أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد السلام أديب - قراءة في كتاب الأستاذ علي فقير حول التشكيلة الاجتماعية والصراع الطبقي بالمغرب















المزيد.....


قراءة في كتاب الأستاذ علي فقير حول التشكيلة الاجتماعية والصراع الطبقي بالمغرب


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 1577 - 2006 / 6 / 10 - 11:10
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


من الصعب اجراء قراءة لكتاب الرفيق المناضل علي فقير حول التشكيلة الاجتماعية والصراع الطبقي بالمغرب، نظرا لغزارة ما يحمله هذا الكتاب بين دفتيه من تحليلات ومواقف سياسية جريئة.
قالأستاذ علي فقير المناضل الماركسي اللينيني الذي لم تهز قناعاته السياسية ولا حبه لهذا الوطن سنوات الرصاص وإرهاب وسجون النظام المخزني سواء خلال عقد السبعينات حينما كان مناضلا ثوريا في منظمة إلى الأمام أو بعد انهيار سور برلين وارتداد وهرولة الكثير ممن كانوا يعتدون على صف المناضلين إلى تغيير معاطفهم وقناعاتهم. فمسار الأستاذ الرفيق علي افقير يشكل مدرسة يحتدى بها من طرف المناضلين الحقيقيين.
إن كتاب الرفيق علي افقير يتفرد من حيث جرأته وملامسته للعديد من الجوانب التي يخشى الكثير من المحللين السياسيين والكتاب ملامستها خشية من تجاوز الخطوط الحمراء الوهمية التي يضعونها نصب أعينهم، وتلك هي أبرز ميزة تطبع هذا الكتاب. لذلك يمكن القول بأن قراءة الكتاب من منظور أكاديمي لن تكفي للإحاطة العميقة بخلفيات الكتاب وأبعاده، فقد نختلف مع الكاتب من حيث المنهجية المعتمدة وقد نؤاخذ عليه عدم الإسهاب في بعض التعريفات وفي بعض الأحداث التاريخية، لكن هذه الأشياء يدركها الرفيق علي افقير جيدا ويجيبنا عليها بكل تواضع منذ الفقرات الأولى للكتاب.
إن الكتاب يضم بين دفتيه كل ما يسعى إليه الباحث لفهم طبيعة التشكيلة الاجتماعية المغربية السائدة وصيرورة الصراع الطبقي الدائر وذلك انطلاقا من فترة ما قبل الحماية الفرنسية وإلى غاية اليوم. ولن أحاول أن أسرد عليكم مقاطع هذا الكتاب الغنية بالتحليلات بل أترك هذه المهمة لعنايتكم الخاصة عندما تقرؤونه. سأحاول فقط أن أنقل لكم بعض الخواطر العامة التي استدرجتني إليها قراءة هذا الكتاب، محاولا الوقوف عند بعض المحطات وليس كلها وإبداء بعض الملاحظات العامة.
ينقسم الكتاب إلى ثلاث أجزاء يفرد كل جزء منها لحقبة تاريخية معينة، وهو بهذا التقسيم يمكن اعتبار المنهجية المعتمدة تقوم على المنهج التاريخي التحليلي. ويتميز هذا المنهج بسهولة استقراء الأحداث والوقائع، فالباحث يلتجأ إلى سرد الوقائع التاريخية ثم يحاول أن يستخرج منها الخلاصات اللازمة التي تؤكد الأطروحات التي يدافع عنها. وبطبيعة الحال هناك صعوبات كثيرة تعترض الباحث في هذا المجال تتمثل على الخصوص في ندرة المعلومات أو في قولبتها من طرف مصادرها أو من طرف المؤرخين لها.
إن التحليل السوسيولوجي والسيكولوجي لطبيعة المجتمع المغربي تشكل عاملا إضافيا ضروريا من أجل أن يتمكن الباحث من الغوص في التحليل وتقديم أفضل الخلاصات. كما أن المنهج الاقتصادي يشكل بدوره أداة إضافية استعملها الكاتب بنجاح للإحاطة بطبيعة الصراع الطبقي الدائر.
