أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خالد خالص - ثقافة الإعتذار














المزيد.....

ثقافة الإعتذار


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 6524 - 2020 / 3 / 27 - 13:40
المحور: حقوق الانسان
    


فوجىء الرأي العام المغاربي يوم الاحد 22 مارس 2020، ببلاغ لوزارة الصحة يفيد بأن طبيبا بمدينة تطوان، مصاب بفيروس كورونا، أحيل على التحقيق لعدم التزامه بتعليمات الحجر الصحي بعد عودته من الخارج، وأن هذا الطبيب قام بممارسة مهامه واستشاره المرضى واجرى عمليتين جراحيتين دون الالتزام بتوجيهات الحجر الطبي.. وأضاف البلاغ بأن التحقيقات كشفت بأن هذا الطبيب عرض حياة الاخرين للخطر بالاضافة الى انتحاله صفة طبيب ولادة النساء، بالرغم من كونه طبيب عام.

و لم تكتفي وزارة الصحة بإصدار بلاغ يتهم طبيبا بالعديد من التهم الثقيلة، بل وبإدانته بصفة قطعية دون مراعاتها لمبدإ البراءة، الذي ينص عليه الدستور المغربي ليوم 29 يوليوز 2011 بالفصل 23 منه، ودون تمتيعه بالحق في محاكمة عادلة يضمنها الدستور أيضا في نفس الفصل وتوصي بها جميع المواثق والبروتوكلات الدولية، بل قامت بإغلاق المكتب الطبي للمعني بالامر وإغلاق العيادة التي يمارس بها عمليات التوليد، ووعدت باتخاذ تدابير ضد مندوب الصحة الإقليمي حيث اعفته من مسؤولية مندوبية الصحة فيما بعد ، مؤكدة بأن هذه الاجراءات تقررت على إثر نتائج التحقيق التي قامت بها.

والغريب أن يصدر بلاغ بهذا الحجم زبهذه الخطورة، دون احترام المساطر المتحدث عنها، ودون مراعاة لحقوق الدفاع بصفة خاصة حيث أصبح البلاغ كالنار في الهشيم، تناقلته مختلف وسائل الاعلام الرسمية كوكالة المغرب العربي لللانباء والقناة الاولى والثانية وباقي القنواة الرسمية والخاصة والصحف الى أن أصبح متداولا في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل رهيب، إذ انهال الكثير من مستعملي هذه الوسائل على الطبيب، بالسب والقذف ، نتيجة لحالة الهلع والخوف التي خلقها البلاغ في صفوف المواطنين.

إلا أنه تبين فيما بعد، على أن الطبيب الذي أقيمت حوله الدنيا ولم تقعد هو من خريجي كلية الطب بجامعة سرقسطة بإسبانيا، تلقى دراسته التخصصية في أمراض النساء والتوليد بالمستشفى الجامعي “فرانسيسكو فرانكو”،المسمى حاليا بمستشفى “غريغورو مارينون”، وتخرج من كلية الطب بمدريد سنة 1976. كما اتضح بأنه سبق تعيينه رسميا من طرف وزارة الصحة رئيسا لقسم النساء والتوليد بالمستشفى الإقليمي “سانية الرمل” بتطوان، حيث قضى في المنصب بعض السنين، قبل أن يغادر القطاع العام نحو القطاع الخاص ويفتح عيادة طبية وسط مدينة تطوان، ليمارس بها اختصاصه منذ ما يناهز الأربعين سنة بدون أدنى حادث والجميع يعلم ذلك بما فيهم الامانة العامة للحكومة ووزارة الصحة والسلطات المحلية والتعاضضيات وشركات التأمين.

أما بخصوص إصابة الطبيب بفيروس كورونا، فالطبيب بشر مثله مثل باقي البشر، والعديد من الاطباء المزاولين بالبلدان المتقدمة أصيبوا بهذا الوباء بل منهم من قضى نحبه ولم تقم القيامة التي أقامتها وزارة الصحة المغربية. وكل ما في الامر هو أن المعني بالامر كان في الولايات المتحدة الامريكية ورجع الى المغرب عبر إسبانيا على متن الطائرة التي كان يستقلها أول مصاب بفيروس كورونا، وربما كان يجلس غير بعيد عنه. وقد أكد الطبيب في تسجيل صوتي على أنه لم يخضع لاي مراقبة صحية بالمطار ولم يتلقى أي تعليمات فيما بعد، وأنه رجع لعمله عاديا ولم يكن يعلم بتاتبا باصابته بالعدوى ولم تظهر عليه الاعراض الا بعد أسبوع. كما أكد في نفس التصريح على أنه لم يكن ليلتحق بأسرته ولم يكن ليجري عملية لاحدى قريباته لو كان عالما بإصابته وأنه يستنكر اتهامه بمحاولة نقله العدوى عمدا وأنه الآن منهار نفسيا أكثر منه جسديا..

