أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن حسن الصباغ - السندباد الثاني















المزيد.....


السندباد الثاني


عبدالرحمن حسن الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 6523 - 2020 / 3 / 25 - 17:06
المحور: الادب والفن
    


حدثنا سي ونّاس الترزي عن الخواجة جانوالكاوري،بالكاف المعجمة، عن الشيخ عبدالرحمن الحالم قال قال عندما كنت أحضِّر رسالة الدكتوراة في معهد الجغرافيا في جامعة السوربون بباريس أواسط السبعينات من القرن الماضي ألتقيت بأمرأة ثلاثينية بالمقهى القريب من المعهد تجلس بجواري وتضع أمامها كتابا ضخما مصوراَ رسم على غلافه صورة سفينة شراعية تتقاذفها الأمواج ويبدو على ظهر السفينة رجال بعمائم ولحى,ويحمل عنوانا بالفرنسية, رحلات السندباد البحري فأثار ذلك فضولى فتوجهت لها بالسؤال المباشر قائلا يبدو لي انك تعشقين الليالي؟ فألتفتت اليّ بإبتسامة لطيفة قائلة عفواً لم أفهم سؤالك جيداً؟ قلت وأنا أشير بعيني ورأسي للكتاب أتخيل أنك من المغرمات بقرائة كتاب ألف ليلة وليلة قالت وقد أختفت أبتسامتها ووضعت محلها قناع الجدة آه... نعم فهمتك...ليس تماماً.. ولكني أدرس رحلات السندباد من الناحية العلمية فهو رحالة عظيم أتحفنا بمشاهداته ورواياته لتلك الفترة عن مناطق من العالم كنا آنذاك لانعرف عنها شيئا. قلت وبقية كتاب الليالي ألا يعجبك؟ قالت بلى ولكنها قصص شرقية غنية بالزخارف والألوان وحكايات الجن والنساء والسلاطين والكثير من حكايا الجنس والأثارة وأنا أمرأة علمية أنظر للعالم بمنظور علمي مادي بحت قلت ولكن قصص السندباد هي جزء لايتجزأ من كتاب الليالي قالت نعم ولكني بسبب كوني أستاذة في معهد علوم المحيطات ومتخصصة بدراسة المحيطات الجنوبية وخصوصا بحر العرب والمحيط الهندي كان يتحتم علي دراسة جغرافيا وشعوب هذه المنطقة في العصور الوسيطة وما قبلها, ولما كان الكتّاب والعلماء العرب وربابنتهم هم المصدر الأول لمعارفنا عن هذه البحار البعيدة بشكل عام في عصر النهضة وما بعده,الشيئ الذي مكننا من تحقيق أكتشافاتنا الجغرافية والوصول للهند عبر رأس الرجاء الصالح ومن ثم نشر النفوذ الغربي على هذه ألأصقاع من العالم لما كنا بما نحن عليه اليوم من الثراء المعرفي والمادي .قلت يعني أنت لا ترين كما يرى الكثير من بنات جنسك هنا أن كتاب ألف ليلة وليلة ينتقص من المراة وأن شهرزاد أستطاعت بذكائها أن تنتصر للمرأة أمام الطغيان الذكوري المتمثل بشهريار...الخ كما يعتقد النسائيوون اليوم؟قالت وهي تضحك أنت سألتني عن الكتاب الذي أحمله وقد أجبتك عنه أما عن رأيي بخصوص رأي النسائيون في كتاب الليالي فهذا موضوع ثاني ورأيي أن الكتاب كتب في عصر كانت الأمور تسير فيه بشكل متناغم مع واقع حياتهم ويخطئ النسائيوون إن طبقوا مبادئ وقيم وقتنا الحاظر على الماضي ولكن قل لي لماذا أنت مهتم لهذ الحد بهذا الكتاب؟ قلت لأنه يمثل جزءً من ثقافتي وأود أن يتسنم موقعه اللائق به عند الآخرين.نظرت المرأة ألي بأهتمام كبير ثم أستدارت بكليتها نحوي مستفهمة..