إذن فالكاتب وإن كان يستند بالأساس على المنهج التاريخي التحليلي أي استقراء الوقائع والأحداث ثم تحليلها، إلا أنه استند على مقتربات سيسيولوجية وسيكولوجية واقتصادية للخروج بتحليلات وخلاصات جد هامة حول طبيعة التشكيلة الاجتماعية في المغرب.
أولا: التفاوت الطبقي دليل على قيام أركان جريمة متكاملة
إن خلاصة عامة للكتاب نجدها في أولى صفحاته، وذلك حينما يتناول الكاتب ما قبل التقديم، ففي هذا الإطار يحدثنا الرفيق علي فقير عن جريمة خطيرة شهدها تاريخ المجتمع المغربي ولا زال يعيش آثارها ومضاعفاتها إلى الآن، فهذه الجريمة التي تمت مع سابق اصرار وترصد، تتضمن مختلف أركان الجريمة المتكاملة أي وجود مجرم وضحية وعلاقة سببية بينهما. وللتوضيح أكثر يشير الرفيق علي افقير لقولة مشهورة لأحد المفكرين الذي قال: "عندما أسمع كلمة الثروة (الغنى) فإنني أفكر مباشرة في الجريمة".
إن الجريمة التي يتحدث عنها الرفيق علي أفقير هي جريمة النهب والإختلاس والرشوة والإستغلال (مراكمة فائض القيمة) ووصولا إلى القتل. أما الضحية فهو القسم الأكبر من الشعب المغربي الذي يعاني من الفقر والحرمان والتهميش، أما المجرم فهي الأقلية الحاكمة التي تتميز بمظاهر البذخ والتسلط والعجرفة.
إن هذه الخلاصة تشكل المحور الأساسي الذي يقوم عليه الكتاب، فالكتاب على امتداده يحاول أن يؤكد لنا طبيعة هذه الجريمة وطبيعة أطرافها والنتائج التي أدت إليها. فأصول هذه الجريمة ذات امتدادات تاريخية واضحة تتجلى من خلال التفاوت الطبقي الصارخ، ثم ان السكوت عن هذه الجريمة هي بمثابة تواطؤ مع المجرم. وهذا السكوت هو ما يفعله حاليا عدد من المرتدين والمهرولين كما يصفهم الكاتب الذين سارعوا عقب سقوط جدار برلين وانهيار رأسمالية الدولة البروقراطية في أوروبا الشرقية.
إن الكاتب هنا يجمع بين واقعة الجريمة وسبل معاقبة المجرم وبين النمط الاقتصادي والسياسي الذي تنتفي فيه كل مظاهر الجريمة ومظاهر التفاوت الطبقي. فلم يكن النظام الرأسمالي وحده أصل ارتكاب هذه الجريمة، بل ارتكبت في عهد سابق للرأسمالية إلا أن قيام الرأسمالية التبعية كرسها بحدة سواء في ظل الحماية الفرنسية أو مع صعود الرأسمالية التبعية.
ويؤكد الرفيق علي افقير على أن المرتدين والمهرولين من مناضلي الأمس يعملون حاليا على طمس آثار الجريمة عبر صياغة خطاب جديد – قديم لتبرير الردة وإيهام الرأي العام بحتمية خلود النظام الرأسمالي وبعدم وجود طبقات اجتماعية وبالتالي بعدمية الحديث عن الصراع الطبقي وعن المجتمع الاشتراكي الذي ينعدم فيه استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. إن خطاب هؤلاء المرتدين والمهرولين لا ينتصرون فقط لنمط الإنتاج الرأسمالي وهو ما يمكن أن يعتبر حقا من حقوقهم في التعبير وإنما يعملون على إنكار أن التراكم البدائي الذي حققه المتسلطون على هذا الشعب قد تم عبر جرائم اقتصادية واجتماعية وسياسية متعددة، وان اعتماد النظام الرأسمالي هو فقط لتبييض الأموال المنهوبة ولتكريس الهيمنة الطبقية لمجرمي هذا البلد.
