أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل السابع عشر/ 1














المزيد.....

حديث عن عائشة: الفصل السابع عشر/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6528 - 2020 / 4 / 3 - 20:55
المحور: الادب والفن
    


منذ بلوغه سن الرابعة عشرة، دُفع مستو إلى العمل في مشغل النول، المملوك من لدُن شقيقه الكبير. شهادة البروفيه، كانت قد استعصت عليه عندئذٍ، فوجدها الأبُ حجّةً كي يقرر له مستقبله: " في هذا الزمن، العلم لا يُطعم خبزاً وإنما الصنعة "، قالها لابنه بنبرة قاطعة مألوفة. في واقع الحال، أنّ الحاج حسن لم يكن يمقت الشهادة الدراسية ( وهوَ عالم الدين والشاعر )، بل انتابه الوسواس وقتئذٍ بأن أيامه في الحياة ربما أضحت معدودة ولم يكن يود تركَ أحدٍ من أفراد أسرته دونَ ضمان لناحية المورد والرزق. وسواسه تحقق، وغادر الحياة في ذلك العام نفسه. لكن مستو ترك العمل قبل ذلك لدى شقيقه، منتهزاً أيضاً فرصة مرض أبيه الأخير: الصنعة، لم تكن من تقاليد آل حج حسين، فلم تستمر حتى في أخلاف سلو.
بساتين الحارة، كانت المكان الأثير لفتانا، بالأخص في فصليّ الربيع والصيف. كان وجهاً أليفاً للمزارعين الصوالحة، وذلك على خلفية عمل شقيقيه لدى الملاكين فضلاً عن مركز والده السابق، كزعيم للحي. في المقابل، كان مستو يتحرك أمامهم ببعض الغطرسة، وكما لو كان يود إفهامهم أن حراسة البساتين ليست مهنته. لكنه كان فردوسَ حياته اليومية، هذا المحيط الأخضر، المطوَّق بساقية ثرة المياه، وكان يُدعى " الدايرة "؛ بالنظر إلى تشكيله ما يشبه جزيرة، يدور حولها الجدول النحيل، المستمد مياهه من نهر يزيد. القسم الكبير من البساتين، كان مملوكاً لمخدومين شقيقه حسينو، المنتمين لآل شمدين. وهنا كانت مزرعتهم الخاصة، المغروس فيها شتى ألوان الأشجار المثمرة، يسكن بين أغصانها أنواع الطيور، تضج بتغريدها مع طنين الزيزان والنحل والزنابير. إلى أصوات الحيوانات كالبقر والماعز، السارحة سعيدةً في حقول البرسيم، المفصولة عن الحقول المزروعة بالخضار بسياج من الأغصان الجافة المجدولة.
وإنها هذه المزرعة، مَن ستشهد حادثة مأسوية، ذهبت بأحلام الفتى أبداً.

***
المطالعة في كتب الأدب والتاريخ، كانت الشغف الأساس لمستو. إنه بنفسه، متأثراً بقراءاته في مجلّد الوالد المخطوط، كان يحاول قرضَ الشعر. وكان من النادر أن يتجول في البساتين، إلا وكتاب بين يديه أو مجلة مثل " الهلال " المصرية، المشترك والده فيها. ليلاً، أثناء مناوبة شقيقه حسينو، كان يقرأ في كوخ الناطور على ضوء قنديل الكاز. حينَ يكون برفقة قريبه ديبو، قبلَ أن يُقبل هذا بسلك الدرك، كثيراً ما تجادلا حول أهمية الكتب في حياة المرء. ابنُ الأخ، شبه الأمّي، كان يؤكد وهوَ يفتل شاربيه أن القراءة لا تلعب أيّ دور في الحياة. ذات مرة، وكان الوقتُ نهاراً، أثيرت المسألة مجدداً. قال ديبو، مشيراً برأسه إلى ناحية أحد الفلاحين، المنهمك بعمله في الأرض: " لقد عاشَ مثل أسلافه، لا يعرف القراءة والكتابة، لكن ذلك لم يؤثر على معيشته "
" هل تعتقد أنه سعيدٌ بحياته، يعمل في أرضٍ لا يملكها؟ "، تساءل مستو قبل أن يضيف: " لا أعتقد ذلك. لو لم يكن جاهلاً، لتمرد مع غيره من الفلاحين من أجل حياة أفضل ". دهشَ ابنُ أخيه من هذا الرأي الغريب، المستمد ولا شك من قراءة القصص المترجمة ومقالات المجلات. فعلّق بالقول: " تريده أن ينتزع الأرضَ من صاحبها على طريقة لصوص الحارة، الذين ينهبون غلالها لو لم يجدوا النواطير يقظين لهم؟ "
" اللص لا يقارن بالفلاح، الملتصق بالأرض والمحيي روحها بجهده طوال العام "
" لا أجد فرقاً بينه وبين عاملٍ يشتغلُ في مصنعٍ يملكه غيره، لكنه يحصل على أجرته شهرياً "
" نعم، لا فرق بينهما لناحية الخضوع لشروط عمل قاسية مقابل أجرٍ لا يكفي أود أسرته "
" تصوّرْ لو أن كل عامل أراد الاستيلاء على معمل يشتغل فيه، أيّ فوضى ستحصل؟ "
" بل يجمع العمال جهودهم لإدارة المعمل، ثم يقتسمون الأرباح بينهم بشكل عادل. أما الفلاحون، فيمكن لكل منهم استغلالَ قطعةٍ من أرض الملّاك. هكذا تتحقق المساواة للجميع "
" عجباً! إنك تريد فرضَ شريعةٍ غير شريعة الله، التي قسمت الأرزاق بين البشر "، قالها ديبو ملوّحاً بيده من جديد باتجاه الحقول. ثم أردفَ ضاحكاً: " أهيَ الكتبُ من قالت لك ذلك، أم تأثّركَ بسيرة قريبنا قاطع الطريق؛ حمو جمّو؟ ". شاركه مستو بالضحك، وكان الحديث قد أشعره بالحرية وانطلاق الفكر. لكنه آثرَ التوقف عند هذا الحد، لشعوره بضجر ابن أخيه، الذي كان يؤثر الأحاديث الشخصية، المتعلقة بالمستقبل المنتظر كلاهما.
كان يرتاح لصحبة ديبو، لأن هذا يتقبل تفوقه عليه رغم أنه يكبره. بساطة ابن أخيه، وكان يعتبرها كثيرون خفّة عقل، دفعته إلى أن يفتح له قلبه بأمور القلب، الأكثر حساسية وخصوصية: مستو، كان يعشق " آية " أخت الجار بَدو من أبيه، وكانت تماثله تقريباً في العُمر.

* مستهل الفصل السابع عشر/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس عشر
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل السادس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 4
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الرابع عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 3
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 1
- مدام بوفاري، في فيلم لكمال الشيخ
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثاني عشر/ 2
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني عشر
- جريمة كاملة


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل السابع عشر/ 1