المسئولية الجنائية عن نقل فيروس كورونا في القانون العراقي -دراسة استقرائية-

محمد سرحان الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 6529 - 2020 / 4 / 5 - 04:11
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    

انتشر مرض كورونا في العالم باسره حاصدا ارواح الالف البشر والايعلم حدود وخطورة هذا المرض كونه فايروس سريع الانتشار ويتفشى كالنار في الهشيم، اذ ينتقل بين المخالطين من قبل المصاب لاهون الاسباب ، كما انه حتى الان لم ينتج علاج او لقاح له، ولهذا فان اهم اجراء طبي في الوقت الحالي هو عزل المصاب في مؤسسة صحية لكف اذاه عن المحيطين به ومحاولة انقاذ المصاب نفسه ، وعزله عن المجتمع وذلك يتم بالاشتراك من قبل الموسسات الصحية التي تقوم بعمل العزل، والمؤسسة القضائية والأجهزة الامنية باتخاذ الاجراءات والتدابير الوقائية للحد من انتشار هكذا امراض انتقالية ، ولكل ما تقدم انتهج الشارع العراقي مبادئ واجراءات وقائية للتعامل مع الامراض المعدية والتي تنتشر بين الحين الى الاخر وتفرض التزامات ميدانية والتي يجب على حامل الفيروس ان لا يتجاهلها والا تعرض للمسأله القانونية حسب السياسة الجنائية المتبعة في تشريعنا العراقي، وعندما تكون هناك مسؤولية جنائية فيتوجب توافر ثلاثة اركان لكي تتحقق تلك المسؤولية ، ولتفصيل اكثر سوف نتناول موضوعنا هذا في ثلاثة محاور:
-المحور الاول : الركن الشرعي لجريمة نقل مرض خطير (فيروس كورونا) ، ونعني بالركن الشرعي هنا هو مجرد وصف او تكييف يضيفه القانون على السلوك الاجرامي، بمعنى اخر اي النصوص القانونية التي جرمت انتشار الامراض الانتقالية (فيروس كورنا) وانطباق السلوك الاجرامي نقل وانتشار الامراض المعدية على قاعدة قانونية اي نص اجرامي وهذا واضح من خلال نص المادتين (368-369) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنه 1969، والتي نص فيهما على (الجرائم المضرة بالصحة العامة) وكذلك قانون الصحه العامه العراقي رقم 89 لسنه 1981، ومن خلال نص الماده (44) من القانون الاخير قد عرفت الامراض الانتقالية بانها الامراض الناجمة عن الاصابة بعامل معدي او السموم المتولدة عنه والذي ينتج عن انتقال ذلك العامل من المصدر الى المضيف بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وكذلك نص المادة (3 الفقرة ثانيا) من ذات القانون والتي افصحت على "مكافحة الامراض الانتقالية ومراقبتها ومنع تسربها من خارج القطر الى داخله وبالعكس او من مكان الى اخر فيه والحد من انتشارها في الارضي والمياه والاجواء العراقية، بالاضافة الى التعليمات الصادرة من رئاسة الجمهورية "مكتب الرئيس" في 2 نيسان 2020، والتي تناولت اطلاق سراح الموقفين والمحكمومين في الموسسات العقابية ومراكز الاحتجاز والايداع ممن قضاياهم قيد التحقيق او المحاكمة، بكفالة مالية ضامنة او شخصية او بكفالة موظفين اثنين ضامنة، تؤمن حضوره حين الطلب من سلطه التحقيق او سلطة الحكم ، وهذه التعليمات ليست مطلقة بل يستثنى من اطلاق السراح هذا، اذا كان المتهم موقوفاً عن جريمة معاقب عليها بالاعدام او جرائم الارهاب او جرائم الخطف او جرائم الفساد المالي والإداري ، وتتم تلك الاجراءات باشراف مجلس القضاء الاعلى والايعاز الى محاكم الجزاء وقضاة التحقيق بسرعة حسم قضاياهم واطلاق سراحهم ، كذلك تضمنت تلك التعليمات ضرورة سرعة تنفيذ القرارات الصادرة باخلاء سبيل المحكومين الذي امضوا مده محكوميتهم ولم ينفذ بحقهم اخلاء السبيل، والايعاز الى ادارات المؤسسات العقابية لتنفيذ هذا الاخلاء، بشرط ان لا يكونوا مطلوبين عن قضايا جنائية اخرى لوجود تلكؤ في اخلاء السبيل ، فضلاً عن شمول المحكمومين الذين امضو ثلاثة ارباع المدة بالنسبة للبالغين، وثلثيها بالنسبة للاحداث بالافراج الشرطي استناداً لاحكام المادة 331 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنه 1971، باستثناء الجرائم التي لايسري بحقها الافراج الشرطي.
