل فتتالَت الانتِقادَات تجاه قبُول التدخُّل الطبيّ الكُوبيّ لدرجَة تخصِيص جُزء من الـمُداولاَت لهذا الملفّ إبّان زيارة وزِير الخارجِيّة الأمرِيكِيّ لرُومَا وتقدِيم صحفيّة إيطالِيّة طعَام الكِلاب لهُ.

عودة للتّصنِيف المهزلِيّ للأقطَار من حيث الخدمَات الطبيّة، استغرَبت مثلاً غِياب كُوبا عن التّصنِيف رغم ذِكر كُوستارِيكا وبورتورِيكُو والدُّومينِيكان مثلاً، وكان مُفاجِئًا تصنِيف فينزوِيلاّ بعد كُولومبيا والإكوادُور والشِّيلِيّ والبرازِيل، بل ووضعها في مُؤخّرة التّرتِيب، حجم التّغطِية الصحيّة الفينزوِيلِيّة مِثالِيٌّ بكُلّ المقايِيس العقلانِيّة وحتّى أنّه مُتفوّق على أوروبا والولايات الـمُتّحدَة، فتقرِيبًا في كُلّ بلديّة مُستشفى مع عدد من مراكِز التدخُّل العاجِل وانتِشار وحدات الطّوارِئ الطبيَّة في جبال الأندِيز وأدغال روافِد الأمازُون، مع كفالَة شامِلة مجانِيّة تمامًا من لحظَة الـحمْل للولادَة إلى المدرسَة والجامعة والعمَل، كُلّ الجراحَات بِـما في ذلك المجهرِيّة والـمُعقّدة مجانِيّة، مع تواصُل "عمليّة المُعجِزة" (Misión Milagro) بالاشتِراك مع كُوبا وبطابعٍ فينزوِيليّ في جِراحات العيْن والفم وطِبّ الأسنَان والمرأة والعِظَام وتوزِيع بِطاقاتٍ صحيّة وطنيّة تُسمّى بطاقات الوَطَن (carta pátria) بمُوجبها يتمكّن حاملها من التمتُّع بكُلّ الخدمات الطبيّة والأدويَة وحتّى مُساعدة غذائِيّة شهرِيّة مجانًا، والنّتِيجَة، وفق التّصنِيف الأمرِيكِيّ للدُّوَل، أنّ كُولومبيَا ليسَت لها إلاّ آلة واحِدَة لتحدِيد والتِقاط مرض كورونا، وتعطّلَت الآلة، فأهدتهُم حُكومة فنزوِيلا (التي لا تعترِف بها حُكُومة كولومبيَا بمُوجَب أوامِر واشُنطن) آلتيْن، في الوقت الذِي تتوزّعُ فِيه هذه الآلات في كُلّ منطقَة بلدِيّة، أمّا عن البرازِيل فليتحدَّث الجمِيع بلا خوف، فرئِيسهم دعا لشُرب الشّاي لتنزاح "الأنفلونزا" العاديّة، ولِــمُمارسَة الرّياضَة، ولن أُعِيد الحدِيث عن كُوبَا فقد كتبتُ فيه بحثًا مُطَوّلاً، رغم الحِصار والحرب الاقتِصادِيّة، وهُو ما لم ولن تتحمّله مافيا البيْت الأبيَ أمام هوْل ما يحصُل للسُكّان داخِل الولايات الـمُـتّحدَة نفسَها، لدرجَة إعدَاد خُطّة تحرُّك عسكرِيّ في أمريكا اللاّتِينيّة ينطلِق آخِر شهر أبرِيل/نِيسان، لكن وَضع أقطار البترُودولار في هذِه المراتِب غرِيب فعلاً مع شبه عدم وُجُود كادِر طبيّ محليّ ولا قُدرة وطنيّة على التّكوِين والتّأطِير ولا حتّى بِناء مُستشفيَات بسواعِد محليّة، النتائِج فاضِحة والأرقَام وحدهَا لا تكذِب (فيما عدَى أرقام آل سعُود حول أعداد الشّفاء أو حتّى الـمُصابِين)، أخِيرًا صرّحَت إدارة واشنطُن عن انتِقام بِسبب الكمَّامَات، وتعدَّدَت حالات السّطو على شحناتٍ صِينِيّة مُتوجّهة لدُول أخرى، لدرجة توصِيف البعض للمرحلة بِحرب الـكمّامَات، عِلاوةً على رَفْع شركات التّصنِيع لأسعار مُعدّات وأجهزة التنفُّس لأربعة أضعاف، وهِي شركات تبِيع لحُكُوماتها بالـمُناسبَة.