تقول أنه يمثل جزءً من ثقافتك؟ أجبت بالتأكيد....هنا فتحت المرأة عيوناً واسعة حتى خلتها قد أصيبت بمس ثم قالت مستدركة بأبتسامة...من لهجتك تبدو لي أجنبياً قلت نعم من العراق...قالت ومن العراق؟ قلت نعم ومالضير في ذلك؟ قالت لا أبداً على العكس...ومن أي مدينة فيه من دون تطفل؟ قلت من بغداد قالت وهي تقترب برأسها مني أأنت بغدادي حقاً؟ قلت نعم فصرخت بصوت لفت نظر الجميع...يا إلهي أنت إذن من مدينة السندباد...كم أنا سعيدة بلقاء شخص من تلك البلاد.في البداية أعتقدت أنها كانت تحاول التقرب لي بكلمات تملق لغرض ما في نفس حواء وما أدراك ما حواء وأحابيلها.قالت وماذا تعمل في باريس قلت أنا لا أعمل وأنما أحضر رسالة دكتوراة في الجغرافية الطبيعية وتحديدا في الجيومورفولوجيا في المعهد الملاصق للمعهد الذي تعملين أنتِ فيه.هنا نظرتني بأندهاش شديد فاغرة فاهها فجعلتني أشعر أنها حقا في حالة غير طبيعية قالت أتعني أنك جغرافياً ؟ قلت نعم بالتأكيد,لا أفهم سبب إستغرابك؟ وقفت وقالت بلهجة المتوسلة هل تسمح أن تأتي معي لمكتبي لدقائق أرجوك...أرجوك؟ عفواً أقصد أن تتفضل عندي ولو لدقائق لنتكلم في موضوع مهم جداً؟ قلت ولكن أنا لا أفهم عن مذا سنتكلم ولمذا ليس هنا؟ قالت في موضوع السندباد ولأني أود أيضاً أن أعرفك بأناس يعملون معي في معهد المحيطات وسيفرحون جداً لو تعرفوا عليك ...أرجوك لاتمانع.أنا كشرقي أوكلت أمري الى ألله وقلت لها... ليكن... تفضلي.صعدنا لمكتبها الصغير في المعهد فطلبت مني أن أنتظرها للحظات ثم عادت بعد خمسة دقائق بصحبة شخصين الأول كهل قدمته لي قائلة أعرفك بالبروفيسور برنار ستور أستاذ علوم المحيطات الذي رحب بي وصافحني بحرارة ثم أستدارت وأقدم لك السيد ميشيل جانو,وهو شاباً بعمري تقريباً,يحظر رسالة دكتوراة مقارنة أسمها رحلات السندباد حقيقة أم خيال,قلت سعدت بتعرفي بكما ولكني مع الأسف ولحد الآن لم أفهم ما طبيعة علاقتي أنا بكل هذا.قالت أنا أشرح لك نحن الثلاثة ومجموعة أخرى من المتخصصين بعلوم التاريخ والأثنيات والتجارة البحرية في القرون الوسطى فكروا منذ فترة أن يكرروا نفس تجربة رحلات السندباد البحري وبنفس الوسائل والأدوات لذلك الزمان بدءاً من السفينة الى الأدوات ذات الأستعمال اليومي ومن دون إستخدام أي أدوات قيادة أو اتصالات كهربائية أو أية أجهزة حديثة وكذلك الربان والنوتية يجب أن يكونوا بنفس مواصفات ما كانوا عليه أيام السندباد ثم ينطلقون برحلة بحرية من مدينة البصرة بأتجاه جزر أندونوسيا ثم اليابان وصولا للآلسكا ثم العودة للبصرة من جديد.قلت جميل ولكن ماعلاقتي أنا بهذا الموضوع ؟ نظرالثلاثة اليّ بتمعن فقال البروفيسور مستدركاً ياسيدي أنت لو سمحت لي سأوضح لك كل شيئ.... أنت بصفتك عراقي أولاً ومن بغداد ثانياً أي بلد السندباد فأنت أقرب الناس للعب الدورالأول في هذه الرحلة خصوصاً وأنك شاب وجغرافي بنفس الوقت وتحظر رسالتك في المعهد الملاصق لمعهدنا وتتكلم الفرنسية بطلاقة واللغة العربية فأي حظ أوفرمن ذلك بالنسبة لنا ولك خصوصاً وأن مردود هذه الرحلة العلمية سيكون وفيراً لك ولنا ولبلاد السندباد التي أنت منها....ثم أردف مبتسماً هذا عدا الفائدة المعنوية والشهرة العظيمة التي ستحصل عليها بقيامك بتلك الرحلة الفريدة إذ ستكون أنت سندباد القرن العشرين لأن الرحلة ستصور وتوثق وتوزع على كل محطات التلفزة العالمية وتطبع في كتب مصورة ومجلات علمية عديدة ..و..و...قلت مهلاً مهلاً بروفيسور أنتم نسيتم أني مرتبط بدراستي وبمواعيد مراحلها...؟ قال سنكلم أستاذك المشرف, أنت وافق ونحن نتكلف بالباقي قلت لنفرض أني وافقت ولكن من سيدفع تكاليف كل ذلك؟ فهذه مسألة تتطلب عشرات ألوف الفرنكات وأنا لا أستطيع أن أضمن لكم أي مبلغ من حكومة العراق.قالت المرأة هذا الموضوع قد حسم من قبل فلا تفكر فيه لأننا رصدنا أموالاً أضعاف ما تتكلفه الرحلة جائتنا من جهات عديدة مثل معهدنا و الجمعية الجغرافية البريطانية والفرنسية والسويدية والهندية وكذلك من شركات السياحة البحرية الدولية وشركات الصناعة التلفزيونية بشرائهم مسبقا الأفلام الوثائقية المتعلقة بالرحلة هذا عدا التبرعات التي جائتنا من الكثير من أثرياء العالم الذين راسلناهم من عشاق ألف ليلة وليلة والسندباد البحري وهي تبرعات تكفي لعمل عشرة رحلات بدل واحدة.قلت الحقيقة أنا مبهور بكل هذا ولكن إعطوني فرصة يوم أو يومين لأفكر وأعطيكم الجواب قالت الأستاذة طبعاً طبعاً ولكن بانتظار جوابك والذي سيسعدنا لو جاء أيجابياً مارأيك بعزومة صغيرة هذه الليلة في شقتي الكائنة في شارع السان جاك وعلى بعد خطوات من هنا وبصحبة هؤلاء الرفاق وآخرين للزيادة في التعارف والأستأناس؟ قلت الحقيقة أن شقتي لاتبعد كثيراً عن نفس الشارع فأنا أيضا أسكن في الحي الخامس قالت أنها حقاً محاسن الصدف تلك التي جمعتنا سوية... الى اللقاء إذن في المساء على الساعة الثامنة في العمارة رقم كذا في الطابق الثاني،الباب الثاني على اليمين.
تم الأتفاق على أن أكون حاضراً في ميناء البصرة أثناء العمل على بناء السفينة والذي تم إنجازه بواسطة عمال وحرفيين، جيئ بهم خصيصاً من سلطنة عمان،وعلى أساس خرائط ودراسات للسفن الشراعية التجارية القديمة التي كانت تمخر عباب المحيط الهندي وبحر العرب.بعد شهرين من العمل المتواصل قام فريق العمل والمشرفين وأنا بالأحتفال بإكمال المشروع ثم حدد موعد الأبحار مع بداية موسم قدوم الرياح الشمالية الغربية.من بعد ذلك تم إختيار قائد السفينة والنوتية وجميعهم من أهل البصرة الذين مارسوا المهنة وقاموا برحلات الى الهند بسفن شراعية ثم تم إختيار مجموعة من الكومبارس الذين سيمثلون دور التجار وثلاثة فرنسيين واحداً منهم عين مديراً للرحلة ومشرفاً عاماً وهو ميشيل جانو وفنيين أثنين أحدهم مختص بمهمة التصوير والثاني للأخراج والتوجيه الفني,وكنت قد تعرفت عليهم في باريس من قبل،كما تم التواصل والتعارف مع جميع المشاركين في الرحلة وكان الكل في تمام الأستعداد والتشوق لبدء المغامرة.