المحور الثاني : الركن المادي لجريمة نقل مرض خطير (فيروس كورونا) ، ونعني هنا ماديات جريمة نقل مرض معدي، فقد عرف قانون العقوبات العراقي سالف الذكر في المادة (28) منه على ان الركن المادي "سلوك اجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون او الامتناع عن فعل امر به القانون" سيما وان السلوك الاجرامي لجريمة نقل مرض خطير "فيروس كورونا" هو فعل النشر ونقل ذلك المرض عمدا وعلى علم يقين،اما النتيجه الضاره لتلك الجريمه هو موت الانسان او اصابته بعاهة مستديمة، فضلاً عن العلاقة التي تربط هذا السلوك وتلك النتيجة، وهذا ما افصحت عنه المادة (368 عقوبات عراقي) يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على ثلاثة سنوات كل من ارتكب عمدا فعل من شأنه نشر مرض خطير مضر بحياة الافراد، فاذا نشأ عن الفعل موت انسان او اصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي الى الموت او جريمة العاهة المستديمة حسب الاحوال.
المحور الثالث: الركن المعنوي لجريمة نقل مرض خطير (فيروس كورونا) ، ويتمثل هذا الركن بأتيان النشاط الاجرامي اما بشكل عمدي او عن طريق الخطأ، وبصفة عامة يمكن القول ان "القصد الجرمي" في جريمة نقل فيروس كورونا يتمثل في توجيه الفاعل ارادته لغرض تحقيق واقعة اجرامية اما موت انسان او اصابته بعاهة مستديمة، مع العلم بحقيقتها سواء من الناحية القانونية ام الناحية المادية، بمعنى اخر هو توجه ارادة الجاني الاثمة الى تحقيق النشاط الاجرامي وموت الانسان جراء نقل ذلك الفيروس مع حصول علمه بحقيقة ذلك النشاط وتجريم المشرع لهذا النشاط، اما بالنسبة الى (الخطأ الجنائي) لتلك الجريمة فهو على عكس القصد الجرمي المذكور اعلاه، اذ ان ارادة الجاني في الخطأ الجنائي لم يتجاوز حدود الفعل لاستهداف النتيجة الاجرامية التي قد تتحقق سواء بموت انسان ام اصابته بعاهة مستديمة جراء نقل هذا الفيروس، بمعنى اخر يكون نقل فيروس الى انسان عن طريق الخطأ وانتفاء عنصر العمد فهنا ايضاً اوضح قانون العقوبات العراقي المشار اليه اعلاه في المادة (369) بالنص على "يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنة او بغرامة مالية كل من تسبب بخطأ في انتشار مرض خطير مضر بحياة الافراد ، فاذا نشأ عن الفعل موت انسان او اصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة القتل الخطأ او جريمة الايذاء الخطأ حسب الاحوال، والسبب في ذلك يعود الى انتفاء القصد الجرمي العمدي لاسباب كثيرة منها عدم علمه بالإصابة بالمرض المعدي.
راينا في الموضوع: عند استقراء الوضع الذي نعيشه اليوم، والهالة الاعلامية التي كرست انشطتها لتبيان مخاطر فيروس كورونا على الطاقة البشرية، وخصوصاً ان هذا المرض ينتشر في الاماكن المكتظة والمزدحمة، ولا يفوتنا وتوضيح امر غاية في الاهمية وهو حماية "الموقوفين والمحكومين في الموسسات العقابية ودوائر الاصلاح العراقية السجون" وايضاً المتواجدين على ذمم التحقيق والحبوسين احتياطياً او في مرحله المحاكمه،لذلك نقترح اتخاذ بعض الاجراءات القانونيه التي من شأنها تخفيض من اعداد الموقوفين والمحكومين والمودعين ،والتي تنسجم مع روح القانون واطلاق سراحهم بكفالة ضامنة، او الشمول بالإفراج الشرطي للمحكومين لمن تنطبق عليهم شروط الشمول، بناءً على ما تقدم نأمل من المشرع العراقي التدخل وبأسرع وقت تخوفاً من وقوع كارثة في المؤسسات العقابية، والإيعاز الى محاكم التحقيق بالانجاز السريع للدعاوى التي على ذمة التحقيق، وايجاد الحلول المناسبة والتي تتفق مع ضمانات المتهم اثناء مرحلة ما قبل المحاكمة، وعليه يتوجب اصدار عفو خاص او استثنائي للمحافظة على حق الحياة للانسان المشار اليه في الدستور العراقي والعمل دوما على اتخاذ اجراءات انسانية تنسجم وطبيعة التهديد للحياة ، وان حماية الانفس مقدمة على ما سواها وبها ترتقي الامم .

#محمد_سرحان_الحمداني (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات