أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الاسلام السياسي















المزيد.....


الاسلام السياسي


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 6528 - 2020 / 4 / 4 - 14:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشر الشيخ عبدالكريم مطيع اللاّجئ السياسي ببريطانيا العظمى ، وعبر PDF كتابا له بعنوان : " الخلافة الراشدة الأولى نشأة وتجربة " ضمن ما سماه " البديل الإسلامي النموذج " / " في الفقه الإسلامي " .
الكتاب من الأهمية بمكان ، وكل من قرأه بتمعن وتدقيق ، وحلله من جميع الجوانب ، سيجد ان الشيخ رغم انه حاول اللعب على التمايزات ، والاختلافات بين المدارس الإسلامية ، سنة وشيعة ، وذكر بعض التجارب كالترابي ( السودان ) ، لمحاولة اعتماد الموضوعية ، فانه من خلال ذمِّه لمعاوية ابن ابي سفيان الذي انشأ حكما وراثيا سلاليا ، فهو كان يذُمُّ الدولة كأول دولة اخذت تعريف الدولة في الإسلام ، وهي مقتبسة من اشكال الدولة في روما ، وبزنطة ، وبلاد فارس .
انطلاقا من هذه الحقيقة ، فان الشيخ عبدالكريم مطيع يناصر نمط الحكم الراشدي ، وليس نمط الحكم الدولتي ، وهنا حين يرد الشيخ امر الحكم ، وامر التقرير في مصير الامة / الشعب ، الى الفقهاء ، والى اهل الحل والعقد ، وأصحاب الشورى ، وولاية الفقيه ... فهو يقطع كل الجذور والامكانيات لفتح نقاش او حوار سياسي / عقائدي / أيديولوجي ، مع الرأي الآخر المتخوف من الأنظمة المتحكمة ، والفاشية التي تتخذ الدين مطية للسيطرة على المجتمع ، من خلال السيطرة على الدولة ، والتي تختزل كل الحكم ، وكل النظم ، في اقلية رجال الدين من الفقهاء بمختلف مشاربهم ، وتنوع قراءاتهم لشكل ونمط الدولة ، التي يجب ان تسود الكون / كل الكون ، وليس فقط المجتمعات العربية والإسلامية .
هنا سنجد الشيخ لم يقطع ابدا مع نصوص النصف الثاني من الستينات ، والسبعينات ، والثمانيات ، التي عبرت عنها العديد من الإصدارات المختلفة في المغرب بالدارالبيضاء وسلا، ومن خارج المغرب باريس ، وهي الدعوة الى إقامة حكم إسلامي راشدي ، وليس دولتي .
والسؤال الذي نوجه للشيخ الكريم ، هل الوضع الحالي الذي نعيشه عالميا ، وعلى كافة الأصعدة التي أهمها الوحش كرونا الذي كذب التخاريف ، والنظريات اللاهوتية ، والاساطير البزنطية ، يقبل ان ينجح نظام باسم الخلافة الإسلامية التي لم تكن ابدا ديمقراطية ، بل انها كانت خلافة فاشية تحتكر اصل الحكم في شخص الخليفة ، وليس في المؤسسات التي لم تكن موجودة ابدا ؟ .
وهنا فإننا سوف لا نناقش الدين كعقيدة ، بل اننا نحلل فترة زمنية ، هي فترة الخلافة التي كان على رأسها بشر ، ولم يكن على رأسها ملائكة ، وبما ان البشر كما يصيبون يخطئون ، فأكيد انه كان من الخلفاء العادل ، والظالم ، والمفترس الذي سطا واسرته على بيت مال المسلمين ، أي يجب ان نضعهم جميعا في دائرة النقد ، باعتبارهم حكاما سياسيين لا أئمة معصومين ، لأن النتائج التي ترتبت على سياساتهم الفاشية كانت اكبر ، واضخم ، واوسع من هؤلاء الأشخاص نفسهم : يقول ابن ابي الحديد في " نهج البلاغة " " .... ولو كانت الصحابة عن نفسها بالمنزلة التي لا يصح فيها نقد لعلمت ذلك من حال نفسها ... وكان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك ويقولون في العصاة منهم هذا القول " ، مع العلم ان الاضرار التي تعرض لها المسلمون في عهدهم ، كانت اكثر من الإفادات التي أفادت الارستقراطيات الخاصة كالقرشية ، وهنا بماذا نفسر قتل كل الخلفاء بالخناجر على ايدي المسلمين ، وفي المساجد اثناء تأديتهم للصلاة ؟ وبماذا نفسر ثورة الناس عليهم وعلى أنظمة حكمهم ؟
وإذا كان هذا حال الخلفاء مع نظام الخلافة ، فماذا نقول عن الحكم الجبري الانقلابي الاموي ، والحكم العباسي ، والسجلوقي العثملي ، وماذا نقول عن يزيد الفاسق ، والوليد السكير ، وابو العباس السفاح ، والأمير الماجن ... الذين كانوا يسمون بدورهم خلفاء ، ويحرصون على انتسابهم الى سلالة النبي ، ويطلقون على انفسهم لقب امير المؤمنين ..؟
وحتى نغوص في تحليلنا على ما جاء من شذرات تدعو الى منهاج الخلافة ، وليس الى الدولة بمفهومها الابستيمولوجي ، والسياسي ، سنحاول عرض اصل الخلاف مع هذا التوجه اللاّديمقراطي ، باسم الإسلام ، وباسم الدين ، لنصل الى حقيقة مرئية لا تقبل الشك من حيث أتى ، وهي ان جميع الاصوليات ، والحركات الإسلامية السياسية ، هي ملة واحدة ، وان اختلفت ظاهريا بين مختلف تنظيمات ، وحركات الإسلام السياسي ، من سني بروافده المختلفة ، وشيعي بروافده المختلفة كذلك ، وهذا يؤكد على الحقيقة الصادمة ، وهي ان أي حوار او نقاش مع الأصولية السياسية ، يكون عديم النتائج انْ حصل ، وفي غالب الاطوار فالحوار مع كل هذه التيارات التي تنشد السطو على الدولة ، ومنها على الشعب ، ليسهل عليها امتصاص الخيرات ، والثروات الأرضية ، وبيع الوهم والخرافة باسم الجنة الموعودة ، وباسم حوريات الجنان الى الرعية الفاقدة للبوصلة نحو الاتجاه الصحيح ، يبقى أمراً مستحيلا ، وانّ الجرائم المختلفة التي اقترفتها مختلف التيارات الاسلاموية في حق الأبرياء ، كداعيش ، والنصرة ، والقاعدة ، والحركات التكفيرية ...لخ ، تنفي بالمطلق أي علاقة لهذه الحركات مع الديمقراطية ، وانّ نوع النظم السياسية التي تعمل للوصول اليها ، هي أنظمة فاشية عنصرية ، تنتصر للفقيه ، وللوليّ ، ولأهل الحق والعقد ، باسم شورى معطوبة مقتصرة على حفنة فقهاء ، وليس بواسطة الانتخابات الديمقراطية التي يستفتي فيها كل الشعب / الامة .
منذ نهاية الستينات ، وطيلة السبعينات ، والثمانينات ، وحتى اليوم ، عج المغرب بأكثر من ثلاثين حركة اسلاموية ، تنتمي الى الإسلام السياسي الذي يعمل للوصول الى نظام الخلافة اللاّديمقراطي ، الذي كان يركز كل الحكم في شخص الخليفة ، وليس في المؤسسات التي لم تكن موجودة أصلا . بطبيعة الحال لقد توزعت هذه المجموعات بين من رفع السلاح في وجه الدولة ، وبين من اكتفى بالدعوة ، وبين ( المعتدلة ) منها و المتطرفة ، كما توزعت هذه الحركات بين من يدين بالولاء للمذهب الوهابي ، وهنا فان السعودية ومنذ بداية العشرية الثانية من الالفية الثالثة ، شرعت في الانفصال عن عبدالوهاب ، ومنها من يدين الى باكستان وأخرى الى ايران ... لخ .
لكن إنّ هذا التنوع الهش والمصطنع ، لا يجب ان ينسينا ، او يحجب عنّا بعض الحقائق الخطيرة ، فالأغلبية الساحقة من الحركة الأصولية حاليا ، رغم الاختلاف فيما بينها ، فهي تتميز بتبنيها لعدد من الأسس الفكرية ، التي تشكل قواسم مشتركة بينها ، وتجعل إمكانية النقاش معها منعدمة أصلا كما سنبين فيما يلي :
1 ) الفكر الشمولي التوتاليتاري : في هذا المحور سنجد ان الاسلام كما تفهمه كل هذه الاتجاهات ، يؤخذ على انه كلٌّ مترابطٌ ، ومن ثم لا مجال للتفريق بين الدين وبين السياسة ، وبين الدين وبين الدولة . فحسب هذا التفسير الفاشي ، فالمسلمون كلهم كيان واحد ، لذلك لابد من بعث الكيان الدولي للمسلمين .
2 ) ضرورة التحرر من ثقافة الغرب المسيحي اليهودي ، ومعاداتها الى حد استعمال العنف بمختلف اشكاله / قتل / اعدامات / تفجيرات / سحل / تعذيب / هتك الاعراض ... لخ
3 ) الاعتقاد بكمال الإسلام ، وقابليته للتحقيق في كل مكان ، وفي كل زمان ، لأنه وحده فيه جميع الحلول لكل المشاكل التي تعاني منها كل المجتمعات على مر العصور .
4 ) رفض مبدأ الصراع الطبقي / الاجتماعي ، بل محاربته بكل قوة .
5 ) رفض القومية ، والوطنية ، والانتصار الى عالمية الإسلام .
ومعلوم ان هذه الاتجاهات الاسلاموية المختلفة ، " الاخوان المسلمون " ، و " الجماعة الإسلامية / أبو اعلى المودودي " ، و " شيعة الخميني " ، لهم تأثير يكاد يكون عاما على الأصوليين في المغرب ، وحتى الحركات الأصولية المتطرفة التي انبثقت عن " الاخوان المسلمين " ، مثل الحركات التي تتبنى أفكار السيد قطب ، فهي تتفق مع الأفكار السابقة ، وتضيف اليها أفكارا أخرى مثل فكرة " الجاهلية " المتمثلة في تكفير المجتمعات الإسلامية الحالية ، باعتبارها مجتمعات جاهلية ، وضرورة اللجوء الى العنف للقضاء عليها ، أي للقضاء على الجاهلية .
اذن ، انّ كل ما سبق يبين ان كل حركات الإسلام السياسي ، وايّاً كان الغطاء التي ترتديه ، وايّاً كان الانتماء الذي تنتمي اليه ، هي ملة واحدة ، لأنها كلها ضد الديمقراطية ، وتناشد الدولة الطغيانية ، الاستبدادية ، دولة الشخص لا دولة المؤسسات ، دولة شورى الأقلية القليلة من الفقهاء ، لا دولة الشعب من خلال الانتخابات والاستفتاءات .
ان الكلام عن دولة تضم كل المسلمين أينما كانوا ، يضرب في العمق مبدأ الوطنية ، ومبدأ القومية ، بل ان هذا المبدأ ، كثيرا ما جعل من هذا التنظيم او ذاك ، مجرد ملاحق لتنظيمات الجمعية الإسلامية الباكستانية / أبو الأعلى المودودي الذي يرد الحاكمية الى الله وليس الى الانسان ، لأنه حسب زعمه ، الانسان هو اصل الكفر ، او ملاحق لإيران ، او ملاحق لمحمد بن عبدالوهاب ، تُغْدق عليها الأموال ، وتغديها بفكر لا علاقة له بواقع المجتمعات التي تعيش بين ظهرانيها .
كما ان الكلام عن دولة إسلامية ( الشيء الذي يختلف عن القول ان الإسلام هو دين الدولة في المغرب مثلا ) ، يضرب أيضا الديمقراطية وحقوق الانسان ، التي تشكل حرية الاعتقاد احد اهم أسسها ، بل ربما اهم أسسها على الاطلاق .
ان الفكر التوتاليتاري الاسلاموي ، يعني انّ كل ميادين الحياة ، تخضع للدين ، وانْ لا مجال للتفريق بين السياسة والدين ، والدولة والدين .
وهكذا ، وفي الوقت الذي تنحو فيه الإنسانية الى تثبيت حقوق الانسان ، وحرياته ، وخاصة حرية الاعتقاد ، وتعزيز التسامح ، والتعددية الفكرية كأساس لتفجير طاقات الخلق والابداع ، وتحرير قدرات الافراد ، والجماعات على تسيير نفسها بنفسها ، يريد الإسلام السياسي فرض دولة شمولية توتاليتارية Totalitaire ، تخضع المجتمع والافراد ، وفي كل مناحي حياتهم ، لتصور الحركات الاسلاموية المختلفة التي لم تتمكن من استلام السلطة بعد .
ان هذه الاطروحة الفاشية ، تعتبر تراجعا خطيرا ، بل مدمرا حتى في البلاد الإسلامية التي تعرف رغم كل المعوقات ، والعراقيل التي وضعتها قوى الاستغلال ، والاضطهاد ، والاستبداد ، صيرورة تؤدي موضوعيا الى فصل السياسة عن الدين ، واعتبار السياسة مسألة دنيوية محضة .
ان الكلام عن دولة دينية ، دولة إسلامية تضم المسلمين ، يعني ان غير المسلمين ليسوا مواطنين ، فهم ذميون اذا كانوا من اهل الكتاب ، وهم كافرون يتوجب الجهاد فيهم ، انْ كانت لهم معتقدات أخرى . والحال ان هذا الفكر أدى ويؤدي في العديد من الدول ، الى فتن ، وحروب طائفية ، مثلما حصل في السودان ، ومصر ، ولبنان وغيرها ..
اما المعاداة الى حد العنف للثقافة الغربية التي يعتبرها الإسلام السياسي وحدة لا تخترقها التناقضات ، بينما هناك ثقافات غربية ( فالثقافة الليبرالية الجديدة الموغلة في الرجعية ، والثقافة المائعة التي تنشرها الشركات المتعددة الجنسية ، تختلف بالكامل عن ثقافة الانوار ، وتطوراتها في الثقافة العمالية ، والتقدمية بشكل عام ) ، فإنها تغدي الماضوية ، واللاعقلانية ، وتدفع الى الانغلاق على النفس ، والى التقهقر ، والتخلف ، بينما التطور لا يمكن ان يأتي الاّ من الاحتكاك بالحضارات ، والثقافات الأخرى ، والانفتاح على الفكر التقدمي في العالم .
ان الإسلام السياسي يتناسى ، انّ العالم الإسلامي وصل الى ارقى مراحل تطوره واشعاعه ، حين كان متفتحا على الحضارات الأخرى ، وحين كان لا يرى خطرا على هويته في ان ينهل من الفكر والفلسفة اليونانيتين ، ومن الحضارة والثقافة الفارسيتين ، والهنديتين .
انّ انغلاق العالم الإسلامي على نفسه ، سرّع في تقهقره ، وانحطاطه ، وتخلفه ، ولم يحمه من الاعتداءات الخارجية ، وصولا الى احتلاله من طرف الامبرياليات الاوربية . وسيكون من البلادة بمكان الظن ، انّ الانغلاق على انفسنا اليوم ، سيقينا شر الاستعمار الجديد الذي تعاني منه شعوبنا ، وان شر ما تبيته الامبريالية في اطار نظامها الجديد ،هو نظام استعباد الشعوب ، ونهب خيراتها ، وعرق جبينها .
فهل يا ترى منعت الوهابية ، وهي احدى المذاهب الأصولية المتطرفة ، والأكثر ماضوية ، ان تتحول السعودية لتصبح تحت جزمات المارينز الأمريكي محمية تنهب منها أمريكا ما شاءت من بترول ، وما شاءت من دولار ؟
صحيح انه لا يصح ان نستنسخ في الواقع المغربي ، وفي بيئتنا الثقافية المتميزة ، هذا النموذج او ذاك الذي فرزته ضرورات موضوعية في هذا البلد الغربي او ذاك الشرقي ، لكن سيكون من الخطء والمضر بنا ، ان نرفض باسم الموضوعية والهوية المتميزة ، الاستفادة من التراث الثقافي الإنساني التقدمي الهائل في الغرب ، وفي غير الغرب ، ومن القيم الإنسانية الكونية التي تخدم تحرر الانسان من نير الاستغلال ، والاستيلاب بكل انواعه ، والاضطهاد ، والاستبداد السياسي .
اننا لن نستطيع مقاومة الثقافة والسيطرة الامبريالية الغربية ، الاّ اذا تسلحنا بكل الأسلحة ، ومنها الفكرية التي فرزها نضال شعبنا ، وشعوب العالم الثالث ، ضد الاستعمار ، والامبريالية ، وحلفائهما المحليين ، وكذا النضال من اجل الاشتراكية ، ونضال الشعوب في الدول الغربية ضد الاستغلال ، ومن اجل الديمقراطية ، وحقوق الانسان السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية .
اما مبدأ كمال الإسلام كما يقول الشيخ عبد الكريم مطيع وغيره من الفقهاء ، وقابليته للتحقيق ، فانه يؤدي الى انّ كل حركة اسلاموية تعتبر اعتقادا منها انها تمتلك الإسلام الصحيح ، انّ من حقها ان تكفر كل من يعارضها الرأي ، بل قد تلجأ الى إقامة محاكم تفتيش ، واعدام كل من لا يشاطرها افكارها في حالة استيلائها على الحكم ، وليس هذا مجرد تخمينات ، فقد اعدمت ايران الشيعية كل معارضيها بدءً بحزب تودة الشيوعي و حركة فدائيي خلق الماركسية اللينينية ، الى حركة مجاهدي خلق الماركسية ، الى الليبراليين ، والاشتراكيين ، والسنيين ... كما اعدم الدكتاتور جعفر النميري كل قادة الحزب الشيوعي ، والاخوان الجمهوريين بضغط من الاخوان المسلمين ، بسبب ان هؤلاء الاخوان يقدمون قراءة متنورة وتقدمية للإسلام .
ان هذا المبدأ ، كمال الإسلام ، سيؤدي بأية مجموعة اسلاموية ، الى العنف ضد الحركات الاسلاموية الأخرى ، لفرض تصورها الخاص للإسلام الذي يجب ان يسود الدولة ، والكون ، بل سيؤدي الى العنف والقمع ضد المؤمنين ، و المواطنين بشكل عام ، والى التعصب والتزمت .
ان القول بكمال الإسلام ، يعني ان المشاكل والتناقضات التي تعيشها المجتمعات الإنسانية ، خاصة مجتمعاتنا حاليا ، لها حلول في الإسلام كما تفهمه هذه الحركات الاسلاموية . وبما ان هذه الجماعات ترفض الاجتهاد ، او تحصره في حدود ضيقة جدا ، فان ذلك يعني العداء للتطور ، والابداع ، وفتح الباب للتحجر ، والتخلف ، والماضوية .
ان كل فقهاء الإسلام السياسي وشيوخه ، انطلاقا من مبدأ قابلية الإسلام للتحقيق ، واعتقادا منهم بان تصورهم للإسلام ، هو الإسلام الحقيقي ، فانهم سيعملون على فرض ذاك التصور ، ولو تطلب الامر اللجوء الى الدكتاتورية ، والفاشية ، والاستبداد ، ولو كان ذلك يتناقض مع الواقع الموضوعي ، ومصالح المواطنين .
