أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - 86 نبراسا ً من المقاومة















المزيد.....

86 نبراسا ً من المقاومة


بديع الآلوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6527 - 2020 / 4 / 1 - 14:13
المحور: الادب والفن
    


تقترن مفردة مقاومة بمفردات كثير ، كالنضال ، والمعارضة ، والصراع ، والمواجهة ، والرفض ، والتحدي ، والكفاح المسلح ايضا … وهذه المفردات مجتمعة تلامس بمستويات مختلفة مسيرة الحزب الشيوعي العراقي ومراحل نضاله ، هذا الحزب الذي تعرفت عليه في بغداد وتحديدا ً في الاعظمية ، يومها كنت شابا ً يافعا ً ، لم اكن ناضجا ً ولم اكن طائشا ً ، لكني كنت محبا ً للفقراء ، ولا اعرف من شجعني ان ارسم منجل ومطرقة ، كل ما اتذكره ان عمي ( شكري ) وحال الانتهاء من قراءة كتاب متوسط الحجم ، اعطاني اياه قائلا ً : يمكنك قراءته . وكان ذلك الكتاب هو رواية ( ايام صعبة ) للسياسي ( بهاد الدين نوري ) ، فشرعت انا واخي التوأم على قراءتها ، وكانت هي الشعلة الاولى التي انارت لنا الطريق ، بعدها توالت القراءات ، وشيئا فشيئا بدأت تتبلور معرفتنا لما يحدث في العراق وفي العالم ايضا من خلال الجريدة والروايات الاجنبية . ومنذ ذلك التاريخ اواسط السبعينات ، صار لي اصدقاء يساريون وماركسيون وماويون وشيوعيون ، وكانوا على اختلاف مشاربهم يتحلون بخصال تختلف عن الاخرين كحبهم للرسم والموسيقى والكتاب . ومع اني من عائلة برجوازية كون ابي كان موظفا ، إلا اننا ننحدر من طبقة فلاحية ، ربما لهذا السبب وليس لغيره صار المنجل قريبا الى روحي بدلالاته التعبيرية والاخلاقية ، واقترن الفلاح بذهني بإحدى اهم الشخصيات المساهمة برقي الحضارة .. وخلال دراستي للتصميم ترسخت لدي هذه الفكرة ، عندما عرفت انه في الالف السادس قبل الميلاد عثر في ( اريدو) على اقدم منجل ، لتقترن مهنة الفلاحة بذهني بالخبز ، الذي انقذ البشرية في الكثير من الازمات والمجاعات .. ومن طريف ما أتذكره عن المنجل ، عبارة لا يمكن ان انساها ما حييت ، وهي لأمي التي تحب حديقتها ، يوم قالت لي بعفويتها المعهودة : ــ اذا ضاع المنجل ، تكاثرت الاعشاب الضارة وفسد الزرع . وبعد ذلك تواصلت قراءاتي وأزداد وعيي لأعرف انه ومن رحم الثورة الصناعية ظهرت الطبقة العاملة من ذوي البدلات الزرق ، الذين تحالفوا فيما بعد مع الفلاحين والكتاب والمثقفين .. وصاروا يرددون معا ً نشيدهم الاممي الذي كتبه ( اوجين بوتيه ) تخليدا ً لكومنة باريس ، وصرنا ننشد باحتفالات ميلاد الحزب ذات النشيد : ( هبوا ضحايا الاضطهاد ــ ضحايا جوع الاضطرار …. بجموع قوية هبوا لاح الظفر ـــ غد الاممية يوحد البشر ) .. وهكذا دخلت مفردة الاشتراكية الى ذهني ، مؤمنا بان اتحاد العمال والفلاحين بمقدوره ان يبني اوطانا ً سعيدة ، لكننا للأسف بقينا نبحث عن الاشتراكية في الكتب ، لأننا لم نجدها في واقع بلداننا ، وظلت المفردة تلوح في عقولنا كحلم لا نعرف كيف او متى يتحقق ... ومع الهجمة الشرسة التي شنها النظام على الحزب .. تغير فجأة لون الحياة ، اعتقل الرفاق الذين نحبهم ، اغلقت الجريدة التي كنا نطالعها كل صباح ، ولم يعد لكلمة الحرية من معنى ، وصار اي منشور او مطبوع يرسم عليه المنجل والمطرقة يصادر بأمر الجهات الامنية ، تلك الجهات التي سخرت كل امكانيات الدولة لقمع جماهير الحزب ومناصريه ، ومن المؤسف بانه وعلى الرغم من شراسة الهجمة الا ان قيادة الحزب لم تأخذ الاحتياطات التنظيمية الكافية لاحتواء الازمة او وضع الحلول المناسبة للتصدي لها ، بل تركت الحبل على الغارب ، مما اوقع الحزب في اشكال لا يحسد عليه ، هرب على اثر ذلك الكثير من قادة الحزب والكادر المتقدم الى خارج العراق ، ومن بقى في الداخل ذاق الأمرين ، حتى صار مجرد الحفاظ على النفس يعد انتصارا ً ، في ظل نظام يمكن ان تعدم فيه لمجرد أنك قلت مزحة انتقدت فيها السيد الضرورة . اجل ، كانت الحياة بين عامي1980 الى منتصف 1984 مشوبة بالقلق والحذر الدائمين ، ولم تخبو أوار الحرب المستعرة ، في حينها كنت جنديا ً مكلفا ً طيلة السنتين الاخيرتين ، ومن حس حظي اني قصيت خدمتي العسكرية في بغداد ، وكان لي تواصل طيب مع صديقين كرديين ، تعززت علاقتنا وصارا يبوحان لي بما يعرفانه عن اخبار البيشمركة ، وحين نضجت روحي من الوجع ، وسيطرت علي فكرة الالتحاق بالجبل ، كنت مأخوذا برومانتيكية الرحلة وثوريتها ، ولم يخطر ببالي ما يعنيه ترك بغداد ودلال الاهل ، واستبدال كل ذلك بتجربة هي اشبه بمن يشق طريقه في الصخر . لكن في تلك الظروف لم يكن امامي من خيار اخر إلا الاعتصام بالجبل ، لذا وطنت نفسي على تحمل ومواجهة الصعاب بدون تذمر .. مؤملا روحي بان الوصول الى المناطق المحررة هو المبتغى والنجاة ، وبعد مسيرة راجلة من ناحية عقرة الى العمادية ، نجحت في الوصول للمناطق المحررة والالتحاق برفاقي ، اولائك الرفاق الذين تصورتهم لونا واحدا ، فوجدتهم الونا عدة ، افكار متباينة وأمزجة مختلفة ومواهب متعددة ونفسيات شتى … ولا اعرف كيف مضت الأشهر الستة الاولى ، ولكني اتذكر جيدا انها كانت الاصعب ، حيث تحتم علي التكيف مع تفاصيل تلك الحياة القاسية ، بعدها بدأت اتلمس الواقع الجديد ، وتكشفت لي امور ما كنت اتوقعها ، ( فخلف الأكمة ما خلفها ) كما يقال ، حيث عايشت تناحر القوى السياسية والعسكرية ، وما تخفيه ظلال بشتاشان من ذكريات ومن جرح لم يندمل ، كل ذلك جعل الحركة الانصارية تتقوقع على ذاتها ولم تتمكن من تحقيق اهدفها المرجوة . بعدها بسنة التحقت بالمفارز، فصارت لي فرصة سانحة لمعرفة الواقع بكل سلبياته وإيجابياته المحتملة ، ولكن اكثر ما كان يحز في نفسي هو منظر الفلاحين واهالي القرى المتعاطفين معنا ، وقد وقعوا بين سندان النظام القمعي ومطرقة قوى البيشمركة بكل فصائلها التي تدعي الديمقراطية والاشتراكية لكنها في الحقيقة كانت عشائرية بامتياز . في تلك الظروف القاهرة ومع حصار السلطة الجائر على المناطق الآمنة ، وبعد منتصف عام 1986 ، كنت في قاطع بهدنان ، وشهدت ما حصل في تلك الايام من ركود في العمل العسكري ، وكيف اصبح الهم الرئيسي للسرايا والمفارز يكمن في تدبير قوتهم اليومي من الغذاء ، وعلى الرغم من قسوة الطبيعة وتعقد الظروف التي تحيط بنا ، لا يمكنني ان انكر ما كان يتحلى به الانصار من شجاعة ومحبة وايثار ومعاضدة لبعضهم البعض ، وكيف كنا نحتفل بعيد الحزب ، ونغني النشيد الأممي ، ونرسم المنجل والمطرقة ونشعل النار ونلتف حولها مراجعين الذكريات الحلوة والمرة . من دون ان نستشعر الخطر الذي كان يلوح في احاديثنا او يمر في كوابيسنا حول ما ينتظرنا ، الى ان بدأت الاحداث بالتسارع مع نهاية عام 1988 ، للأسف لا الحزب ولا اي شخص منا كان يتوقع ما ستؤول اليه الحركة من نهاية مأساوية ليس لها من تسمية سوى الانهيار !! . حيث استطاع النظام الدكتاتوري هزيمتنا عسكريا ً دون قتال ، وبعد ثلاث ايام قضيناها بين الجبال في مسيرة راجلة ، مات فيها من مات ونجى منها من نجى ، وجدنا انفسنا في مخيمات اللجوء في تركيا . اثناء مراجعتي لهذه الذكريات والكتابة عنها ، اعتقد ايها الرفاق اننا جميعا ً كنا مسؤولين عما حدث ، ولكن بعيدا عن جلد الذات ، يحق لنا ان نتعترف : بان حركة الانصار حتى ولو كانت تجربة طوباوية لا مبرر لها كما يعتقد البعض ، فقد ذهبنا اليها مضطرين ومكرهين لا مختارين .. وهذا ما يشفع لنا كل تلك التضحيات !!! اما اليوم وانا احتفل لوحدي بعيد الحزب ، ينتابني حزن عميق كوني ارى حزبنا العريق ، في موقف لا يحسد عليه ، خاصة بعد سقوط النظام ، والاحتلال الاجنبي للبلاد ، وما رافق ذلك من صعود للتيارات والاحزاب الدينية والعشائرية ، وما اعقب ذلك من فساد اداري ونهب للثروات ، اقول : كل هذه الاسباب مجتمعة اضاعت على الحزب والقوى الوطنية فرصة التغيير والمساهمة بالنهوض بالوطن . مع ذلك كله ، لي وجهة نظري خاصة لمسيرة الحزب النضالية حيث يتضح لي جليا ، عدم قدرة كل قوى الشر في طمس الافكار التنويرية والتقدمية والانسانية التي زرعها الحزب في قلوب اعضاءه ومحبيه ، وكذلك لم تتمكن اي قوة غاشمة من اجبارنا على التخلي عن تلك المبادئ والافكار التي نؤمن بها ، وستبقى قلوبنا تسعى للخير والعدالة الاجتماعية في ( وطن حر وشعب سعيد ) خالٍ من الفساد والطائفية ، وسنبقى نكافح مع كل قوى اليد والفكر ، ونغني معا ً :

