أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزهة أبو غوش - نورس يبحث عن الأحباب-قصة قصيرة














المزيد.....

نورس يبحث عن الأحباب-قصة قصيرة


نزهة أبو غوش
روائيّ وكاتبة، وناقدة


الحوار المتمدن-العدد: 6529 - 2020 / 4 / 5 - 02:09
المحور: الادب والفن
    


نزهة أبو غوش:
في طريقها إِلى المطار مرّ شريط ذكرياتها سريعا أمام عينيها، كانت حينها تنتظره في تلك الحديقة الباهتة ذات الأشجار المتفرّقة والمقاعد الخشبيّة الكالحة.
كانت خطواته المتأرجحة تشي بشيء ما. لم تفلح ابتسامته في اخفاء ارتباكه. بدا في عينيه انّه يريد ان يخبرها شيئا؛ لقد اعتادت على ابتسامته الرّائقة المراوغة لعينيها، كلماته رغم تعثّرها، كانت مملوءة بالدفء والشوق.
" لمى، يجب أن أسافر غدا لإكمال تعليمي، انتظريني، لم يتبقّ إِلا سنة ونصف السّنة، حتّى أعود حاملا شهادتي" كتمت آهة، ثمّ استلّت شهيقا، وأغمضت عينيها الّلتين كانتا تغازلان عينيه؛ فسقط هدير صوته إِلى أعماقها مثل كرة حديديّة وقعت في قعر البئر. لأوّل مرة يصرّح لها بأنّه يحبّها كما أحبّته، حتّى دون أن يلفظها صريحة؛ لأنّه قال لها: انتظريني.
" يا الله... كم أنا سعيدة هذا اليوم؛ لأنّني سألقاه!. سنة ونصف. هههههه كم رأيتها بعيدة حينها! صدقت جدّتي، دائما تقول:
" الأيّام بتجري جري".
"هل نحن من نتحكّم بالزّمن، أم هو الّذي يتحكّم بنا؟ لا وقت لديّ لأُفكّر وأحلّل الآن، عندما نلتقي سنحلّل ونناقش، ونضحك، و... لا أعرف ماذا أفعل بعد غياب عنان كلّ هذا الوقت؟ كيف يبدو بعد طول غيابه؟ هل تغيّرت لهجته. هل ازدادت سمرته؟ لا أعتقد، أريده كما هو بعينيه السّوداوين وحاجبيه العريضين وقامته المتوسّطة، وفكره العميق، وبعد نظره. ماذا يلبس يا ترى، قميصا مقلّما أم سادة، أم مربّعا؟ لا أعتقد بأن يكون مربّعا؛ لأنّ أفكاره ومعتقداته ونظرته للحياة ليست مربّعة أبدا، بل هي مفتوحة وواضحة أمام الفضاء وأمام الشّمس والحياة.
أشعر بأنّ الزّمن يطرّز أحلامي الجميلة على مهل. أخاف أن تتخدّر شفتاي بهمهمة مبهمة من شدّة شوقي ورغبتي بلقائه، ما أصعب الاشتياق الّذي يسبّب لنا اللوعة! ماذا سأفعل أمام صهوة رغبته وشوقه الجارف؟ سأفرّغ كلّ ما يعتمر قلبي، ولم أبح به حتّى الآن...لا ...لا ضرورة للكلمات لن أقول شيئا. فقط أرغب باحتضانه، وبثّ أشواقي المدفونة بين أحضانه!"
عندما بدأت النّوارس ترفرف مسرعة خلف الشّمس الهاربة نحو الغرب، وصلت المطار. بدأ قلبها ينبض بفوضى عارمة. اختلطت به مشاعر غريبة لا تشبه شيئا. رعشة اللقاء دعت رجليها ترتعشان.
" لا أعرف لماذا ؟ هل هو الخوف؟ هل هو الارتباك...الانفعال...؟ لا أعرف. هل هو الخجل يا ترى؟ نعم. مؤكّد بانّه الخجل، ماذا لو فعلها عنان واحتضنني بلهفة اللقاء بقوّة وقبّلني، وتعانقت أنفاسنا وأرواحنا ؟ ربّما سيغمى عليّ من شدّة الخجل، يا إلهي ارحم قلبي، وهدئ حرارة شوقي "
عادت تقطف شيئا من حديقة ذكرياتها حين كانا يسيران نحو الشّاطئ،
وتعلّقت عيناه نحو النّوارس الّتي تسير ببطء فوق الرّمال المبلولة على غير هدى. حينها سألها:
" ترى، هل تعشق النّوارس مثلنا؟ وهل ينبض قلبها بالخوف من فراق أحبّتها؟ هل تبيت ليلها تتقلّب وترجو لقاء حبيبها؟ "
ما زالت تذكر ضحكته الرنّانة الّتي استفزّت الأمواج لتفرز زبدها نحو الشّاطئ. قال لها بنبرة لا تخلو من الخجل:
"كم أنت جميلة حين تلمع عيناك، ويتورّد خدّاك من شدّة الخجل!"
