أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغاني بوشوار - بعض التوضيحات حول القرآن وبعض توظيفاته















المزيد.....


بعض التوضيحات حول القرآن وبعض توظيفاته


عبد الغاني بوشوار

الحوار المتمدن-العدد: 6527 - 2020 / 4 / 2 - 10:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نبذة عن القرآن
ليس القرآن إلا ما عرف به عند المسلمين بأنه كلام الله المنزل على النبي محمد بن عبد الله القرشي في بداية القرن السابع الميلادي باللغة العربية المضرية. جمع ودون في الكتاب المعروف بالمصحف، وقد اختلف في كيفية جمعه وكتابته حتى أصبح على الشكل الذي يتداوله الناس ويسمونه بالمصحف العثماني، نسبة إلى عثمان ابن عفان الأموي، ثالث خلفاء النبي الذي أمر بإتلاف جميع النسخ الأخرى. ويعرف أيضا عند المسلمين بكتاب الله، والكتاب المنزل، والتنزيل، والذكر الحكيم، والفرقان.
رتبه السلف على الوجه الذي بين أيدي الناس اليوم، ويعتبر أول مخطوط كتب باللغة العربية، ويحوي 114 سورة وكل سورة بعدد آياتها التي تبلغ في المجموع 6000 مع اختلاف في هذا العدد. ويبلغ مجموع عدد كلماته 77439 كلمة مع اختلاف في هذا العدد أيضا. قسمه الأقدمون إلى نصفين وكل نصف إلى خمسة عشر جزءا فيكون مجموع أجزاءه ثلاثون جزءا. وقسموا كل جزء إلى حزبين فيكون مجموع أحزاب القرآن 60 حزبا. وقسم كل حزب إلى نصفين وكل نصف إلى أرباع وأثمان. ويوجد اختلاف بين السلف في هذا الأمر في المصاحف المتداولة بين الناس في المشرق برواية حفص والمغرب برواية ورش أو قالون. ولهذا تختلف علامات الأنصاف والأرباع والأثمان والأحزاب حسب المصاحف والطبعات، ويعتبر المتخصصون أن التقسيمات جائزة وليست توقيفية وملزمة ولا تعرف القواعد والاسس التي اعتمدت ولا من ضعها. وذهبوا أن الصلاة لا تجوز بدون قراءة بعض الآيات.
وشاع في الأوساط الإسلامية أن القرآن نزل بسبعة أحرف يعني كلمات عربية لاختلاف اللهجات العربية فاختلف في النطق والمعني والإيجاز والوقف والتشكيل مما قاد إلى سبع قراءات ثابتة للقرآن اضيف إليها ثلاثة أخرى وكلها مقبولة عند عامة المسلمين.
تختلف سور القرآن في طولها وفي عدد آياتها من الطويلة، كسورة البقرة إلى القصيرة، كسورة الكوثر بثلاثة آيات. ومن السور ما نزل في مكة عندما كان النبي مقيما بها، ومنها ما نزل في المدينة عندما هاجر إليها ولم يرتب المصحف على هذا الأساس في تقديم السور المكية على السور المدنية.
اهتم المسلمون بترتيل القرآن قراءته وحفظه، وخضع للدراسات والتفاسير والتفكر منذ بداية الرسالة وخصوصا في العهد العباسي الذي بلغت فيه الحضارة الإسلامية أوجها. وما يزال يُدرس ويُدرَّس في جميع انحاء المعمورة في الجامعات والمعاهد العلمية وفي المساجد والكتاتيب والمدارس. ويرتل في الإذاعات وقنوات التلفزة ومنابر التواصل الاجتماعي وفي جميع الأماكن، فضلا عن قراءته في الصلوات المفروضة وغيرها من الصلوات التي يتقرب بها المسلمون إلى الله ويتعبدون بها آناء الليل وأطراف النهار.