اما مبدأ الصراع الطبقي / الاجتماعي ، ومحاربته بكل قوة من طرف فقهاء الامارة ، والامامة ، والخلافة ، ومحاربته من قبل كل الاسلامويين ، فانه يخدم بالأساس مصالح الطبقات السائدة ، ويجعل من المشروع ، او المشاريع الاسلاموية رغم شعبويتها ، رجعية تهدف الى تأبيد الاستغلال ، والاضطهاد ، وليس من قبيل الصدفة هنا ، ان تتقوى الحركات الاسلاموية المغالية في حقدها على كل من يقول بالصراع الطبقي / الاجتماعي ، في الوقت ذاته الذي تشهد فيه مجتمعاتنا فرزا طبقيا متسارعا تحت وطأة الازمة الاقتصادية ، ينتج عنه تقاطب المجتمع بين قلة من الكمبرادور الهجين ، وملاكي الأراضي الكبار من الاقطاعيين ، والاغلبية الساحقة من الشعب التي تتدهور أوضاعها باستمرار ، بل أصبحت على حافة المجاعة ، وهي منتشرة بشكل جلي وظاهر .
ان هذه الدعوات الاسلاموية ، الممولة بسخاء من طرف أنظمة الخليج العشائرية ، والعميلة للامبريالية ، وحتى الصهيونية كما هو ملاحظ اليوم ، او من طرف القوى الرجعية ، والفاشية في باكستان " المودوديون " ، تقوم بالدور الموكول لها من طرف مموليها ، واسيادهم الامبرياليين ، وهو طمس التناقضات الطبقية / الاجتماعية الحقيقية ، والموضوعية باسم تناقض وهمي بين الإسلام ، واعداء الإسلام .
فأي تناقض يا ترى يوجد بين ممولي هذه الجماعات التكفيرية ، وبين الامبريالية الغربية التي تسيطر على الشعوب ، ولا تتوانى في الدخول في حروب غاشمة ضدها للحفاظ على المنطقة العربية تحت سيطرتها ؟
واذا اضفنا الى ما سبق ، انّ الاسلامويين بالمغرب يريدون فرض تطبيق الشريعة المتخلفة ، مع ما تتضمنه من حيف ، واضطهاد للمرأة ، اصبح من الواضح انّ المشاريع الاسلاموية في غالبيتها العظمى ، هي مشاريع متخلفة رجعية ، لا ديمقراطية ، مناهضة للتطور ، والعقلانية ، وتهدف الرجوع بالمجتمع الى فترة الخلافة ، التي تارت ضدها الشعوب المغزوة بمجرد موت صاحب الرسالة .
ان الاسلامويين ، وتمشيا مع منطقهم الفاشي المتمثل في الإرهاب الفكري ، يريدون إيهامنا انّ الشريعة المُتخلفة ،هي قانون مُنزّل لا سبيل لمناقشته ، بينما لو رجعنا الى القران نفسه الذي يتغنى به هؤلاء ، فإننا سنجد فقط كلمة واحدة للشريعة مذكورة فيه ، والكلمة تعني الطريق ، او السبيل ، وليس القانون والتشريع .
هكذا اذن كانت كلمة الشريعة تعني في البداية " طريق او سبيل الى الله " ، لكن أصبحت الكلمة منْ بعد ، تشمل القواعد القانونية الموجودة في القرآن ، ثم تلك الموجودة في الحديث ، وبعد ذلك ، التفاسير ، والآراء ، والاجتهادات ، والفتاوى ، والاحكام ، أي انها أصبحت تعني الفقه الذي تبلور عبر تاريخ المجتمع الإسلامي ، وليس شيئا منزلا .
ومعلوم ان التاريخ الإسلامي شهد اختلاق مآت الآلاف من الاحاديث المنسوبة للنبي ، لتدعيم موقف هذه الفئة المتصارعة على السلطة ، او تلك ، وانّ الدولة العباسية قامت في القرن الهجري الثاني بتدوين الفقه ، وقد كان من نتائج ذلك تحجير الشريعة ، وعرقلة الاجتهاد .