عند اقترابها نحو البوّابة رقم ثلاثة، رأت شيئا غير مألوف، سيّارات اسعاف لم تعرف عددها، وسيّارات شرطة مجنونة تزعق أبواقها، وتفرش أضواءها الزّرقاء لتغطّي كلّ المساحة. نساء ورجالا يهتفون... لا.. لا نريد الحجر..لا نريد أن تحجروا أبناءنا، أعيدوهم...إِنّهم غير مرضى.
امتلأت قاعة المطار برجال يلبسون مثل رجال الفضاء، يغطّون أجسامهم، ويجرّون عربات فيها أشخاص غير واضحي الملامح داخل صناديق بلاستيكيّة، وربّما زجاجية؛ مسرعين نحو سيّارات الإسعاف.
توقّف رجل مسنّ في حوالي الثّمانين من عمره موجّها صوته المفعم بالتوسّل الّذي لا يخلو من رغرغة دمع مكتوم:
" ولدي لم ألتق به منذ سبع سنوات، سافر ليتعلّم الطّب. أخبروني ماذا حدث له، قولوا لي الحقيقة، أنا لست خائفا؛ لأنّني مؤمن بقضاء الله"
أمسكت به الشرطيّة وابتسمت له بتودّد:
" لا تقلق سيّدي، إِنّه فقط إِجراء روتيني نجريه للعائدين من السّفر"
ازدادت الفوضى، وعلت الأصوات، علا صوت مكبّر الصّوت:
" ابتعدوا عن بعضكم مساحة مترين على الأقلّ.اذهبوا الى بيوتكم والتزموا بها"
راحت تتمسّك بباقة الورد الّتي ستقدّمها لعادل.
استحوذها قلقها الشّرس أن تخترق كلّ شيء، حتّى وصلت مركز الإستعلامات، وقد سبق لهاثها تلعثمها، صعب عليها أن تبتلع ريقها الجافّ فهمت الموظّفة خلف الزّجاج من كلماتها المتقطّعة" عنان ...طائرة رقم 2020 .
" سيّدتي المرض الّذي يحمله العائدون من الخارج، خطير جدّا ومسبّب للعدوى، إِنّه فايروس يسمّى الكورونا؛ لقد حوّلوا كلّ ركّاب الطّائرة إِلى الحجر الصّحيّ، إِلى مكان يبعد عن المطار مئة كيلو متر، خوفا منهم، وخوفا عليهم."
" ماذا؟ أقول لها عنان، وتقول لي خوفا منهم"
أرادت أن تهتف، أو تصرخ، أو تستنجد، لكن يبدو أنّ الصّدمة قد ابتلعت صوتها، فتبدّدت أمامها أُلفة كلّ الأماكن، وشعرت بأنّ سحبا سوداء قد غطّت عينيها وقلبها معا.
سمعتهم يتحاورون، ويتهامسون:
" هذا مركّب بيولوجي من صنعه الإنسان"
" صنع الإنسان؟ يا إلهي...هل ذبلت زهرات الإيمان في حديقة قلوبنا؟ هل امتلأ هذا الكون بالجور والظلم؟ هل فقدنا إنسانيّتنا؟ هل سيتحكّم بنا الزّمن ويهلكنا، أم إِنّنا المهلكون ؟ هل سيقتلون الحبّ في هذا الكون؟ صحيح...هل سيبحث النّورس عن الحبيب، أم سيلحق به حتّى ولو كان في طريقه نحو الموت؟"
خرجت تركض لاهثة عبر الشّارع؛ كي تصل على بعد ألف ميل وأكثر.



#نزهة_أبو_غوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنان يتعرف على مدينته والشخصيات المتشابكة
- على ضفاف الأيام وعاطفة الحب
- رواية الخاصرة الرخوة لجميل السلحوت
- قصة-الأرجوحة-والارتباط بالأرض
- تحليل كتاب -من بين الصخور-
- رواية الحائط وتحقيق الذات
- خلق الشّخصيّات الإيجابيّة في رواية -ليت-
- الصراع في رواية شبابيك زينب
- ميلاء سعاد المحتسب وعاطفة التّحدّي
- رواية السّيق والقلق
- وميض في الرّماد ومعاناة المغتربين
- الصراع في رواية هذا الرجل لا أعرفه
- أشواك البراري وسيرة التحدي
- -طلال بن أديبة- والاعتماد على الذات
- برج الذّاكرة، للكاتبة الفلسطينيّة، حليمة دوّاس ضعيّف.
- رواية الرقص الوثني والخروج عن المألوف
- الحالات النّفسيّة لشخصيّات عشاق المدينة
- طغيان العاطفة في رواية -قلب مرقع-
- سردية اللفتاوية والجذور
- هواجس نسب حسين والضياع


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزهة أبو غوش - نورس يبحث عن الأحباب-قصة قصيرة