اعتنى المسلمون بتدريسه وحفظه عن ظهر قلب، وتفننوا في تجويد قراءته وتغنى البعض به بمصاحبة الآلات الموسيقية التي حرمها بعض المتفيقهين في الدين ويعتبرونها مزامير الشيطان. والقرآن قابل للحفظ، بخلاف غيره من الكتب، كاملا لمن اهتم به وسخر له وقتا طويلا، ويحمله البعض في صدورهم كاملا أو جزءا منه بسهولة، وقد حفظه أطفال في أعمار مبكرة، ولا يوجد كتاب ديني وغير ديني بحجم المصحف (77439) يتلوه الحفاظ من الذاكرة مثل المصحف، حسب علم كاتب هذه السطور. هذا، فضلا عن الأعداد الهائلة من الذين يتلونه عن ظهر قلب في جميع أنحاء العالم وخصوصا في المغرب الذي شاعت فيه عادة ختم القران في المساجد العتيقة كل شهر. يقرأ فيه الحفاظ جماعة حزبا مباشرة بعد صلاة المغرب وحزبا بعد صلاة الفجر وبنهاية الشهر يكملون الأحزاب الستين. وهذا في حد ذاته إعجاز وعجب كل العجاب ومعجزة من الصعوبة بمكان استيعابها لمن لا يفكر بجد في أسرار سلوك البشر والحكمة الإلهية في رسالته إليهم.
ترجم القرآن إلى معظم لغات العالم، ويوجد اختلاف كبير بين المترجمين في جودة ترجماتهم حتى داخل اللغة الواحدة مثل الأعداد الكبيرة للترجمات الإنجليزية. ولا توجد ترجمة رسمية للقرآن في أي لغة أخرى غير اللغة العربية. يشار هنا إلى أن بعض المتفيقهين يصرون على استحالة ترجمته ولا يقبلون إلا ما يسمونه بترجمة معانيه، ولعمري فإن المعنى هو المقصود، ومن يتوقع جمال وروعة وبلاغة اللغة العربية في جمال وروعة وبلاغة اللغات الأخرى، فإنه يطلب المستحيل. بل إنه قد ينكر وجود جمال وبلاغة وبيان في تلك اللغات، وقد قيل إن من البيان لسحرا وقيل أيضا: إذا ظهر المعنى لا حاجة في التكرار. وعلى الصعيد الفكري والديني يمكن للمرء أن يتساءل عن الهدف الحقيقي في الخطاب الإلهي، هل هو اللغة أم فهم المعنى والمقصود الذي تدعو إليه الرسالة؟ ولا شك في أن تأثير القرآن وفهمه أقرب للضالع في اللغة العربية والمتمكن منها من الذي يقرأه بلغة أخرى. وبالمناسبة لقد حاول عبد ربه ترجمة بعض السور إلى الإنجليزية وتاشلحيت الأمازيغية آملا في جود الكرماء لإكمالها وتحسينها قبل أن تختطفه المنية التي تتسارع خطواتها إليه. فهل من مجيب؟
تنظم مسابقات حفظه وتجويد قراءته في كثير من الدول في محافل مهيبة، رسمية وغير رسمية، ولا يوجد مثيل لهذا بالنسبة للتوراة والإنجيل والكتب الدينية الأخرى حسب علمي، وهذا في حد ذاته لعمري إعجاز فيه ومعجزة عجيبة واهتمام فائق بالقرآن. ويشكل القرآن المصدر الأساسي لما يطلق عليه الشريعة الإسلامية المدونة في أدبيات المذاهب الإسلامية المعروفة مع اختلاف الأئمة والفقهاء ورواد تلك المذاهب في التفاصيل والأحكام وما هو واجب وجائز ومستحب في الطقوس الدينية والأفعال والتصرفات تجاه الإله وتجاه التجمعات والأفراد وتجاه جميع المخلوقات والموجودات في الكون عامة. ولا غرو في ذلك لأن الله، كما يعتقد المسلمون، قد صرح في القران بأنه عين الإنسان كخليفة له في الأرض في قوله تعالى:..."إني جاعل في الأرض خليفة..." (البقرة:30)، وفي قوله تعالى:..." يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ..."(ص:26). طبعا لم يحكم النبي داوود على الأرض كلها، مما يثبت أن بني البشر قاطبة هم خلفاء الله في الأرض (ذرية آدم)، فلهذا وجب على كل واحد منهم أن لا يقوموا بما لا يرضي الله ولا يليق بجلاله وعدالته وأوامره ليفوز ببشراه والسعادة السرمدية.
يقدس المسلمون القرآن غاية التقديس ويطالبون بقية البشر بتقديسه واحترامه، بل يقوم الدعاة بمجهودات مضنية لأقناع غير المسلمين بالإيمان به وعدم الشك في تنزيله من رب العالمين، وكل من لا يؤمن به يعتبر عندهم ضال لسواء السبيل وكفر. وقد اتخذته بعض الأنظمة الاجتماعية دستورا ومحور شرعيتها في الحكم ومصدر تشريعاتها. يتدبره المسلمون وغير المسلمين ويتدارسونه باستمرار ويرتله المسلمون من الذاكرة والقراءة لمن يستطيع قراءة العربية طمعا في الثواب والأجر وزيادة في الحسنات وقضاء وقت في التعبد للتقرب إلى الله الذي جعله خليفته في الأرض ونزَّل في القرآن الأحكام ومنهاج الحياة الذي يقود إلى النجاة.