كان برنامج الرحلة ينص على أن تقلع السفينة صباح أول يوم جمعة من مارس بعد تزويدها بالماء والمؤون وتتبع خارطة طريق محددة مرسومة بدقة فتسير بمحاذات الساحل الشرقي للخليج ثم تغادرنحو الساحل الغربي للهند فترسو على أهم موانئ الطريق للمتاجرة وأخذ فكرة عن تلك الموانئ وتاريخها ثم تمر السفينة بين جزيرة سيرالنكا وجنوب الهند فتتجه نحو مضيق مالكا عبر خليج البنغال بإتجاه جزيرة مكسار ومنها نحو الشمال مرورا بجزر الفلبين ثم السير بمحاذات سواحل الصين وموانئها ومنها عبر بحر الصين الشرقي الى الجزر اليابانية ثم جزيرة سخالين في الشمال ثم شبه جزيرة كمشتكا ومنها بـإتجاه بحر بيرنغ وأخيرا الى محطة النهاية عند الألسكا ومن بعد إقامة قصيرة تعود السفينة لنفس الطريق الذي جائت منه حتى البصرة.المهمة الرئيسية من وراء كل هذا هوإعادة رسم الفترة الزمنية وتأريخها،وأيضا إثبات وصول السفن المنطلقة من البصرة الى الألسكا وما يطرحه ذلك من إحتمالية إكتشافها للساحل الغربي لأمريكا بما يقرب من خمس الى ستة قرون قبل كريستوف كولومبوس.في اليوم الموعود ركبت السفينة مزهواً أنا السندباد بزي التجار من ذلك الزمان بعمامة وجبة فوق قميص من حرير وسروال وزنار وفي قدمي خفاً أحمراً وسط تصفيق المودعين وجمهور الناس وكان بقية الركاب قد لبسوا ثياباً وأتخذوا أكسسوارات تليق بتلك الفترة وكنا جميعاً في قمة المرح والنشاط.
كل شيئ جرى على ما يرام فلقد كانت السفينة تشق عباب البحر بخفة ودلال بشراع منتفخ يكاد يطير بنا وسفينة الأسناد الصغيرة ترافقنا وتصور رحلتنا من بعد.بدأنا بزيارة موانئ غرب أيران ثم انتقلنا لخليج عمان مرورا عبرمضيق هرمز المكتض بالسفن التجارية وحاملات النفط والكل يحيينا ويأخذ الصور التذكارية ثم أنتقلنا لسواحل الباكستان وزرنا موانئها ثم منها الى سواحل غرب الهند الى أن وصلنا الى جزيرة سريلانكا وهي جزيرة رائعة الجمال مكثنا فيها يومين ثم أتجهنا شرقا قاطعين خليج البنغال مساءً بإتجاه جزرالأندمان والنكوبرا.بدا الجو صافياً والريح تهب معتدلة السرعة،لكن وعلى غير المتوقع في شهر مارس،ما أن أصبحنا وسط خليج البنغال حتى تغير الجو فجأة فأخبرنا الربّان بأننا يجب أن نحتاط إذ ربما ستهب علينا عاصفة خفيفة.بعد برهة وعكس كل التوقعات أظلمت السماء وهطلت أمطار رعدية عاصفة وهبت رياح شديدة وإذا بسفينتنا التي ضننا أنها متينة ومصممة لتجابه أقوى الزوابع أصبحت في دقائق معدودات كريشة في مهب الريح أو كخردلة في عباب سيل جارف تتقاذفها أمواجاً يزيد أرتفاعها على الستة أمتار ولا أعرف أين أصبحت سفينة الإسناد ولمذا لم تتدخل لأسعافنا.الركاب باتوا في هرج ومرج وعويل وصراخ لايعرفون مالعمل وكيف الخلاص فليس في السفينة ما يسعف من زوارق إنقاذ أو حتى إطارات منفوخة ورأيت بأم عيني كيف لطمت موجات عاتية واحدة إثرأخرى جانب السفينة فقصمتها لنصفين فإنهار صاريها وتساقط الناس في موج البحرمنهم من قضى غرقاً وآخر يجاهد للأمساك بأحدى القطع الطافية من حطام السفينة التعيسة أما أنا فلقد شددت نفسي بزناري الى سياج السفينة الخشبي الذي بدوره تكسر وأصبح قطعاً ولكنى بقيت مشدودا لأحداها أصارع الأمواج أعوم بين عشرات القطع وبقايا اثاث السفينة المتناثرة والمتقافزة وفجأة أحسست بضربة عنيفة على يافوخي فبدأت أنزف وأشتد خوفي فلعل رائحة الدم تستدعي سمك القرش فيفترسني، فرحت أجدف وأجدف لا على التعيين طول الليل حتى رماني موج البحر على شاطئ حصوي ومن شدة تعبي وإرهاقي نمت وأنا فاقداً الوعي من شدة ما نزفت. لا أعرف كم مضى من الوقت وأنا على تلك الحالة ولكني صحوت على صوت مفزع قادماً من السماء فإذا به طيراً بحجم الفيل يحط بقربي ثم يمسك بمخالبه ملابسي برفق شديد ويطير بي وأنا أرتعد خوفاً أغمض عين وأفتح عين.بعد حوالي الربع ساعة من الطيران ما بين سحاب وأباب وصلنا الى جزيرة عظيمة محاطة بأربعة جبال شامخة وضعني الطائر في وسطها برفق فوجدت نفسي في باحة قرية وقد جاء أهلها العراة الملونون من كل حدب وصوب يهرولون نحوي فيحملوني على عربة وهم يصرخون ويركضون بي خلال ممر طويل يؤدي الى كوخ كبير مليئ بالأصنام والرسوم فيضعوني في وسطه فيأتي ملكهم ملثما فيصرخ بهم ليبتعدوا عني وأظنه جاء ليفترسني لوحده فلقد عروني عن ملابسي تماما ثم انه فتح كوة في سقف الكوخ لتدخل أشعة الشمس وتعميني ثم رأيته يأخذ سكينا ليطعنني بها ولكن شابة بارعة الجمال ظهرت فجأة منعته وقامت تكلمني بحنان وأنا لا أفهم ما تقول، ثم أنها وضعت فوقي خيمة صغيرة حجبت عني أشعة الشمس القاسية وجائت بقناع وضعته على وجهي ربما لتخفيني عن زوجها ثم طفقت تغني بأعذب الألحان ثم أخذت بيدي وراحت تمسد عليها فغبت عن الوعي ورحت في سابع نومة و لا أدري لكم من الوقت ثم بعد ذلك أيقضتني وسألتني بلغة الأشارة إن كنت على مايرام ثم أخرجتني من الخيمة فإذا بي أمام منظر لن أنساه طيلة حياتي فلقد وجدتني وسط أناس نصف عراة حمر وخضر وبيض وصفر يزينون رؤوسهم بالريش الملون بيدهم الدفوف والمزامر يدورون حولي ويغنون ويرقصون ثم يحملوني ويجلسوني أمام سماط عظيم فيه أصناف الطعام والفواكه ومحاط بأجمل الفتيات فأكلت وأرتويت ولم أكن قد ذقت الطعام منذ أمس البارحة.لقد كان الوقت ظهرا والطبيعة حولنا خلابة ولقد لاحظت أن الضياء الذي يغمرنا كان لونه يميل للذهبي ولكنه مع العصر أصبح مائلا للخضرة ولما جاء المساء كان فضيا، ثم أنني نمت على فراش من ريش نعام وفي الصباح جائت طيور جميلة ملونة تزقزق قربي فتوقضني فلما فتحت عيني رأيت أن ضياء الشمس يميل للحمرة وفي هذه الأثناء جائت زوجة السلطان تصحبها تلك الفتاة الجميلة تحمل فطور الصباح فتوجهت بالسؤال لتلك الفتاة قائلا لقد سمعتكما تتحدثان الأنكليزية فهل هي لغتكم هنا قالت نتكلمها وتعلمناها من بعض القراصنة الذين زاروا جزيرتنا وعاشوا فيها حتى واتتهم المنية ولنا لغتنا القومية أيضا قلت هذا جيد فهكذا نستطيع أن نتفاهم أود أولاً أن أشكر لكم عنايتكم بي وثانيا أريد أن أعرف أين أنا قالت الفتاة أنت الآن في جزيرة الجبال الأربعة في وسط المحيط بعد نجاتك من الغرق، قلت وما الأنوار الملونة والناس الملونون؟ فقالت أن كل جبل من هذه الجبال المحيطة بنا له وجهين الوجه الخارجي المطل على البحر تكسوه الغابات والسفح الداخلي المطل على القرية قليل الأشجار تكسوه المعادن والجواهر فعندما تشرق الشمس تشرق أولا على سفح جبل الياقوت فيغطي القرية الضوء الأحمر وفي الظهيرة تكون على جبل الذهب ثم عصرا على جبل الزمرد ومساءا على جبل الألماس فتعكس ألوانها على قريتنا.فقلت داهشا هل تعنين أن كل جبل مخلوق من نوع معين من المعادن والجواهر؟ قالت بالظبط وأجدادنا قالوا لنا أن هذه الجزيرة خرجت من باطن االبحر ببركان عظيم ثم تكونت من جدرانه أربعة جبال بطبيعة مختلفة وإذا أحببت سآتيك بشيئ منها بعد إنتهائك فطور الصباح فقلت بل يا حبذا لو أخذتيني معك لأرى ذلك بأم عيني ولكن أنا متعجب كيف تعيشون في هذه الجزيرة بأمان ؟ قالت تريد أن تقول أننا نسكن فوق فوهة بركان؟ قلت نعم بكل تأكيد، فإبتسمت وقالت نحن هنا نعيش بكنف البركان الذي يحتضننا كما يحتضن الأب أولاده وينام ونومه طويل الأمد ونحن نعرف وقت صحوه وثورته، نتيجة أعمال خبيثة قام بها أحد أولاده، فله علامات أولها فزع الدواب والطيور وثانيها صعود الدخان وثالثها إرتجاج الأرض فإذا ما ظهرت أول علامة جمعنا أهلنا وكل حيواناتنا وركبنا قواربنا وسفننا وغادرنا الى جزر نائية ريثما يتم عقاب الولد العاق ثم يهدأ ويعود لينام ثانية وكل ثورة تبعد عن الأخرى بمدة قرناً من الزمان ولا تستمر أكثر من خمسة أيام،فما هي صعوبة العيش لخمسة أيام مقارنة بنعيم قرناً من الزمان؟قلت ولكنه خلالها يتلف محاصيلكم ويحرق بيوتكم ،قالت ربما ولكنه يعيد خصبها ونحن نعيد بناء بيوتنا في ظرف أيام معدودات فنجددها ونحسنها وكذلك البشر يموتون ولكنهم يولدون من جديد فما يمنع موتهم تجديد حياتهم.قلت وما سر ألوان الناس عندكم قالت أنهم ولدوا في قرى سفوح الجبال وطبعوا بطبيعة ألوانها وكلهم عندنا سواسية. في اليوم التالي أخذتني مضيفتي في رحلة لزيارة الجبال الأربعة،فيالها من مناظر طبيعية تبهر العين بأشجارها وزهورها وينابيع عيونها وشلالاتها وخصوصاً صخورها العجيبة فأخذت أملئ سلتي ما أمكنني حمله من كل سفح من ذهب وياقوت وزمرد وألماس. مرت الأيام وأنا أشعر وكأني في الجنة فالطعام متوفر من فواكه وخضار يأتون بها من الجبال وأسماك من كل نوع وكل أشكال منتجات الألبان والبيض إلا اللحوم فهم لايقربونها. وهم لايتعاملون بالنقود وإنما بالمقايضة وبالخدمات وأحيانا مقابل نصيحة أو أغنية أو دعاء،وهم يعتنون بمسنيهم عناية كبيرة وعندما يقترب الموت من أحدهم يأتون بتمثال أمه وأبوه اذا كانوا من الأموات ويضعونها تحت أشجار يقولون أنها مقدسة ويلبسونها أجمل حللهم،وسيأتي شرح ذلك، ثم يسقون المحتضر شراباً يجعله لايشعر بآلام مرضه فيصبح منتشياً فيموت وهو يبتسم فلما سألتهم لمذا يبتسم قالوا لأنهم بفضل الشراب يعودون لفترة طفولتهم ويرون آبائهم حولهم يعتنون بهم ويأخذونهم معهم الى الدار لينام بحضنهم فكم تعجبت من أمرهم.