أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العطري - حقيبة من جلد التمساح














المزيد.....

حقيبة من جلد التمساح


عبد الرحيم العطري

الحوار المتمدن-العدد: 1578 - 2006 / 6 / 11 - 11:25
المحور: الادب والفن
    


حتما ستغادر السرير باكرا ، ستمضي مسرعة نحو الحمام ، و بعدئذ إلى المرآة ، آه من المرآة ، ال " كلنا " نعشق التحديق فيها ، كما لو أننا نعيد اكتشاف ذواتنا من جديد ، أو على الأقل لنطمئن أننا ما زلنا آدميين ، ما دام العالم منته إلى زوال و انمساخ ...
ستحرص حتما على استعمال العطر الذي حدثتني عنه على ضفاف وادي السيليكون ، ستصبغ شفتيها بالأحمر القاني ، كما حمرة الوقت في لهيب الضياع ، و ربما تحافظ أيضا على " زواج الألوان " داخليا ، ألم أخبرها على الماسنجر أنني أعشق ذلك اللون الكارثي و هو يعصر الأماكن الحساسة؟ إنه يقلب موازين اللذة و الألم ، يحيلني شخصا آخر ، و ربما ثورا هائجا من ثيران الكوريدا ....
متأكد أنها ستمضي أزيد من ثلاث ساعات قبالة المرآة ، لتتوجه إلى دولاب الملابس ، ستختار " لباسا إداريا " في غالب الأحايين ، هكذا قالت ذات " شات " عابر ، لكنها ستحتار في الحسم في اللون المناسب ، لو كنت بجانبها لاحترت لها الأبيض إيذانا بالولادة و الامتداد ، لكنها عنيدة كما العادة ، و هذا ما يشدني إليها أكثر ، على الأقل في هذه المسألة تختلف جذريا عن زوجتي التي لا تجيد غير الطاعة العمياء ، إذن ستختار الأسود رغما عن أنفي الأجدع . و بعده ستعود مجددا إلى المرآة ، لتتأكد مرات أخرى من اتساق ماكياجها المائل جدا إلى البنفسجي .حتما ستفعل ذلك كله في ست ساعات ، لتكون في الموعد كالزهرة العذبة في عنفوان الربيع ، ستبدو رائعة جدا في تمام الثانية عشرة زوالا بمحطة القطار الرباط / المدينة . لا أدري لماذا فرضت علي هذا الموعد المفتوح على لذة البطن أولا ؟ هل تظنني آخذا إياها إلى مطعم فاخر ؟ ألا تعرف جيدا أنني أحسب البصاق ريالا من شدة البخل ؟
سآخذها إلى قصبة الأوداية ، فالمكان شاعري للغاية ، طبعا لن نستقل سيارة أجرة ، فالترجل عبر الشارع الرئيسي و كذا"السويقة" له مذاق خاص جدا ، و فوق هذا كله فسيارات الأجرة باتت ترهق الجيوب من سرعة " الكونطور " ، كما أنني لا أستطيع أن أقلها على متن سيارتي ، لقد أقسمت لزوجتي ألا تركبها أي امرأة غيرها .
أنا الآخر سأمكث طويلا أمام المرآة ، أتأملني ، أمعن النظر في الشيب الذي علا الرأس و الذقن ، أغوص في ندم على فائت أنفق في اللاشيء ، أتأمل جرحا أعلى الجبين ، أتذكر أنه من فعل شقاء الطفولة ، أذكر أيضا أنني هزمت ذات الجرح بالبول و " التحميرة " ، هكذا نحن في المغرب العميق ، نرفض تعاليم باستور ، و نهزم المرض و العفن و العطب بأشيائنا الخاصة جدا .
سأحرص على استعمال مرطب الشعر ، لهزم خصلاتي المتمردة صعودا ، سأرغمها على الانبطاح فروة ، حتى لا أبدو مثل قنفذ البحر ، سأمطر وجهي و صدري و إبطي تحديدا بوابل من العطر الرفيع ، يتوجب علي أن أكون في مستوى الحدث ، أليس العطر أقصر طريق إلى قلب المرأة ، و ربما إلى تخوم شبقيتها الغائرة ؟
لن أتردد في اختيار تلك البدلة الرسمية بربطة عنقها الذهبية اللون ، و كذا الحذاء الأسود ذي العلامة الفاخرة ، الذي أهدتني إياه زوجتي بمناسبة عيد زواجنا الثامن عشر ، الجوارب سأمطرها بالعطر الرخيص هذه المرة ، فلربما تفوح منها رائحة عطنة جراء المشي من محطة القطار إلى قصبة الأوداية ، علي أن أستعد لكل المفاجآت غير السارة .
سأمضي أزيد من ست ساعات استعداد لهذا اللقاء الذي انكتب أخيرا ، بعد طول تواصل على خيوط العنكبوت الافتراضي .كان البدء ذات مساء بارد كانت تغط فيه رفيقة الدرب في نوم ثقيل ، على الماسنجر انكتب اللقاء صدفة ليثمر حبا عميقا ، عام من الرسائل الإلكترونية القصيرة جدا ، الدافئة كثيرا ، عام من الحب الافتراضي استوجب لقاء واقعيا في عز ظهيرة يوم قائظ .
ما عدنا نستطيع الفكاك من هذا الحب السيليكوني ، أنا ال " عزيز " الذي عانق الأربعين سنة و لم يجرب الزواج قط ، و هي ال " سميرة " التي احتفلت أخيرا بربيعها التاسع و العشرين ، و لم تعرف إلى طعم الحب سبيلا ، هذه هي هويتنا المستعارة التي أقسمنا على أنها الحقيقة ، لا بأس عندما أقابلها سأعترف لها بكل شيء ، فحبها لي سيجعلها تسامحني على كذبتي البيضاء ، حتما ستسامحني ، إن لها قلبا بحجم السماء ...
الساعة تطل على منتصف النهار ، سأتعرف عليها من خلال حقيبتها اليدوية المصنوعة من جلد التمساح ، لا أدري لماذا اختارت هكذا علامة للتدليل عليها ؟؟ و ستعرفني أيضا من خلال ربطة عنقي الذهبية التي أهدتني إياها زوجتي الأسبوع الماضي ، ستكتشفني أيضا بواسطة حقيبتي الممهورة باسم الجامعة التي أحاضر بها .
محطة القطار الرباطية ملأى عن آخرها ، كما كل يوم ، بزبناء اللذة ، الراغبات في الانصياد , الراغبون في الاصطياد يستعمرون السور القصير المطل على السلالم المؤدية إلى أسفل ، عجائزهن منذورة لمن يدفع أحسن ، و عيونهم لا تنتهي من التشوير و الغمز .
أوهمت صاحب الكشك المنتصب ركنا ، أنني قارئ محترم ، يبحث جديا عن عنوان ضائع ، ما كنت أرغب في القراءة و لا الشراء ، أقلب صفحات الكتب و المجلات ، و في الآن ذاته أرقب الباب باحثا عن سيدة تتأبط حقيبة التمساح .
فجأة ، يأتيني صوت دافئ من الخلف ، يناديني باسمي المستعار " عزيز " ، استدرت نحو سيدة بحقيبة من جلد التمساح ، تسمرت في مكاني ، تاهت عني الكلمات ، غنها هي صاحبة الحقيبة إياها و اللباس الإداري الأسود و أحمر الشفاه القاني ، و الماكياج البنفسجي ، و ربما الملابس الداخلية الحمراء ، و أنا أنا صاحب اللباس الرسمي و الربطة الذهبية و الحقيبة الممهورة باسم الجامعة ، أنا محمود صديق زوجها عبد الرفيع الأقرب إلى الخافق من كل الأصدقاء ، و هي كلثوم صديقة زوجتي صفاء و الأقرب إلى خافقها من كل الصديقات .
لم أنبس ببنت شفة ، هي الأخرى صامت عن الكلام ، غادرت في صمت ، ما عاد الكلام مجديا في هكذا موقف ، الصمت الفادح سيد الموقف و المكان ، تهت بين الزحام ، لا ألوي على شيء . رفعت الأقلام و جفت الصحف .