كما ان الفقه المُدوّن ، عكَس مصالح الدولة ، والقوى الاجتماعية التي ترتكز اليها ، وذلك عبر انتقاء المُدونين للنصوص ، وتأويلها بما يخدم تلك المصالح . وهكذا لا يمكن اعتبار الفقه حقائق مُنزّلة ، بل هو عمل انساني مخدوم ، لتدعيم الحكام ، وتدعيم نظام حكمهم .
انطلاقا من هذا الايمان الاعمى أنّ الحل هو الإسلام ، وانّ هذا صالح لكل زمان ولكل مكان ، ومنْ لم يبتغ غير الإسلام دينا له فلن يقبل منه ، فان الشيطنة التي تسكن الضمير الجمعي لكل حركات الإسلام السياسي ، هو الانفراد بالشعب من خلال الانفراد بالدولة ، ومن هنا فانّ من يظن ان هذه الحركات مؤهلة للنقاش والحوار ، مع من خالفها الراي والعقيدة ، او خالف منهاجها في الحكم ، وفي تنظيم المجتمع ، سيكون واهما .
ان هذه الحركات لا تؤمن بالحوار ، ولا بالنقاش الديمقراطيين ، بل انها تلجأ أساسا في ممارستها اليومية ، فقط الى الإرهاب الفكري والتنظيمي ، اعتقادا منها انها تملك لوحدها الحقيقة المجردة والمطلقة ، لذلك فهي لا تتردد في تكفير منْ تشاء ، ونعت بالإلحاد والزندقة من تشاء من خصومها السياسيين ، موظفة الدين ومشاعر المواطنين الدينية ، في صراع سياسي محض ، بهدف الاستيلاء على الحكم لا غير .
بل ان هذه القوى تفضل استعمال العنف ، حيث تعبئ مليشيات شبه عسكرية للاعتداء على المعارضين وجرحهم ، كما يقع في بعض الجامعات ، والكليات المغربية ، وصولا الى اغتيالهم كما حصل مع عمر بنجلون ، وآيت الجيد بنعيسى ... فالحركة الاسلاموية تستهدف من وراء الإرهاب ، والعنف ،تخويف المعارضين التقدميين ، بغية ان تبقى الساحة فارغة لها ، لفرض اطروحتها ، ومواقفها الظلامية .
ولقد سمينا الحركات الاسلاموية بالفاشية ، لان هذه الأساليب المستعملة في العنف ، هي نفسها استعملتها الحركة الفاشية ، والنازية للسيطرة على البلاد الذي تتواجد بها المانيا ، إيطاليا ، والحركات اليمينية المتطرفة في اوربة وامريكا .
اذن نستخلص مما سبق ان الحركة الاسلاموية في المغرب في اتجاهها العام والغالب ، هي حركة ظلامية ، رجعية ، فاشية لا ديمقراطية ، بل ذات نزوع فاشي هدفها السيطرة على الدولة / الحكم ، ومنها السيطرة على المجتمع للاستفراد بالجاه ، والنفود ، والثروة ، كل خيرات الأرض .
ويبقى السؤال لمروجي الدعوة الى الخلافة التي لم تكن ابدا راشدة ، فهل الديمقراطية هي إعطاء الكلمة للشعب من خلال الانتخابات ، والاستفتاءات عبر صناديق الاقتراع ، ام ان الديمقراطية هي تمكين اقلية نخبوية تشتغل بالدين ، كفقهاء وليسوا كعلماء ، من احتكار الحكم ، والدولة ، ومنهما السيطرة على الشعب للظفر بالثروة ، والغنى ، والجاه ، وترك للمريدين ملاقاة الحوريات ، وحوري العين ، والجواري الحسان في القبر وفي الاخرة ؟
فحين تقرر اقلية قليلة كأصابع اليد ، في أمور الدولة باسم اهل الحل والعقد ، والفقهاء ( العلماء ) ، والولي الفقيه ، عن طريق شورى مفترى عليها، وتفرض من ثم دكتا توريتها على الدولة ، وعلى الشعب ، وبدون رقيب ولا حسيب ، ولا بتحديد المسؤولية إزاء الشعب ، هنا حقا نكون بصدد نظام استبدادي طاغي ، لا علاقة له ابدا بالديمقراطية التي هي حكم الشعب .