وهنالك أيضا أشياء أخرى عجيبة هي أنهم يربون طيورالرخ ويعتنون بها أشد العناية وكل واحد منها بحجم الفيل يستخدمونها للسفر البعيد فيضعون أنفسهم داخل صندوق مفتوح من الأعلى يستوعب ثلاثة أنفار يجعلونه مشدودا على ظهر الرخ المدرب فيقودونه بواسطة آلة تشبه لجام الفرس الى حيث يرومون ثم انهم يستخدمون الرخ أيضا للدفاع عن جزيرتهم فهو يقذف المعتدين صخورا كبيرة يلقيها في البحر جنب سفنهم وقواربهم فيختل توازنها وتنقلب بمن فيها وقدتحطمها إلى أجزاء فيضطر ركابها الغزات للأستسلام.ولقد رأيت في وسط الجزيرة صخرة كبيرة طولية الشكل نقشت عليها حروفا لا أستطيع حل شفرتها فهي تشبه الرسوم منها للكتابة سألت الفتاة عنها قالت أنها صخرة القوانين والشعائرالمرعية فتذكرت مسلة حمورابي فسألت الفتاة عن تلك القوانين فقالت هي التي تنظم الحياة هنا فمثلا لايحق للمرأة إنجاب أكثر من طفلين وبعدها تأخذ مسحوقا من ورق أشجارمعينة مرة كل شهر في توقيت معين تمنع الأنجاب،فلما سألتها عن سر ذلك قالت أن هذا المسحوق تستعمله المرأة موضعياً يغلِظ طبيعة الرحم فلا تنبت به بذرة كالأرض الصلدة التي ينكسر بها المحراث.وفي القوانين إذا سرق أحدهم،وهذا نادر جدا، يعمل مكان الضحية عددا من الأيام لصالح الضحية وحسب قيمة المسروقات. والخيانة والكذب بأنواعهما عندهم عقوبتهما كبيرة فالفاعل يلقيه طائر الخر في البحر على مسافة أميال عديدة من ساحل الجزيرة وعليه أن يعود إليها سباحة وهو ليس بالأمر الهيّن ثم حتى لو نجى يبقى الخائن منبوذا لمدة أقصاها عشرة سنوات. ورأيت عندهم على سفوح الجبال حدائق غناء فيها أشجار مثمرة ومعمرة وقد وضعوا لها أسماء وزينوها بزينة يغيرونها مع كل عيد للربيع وكل عائلة تذهب لزيارة أحدى الحدائق دون الأخرى فلما أستفسرت قالوا أنهم يزورون ذويهم.فكل شجرة هي بالحقيقة ترمز لواحد أو واحدة من ذويهم وأقاربهم فحين يموت أحدهم يقومون بشتل شجرة صغيرة فوق قبره ثم يقوم أبنائه برعايتها طيلة حياتهم فإن واتاهم القدر دفنوا قرب ذويهم ويتم زراعة شتلات لهم وتوضع أسمائهم فوق تلك الأشجار، ولهذا السبب هم يعتبرون هذه الحدائق مقدسة وثمارها نابعة من أجساد والديهم ، ويوهبون الفائض من الثمار للمحتاجين منهم.أما بيوتهم فيسكنوها جاهزة ومن دون مقابل عندما يريد المرء ان يتزوج ويكوّن عائلة ،ذلك أن كل شاب،أو شابة،ملزم بالأشتراك في بناء ثلاثة دور على الأقل أثناء الخمسة سنوات التي تعقب بلوغه فيشترك كل عشرة أو أكثر في بناء الدارلطلاب السكن الذين هم بدورهم شاركوا ببناء دوراً لغيرهم فيما مضى من الأيام. ويحق للفتى أو الفتاة الزواج بعد أكتمال هذه المدة أي في حدود الثامنة عشرة. ومن محاسن ما وجدته من طبائعهم أنهم يحبون الغناء الجماعي وسماع رواية القصص فهم في كل ليلة بعد العشاء يجتمعون حول نار يوقدونها ثم يأتي الراوي وهوعادة شيخ كبيرالسن ،وأحيانا إمرأة عجوز، ويجلس على جذع شجرة أمام النار ويبدأ بالقص ومعه عصاة يلوح بها تارة ويضرب جنب الجذع أو الأرض تارة أخرى ليشد أليه إنتباه الحظور، ويرافقه شخصين واحد يضرب على طبلة وآخر بمزمار.