إن الصيرورة التاريخية التي يصف لنا الرفيق علي أفقير تحولاتها وتناقضاتها وصراعاتها والتي أفرزت تفاوتا طبقيا صارخا واستغلالا سافرا للعمال وعموم الكادحين، لا تشكل حتمية تاريخية في نظر الكاتب بل نجده مقتنعا تمام الإقتناع بأن من شأن النضال الجماهيري الحقيقي تحويل هذا المسار عبر انخراط الطبقات الشعبية الواعي في عملية التغييرـ وأن هذا التغيير لن يتأتى بدون وعي عميق وتنظيم محكم وانغراس مطلق وسط الكادحين.

ثانيا: مفهوم التشكيلة الاجتماعية
يحاول الأستاذ علي أفقير تعريف التشكيلة الاجتماعية بكونها "مجمل الطبقات الاجتماعية المتواجدة وفي مختلف العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية المتواجدة، وفي مختلف العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية التي تربط بعضها ببعض".
كما يحدد الرفيق علي السمة التي تطبع التشكيلة الاجتماعية وهي التناقض والصراع، حيث ينبع التناقض في المصالح من عناصر موضوعية بينما ينبع الصراع الطبقي من عوامل أغلبها ذاتي وفي مقدمتها الوعي الطبقي. غير أن الكاتب لا يتطرق هنا إلى دور التحالفات التي يمكنها أن تجمع بين الطبقات المتصارعة والتي غالبا ما تقود إذا ما تحققت إلى تغيرات مجتمعية عميقة، وهذا ما حدث في تحالف البرجوازية الصاعدة في فرنسا مع الطبقة الكادحة من فلاحين أقنان الأرض وعمال كادحين وفقراء مشردين لقيادة الثورة الفرنسية ضد أمراء الإقطاع والملكية المطلقة. ذلك ما حدث أيضا عندما تحالفت الطبقتين البرجوازية والارستقراطية في بريطانيا لتقييد سلطات الملك. نفس الشيء فعله لينين عبر تحالف الطبقة الكادحة مع الطبقة البرجوازية لقيادة ثورة 1917.
لم يحاول الكاتب الدخول في الإشكاليات النظرية حول مفهوم الطبقة والتقسيمات الطبقية، بل يحسم هذه المسألة عبر طرح عناصر الإنتماء الطبقي وتتمثل هذه العناصر في أربعة وهي العلاقة بوسائل الإنتاج والموقع داخل علاقة الإنتاج ثم الموقع داخل الهرم الإداري وأخيرا أهمية الدخل المحصل عليه.
شخصيا أعتبر أن هذا التعريف جزئي وعام كما يؤكد ذلك الكاتب نفسه، خصوصا وأن هناك تساؤلات عديدة تبقى مطروحة على القارئ مثل موقع الطبقة الوسطى التي لا تملك وسائل الانتاج ولا تعمل على استغلال اليد العاملة ... الخ.
هناك اشكال نظري يتعلق بمفهوم الطبقة، حيث أن هذا المفهوم لا يتحدد فقط على أساس موضوعي كملكية وسائل الانتاج أو حجم الثروة والدخل أو عدم ملكية وسائل الانتاج والثروة والدخل، بل هناك أيضا عوامل ذاتية تجعل كل باحث ينظر إلى الطبقة من زاوية معينة لا ينظر إليها أو يتجاهلها الباحثون الآخرون. والمقصود هنا بالمعايير الذاتية الصفات والخصائص النفسية والباطنية التي تميز الطبقات الإجتماعية، فلكل طبقة اجتماعية سيكولوجيتها وذاتيتها الشاخصة والمتميزة، وهذه السيكولوجية تعبر عن مبادئ وآراء ومفهومات ومعتقدات، وقيم ومقاييس ومصالح وأهداف خاصة بأبناء الفئة أو الطبقة الإجتماعية.
