أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم الحلوائي - سنوات بين دمشق وطهران - 3















المزيد.....

سنوات بين دمشق وطهران - 3


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 1577 - 2006 / 6 / 10 - 11:10
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ذكريات
سنوات بين دمشق وطهران
( 3 )
إذا كان رجال الدين المتنفذون في الدولة والحياة السياسية في إيران لم يتحملوا الإسلاميين الليبراليين ، خلافا لدعوات الخميني، الذي كان يدعوهم الى التعاون معهم ومع رئيس الجمهورية بني صدرحتى ربيع عام 1981، فإنهم مع الخميني لم يتمكنوا أن يتحملوا معارضة سلمية وشرعية حقيقية، ولذا إستخدموا جميع الوسائل لعزلها وتهميشها وتصفيتها لأنهم ضد التعددية وضد التداول السلمي الحقيقي للسطة. لقد منع الخميني مسعود رجوي من الترشح لإنتخابات رئاسة الجمهورية في كانون الثاني 1980 عندما أصدر رسالته الإستبدادية والمنافية للقانون والقاضية بإلغاء ترشيح مَن لم يكن قد صوت بنعم في الإستفتاء على الدستور. كما منع الخميني رجوي من الدخول الى مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) بعد فوزه في الإنتخابات البرلمانية والتي حصل فيها على 550 ألف صوت، في ربيع نفس العام. وكانت إجتماعات مجاهدي خلق الجماهيرية المجازة وسواهم تفرق بهراوات حزب الله. ولم يقتصر هذا الأمر على المعارضة بل شمل جميع القوى السياسية بما في ذلك المساندة لنهج الإمام. وقد شاهدت ذلك بأم عيني عند حضوري وأم شروق إجتماعا جماهيريا نظمته منظمة فدائيي خلق ـ الأكثرية في ساحة الحرية في الأول من أيار عام 1981 والذي حضره حوالي 200 الف شخص، غالبيتهم من الشبيبة، بملابسهم النظيفة والزاهية ووجوههم الجميلة يستمعون الى الخطب وينشدون الأناشيد الوطنية والتضامنية. وأثناء إستمتاعنا بهذا الجو البهيج والحماسي سمعنا صيحات تردد "الله اكبر.. خميني رهبر". وأخذت الحجارة تتساقط على المجتمعين من قبل مجاميع تهرول بجانب الإجتماع، وتدل أشكالهم وملابسهم ولحاهم القذرة الى إنهم من حثالة المجتمع. وسرعان ما شاهدنا دماء البعض ممن هم قريبون علينا تسيل على وجوههم وملابسهم. وإنتهى الإجتماع والوجوه واجمة وحزينة، بعد أن كانت الإبتسامة تزين شفاه الجميع.
وعندما توصد أبواب البرلمان، المكان الصحيح الوحيد لتنظيم الصراعات السياسية والإجتماعية سلميا، أمام المعارضة الحقيقية لأي نظام، تفتح أبواب السجون ويمارس التعذيب الوحشي مع المعتقلين وتصادر حرية الراي. وعندما يكون النظام دينيا مستبداً، كما هو حال نظام ولاية الفقيه، فعندئذ تداس حقوق الإنسان وحقوق القوميات بأبشع الصور، يدخل المجتمع في دورة عنف لانهاية لها. وهذا ما حصل في ايران. فقد دفع النظام مجاهدي خلق والقوى السياسية التي تمثل القوميات غير الفارسية والأقليات الدينية والمذهبية وسواها من قوى المعارضة قسراً الى إستخدام العنف المقابل والذي لم يتوقف حتى اليوم. ويتحمل النظام المسؤولية الأولى عن ذلك. ولا يغير من طبيعة الحكم الايراني شيئا عند إدانتنا لأساليب مجاهدي خلق الإرهابية وسياساتها الخاطئة و مصيرها المؤسف فهي ايضاً تتحمل المسؤولية في هذه المآل.