السلطان عندهم يتجدد وينتخب سنويا على أن لايقل عمره عن الأربعين سنة من قبل مجلسين الأول للشيوخ وعددهم عشرة والثاني للشبان والشابات وعددهم عشرة أيضا نصفهم فتيات.السلطان هو من يطبق قرارات المجلسين المذكورين وعلى الشعب طاعته.ومن صلاحيات مجلس الشيوخ النظر في المشاكل وتقديم الحلول والأحكام والسهر على تطبيق نظام التكافل الأجتماعي وحماية الضعفاء. أما مجلس الشبان فهو يهتم بتوفير الأمن والأمان للشعب وتوفير سبل الحياة السعيدة لأبناء وبنات الجزيرة.بعد فترة من إقامتي عندهم إشتقت للقاء أهلي ووطني والعودة الى باريس فأخبرت مضيفتي برغبتي فبكت وقالت لقد تعودنا عليك ولكن لك ما تريد فأمرت الرخ بأخذي الى الوجهة التي أريدها وفي اليوم التالي وضعوني على فراش في وسط الباحة فجاء السلطان وأهل القرية وترجوني أن أغير رأيي وأعيش معهم،فإن قبلت عينوني سلطاناً على الجزيرة وزوجوني أجمل بناتهم ولكني شكرتهم على كرمهم وأصريت على الرحيل، فجاؤا بطائرالرخ وحملوني في صندوق على ظهره مع الهدايا وسلة الجواهر وطار بي بعيداً وظل يحلق في السماء وإذا بزوبعة سوداء قدمت من الغرب فضربت جناحه فإختل طيرانه وهبط إظطراراً يبحث عن سطح يحط عليه ولكنه لم يجد سوى جزيرة سوداء صغيرة ملساء مستطيلة الشكل فوضعني فوقها وطار مبتعدا فإذا بتلك الجزيرة تموج تحت قدمي فعرفت أنها حوت وليست بجزيرة فأغمضت عيني ورحت أدعو ألله أن ينجيني مما أنا فيه،فإذا بي أسمع صوتا يقول لقد نجوت وكنت على شفى الموت.فتحت عيني فرأيت وجه الأستاذة الفرنسية المسؤولة عن الرحلة تكلمني،قلت أين أنا قالت على ظهر سفينة الإسناد تلك السفينة التي رافقت الرحلة لغرض المراقبة والتصوير قلت وأين كنت قالت بعد تحطم السفينة بسسبب العاصفة نقلتك الهلكوبتر الى المستشفى لأحدى الجزر وأجريت لك عملية جراحية فلقد أصبت بضربة على رأسك أدت الى إرتجاج في الجمجمة ونزيف داخلي وبقيت هنالك فترة وأنت فاقدا للوعي وبعدها رجعت بك الهلكوبتر الى هنا في سفينة الأسناد ونحن الآن في طريق عودتنا الى فرنسا قلت ومذا عن السلة التي كانت معي؟قالت لقد رجعت من دون شيئ سوى قميصك هذا والسروال الذي وجدنا في أحد جيوبه أربع حصاة واحدة حمراء والثانية خضراء وألثالثة صفراء وأخرى بيضاء قلت ياليتني قبلت بعرضهم وتزوجت لأصبحت سلطان زماني ولا هذا الزمان،قالت مذا تقول؟ لا أفهمك،قلت طبيعي... فأنتِ لستِ معي في حلمي.



#عبدالرحمن_حسن_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطيب سالونيكا
- حرب النعلان
- كيل كامش 𒄑𒂆𒈦
- مشكلة عويصة
- إعتماد [ الجزء الثاني ]
- إعتماد [ الجزء الأول ]
- غانية البلاط [ الجزء الرابع ]
- غانية البلاط [ الجزء الثالث ]
- غانية البلاط [ الجزء الثاني ]
- غانية البلاط
- لقاء مع سيدة النهر
- رسالة في أصل وفصل الكلمات
- الخرافة أقوى من العلم
- الأكتشاف الخطير
- كنز الخليفة المستعصم بالله
- هامبرغر وساكسفون
- جاري مجرم
- المترف والنشّال
- الفخ الياباني
- فصخ


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمن حسن الصباغ - السندباد الثاني