كما أن التقسيم الطبقي نفسه يخلق عدة اشكالات، فهناك من يعتبر أن المجتمع ينقسم فقط إلى ثلاث طبقات وأن كل طبقة تتضمن شرائح مختلفة لكنها متجانسة على مستوى حجم الملكية الخاصة والدخل بالنسبة للطبقة العليا وعلى مستوى غياب الملكية ووسائل الإنتاج والوقوع تحت الاستغلال بالنسبة للطبقة الدنيا وعلى أساس غياب وسائل الإنتاج وغياب الاستغلال بالنسبة للطبقة الوسطى. بينما هناك من يعتبر أن المجتمع ينقسم إلى العديد من الطبقات ويحاول إطلاق تسمية معينة على كل قسم من هذه الطبقات.
شخصيا أميل إلى التقسيم الثلاثي نظرا لما يتيحه هذا التقسيم من وضوح في الرؤية في ما يخص التعبيرات السياسية لكل طبقة رغم اختلاف الشرائح الطبقية داخل كل طبقة على حدة فنظرا للمصالح المشتركة للشرائح المتواجدة داخل كل طبقة يقوم التوافق والانسجام بينها وبالتالي تتميز تعبيراتها السياسية عن الطبقات الأخرى. كما أن هذا التقسيم الثلاثي قد يتيح ثلاث أنواع من التحالفات السياسية الاستراتيجية: فإما التحالف بين الطبقة الوسطى والطبقة الدنيا لتقليص نفوذ الطبقة العليا، أو التحالف بين الطبقة الوسطى والعليا لتكثيف استغلال الطبقة الدنيا، أو التحالف بين الطبقات الثلاث ضد الاستبداد والحكم المطلق والعدو الخارجي.
ثالثا: المغرب قبل الاستعمار المباشر
يقدم لنا الكاتب من خلال الجزء المخصص للمغرب قبل الاستعمار المباشر العديد من الشواهد التاريخية التي تؤكد لنا مظاهر النهب والاستغلال الذي مورس من طرف المخزن وخدامه الأوفياء ضد القبائل والأهالي، سواء في المدن أو البوادي. كما يقدم لنا صورة مصغرة عن أسلوب الانتاج والتجارة وتشكل البنيات البرجوازية الكمبرادورية والتجارية والصناعية والطبقة الكادحة، كما يصف لنا عوامل عدم بروز نمط انتاج رأسمالي مثلما كان سائدا آنذاك في أوروبا. ويسند ذلك إلى عاملين أساسيين هما التعليم الديني ونهب الفائض الاقتصادي الذي يتحقق لدى الصناع التقليديين الذي لم يمكن من تراكم رأسمالي بدائي قابل لأن يتحول إلى رأسمال تجاري وصناعي.
إن ما يمكنني أن أؤاخذ عليه الكاتب هنا، هو عدم تطرقه للأسباب والخلفيات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي كانت تقف وراء تشكل المجتمع المغربي والممارسات التي سادت قبل الاستعمار المباشر.
وأعتقد أن مقاربات تحليل هذه الأسباب متوفرة بكثرة مثل مفهوم العصبية عند ابن خلدون وجدلية تكون السلطة السياسية في شمال افريقيا، وكيف كانت تلعب الإيديولوجية الدينية والعصبية القبلية وسيلة لإستقواء إحدى القبائل البارزة على غيرها لجرها ورائها وبالتالي سعيها تدريجيا للإستيلاء على السلطة السياسية وإخضاع باقي القبائل والقوى لسيطرتها عبر القهر والنهب وإعطاء الامتيازات للموالين وتسليط القمع الجهنمي على المعارضين.
فضرورات البقاء والمحافظة على القوة والسلطة السياسية للجماعة المهيمنة يجعلها تتنازل عن كافة حقوقها للسلطان في شبه عقد اجتماعي غير مكتوب (نظرية هوبز – أسلوب مافيوزي بامتياز) مضمونه أن تقدم مختلف أذناب المخزن ولائها المطلق للسلطان مقابل اطلاق يدها للنهب والاغتناء على حساب بقية الشعب.