بعد أن نجح قادة نظام ولاية الفقيه بتهميش المعارضة توجهوا نحو الأحزاب والقوى السياسية السائرة على نهج الإمام السياسي ولكن غير المتطابقة معه، مثل حزب توده ومنظمة فدائي خلق ـ الأكثرية، اللذان طالبا بإيقاف الحرب بعد خروج القوات العراقية من الأراضي الإيرانية. فوجه النظام ضربة واسعة وعميقة لحزب توده في بداية شباط 1983 بهدف إزاحته من الساحة السياسية بذريعة وجود " نية " لدى الحزب للقيام بإنقلاب عسكري ولتجسسه لصالح الإتحاد السوفييتي. وتعرض قادة الحزب والمئات من أعضائه الى أبشع أنواع التعذيب و إستشهد 11 منهم تحت التعذيب أو نتيجة له ولسوء الظروف السجنية. في حين تعرض عدد كبير منهم للإبادة الجماعية. واجبر العديد من قادة الحزب وأعضائه على توقيع إعترافات كاذبة وعرضها على التلفاز لتضليل الرأي العام. إن إنتزاع الإعترافات الكاذبة هو اسلوب قديم قدم الإستبداد على وجه الأرض ومرافق للأنظمة الإستبدادية والدكتاتورية والفاشية.
لقد فضحت بعض الصحف الإصلاحية، في عهد خاتمي تلك الممارسات المأساوية البشعة حيث نشرت صحيفة "همشهري" الشهرية في طهران مقالة مثيرة تحت عنوان " عقدان من الإعترافات التلفزيونية " ألقت الجريدة فيها الضوء على مهزلة الإعترافات الملفقة ضد حزب توده وضد مختلف التيارات السياسية بحيث شملت بعض كبار رجال الدين في إيران مثل آية الله العظمى شريعت مداري والذي تعتبرمنزلته الفقهيه أقدم وأرفع من الخميني . ونشرت المجلة مذكرة نوري الدين كيانوري الأمين العام الأسبق للجنة المركزية لحزب توده والموجهة الى المرشد الأعلى علي خامنئي والمؤرخة في شباط عام 1989 ، وقد سلم كيانوري نسخة منها الى لجنة حقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة عند زيارتها لسجن أيفين، ومما جاء فيها: [1]
ـ ليس لدي علم دقيق بعدد أولئك الذين أعدموا بالرصاص ( صيف عام 1988) إلى جانب 11 شخصاَ قيل أنهم فقدوا ولكنهم فارقوا الحياة في السجن. ولكن لدي أسماء 50 من الذين تم إعدامهم. وبدون أدنى شك فإن من تم إعدامهم يفوق هذا العدد بكثير (يذكر في مكان آخر من المذكرة بأنهم بالمئات). من المثير أنه في هذا القتل الجماعي لم يتم إعدام العدد المعدود ممن كان محكوماَ بالإعدام فقط، بل طال الإعدام حتى أولئك المحكومين بالسجن المؤبد أو لمدة عشرين سنة أو 15 سنة أو 5-6 سنوات بدون وجود مستجدات تبرر إعدامهم".