يا حزبي يا ماي النبع ــ يابو قلب اخضر

يا فرحة بعيون الشعب ـــ طول العمر تكبر

لكل الرفاق الذين داخل الحزب او خارجه ، ولكل الذين تعرفت عليهم خلال مسيرة الحياة اقول بمحبة : كنا وما زلنا ذلك الطائر الذي لا يخاف من العاصفة .
مجدا ً لمن يواصل الرحلة .. ومجدا ً لحزب الشهداء والراية الحمراء .



#بديع_الآلوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس كخبز القربان
- الهبوط الرهيب
- البوهيمي
- عاشقان
- احلم يا ولدي
- نداء وطن وهدير التغيير
- اللامنتمي والأبواب الخمس
- اليوم المحتفي بنفسه
- قصة قصيرة : القَبْرُ القرمُزيُ
- كريم كطافة وحصار العنكبوت
- قصة قصيرة جدا ً : الشبح
- نحن موتى أذن !
- ثلاث جرعات من الترياق
- إيماءات رأس السنة
- شجرة الأعياد
- إدمان … و 6 تحت الصفر
- نص : ال عْ ج و ز ي
- قصة قصيرة : أين ذهبت يا جعفر ؟
- الميتافيزيقي
- قصة قصيرة : (… كقصيدة رعويّة )


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - 86 نبراسا ً من المقاومة