كما أن حركة مقاومة استبداد المخزن لم تكن دائما منعزلة أو لا تحمل ورائها خلفيات سياسية، فما أشار إليه الأستاذ علي فقير في شأن انتفاضة الصناع التقليديين بفاس وردود فعل السلطان سليمان الذي قاد حملة عسكرية لردع هذه المقاومة لكنه مني بهزيمة نكراء أدت إلى اعتقاله من طرف زاوية علي أمهاوش الأمازيغي تحمل أكثر من معنى خصوصا وأن السلطان لم يكن يسيطر على مجموع التراب المغربي بل كانت تنازع هذا التراب عدد من الزوايا والقبائل الأمازيغية فيما كان يعرف بقبائل السيبة التي كانت تشكل ملاذا للمواطنين للثورة على الاستبداد المخزني وعدم الإلتزام بأداء الجبايات والأنواع الكلف المجحفة.

رابعا: المغرب تحت الاستعمار
في نهاية الجزء الأول المخصص للمغرب قبل الاستعمار المباشر، يذكرنا الرفيق على أفقير بتناقضين هامين كان لهما تأثير بالغ خلال مرحلة الاستعمار المباشر، يتمثل هذا التناقض المزدوج في التناقض الأساسي المتمثل في الصراع المتواصل بين الطبقات السائدة المالكة لوسائل الإنتاج وغطائها السياسي المتمثل في السلطة المخزنية وأدرعها الأخطبوطية المتمثلة في القواد والباشوات وبين العمال والفلاحين وعموم الكادحين من أبناء الشعب المغربي.
هذا التناقض الأساسي الذي فصل قبائل المخزن وقبائل السيبة وما عرفه من مقاومة الاستبداد والنهب والاستغلال، كما فصله إلى فئات مستغِلة وأخرى مستغَلة، حيث كاد هذا الصراع أن يفرز تحولات عميقة سياسية واجتماعية واقتصادية ظهرت بوادره في مشروع دستور 1907 لولا استنجاد السلطة المخزنية بالقوى الاستعمارية الأوروبية وإبرام عقد الحماية سنة 1912 مع ما استتبع ذلك من دخول الجيوش الفرنسية والإسبانية وقمع حركات المقاومة في الريف والأطلس والصحراء.
إن هذا التناقض الأساسي سيتم تغييبه من خلال بروز تناقض رئيسي جديد تمثل في القوى الوطنية بمختلف طبقاتها في مواجهة المخزن والاستعمار المباشر والذي ستستغله بذكاء البرجوازية الوطنية لتخفيف الصراع الطبقي من جهة ومساومة على الاستقلال وتمكينها من ممارسة السلطة إلى جانب المخزن مقابل استمرار الرأسمال الأوروبي في هيمنته الاقتصادية والسياسية.
إن مختلف عمليات التشريح الدقيق التي قام بها الرفيق علي أفقير للبنيات الاقتصادية والاجتماعية التي سادت خلال عهد الحماية تؤكد على عملية التحول الجذري التي نقلت المجتمع المغربي من نمط إنتاجي ما قبل الرأسمالية إلى نمط إنتاج رأسمالي تبعي سيتكرس بوضوح عند الحصول على الاستقلال الشكلي.
فمختلف التحولات التي عبر عنها الكاتب تفيد بوضوح تام على المستوى الاقتصادي بأن المجتمع قد تحول من اقتصاد معيشي بدائي كان يضمن بعض التوازن الغذائي ويلبي الحاجيات الأساسية للسكان إلى اقتصاد رأسمالي تبعي مزدوج حيث يسود قطاع عصري موجه كلية نحو الخارج يؤدي إلى نمو المدن الساحلية الكبرى كمحور الدار البيضاء القنيطرة إلى جانب اقتصاد تقليدي معيشي يحتضر في باقي أقاليم البلاد.
لقد كان الإنتاج الفلاحي والصناعي في خدمة حاجيات المتربول الأوروبي خصوصا خلال الحرب العالمية الثانية وإلى غاية الستينات، وهذا النمط من الاقتصاد القائم على التصدير يؤدي بطبيعة الحال إلى اغتناء المخزن والكمبرادوريات الفلاحية والصناعية والتجارية وإلى بؤس أكثرية الشعب المغربي التي تعيش على الكفاف.