نبذة عن بعض أساليب توظيف القرآن
يتخذ كثير من الناس القرآن كمصدر رزقهم ومعيشتهم ويستخدمون في ذلك شتى الوسائل: يدرِّسونه يؤممون به الصلوات في مختلف المساجد والكتاتيب القرآنية. يكتبون آياته في التمائم والأحجبة وعلى الألواح والبيض وغيرها مقابل ما تيسر (ظاهرة منتشرة في المغرب)، ويقرِؤونه على القبور وعلى المرضى وعلى المشاريع التجارية تبركا به وطمعا في نجاحها. كما يقرؤونه في مناسبات الفرح والحزن وتوجد بالمغرب عادة في المناسبات يستدعي إليها مجموعة من القراء (الطلبة) قصد إخراج السلكة (ختم القرآن) حيث يقرأ فيها كل واحد منهم جزءا من التفريق (خمسة أحزاب)، يأكلون ويشربون ويتفكهون ويتعطرون ويتقاضون على ذلك أجرا.
تفتتح المناسبات الرسمية من كل نوع بقراءة بعض آياته قبل الشروع في التطرق إلى جدول أعمال الاجتماع. قد تفاجأ كاتب هذه السطور أثناء حفل تكريمه الذي نظمه طلابه حديثا في القاعة الدراسية، بافتتاح الحفل بتلاوة أحد الطلاب بعض الآيات من الذكر الحكيم. وكان الجو مفعما بالخشوع. حتى ظن أنه في مناسبة عزاء.
انتشار القرآن على نطاق واسع يتجلى أيضا في كتابته منقوشا بخط رائع على جدران المساجد والأضرحة والزوايا والقصور وبيوتات الأثراء وأبواب بعض المساكن والمدافن والمحلات التجارية وعلى قطع المجوهرات، ويوضع المصحف كاملا داخل صناديق مذهبة صغيرة يتزين بها الرجال والنساء تبركا وتعبيرا عن إيمانهم فضلا عن الاعتقاد بقوة الحماية من العين ومن كل سوء. كما نجد كتابة بعض الآيات مكتوبة على نوافذ السيارات والشاحنات ووسائل النقل المختلفة. وتباع لوحات فنية لمختلف الأيات القرآنية من كل نوع مزركشة وملونة بخط رائع يقدمها الناس كهدايا في مناسبات مختلفة.
يضاف إلى كل هذا انتشار القرآن على نطاق واسع في الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية (بعضها يتخصص القراء في التداوي بقراءته من كل الأمراض بما فيها السرطان ومس الجن فيما يسمى بالرقية ومنابر التواصل الاجتماعية والهواتف الذكية التي تستقبل المتصلين بتلاوة بعض الآيات. وفي المغرب، وربما في البلدان الإسلامية الاخرى، ينتشر بعض من يدعي حفظ القرآن في الأزقة وفي الأسواق يتلونه جهرا كوسيلة من وسائل التسول وطلبا لما يجود به المارة من الصدقات. يتجول أيضا باعة الاشرطة الدينية في الأسواق والطرقات يطلقون أصوات تسجيلات القراءات المختلفة من على عرباتهم بأصوات عالية على أمل جذب المارة لشراء الأشرطة.
وتوجد بالمغرب ظاهرة أخرى، أبطالها شحاذين يتجولون في المدن حاملين ألواحا خشبية كالتي يستعملها حفاظ القرآن في المدارس العتيقة يكتبون عليها بعض الآيات القرآنية ويدَّعون جمع التبرعات لإنفاقها على بناء المساجد في دواويرهم وأحياءهم، ومعظم ما يجمعونه من الأموال تذهب إلى جيوبهم. وهكذا يستعمل القرآن الكريم كواجهة لكسب الأقوات وناذرا ما يتطوع أصحاب هذه الحلات والقراءات والأنشطة المرتبطة بإذاعته بدون مقابل مادي فيضل الذكر الحكيم تجارة رابحة للذين يستخدمونه على الأوجه السالفة الذكر.