ولدى كاتب هذه السطور مايشير بأن التعذيب كان يجري بتوجيه من هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الشورى الاسلامي آنذاك. فقد إلتقى الأخير، حسب مذكراته، خلال فترة التحقيق مع المحققين المسؤولين مباشرة عنه ثماني مرات، خلال شهرين من 3 آذار الى 3 أيار، حيث بثت الإعترافات المفبركة على التلفاز (كما أراد الخميني في اليوم الأول من أيار!). وبحث رفسنجاني مع المحققين منذ اللقاء الأول "كيفية التعامل مع قادة حزب توده المعتقلين والذين يرفضون الأعتراف وإن إثنين منهم قد إنتحرا". [2] كان لقاء رفسنجاني الأول مع المحققين بعد 24 يوما من بدء الإعتقالات والتعذيب. وفي ثاني لقاء تحديداً بدأت الإعترافات الملفقة. فما هي الطرق والأساليب التي أمر بها رفسنجاني الجلادين، في لقائه الأول، بحيث أدت الى اعتراف المعتقلين بجرائم لم يرتكبوها؟ وهل يشّرف رئيس السلطة التشريعية ورجل دين ان يشرف ويوجه تعذيب الخصوم السياسيين حتى الموت أو الى الحد الذي يفضل فيه المعتقل الإنتحار؟ أجاب على هذا السؤال الطهرانيون، الذين يسمون رفسنجاني بالثعلب، عندما لم ينتخبوه كنائب عنهم في الإنتخبات البرلمانية بعد الدورة التي كان يترأس فيها مجلس الشورى الاسلامي. ويشير الخبراء في الشأن الإيراني بأن الايرانيين لم يفضلوا أحمدي نجاد، في إنتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة، على رفسنجاني حبا بالأول وإنما كرها بالثاني.
لم يكتف قادة الجمهورية الإسلامية بمحاولة تدمير وإقصاء المعارضين أومن يعترض على هذا الجانب أوذاك من سياستهم عن طريق تصفية الآلاف والإحتفاظ بالآلاف في السجون وتشريد مئات الآلاف من بنات وأبناء الشعب الإيراني وبينهم الكثير من الكوادر العلمية والأدبية في شتى بقاع الأرض، وإنما عملوا على اقصاء اولئك الإسلاميون الذين أخذوا يتخلون اويشككون بمبدأ ولاية الفقيه وحرمانهم من المشاركة في الانتخابات على مختلف المستويات. ومنعت الغالبية من هؤلاء من الترشح لإنتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة بقرار من مجلس حراسة الدستور "شوراي نكهبان" وعددهم 997 مواطنا إيرانيا. ولذا أدرجت إيران في صدر قائمة الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان، والتي تدنى إحترامها لتلك الحقوق في عام 2005 حسب تقارير المنظمات الدولية [3] . وفي هذا الصدد فإن آية الله منتظري، الذي كان وريثاً للخميني وجرى ابعاده لاحقاً ووضع تحت الاقامة الجبرية لإعتراضه على السياسة الإستبدادية لقادة الدولة، هذه السياسة التى أعلن عن ندمه على المساهمة في وضع أسسها في الدستور، يقول:
ـ تصيبني صدمة عندما يقول الساد ة (قادة النظام) بأن حقوق الإنسان محترمة بالكامل في هذا البلد. [4]
ومن العواقب الوخيمة لسيطرة رجال الدين في إيران على السلطة هي سياستهم الفاشلة في الحرب مع العرااق والتي كبدت الشعبين الإيراني والعراقي مئات الآلاف من أبنائهما بين قتيل ومعوق وأسير. كما الحقت بالبلدين خسائر مادية تقدر بمئات المليارات من الدولارات نتيجة لاصرارهم على استمرار الحرب بدون مبررات مشروعة. فبعد هزيمة الجيش العراقي في معارك خرمشهر (المحمرة) ومن ثم خروج الجيش العراقي من الأراضي الإيرانية في صيف عام 1982، لجأ النظام العراقي الى مجلس الأمن مطالبا بإيقاف القتال. وصدر قرار من المجلس في تموز يقضي بذلك. الا ان ايران رفضته، مطالبة بإدانة النظام العراقي ومحاكمته لعدوانه على إيران، اضافة الى مطالبتها بتعويضات عن خسائرها في الحرب. وكانت هذه المطالب التعجيزية ستار تخفي ورائه ايران أهدافها التوسعية و حلمها في إقامة نظام إسلامي في العراق تابع لإيران تحت شعار "الطريق الى القدس يمر عبر كربلاء"، وهو شعار مشابه من حيث ديماغوغيته لشعار الدكتاتور صدام "الطريق الى فلسطين يمر عبر عبادان"، ورداً عليه. وكان هناك شعارا مكتوباً على جدار بالقرب من بيتا وهو "الى الأمام بإتجاه كربلاء"، ولم أكن اتمكن من تجنب النظر اليه لكبره، في حين كان مزاجي يتعكر كلما القيت عليه نظرة حين خروجي من المنزل في طهران. لم تكن هذه الشعارات تهدف الى رفع المعنويات. ولم تكن تعرضات الجيش الايراني تستهدف تعزيز المواقع الحدودية، كما كانوا يتظاهرون بذلك، بل إن هناك اكثر من 25 تعرضا كبيرا، بعد تحرير الأرض الإيرانية، استهدفت أكثرها إحتلال البصرة من اجل إقامة حكومة إسلامية عراقية.