إن التعليم الديني والنهب الداخلي والخارجي لم يترك للقوى الشعبية من عمال وفلاحين هامشا واسعا لبلورة مشروع مجتمعي ومقاومة سياسية جذرية قادرة على فرض استقلال حقيقي وبناء نظام ديموقراطي اشتراكي. بل دفعت هذه المعطيات إلى تكريس سلطة البرجوازية الوطنية وتعبيراتها السياسية الرجعية وسيادة التقليدانية وتكريس الحكم الفردي الاستبدادي تدريجيا عقب الاستقلال الشكلي.

خامسا: المغرب بعد 1956
إن الجزء الخاص بمغرب بعد 1956 هو الجزء الأساسي من الكتاب لأنه يحلل سياسيا واقتصاديا وسوسيولوجيا مرحلة بعد مرحلة، وكما أشرت في البداية بأنني لا أريد أن أفسد عليكم متعة قرائة الكتاب عبر سرد المضامين الواردة فيه، فسأكتفي بإبراز أهم الإنطباعات الخاصة بهذا الجزء.
من خلال قراءة كتاب الأستاذ على أفقير تتحدد في دهننا الصورة التالية وهي أن هناك مقدمة تتنناول فترة ما قبل الحماية وفترة الاستعمار المباشر، ثم قسم أول يتناول مراحل الأحداث السياسية والوقائع الإقتصادية والاجتماعية التي عرفها المجتمع المغربي منذ 1956 وإلى غاية 2004 ثم قسم ثان يتطرق للوضع الطبقي الراهن وإلى آفاق الصراع. ويتركز هذا الانطباع في أذهاننا رغم عدم التوازن الواضح بين مختلف هذه المكونات، ومصدر هذا الانطباع يتولد من العلاقة العضوية والدور المخول لكل مكون،
فمرحلتي ما قبل الحماية وفترة الاستعمار المباشر تقدم وتفسر طبيعة الاستقلال الشكلي وخلفياته وما سيتلو ذلك من أحداث دامية ستعرفها البلاد خلال خمسة عقود. أما القسم الموالي فيستقرأ مختلف الأحداث والتطورات والبنيات الاقتصادية والاجتماعية طيلة الخمسة عقود السابقة. بينما يحاول القسم الثاني رسم مجمل التشكيلة الاجتماعية الراهنة وطبيعة الصراع القائم داخلها مع توضيح الرهانات المستقبلية.
إن الرؤية الدقيقة للكاتب جعلته يولي أهمية خاصة للعديد من الأحداث التي غالبا ما نجدها في التحليلات السياسية الشفوية لقادة اليسار الجذري وخاصة منظمة إلى الأمام، بينما نفتقدها في التحليلات المكتوبة. فالانخراط النضالي للكاتب منذ شبابه في صفوف منظمة إلى الأمام جعلت تحليلاته تتميز بنوع من الواقعية والدقة المتناهية في فهم الصراع السياسي الدائر وفي التصنيفات الطبقية وتناقضاتها الأساسية. ولعل هذا النوع من التحليل والفهم للصراع القائم وسط التشكيلة الاجتماعية هي الرسالة التي يريد الرفيق علي أفقير تبليغها من خلال كتابه هذا للأجيال الصاعدة ولشباب اليوم في زمن أصبح مطبوعا بالردة والهرولة.
إن الكتاب يشكل وثيقة سياسية وحقوقية تاريخية تتداخل فيها المقتربات التاريخية والاقتصادية والسوسيولوجية، وتعبر عن شجاعة وجرأة في إدانة الجرائم السياسية والاقتصادية للمخزن وللمتواطئين معه من كمبرادوريات وأحزاب سياسية، حيث تتم تسمية الأشياء بمسمياتها.