والسؤال هنا بالنسبة للبلاد الذي تنتشر فيه كل حركات الإسلام السياسي ، واخض بالذكر هنا العالم العربي ، والعالم الإسلامي ، واركز على المغرب ، اليس الدعوة الى الديمقراطية بالمفهوم الغربي ، كالدعوة الى الملكية البرلمانية الاوربية ، او الجمهورية البرلمانية ، هي دعوة اصحابها بدون وعْيٍ منهم ، يدعون الى تمكين الاصوليات السياسية من الدولة ومن المجتمع ؟ أي يدعون الى الخلافة الإسلامية التي ستجُزُّ رقابهم بمجرد تمكنها من الحكم .
ان استعمال الحركات الإسلاموية للخطاب الديني ، بالاستناد الى القرآن والحديث في مجتمع ظاهره إسلامي ، هو حسم مسبق للإشكالية الحكم الذي تدعو اليه مختلف الحركات الاسلاموية ، الذي هو نظام الخلافة الفاشية .
فهل تصلح الآليات الديمقراطية في مجتمع تحكمه الخرافة ، والأزلية ، والتقاليد المرعية ، وينتصر الى الأضرحة ، وزيارة القبور ، والحرص على احياء المواسم في وقتها .... وحاضنته باسم ( الإسلام ) تبقى الجماعات الاسلاموية المختلفة ... لبناء نظام ديمقراطي أزلي ستكون نتائج انتخاباته ، طفرة نوعية للانقلاب على الديمقراطية التي استغلوها في الوصول للسيطرة على مجتمع تقليداني في عيشه ، وفي ممارساته الحياتية واليومية ؟
يجب مراجعة العديد من المفاهيم ، لانّ ما يصلح في الغرب قد لا يصلح عندنا ، وإنّ منْ لم يستفد مِمّا وفره الوحش كورونا من إمكانيات للتغيير ، يختلف خطره عندهم وعندنا ، سيكون بمن ينتحر عن طيب خاطره .
ان الوصول الى الدولة الديمقراطية ، بالتعويل على الآليات الديمقراطية ، في مجتمع يغلف مخه الدين ، ولو ظاهريا ونفاقا ، هو انتحار للمشاريع الديمقراطية ، لأنه سينتهي بإقامة نظام الفقيه المكبوت المتزمت ، او نظام أهل الحل والعقد ، او نظام الولي الفقيه ، أي سينتهي مع نهاية طور الصراع ، الى السقوط في نظام الفاشية الاسلاموية التي تركز كل الحكم والدولة ، في يد اقلية قليلة ستسيطر على المجتمع باسم الدين ، ومنه ستسيطر على المقدرات ، والجاه ، والمال ، والثروة ، والنفود ...



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البربر
- جايْحت كرونا ونزاع الصحراء
- ماذا بعد كورونا / فيروس
- منذ متى كان قرار وزير الداخلية قرارا ملكيا صرفا ؟
- جايْحتْ كورونا
- الأمين العام للأمم المتحدة ونزاع الصحراء
- تفكيك وتحليل الدولة المغربية
- المرأة والجنس في المجتمع الرأسمالي
- حرب الراية
- أمريكا / حماقة
- جبهة البوليساريو تتمتع بتمثيلية قانونية بسويسرا
- الرئيس الموريتاني يؤكد الاعتراف بالجمهورية الصحراوية
- كيف يفكر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني
- النموذج التنموي
- الأزمة الاقتصادية هي أزمتهم وليست أزمتنا نحن
- ماذا يجري ؟ الجزائر / المغرب / موريتانية / السعودية / قطر / ...
- وزيرة الخارجية الاسبانية لا تعترف بالجمهورية الصحراوية / هل ...
- في المغرب هناك فقط الملك
- الجمهورية الصحراوية ستحضر كدولة ذات سيادة اللقاء القادم بين ...
- هل اصبح وجود الجمهورية الصحراوية واقعا مريرا صعب الابتلاع ، ...


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الاسلام السياسي