ويمكن لأي كان أن يتخيل المعاناة التي يعانيها هذا الطبيب اليوم، ليس بسبب فيروس كورونا فقط، الذي كان على الدولة أن تتكفل به وتعالجه منه، وتأجل مسائلته ومحاسبته إن اقتضى الامر ذلك الى ما بعد شفائه، نظرا لما للمعنويات من دور في العلاج، ولكن أيضا لما تسببت فيه الوزارة من شائعات أثرت على صحته النفسية وعلى وسطه الأسري والعائلي والمهني.

اإلا أن الغريب هو صمت الوزارة التي رمت بالطبيب للرأي العام، بعد ان إكتشفت حقائق الامور، إذ لم تكلف الوزارة نفسها إصدار بيان توضح فيه بأنها أخطأت وأنها تعتذر للطبيب الضحية وللمجتمع المغربي على ما قامت به لاننا مع الاسف في بلد غير متشبع بثقافة الاعتذار تلكم الثقافة التي تساعد على إعادة بناء الثقة وإعادة تأسيس العلاقة بين الناس.

والاعتذار الصادق من قبل الوزارة كان سيظهر بأنها تتحمل مسؤولية أفعالها ومسؤولية أخطائها، وأنها باعتذارها تعيد للطبيب المتضرر كرامته أمام نفسه وأسرته وأمام الاخرين.

حقيقة أننا نعيش جميعا أياما عصيبة بسبب الجائحة وأن الوزارة تعيش أحلك أيامها في هذه الفترة، وأنها تقوم مشكورة الى جانب مختلف القطاعات والسلطات، بمجهود جبار يبقى في جميع الأحوال فوق طاقتها المادية والبشرية بكثير، إلا أن هذا لا يعفيها من التشبع بثقافة الاعتذار عند الخطأ، لان قبول حقيقة ارتكاب الخطأ أمر ربما مؤلم عندما يحدث بداخلنا ، ناهيك عن الاعتذار والاعتراف بالخطأ أمام الغير، لان ثقافتنا السائدة وانفتنا الزائدة تدفعنا دائما الى القاء اللوم على الاخر ( أنظر مقالتي التي ترجع لسنة 2004 بعنوان "نحن معشر القضاة، منشورة في العالم الرقمي ).

وخلافا للثقافة السائدة من كون الاعتذار يعمل على إذلال وإضعاف صاحبه فإن الاعتذار
يبرهن على القوة والجرأة الداخلية لدى الشخص تجعل الاخرين يرفعون له القبعة. ولو كانت الوزارة قد اعتذرت ببيان يرجع للطبيب الضحية كرامته وأنفته أمام نفسه ووسطه الاجتماعي، فأنا على يقين من أن المعتَذر إليه سيتحلى من جانبه بالشجاعة الأدبية وسيقبل الإعتذار وسيطوى الملف وكأن شيأ لم يقع.

ذ.خالد خالص

ملحوظة : إذا كانت الوزارة قد أصدرت بيانا في هذا الصدد وأنا لم أطلع عليه فأنا أغتذر لها عن كل ما هو مرتبط بالاعتذار في هذا المقال وأؤكد مضمون الباقي جملة وتفصيلا.



#خالد_خالص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحامي وكورونا
- الحجام
- هنيئا لنا بالسوشيل ميديا
- البراح
- سيدي بومسيمر
- سلطان باليما
- تقويض الفكر المغربي
- همسات أم هلوسات
- -الإعلاميون الجدد-
- أهمية الحكامة في التشريع
- المحامي وحرية التعبير
- التشريع والإقتصاد
- الأمن القانوني والأمن القضائي في كلمات
- مقابر أم مطارح ؟
- اليأس
- كائنات انتخابية
- حصانة عضو مجلس هيئة المحامين
- حول بعض الأعراف المغربية الأمازيغية في مجال العدالة
- حول ثقافة الشكر
- الضحك والعبوس


المزيد.....




- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خالد خالص - ثقافة الإعتذار