القرآن الكريم عند المسلمين، بغض النظر عن توظيفاته المختلفة، المريبة منها والشرعية، هو الحق المبين المنزل على الرسول محمد بن عبد الله. والرسول، حسب ما ورد في السير، ليس معروفا بكونه عالما بالمعنى الحديث للعلم ولا طبيبا ولا ساحرا ولا شاعرا ولا مجنونا، بل اعتبره المسلمون نبيا ورسولا أمر بتبليغ الرسالة الإلهية للعالمين التي يتضمنها القرآن المجيد (77439 كلمة وما يربو عن 6000 آية). ولقد بين فيه الله، كما يعتقد المسلمون، الإعجاز في قوله للنبي: «قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هـذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" (الإسراء:88). إنه تحد واضح لمن سولت له نفسه أن يجادل في الله وقدرته وسحر بيان خطابه ورسالته للعالمين. لا شك أيضا عند المؤمنين في أن الله عز وجل يحث الناس ويدعوهم للتعقل والتفكر والاجتهاد في طلب العلم بأسبابه ولقد ضرب "للناس في هذا لقرآن من كل مثل"(الروم:58). ووصف نفسه في الكتاب بأنه:" هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(يونس:5).
يتبن مما تقدم أن القرآن الكريم معجزة في حد ذاته كما هو(بالرغم من ضياع أجزاء منه) ودعوة إلى البحث في ملكوت السماوات والأراضي لقوم يعلمون، والعالم لا بد أن تتوفر فيه الشروط التي تستلزمها المعرفة ليقوم بالبحث والتفكر في آيات الله التي فصلها في التنزيل للذين يعلمون ويعقلون. ولقد ورد في القرآن بأنه نزل نذيرا وبشرى لإخراج الناس من الجهل والظلمات إلى النور وهدايتهم إلى الطريق المستقيم والسراط الذي اتبعه الذين أنعم الله عليهم والمطيعين أوامره ونواهيه ليحكموا بين الناس بالحق ويجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ويتفكروا في خلق السماوات والأرض، وكل ذلك بلغة جميلة وأسلوب رائع وبلاغة عربية عجيبة (رغم اختلاف المنتقدين من الملاحدة والدكتور سامي الذيب عن ذلك)* في الترتيل لأن "فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(البقرة:164). هذا هو إعجاز وعجب ودعوة للهداية إلى الرشد والتعقل والعلم كما يليق بخلافة الإنسان لله في الأرض للذين يفهمون الوحي الإلاهي ويؤمنون به ويستسلمون لمقاصده. والله بكل شيء عليم، كما لا يمكن لأي مسلم إنكاره.
الإعجاز العلمي المتخيل
إن العناية الفائقة بالفرقان وتوظيفاته تتجلى أيضا، في الآونة الأخيرة، بانتشار المنظمات الرسمية وغير الرسمية وكذلك الجمعيات والمنابر المختلفة والمواقع الإلكترونية والدعاة والمتطفلين على الإسلام، الذين جعلوا تركيز اهتمامهم بالإعجازات المختلفة من كل نوع في القرآن من العلمية والعددية والأحداث المستقبلة والمعارف الدقيقة إلى غيرها. يلاحظ بأن هؤلاء المتفيقهين في الإسم يتابعون أخبار الاكتشافات العلمية الحديثة التي تزيد من علمنا كل يوم وتنقص باستمرار من جهلنا بأسرار الكون، إنهم يتابعونها بشغف ويسارعون إلى تبرير سبق القرآن إليها بتفسيراتهم لبعض الآيات ومسطحاتها التي يستخلصون منها اقتناعاتهم وادعاءهم بالإعجاز العلمي في القرآن. فما من صغيرة ولا كبيرة من نتائج البحث العلمي والتكنولوجي والحقائق الحديثة التي يبهرنا بها العلماء والباحثون والخبراء الحقيقيوين في العلوم إلا وجدوا لها مبررا في القرآن بالرغم من أن ادعاءاتهم لا تساهم قدر أنملة في التقدم العلمي والمعرفي الذي يقوم به العلماء في المختبرات والجامعات والمعاهد الأكاديمية العصرية.