مأساةٌ تحصُل تُمَزّق فعلاً القُلُوب في الإكوادُور، عمَل الرّئِيس الجدِيد مُورِينو على تحطِيم كُلّ ما كان قد بُنِي في فترة الرّئِيس رافايِيل كُورِيَّا والذِي كان هُو نفسُه نائِبًا لهُ، فأجَّج حملَة احتِجاجاتٍ قُـمِعَت بالقُوّة وألجأتهُ لـمُغادرة العاصِمة كيتُو مع أركان حُكُومته، تحت إملاءات صُندُوق النّقد الدُّوَلِي وبإرشادٍ من حُكُومة واشنطن التِي كانت تعمل على مُحاصرة فينزوِيلاّ التي تعتبرها الجائِزة الكُبرَى الـمفقُودة في حدِيقتها الخلفيّة، وطبعًا تمّ إلغاء اتّفاقيّة التّعاوُن الطبيّ مع كُوبا التي لم يجرُأ أحد قبله على إلغائِها، والتِي قامَت مُنذ أن وُقّعت بالكشف عن 7 ملايِين ساكِن ومِئات آلاف العمليّات الجِراحيّة عِلاوةً على نصبِ مُستشفياتٍ ميدانِيّة في المناطِق النّائِيّة وأقامت مُخيّمات طبيّة في قُرى السُكّان الأصلِيِّين، لقَد انهارَت الخدمَات الطبيّة العامّة لصالح أربا الـمَال والقِطاع الخاصّ الطبيّ، وبِمُجرّد ظُهُور الفايرُوس، فشلَت المنظُومة في العلاج أو احتِواء، وانهارَت ليسَت فقَط القُدرة الطبيّة، بل والمنظُومة الصحيّة ذاتها، جُثَثٌ مُلقاةٌ على الطّرِيق مُنذ أكثر من أُسبُوعيْن بدأت تتحلّل، وموتَى آخرِين لا يزالُون في المنازِل أحيانًا مُغلّفِين بالثّلج الغِذائِي من الثلاّجات المنزليّة، وأحيانًا داخِل صنادِيق، الكِلاب والقطط أصبَحَت حامِلة للعدوَى، وغادَر الأطبّاء الـمُستشفيات لانعِدام الإمكانِيَّات، وتحوّلَت العاصِمَة الاقتِصادِيّة للبِلاد والتِي كانت تُعرف بِــلُؤلُؤة المُحِيط الهادِئ غواياكِيل (Guayaquil) إلى محطّة مفتُوحة للـموْت بفضل خَصْخصة القِطاع العامّ.

تبيّن بالكَاشِف حجم الدّعاية وزيْفها حول الدُّوَل "الـمُتقدّمَة"، وظَهَر من هُو الـمُتقدّم فعليًّا ومن الـمُتخلّف لا فقط صحيًّا ولكن عقلِيًّا أيضًا، وليس الوقتُ وقت تضامُن بل هُو أوان مُحاسبَة وضغط ومُحاكمَة وتندِيد بالإجرام الـمَقْصُود في حقّ الشُّعُوب ومُقدّراتها وتخرِيب قطاعها العامّ الذِي يحمِيّ ويصُدّ أيّ هجمَة حتّى لو كانَت عسكرِيّة، لقد باعدَت كُورونا نهائِيًّا بين البشَر وأزَاحت الغُبار عن خنادِق ومتارِيس موجُودَة لكنّها قُنِّعَت، خندَق الشُّعُوب، وتتضامَن فيما بينهَا، وخندَق البورجوازِيّة وأرباب الرِّبح حتّى من تجارة العلاَج وطبّ القِطاع الخاصّ، ولكُلّ خندَق حُلفاؤُه طبعًا من حُكُومات وشركَات ومن شاكلها، فمَن يُرِيد معرفَة وضع البلَد الذِي وُلِد ويعيِش فيه، فليسأل، حكُومة بلدِي مُصطَفّة مع مَن، آنذَاك سيُدرك مهمّاته ويعلم هل يُواجهها خاصّة في ظلّ تفشِّي الفايرُوس لأنّها ستعجَز عن تجاوُزه وستتسبّب في مزِيدٍ من التّفقِير وحتّى المجَاعَة وتزِيد من التسوُّل، أم يُساندها.



#السموأل_راجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كُورونا، كُوبا والأُمَـــمِـــيَّة الطبيَّة
- لا تدعهُ يمُرّ، ابحَث عن حلٍّ حتّى يمُرّ فقط للعمَل!
- كورُونا العرَب وكورونا كارَاكاس
- آل سعُود ،طفيليَّات أصبحَت سرطانًا
- مُقترحَات برنَامج عمَل لمبادرة توحِيد اليسار العِراقيّ
- مرّة أُخرى،نشِيد الأُمميّة عنوانٌ لذكرى الفاتح من آيار/مايُو
- بعضٌ من الأخلاق الشُّيُوعيّة
- الأرضِيّة التّكتِيكِيّة للأُمَمِيّة الشُّيُوعيّة
- المُشاركَة والمُقاطعة فِي انتِخاباتِ اليَمِين
- مُنَاجَاةٌ ليْلِيّة مع سُورِيَا
- كاسترُو يرُدّ على أوبامَا
- يومٌ أمَمِيّ للمَرْأة
- مَشْهَد أرعَب الوِلايات -المُتَّحِدَة-
- إلى الباجِي قايِد السِّبسِي : استحِي
- بِبساطَة حول تُونِس
- الشّعبُ المُوَحَّد لا يُهزَم أبدًا
- في ذِكرَى ثورةالفاتِح من نُوفمبِر 1954، الجزَائِر على المِحَ ...
- توكّل كرمَان فِي بيرُوت
- رَضْوَان المَصْمُودِي رجُل المُوسَاد
- آخِر نِداءات سالفادُور آللِّيندِي


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل محاضرة في الجامعة العبرية بتهمة الت ...
- عبد الملك الحوثي: الرد الإيراني استهدف واحدة من أهم القواعد ...
- استطلاع: تدني شعبية ريشي سوناك إلى مستويات قياسية
- الدفاع الأوكرانية: نركز اهتمامنا على المساواة بين الجنسين في ...
- غوتيريش يدعو إلى إنهاء -دوامة الانتقام- بين إيران وإسرائيل و ...
- تونس.. رجل يفقأ عيني زوجته الحامل ويضع حدا لحياته في بئر
- -سبب غير متوقع- لتساقط الشعر قد تلاحظه في الربيع
- الأمير ويليام يستأنف واجباته الملكية لأول مرة منذ تشخيص مرض ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف وحدة المراقبة الجوية الإسرا ...
- تونس.. تأجيل النظر في -قضية التآمر على أمن الدولة-


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - السموأل راجي - كُورونا تقُوم بالفَرْز