إن مذكرات رفسنجاني شاهد على ذلك، حيث طالب بعض المتسرعين بإقامة مثل هذه الحكومة في محافظة ميسان عند إحتلال جزر مجنون وذلك في تشرين الثاني عام 1982.[5] وفي النهاية لم تؤدي طموحاتهم التوسعية سوى الى أن يجرع الخميني السم ليبتلع عناده، ولم تحصل إيران في عام 1988 أكثر مما كانت تحصل عليه في عام 1982. إن ايران تتحمل مسؤولية إستمرار الحرب طيلة السنوات الست الأخيرة من الحرب. فإذا كان صدام مسؤولا عن خسائر إيران خلال السنتين الأوليتين من الحرب، فإن النظام الأيراني هو الآخر مسؤول عن الخسائر التي لحقت بالعراق خلال السنوات الست الأخيرة منها، التي رفض خلالها حكام ايران قرار مجلس الأمن وجميع الوساطات والمقترحات لإيقاف الحرب.
إن العواقب الإقتصادية والإجتماعية والأخلاقية لسيطرة رجال الدين على السلطة في ايران كثيرة، وسأشير الى بعض المعطيات ذات الدلالة الهامة وهي مستقاة من دراسة للدكتور أمان الله قرابي، الخبير الإجتماعي والأستاذ الجامعي، تتناول معالجة ظاهرة البغاء التي تشمل 300 الف من بنات الشوارع في طهران وحدها، وتتراوح أعمارهن بين 11 الى 18 عاماً. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الباحث بأن الظاهرة تشير الى ضعف القيم الدينية في المجتمع ( في استطلاع اجرته الصحف الرسمية الايرانية تبين ان 85% ممن ولدوا بعد الثورة لا يمارسون الشعائر الدينية [6] )، إلا أنه يؤكد بأن أسباب الظاهرة إقتصادية بالأساس. فهناك أربعة ملايين عاطل عن العمل. والبلد بحاجة الى مليون فرصة عمل جديدة سنويا، في حين إن ما يتحقق هو من 400 الى 500 الف فرصة. وتبلغ البطالة من 20 % الى 27% في أوساط الخريجين. وهناك تسعة ملايين عازب وعازبة، بينهم 5،5 ملايين من العازبات. ويوجد خمسة ملايين مدمن على المخدرات، ويعيش مليونان من سكان طهران في ضواحيها حياة بائسة.[7] والعدالة التي ينادي بها رجال الدين ليلأ ونهارا كانت نتيجتها، وهم في قيادة السلطة لأكثر من ربع قرن، زيادة الأغنياء غناّ وزيادة الفقراء فقراّ في ايران، حيث "يعيش أكثر من نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر العربي - الإسلامي، وتفتك البطالة بأكثر من عشرين بالمائة من الشعب الإيراني، ويتعاطى ثمانين بالمائة من الشعب الإيراني المخدرات، حسب آخر تقرير دولي نشر." [8]
هذه بعض العواقب السلبية لسيطرة رجال الدين على الدولة. إن نظام ولاية الفقيه يعيش أزمة إقتصادية وسياسية وإجتماعية وأخلاقية عميقة منذ سيطرة رجال الدين على السلطة، وإن الطبقة العاملة وبقية الكادحين متذمرون من الأوضاع المعيشية. وتتوق الشبيبة (يتخرج 100 الف شابة وشاب سنويا من الجامعات لايجد معظمهم فرصة عمل أمامهم) الى تجديد حياتها وتطويرالنظام القائم ليواكب إيقاع القرن الواحد والعشرين في تطوره العلمي والتكنولوجي والسياسي. وتشعر هذه الفئة وجميع الفئات الواعية في المجتمع بانها ليست أقل جدارة من شبيبة تعيش في دول جارة لها حيث تتمتع بالديمقراطية وبحرية الفكر والتعددية والتداول السلمي الحقيقي للسلطة. ولكن النظام الشمولي ، نظام ولاية الفقيه يقف عائقا أمام كل هذه الطموحات، ويحاول تصريف الأزمة من خلال فتحه معركة مع المجتمع الدولي حول الطاقة النووية وذلك باللعب على مشاعر الإعتزاز الوطني والقومي للايرانيين.