صحيح أنه وردت كلمات ومصطلحات وتعابير، وإن اختلف في معانيها، في القرآن تصف عددا من الطواهر الطبيعية للتذكير ولدلالة على قدرة الله ( الإله الواحد الذي هو ركيزة إيمان المسلم)، وعلمه وخلقه لكل شيء، مثل الذرة، والذهب والفضة، واللؤلؤ والمرجان والحديد والنحاس، والنطفة، ومراحل النمو، والنفوذ إلى أقطار السماوات والأرض، والنجوم، والبرق والكواكب، والسيارة، وبداية الخلق، والضوء، والقمر والشمس والنور والظلمات والرياح والبحار والأسماك، والدواب والأنعام، والبعوض والطيور، والذباب، والأشجار، والثمار، والوديان، والجبال والسهول، والتراب وإحياء الأرض بعد موتها، والمضغة، والعلقة والعظام، واللحم والسمع والبصر والفؤاد، والألسن والألوان...إلى آخر العناصر الكونية الفيزيقية والحيوانية (من الحياة) والظواهر الاجتماعية والأحداث التاريخية التي ورد ذكرها في القرآن. ولا شك عند المسلم بأن علمها الحقيقي عند الله كما ورد في القرآن: "وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"(يونس:61). وقد جعل الله كل ذلك آيات بينات للناس لقوم يعقلون ولقوم يعلمون منهم كما بين لهم ذلك في عدد من سور الفرقان.
علم الله بكل شيء لا نقاش فيه للمؤمن، لكن ادعاء المفسرين للقرآن والمتفيقهين في الدين والذين يزوجون بعض آياته بالاكتشافات العلمية الحديثة في ميادين المعرفة المختلفة التي ينشط فيها العلماء والخبراء والباحثون عن حقائق الأمور واسرار الحياة ويعتبرون إنجازاتهم إعجازا علميا قد سبق إليه الذكر الحكيم، فإنهم واهمون ويجانبون الصواب ولا يعبر موقفهم هذا إلا عن الكسل وعن عدم قدرتهم على الجهاد في طلب العلم واكتساب المهارات الضرورية لسبر غور المسائل العلمية والتحديات المعرفية والتساؤلات العقلية والرغبة في فهم الكون ومصيره وحب الاستطلاع مع جميع كل ما يؤرق البشرية ويبذل العلماء في كل هذا مجهودات حثيثة ومضنية لمعالجتها وفهمها وتسخيرها لفائدة القضاء على جهل البشرية بها لبشرية. فقد ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وينصبون على البحث في بداية الخلق يجمعون بيانات يحللونها بالاعتماد على الرياضيات، لغة الكون وملكة العلوم، وعلى مناهج البحث العلمي الحديث ويقدمون نتائج أبحاثهم في المجلات العلمية المتخصصة وإلى زملائهم والمتنورين للمناقشة والانتقاد والتصحيح والاختبار بالتصديق أو بالنفي.
لا يستوي الذين يعلمون وهم يعلمون أنهم لا يعلمون، الذين يطلبون الأمور بأسبابها ويجهدون بشغف لمعرفة سر الحياة وأسرار الكون معرفة حقيقية، إن هؤلاء لا يستوون مع الذين لا يعلمون أنهم لا يعلمون الذين يقبعون في بيوتهم متخصصين في ترديد براهين واقتناعات المتقدمين والمحدثين من الفقهاء ولا يبذلون أي مجهود في النشاط العلمي كما أمرهم الخالق (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدا الخلق... العنكبوت: 20:...) وينتظرون حتى يكتشف غيرهم الحقائق والأسرار التي يرفعون عنها غطاء الجهل فيسارعون إلى القرآن الكريم ليقولوا إن الإشارة إلى تلك الاكتشافات قد سبق إليها القرآن، وأن ذلك يبين بوضوح إعجازا علميا لا مراء فيه. إن مثل هذه المواقف كارثة بواح في عقول هذا النوع من البشر الذي يتكبر ويتعالى على العلماء، كأنهم يقولون بأنهم أسبق و أدرى بأسرار الأمور العلمية قبل إعلان تلك الاكتشافات والحقائق العلمية والمعرفية المبنية على المناهج العلمية الحديثة والرياضيات المعقدة التي اهتدى إليها عقل وذكاء الباحثين ونشروها ويعتقدون أنه بمجرد أن بعض آيات القرآن الكريم قد لمحت وأشارت إلى تلك الحقائق قبل أزيد من 14 قرنا ولا يخجلون من أنفسهم ولا يحاسبونها عن عجزهم وجهلهم بمقتضيات المسائل العلمية مع أن القرآن بين أيديهم وفي صدورهم لمدة طويلة قبل أن تنشأ الطرق العلمية الحديثة التي تنور البشرية باستمرار وبوثيرة مسرعة ومذهلة في آن واحد.
