عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1577 - 2006 / 6 / 10 - 11:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدّمُ لاينام , هذا ما قاله صلاح الدين الأيوبي , وهو يحذر ابنه وينهيه عن القتل , فالإنسان خلق في أجمل تقويم , وبهذا الكائن الجميل , بهي الطلعة تغنى الشعراء , وكان عبر مسيرته سيد الطبيعة , جمال آخاذ , وذكاء استطاع أن يُسخر كل شيء لصالحه وتعلم من العلم ما يحيّر العقول الجبارة , إنه الإنسان , ذاك البهي المختال بنفسه , سيد الجمال , المتباهي على الخليقة , ورغم أن هذا الكائن , الجميل اللطيف الودود المتنعم , يحاول ودائماً أ ن يكون , أو أن يتظاهر بأنه أكثر أنسنة إلا أنه لم يتخلص من وحش لا يشبع من لعق الدماء ولا من طمع الدنيا , وابتلى بالتعالي حتى على أقرانه , وهو كائن يحاول دائماً أن يكون المتفوق بينهم , لذى تراه يتبارى بالشرور دائماً , وكلما صار السيد المطلق , كثرت من حوله الفتن , وبدلاً من أن يتحول إلى كائن سلام وأمان يكون سيداً وبإمتياز للقتل , ومن هنا تكمن خطورة الإنسان الوادع الجميل , مع نقيضه الإنسان المتكبر المتجبر والذاهب بإرادته إلى حتفه , فالإنسان مالؤ الأكوان دماراً وخراباً , والعاجز أبداً عن لغة الحوار بدلاً من الموت فيكفي, النظر إلى حقبة صغيرة من الزمن , واستطراد الحروب والفتن العرقية والطائفية والدينية وما خلفته من قتل بشع , ومجازر ٍ ترعب الصغير قبل الكبير , وما قامت به الأطراف المتقاتلة , فيما بينها من وحشية في القتل ومن التمثيل بجثث الطرف الآخر , عداك عن حرق الممتلكات , ودمار البيوت , وخراب للبيئة والطبيعة , وما تلحقه من أذاً بالحيوان والماء وكل مصادر الطبيعة , والأكثر بؤساً هو مخلفات الحروب التي تحدث ضرراً بيئياً قد لا تتخلص منه البشرية لمئات السنين القادمة , والسؤال هو : لماذا هذا القتل ؟ هل فعلا ً البشر هم أعجز من أن يخلقوا لغة للحوار والتفاهم فيما بينهم , أم أن المسألة هي تأصل نوازع الشر الموجودة في أعماق النفس البشرية ! هذا الشر الذي نما وكبر وطغى وحول الإنسان إلى عبدٍ له , ثم ما هو هذا الشر ؟ ومن أين يأتي ؟ ثم كيف يمكن الخلاص منه ؟ ولماذا إذن التغني بالحضارة والإنسانية ؟ أسئلة كثيرة تطرح على المرء , وكل واحدة منها تجعلك أكثر حيرة , وتتركك في مهب ريح هذه الأسئلة ؟ ثم هل البشر متسرعون إلى درجة أنهم لم يخلقوا بعد مناظم للقيم التي تجعلهم أكثر استقراراً ؟ أم أنهم يذهبون في العلم بعيداً وبالقدر نفسه يغوصون في عالم الخرافة والمجهول ؟ وتصبح هذه هي المعادلة الأكثر أماناً للتجاذب الذي يعاني من البشر وهم في صراع ٍ سرمدي بين العلم والخرافة , أم أن خوفهم من العلم الذي أضحى لديهم حقيقية مطلقة , والذي أي العلم بقدرته الجبارة جعلهم أكثر صغراً وبؤساً وتحول إلى خرافة جديدة , انتزعت منهم خرافتهم التي قدسوها عبر ملايين السنين , مما جعل البعض منهم يهرول عائداً إلى خرافته الأكثر أماناً , والتي اعتاد عليها فأمّنت له, فأمِن وآمن بها , وبالتالي أصبح أكثر عدوانية لهذه الخرافة الجديدة التي اسمها العلم , والتي تذهب به وبمفاهيمه إلى المجهول , وتنتزع من َلدُنِه ِ المقدس , لذا تحول إلى بدائي, أصبح واجب عليه العودة إلى عالمه القطيعي للحفاظ, على هذا النمط البدائي من الكائن الضارب عميقاً في أعماقه , والمرتد توحداً إلى عالم الغيب الأكثر اطمئناناً وسلاماً , إذ هو المذهول في عالم الحضارة التي داهمته وجعلته ضحية لأوهامه , وبالتالي أضحى على التضاد من كل ما ليس منه , بل أكثر عدوانية وعداءاً للذي ليس منه , وما العداء المتوحش حتى لمن هم على شاكلته , إلا خوفاً ممن هم ليسوا كذلك , ويصبح القريب أكثر عداوة من الغريب , وتكون لغة الدم هي الوحيدة المشَرْعَنةَ , كقطيع حيوانات جَعَلَهُ داء الجرب ينهش بعضه بعضا , ومن هنا نرى الذبح على الهوية , وحالة الارتداد حتى عند من كانوا بالأمس القريب يدّعون العلمانية في الحياة , فترى الأديب الفلاني , أو الكاتب العلماني , يعودان إلى جذرهما وإذ بهما طائفيان , أو قومجيان , أو عرقيان من الطراز الأول , وتذهب العلمانية , ويحل محلها مجموعة من المفاهيم المتخلفة , أو في أحسن الأحوال البدائية القطيعية هي القيم المثلى لهؤلاء الكتاب , بل زد على ذلك فهم يتباهون بذلك , وينسحبوا بدلاً من إرضاء العلم والتطور والتسامح إلى إرضاء سذج القوم , بل ينحنون راكعين أمام أقدام مروجي الجهل والخرافة , أو مروجي الكره والعنصرية , وينسى الكتاب دورهم في أن يكونوا الطليعة التي تقف إلى جانب كل ما هو مُنير ويكونوا الى جانب كل ما هو متخلف , بل زد على ذلك فهم يصبحون منظرون للقتل والكراهية والفئوية ضيقة الأفق , ويخسرون شرف الكتابة الذي هو فوق كل ما هو ضيق الأفق ومتجذراً في عوالم المعرفة وحرية وكرامات الناس التي لايمكن أن تتحقق إلا في مجتمعات تسودها المدنية , وتسخر العلوم لخدمة البشر , متجاوزة المفهوم الضيق في الطائفية والدين والعنصر , إلى رحاب التسامح والتضامن لخير البشرية جمعاء , ومن أجل القضاء عل الجهل والفقر والإرتقاء بالناس إلى مصاف َ احترام آدميتهم , وإنسانيتهم , وبث روح المحبة والتعاون بينهم , وذلك بضمان أمنهم وسلامتهم , والإرتقاء بمتطلباتهم إلى ما يكفل لهم حياة كريمة , ينابيعها الحب والإحترام , لا الحقد والقتل والعصبية وزرع الفتن , فالموت لا يجلب إلا الموت , والقتل لايجلب إلا القتل , والشر لا ينتج إلا الشر , فمن يتصور نفسه آمناً من الفتنة فهو غبي , ومن يوقظ الفتنة سيقع في شر أعماله , فالفتنة شر لا يبغي ولا يذر , فالقتل بكافة أشكاله جريمة لا تغتفر فما بالك إذا كان هذا القتل على الهوية , أو قتل هكذا لزرع الخوف وإثارة النعرات الطائفية , فمن يستمر في القتل سيلاقي القتل يوماً , ولنا في أمثلة التاريخ عبرة في ذلك , وبما أن هذا الزمن , وهذا الشكل من الحياة في هكذا زمن , تأخذ المفاهيم الشخصية دوراً أساسياً في الحياة , لذا حتى التوحد في الملة أو العرق أو الدين مستحيلة , لألف سبب وسبب , فمن هنا الحياة تفرض على الجميع أن يتقبلوا بعضهم بعضاً ويكون الشعار ( لا واحدة تــُقال لا لإلغاء الآخر ) ونذكر دائماً قول صلاح الدين الأيوبي وهو ينصح ابنه ( يابني لاتقتل لأنّ الدَمَ لاينام ) 0
* كتبت هذه المقالة قبل مقتل الإرهابي ( أبو مصعب الزرقاوي ) وبهذه المناسبة أهنئ الشعب العراقي العظيم , وأعزي قناة الجزيرة الإخبارية بمناسبة موت سيدهم الزرقاوي وعوضهم على إرهابيين جدد , يا أسفي شيء مخجل 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