ذكرت سابقا أن السلطة كانت منقسمة بين نفوذ الليبراليين من جهة ونفوذ رجال الدين المتشددين ورجعيتهم من الجهة الأخرى. وكان الصراع محتدماً بينهما عندما وصلنا إيران في ربيع عام 1981. كانت طهران هي الاخرى منقسمة الى قسمين من حيث درجة تمتعها بالحرية،اي شمالها وجنوبها. كان شارعا الحرية والثورة ، يقسمان طهران الى قسمين، وهما الحد الفاصل بين شمال طهران وجنوبها. في الشمال كنا نسمع مختلف الأغاني والموسيقى في الشارع العام ونرى السافرات ونشهد المناقشات الحرة، في حين لا يوجد اي أثر لكل ذلك في الجنوب. كانت أم شروق تحمل في حقيبتها اليدوية شالا تغطي به رأسها عندما نجتاز شارع الحرية متجهين نحو الجنوب وتخلعه في شمال المدينة. ولم يدم هذا الأمرطويلا ، فما أن إنتهى "زواج المتعة" بين الليبراليين ورجال الدين المتشددين حتى تساوى الشمال مع الجنوب في نهاية العام المذكور. فلم تعد هناك في الشمال موسيقى ولا سافرات ولا وسائل لهو بريئة ولا سينمات، بعد إحراق بعضها، ولا مناقشات حرة.
إن المناقشة الحرة (بحث آزادى) هي أول ظاهرة غريبة علينا وجلبت إنتباهنا في الشارع عند وصولنا طهران. فقد كنا نرى مجموعة من الناس متجمهرة حول بائع ــ وعلى الأغلب بائعة شابة ــ صحف منظمة سياسية معينة أو حامل لمنشورها وتجري مناقشات سياسية حول شتى الأمور وبحرية تامة. وكثيرا ما يدير النقاش البائع، ولكن ليس بالضرورة، اذ كان من الممكن أن يتولى ذلك مرافق له أو أي أحد من المساهمين العاديين. وبالرغم من عدم إستيعابنا لكل مايقال لمحدودية المامنا باللغة الفارسية، إلا أننا كنا نقف ونصغي ونستمتع مبهورين بذلك، نحن المحرومين من أي مناقشة سياسية حرة، فما بالك بمناقشة في الشارع العام وفي الهواء الطلق. ولم تحدث أمامنا مشاجرة بالرغم من حدة المناقشات وتقاطعها.