فهلا تفضل المدعون بالإعجاز العلمي في القرآن بتدبر القرآن وإحصاء كل معجزاته العلمية بالتفاصيل والمعادلات الرياضية والقوانين الطبيعية التي بني عليها وجود السماوات والمجرات والأراض من قبل الحكيم العليم قبل أن يكتشفها المحدثون؟ ثم هل اخذ هؤلاء في الحسبان بأن علماء اليوم لم يدَّعوا بان الحقائق العلمية حقائق مطلقة وثابتة؟ وهل يدركون ان النظريات العلمية التي يستند عليها العلماء في أبحاثهم لتفسير وفهم الظواهر التي ينكبون على دراستها هي قابلة دائما إلى التغيير ولا يعتبرونها إلا تخمينات ذكية ترشد وتنير طرق ومنهجيات ابحاثهم لا أقل ولا أكثر؟
إن الأدلة والبراهين عن كل هذا متوفرة عند ذوي الاختصاص في مختلف حقول المعرفة البشرية. نظرية التطور والارتقاء والنظرية النسبية ونظرية الثقب الأسود وغيرها من نتائج البحث العلمي تطرح حولها أسئلة الباحثين اليوم ويناقش صدقها في الأوساط العلمية وقد تدحضها اكتشافات جديدة في المستقبل القريب. فماذا سيكون موقف الذين يتسرعون إلى إثبات وجودها في القرآن كإعجاز علمي فيه بعد التخلي عنها من قبل الباحثين يا ترى على ضوء اكتشافات جديدة؟ ثم ما هو موقفهم من الذكاء الاصطناعي والهندسة الوراثية واستعمار الكواكب الاخرى؟ ما هي نتائج أبحاث المدعين لهذا الإعجاز وما هي المعادلات الرياضية ومساهمتهم المعرفية واختراعاتهم التكنولوجية في تفسير "ويوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار"؟(إبراهيم:48). أيقولون إن ذلك من الإعجاز العلمي للقرآن لأن هذه الآية وردت فيه؟
الجواب عندهم سيكون طبعا بالإيجاب وسيتخذون الآية دليلا وبرهانا، وسيبحثون عن كلمة وتعبير قرآني ويفسرونها على أنها إشارة من الحق تعالى إلى ذلك لتأكيد اقتناعهم بالإعجاز العلمي في القرآن. لكن تفاصيل وحيثيات تنفيذ عملية النفوذ إلى الكواكب الأخرى اوتبدل الأرض مثلا، وتفاصيل التحاليل العلمية للعناصر الطبيعية الدقيقة وشرح القوانين الإلهية بالتفصيل ليست واضحة كل الوضوح في القرآن. لكن العلماء الحقيقيون يعملون على سبر غورها وحساب تفاصيلها ومتطلبات تنفيذها بالطرق العلمية ولعمري ليست هذه موجودة في القرآن الكريم. ولو كان القرآن كتابا علميا لاكتفى به المتقدمون من العلماء المسلمين واستخرجوا منه كل معجزاته العلمية وقدموها للعالم ولتقدمت البشرية وتنورت وزادت معارفها أضعاف أضعاف ما هي عيه اليوم. هذا مع اعتراف المنصفين بمجهوداتهم وتجاريهم ومساهماتهم العلمية خصوصا في فترة العباسيين وحضارة الأندلس،
يضاف إلى هذا بأننا لم نسمع ولم يرد إلينا أن الذين اكتفوا بحفظ القرآن الكريم ولم يدرسوا أي كتاب آخر أو علم آخر أنهم اخترعوا شيئا أو اكتشفوا القوانين الطبيعية للعناصر المادية أو أجروا أبحاثا عليها لتحديد طبيعتها وبيان أسرار الكون لأنها لا تتأتى إلا بالدرس والتزويد بالعلوم وطرق البحث التي اخترعها العلماء ذوي الكفاءات والمهارات العلمية التي تتطور وتتحسن باستمرار في الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية وفي المختبرات الحديثة.
وفي الختام، ليتدبر المهوسون بالإعجاز العلمي في القرآن كل المعاني التي تحويها السور والآيات التي ضاع منها الكثير حسب ما ورد من أحاديث الفقهاء المختلفة والمتناقضة في بعض الأحيان.
* يعتبر الدكتور سامي القرآن كشكولا كأن كاتبه حاخام مسطول.



#عبد_الغاني_بوشوار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضرورة إنشاء نظام عالمي جديد: التغيير المنتظر
- زيارة أخرى إلى حرف -تيفيناغ- الأمازيغية


المزيد.....




- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغاني بوشوار - بعض التوضيحات حول القرآن وبعض توظيفاته