كما يعرف الكاتب بالتاريخ النضالي للحركة الماركسية اللينينية خاصة منها منظمة إلى الأمام وما كابدته هذه المنضمة من آلام بسبب مواقفها الشجاعة في فضح جرائم النظام المخزني. فقد عمل النظام المخزني على مواجهة إلى الأمام منذ نشأته، وإن كان يدل ذلك على شيء فإنما يدل على التجاوب الجماهيري مع مواقفه الشجاعة خاصة منها الاعلان الصريح عن ارادة تحطيم بنيان النظام الملكي وبناء جمهورية الكادحين، فخشية النظام من قوة أطروحة هذا التنظيم الناشئ وسط الشباب الثوري جعله يولي أهمية خاصة يكرس من أجلها كل قواته القمعية الشيء الذي سقط تحت ضربات المخزن العديد من الشهداء المناضلين الأفداد للتنظيم من أمثال عبد اللطيف زروال وسعيدة لمنبهي وجبيهة رحال. بل أن مواجهة المخزن لتنامي قوة منظمة إلى الأمام جعلته يلغي تدريس الفلسفة في المدارس والكليات والاستعاضة عن ذلك بالفكر الاسلامي قصد خلق قوى رجعية موالية وتقليص درجة استعمال العقل والتحليل العلمي بين الشباب.
ويؤكد الرفيق علي أفقير في إحدى فقرات الكتاب: "إن الأوضاع لم تتغير لصالح الشعب، بل زادت تدهورا بالنسبة للكادحين والمعطلين ومختلف المحرومين والمهمشين. فلماذا يريدون منا أن نغير قناعاتنا الثورية؟ لم يكن هدفنا هو تحسين وضعيتنا كأفراد أو أن ينفتح الحكم على زمرة من المثقفين الوصوليين أو أن يتبرع بالفتات على فئة اجتماعية معينة. لقد انخرطنا، عن وعي، في مشروع مجتمعي بديل، وسنبقى وفيين لإلتزاماتنا ولكل شهداء الشعب المغربي".
مقابل هذا الموقف المناضل للرفيق علي أفقير، نجده يوجه اتهامات إلى قيادة الأحزاب الوطنية نظرا لتجاوبها مع سياسة الإحتواء التي اتهجها الحسن الثاني والتي استمرت إلى يومنا هذا ويشير الرفيق علي فقير في هذا الصدد إلى ما يلي:
"لقد استجابت قيادة الأحزاب الوطنية لنداء الحسن الثاني، وانخرطت في تنفيذ هذه الإجراءات وأدارت ظهرها للجماهير، وتناست مطامح الشعب التواق للتحرر من قبضة الحكم الاستبدادي الممثل الأمين لمصالح الملاكين العقاريين والكمبرادور والبرجوازية وأسياده الامبريالية والصهاينة".
إن هذا الموقف المتخادل للأحزاب الوطنية بلغ مداه مع حكومة التناوب عبر تلقيح الشعب المغربي بمزيد من المخدرات حتى لا يثور على عمليات النهب والتجين والتفقير التي يمارسها تحت مضلة الامبريالية العالمية في حق الشعب المغربي.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤشرات التشغيل والعطالة في المغرب
- قراءة نقدية لقانون مالية 2006
- محاكمة رمزية لنهب المال العام تقام لأول مرة في المغرب في انت ...
- صك الاتهام: محاكمة رمزية لخمسين سنة من نهب وإهدار للمال العا ...
- كفى من الالتفاف على مطالب الشعب عبرالامعان في ديموقراطية الو ...
- الاقتصاد المغربي عام 2006
- الزيادات في الأسعار تهدد بظهور توترات تضخمية على المدى المتو ...
- معضلة التشغيل بالمغرب
- مسلسل الخوصصة والانعكاسات الناجمة عنه في المغرب
- أزمة العمل النقابي بالمغرب المظاهر- الأسباب- المخارج
- المسألة الزراعية في المغرب
- الرواتب والأجور في قطاع الوظيفة العمومية
- نهب وتبدير المال العام في المغرب
- المرفق العمومي بين الخوصصة والترشيد
- مبررات إهدار المال العام
- ميزانية الانكماش والتفقير والتهميش
- المرأة المغربية بين مدونة الأسرة والمواثيق الدولية لحقوق الإ ...
- راهن المخزن على صناعة باطرونا مغربية تضمن له البقاء والاستمر ...
- اتفاقية التبادل الحر كمدخل لاستعمار جديد
- تتوخى اتفاقية التبادل الحر المغربية الأمريكية تحويل المغرب إ ...


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبد السلام أديب - قراءة في كتاب الأستاذ علي فقير حول التشكيلة الاجتماعية والصراع الطبقي بالمغرب