#عبد_الرحيم_العطري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حالة المغرب 2005/2006 في العدد الثاني من كراسات استراتيجية ل ...
- بورتريه : الناقد الأدبي محمد معتصم أركيولوجي النصوص العذب
- بورتريه : المبدعة المغربية زهرة رميج لوتس اليسار النبيل
- المبدع محمد بلمو شاعر لا يركع للخراب
- بول باسكون الراحل خطأ : عالم الاجتماع هو ذاك الذي تأتي الفضي ...
- في حوار مع المبدع المغربي محمد شويكة
- المبدعة مليكة مستظرف فراشة في غير موعد الربيع
- حوار مع المبدع المغربي محمد الاحسايني بائع الفحم الذي صار رو ...
- من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 3
- من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 2
- افتتاح وحدة للتكوين و البحث في العلوم الاجتماعية و التنمية ا ...
- من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق
- حوار مفترض مع الشاعر الراحل محمد علي الهواري
- أين الجثة ؟
- كوم . إيكار
- تكريما لروح بول باسكون
- في لقاء حميمي مع المبدع المسرحي العراقي جواد الأسدي
- حوار مع القاص المصري محمد عطية محمود
- التلقيح السوسيو سياسي بالمغرب :عقاقير سياسية لتسكين التوتر ا ...
- سؤال الدعارة الرخيصة..تراجيديا الأجساد المتهدلة!


المزيد.....




- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العطري - حقيبة من جلد التمساح