ولما قضي على السفور نهائيا وتحجبت جميع النساء، بدأت حملات الميلشيات المرتبطة بأعلى هرم السلطة تطارد النساء في شوارع طهران وخاصة الشمالية. كان منظراً يثير السخط والإستنكار ، شباب من حثالة المجتمع ملتحين ووسخين يتراكضون وراء الفتيات والنساء، بحجة الحجاب السيئ (بد حجاب). كانت هذه الحثالات تدفع النساء وتتهجم عليهن بألفاظ نابية وتحشرهن في سيارة، وتنسحب هذه الحثالات وكأنها قد احرزت النصر في ساحة الوغى. أن بعض الفتيات يتركن بضعة خصلات أو مقدمة شعرهن مكشوفا ، لإعتقادهن بأن وجوههن تبدو كوجه البومة بدون ذلك، وهذا ما يعرضهن للملاحقة. لقد إستمرت هذه الحملات لسنوات عديدة دون جدوى. فنزوع ألإنسان نحوالجمال من الغرائز الطبيعية. ولذلك نشاهد فشل النظام الجمهوري الإسلامي في القضاء على هذه الظاهرة، بل وأكثر من ذلك فقد توسع تأنق الفتيات ليشمل تحوير الزي الإسلامي ليبدو اليق بالمرأة. وأكبر دليل على فشل النظام هواحياء تلك الحملات المخزية، والمنافية لأبسط حقوق الإنسان، في عهد الرئيس المتعصب والرجعي أحمدي نجاد.
يتبع
________________________________________
[1] ـ ترجم المذكرة وعلق عليها الكاتب السياسي والخبير بالشؤون الإيرانية الأستاذ عادل حبة ونشرت في جريدة الزمان. ونطرا لأهمية المذكرة فقد أعيد نشرها في الصحف الأليكترونية وموجودة الآن على "موقع الناس" وغيرها من المواقع.
[2] ـ هاشمي رفسنجاني، مذكرات وخواطر، الكتاب المعنون "بعد الأزمة"، ص 419 و424. والكتاب المعنون "الإستقرار والجدال"، ص 16 و37 و42 و56 و60 و52. دار النشر للمعارف الثورية، ربيع 2001 و شتاء 2002، على التوالي. باللغة الفارسية
[3] ـ صحيفة "ميهن" الأليكترونية الإيرانية العدد 94 كانون الثاني 2006
[4] ـ المصدر السابق العدد 95. نفس التاريخ. ‎‏‎‏‎‏‎
[5] ـ هاشمي رفسنجاني. مذكرات وخواطر، كتاب "بعد الأزمة"، ص 302، باللغة الفارسية.
[6] ـ عادل حبه. مقاال بعنوان "هل هو تمهيد لفرض ولاية الفقيه على العراقيين؟ نشر في 30 ايار 2005 في الصحف الأكترونية، وهو موجود في "موقع الناس" والمواقع الأخرى.
[7] ـ "ميهن" صحيفة الكترونية ايرانية العدد 96 آذار 2006.
[8] ـ د. شاكر النابلسي. صحيفة إيلاف الأليكترونية، العدد 1842 الأربعاء 7 يونيو 2006.



#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنوات بين دمشق وطهران - 2
- سنوات بين دمشق وطهران - 1
- في الذكرى الثانية والسبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي
- الديمقراطية في الحزب الشيوعي العراقي
- الآيديولوجيا والبراغماتية في سياسات الحزب الشيوعي العراقي ال ...
- الآيديولوجيا والبراغماتية في سياسات الحزب الشيوعي العراقي ال ...
- حقيقة علاقة القيادة السوفيتية بقيادة الحزب الشيوعي العراقي ف ...
- القمع الوحشي 6
- القمع الوحشي 5
- القمع الوحشي - 4
- القمع الوحشي - 3
- القمع الوحشي - 2
- القمع الوحشي - 1
- الدراسة الحزبية في الخارج 5 - 5
- الدراسة الحزبية في الخارج 4 - 5
- تعقيب على مقال الأستاذ منير العبيدي-الديمقراطية والإصلاح الس ...
- الدراسة الحزبية في الخارج 3 - 5
- الدراسة الحزبية في الخارج 2 - 5
- الدراسة الحزبية في الخارج 1 - 5
- الإفلات من قبضة المجرم ناظم كزار 2 - 2


المزيد.....




- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم الحلوائي - سنوات بين دمشق وطهران - 3