أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد حسن يوسف - عائشة العدنية: ذاكرة المدينة















المزيد.....

عائشة العدنية: ذاكرة المدينة


خالد حسن يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6519 - 2020 / 3 / 21 - 23:04
المحور: المجتمع المدني
    


وفاة السيدة "عائشة العدنية" في ٢٨ اكتوبر ٢٠١٣ كان قد فتح الباب للحديث عن سيرتها في عدد من الصحف، وأصبحت الراحلة حديث الإعلام كأول إمرأة سائقة لسيارة أجرة في الجزيرة العربية، ويأتي الاستدلال بها على خلفية تداعيات حرمان النساء من سياقة السيارات في بعض البلاد، وأن ينظر إلى الراحلة كمجرد سائقة في حين أن سيرتها تؤكد أكثر من ذلك, والراحلة "عائشة العدنية" كانت في زمان نظارتها وشبابها حديث المجتمع التقليدي, والذي شكل بيئة اجتماعية متفهمة رغم تقليديته, وكانت أقرب إلى الروح الصوفية العفوية، وهي ذاكرة تاريخية لا يمكن اختزالها كمجرد سائقة تاكسي، وهو ما تم التركيز عليه عند تناولها، رغم أن سيرتها تحمل الكثير من عبق التاريخ.

تلك البيئة تحرك الشجون والمناجاة والتحسر في نفوس من عاشوها أو من أقتربوا من بقاياها شخوصا وأماكن, أو من تواثر الأحاديث والأقاويل المتناثرة هنا وهناك بصدد تاريخها, ميزة تلك البيئة الاجتماعية الفريدة من نوعها والتي هي من الصعوبة أن تتكرر, هي نتاج لروح الانسانية الأممية المتنوعة في خلفياتها الاجتماعية, حيث جمعت مدينة عدن التاريخية نسيج اجتماعي متعدد النكهة ومتنوع اجتماعيا من يمنيين (مسلمين ويهود),صوماليين,اريتيريين(وتحديدا العفر منهم),هنود,فرس.

وتمثل عدن مدينة يمنية قديمة التاريخ, إلا أن الكثير من هذه الأصول البشرية التي قطنتها قدمت إلى مدينة عدن فيما بعد الإحتلال البريطاني لمدينة في القرن التاسع عشر الميلادي, في حين أن بعض أولئك وتحديدا,الصوماليين والفرس لم يكونوا بحديثي العهد على المدينة بحكم الجوار الجغرافي وعامل التاريخ, بل أن هذا الجوار الجغرافي ذاته كان يمثل جزء من سبب وجود عدن ذاتها.

فمدينة بربرة الصومالية كانت تمثل شريان الحياة لمدينة عدن الفقيرة بالموارد المائية والثروة الحيوانية, وكانت تلك الموارد تنقل بالسفن الشراعية الصومالية واليمنية إلى ساحل صيرة والذي شكل جزء من عدن القديمة وذلك لرفد صهريج جبل صيرة, خاصة وأن مدينة عدن الحالية مستحدثة وتم إنشائها مع قدوم المستعمر البريطاني, والذي خطط لإنشائها هندسيا وبنائها في هيئة أحيائها السكنية المعروفة.

وساحل صيرة القريب من حي القطيع التاريخي والذي مثل مستقر دار الراحلة "عائشة يوسف إبراهيم", هو الذاكرة التاريخية لمدينة عدن, فهو مرتع الصيادين اليمنيين والصوماليين منهم, وهو الميدان الأول الذي التقى فيه الطرفين اليمني والبريطاني مواجهتا, والذي وضعت عليه قوات المستعمر البريطاني أقدامها وهي مدججة بالألة العسكرية المتفوقة في نيرانها وعتادها وعديدها, وشهدت صيرة تلك المعركة التاريخية الغير متكافئة والتي سالت فيها دماء اليمنيين والصوماليين معا في مواجهة الغازي.كما حملت منطقة ساحل صيرة في الذاكرة العدنية متنزه طبيعي لأهل المناجاة والمتأملين وقارئي الخواطر والعشاق من بسطاء القوم ناهيك عن نخبتهم.

لدى ليس غريبا أن "تتمنى الجدة عيشة أن تمتلك كرسيا متحركاً, لتخرج به إلى ساحل "صيرة." (١). والنتيجة أن "نخبرها أن الساحل لم يعد كما كان أيام زمان, ذلك المتنفس الجميل لأهل عدن, سدوه هو الآخر بالمشاريع التجارية الخاصة." (٢). وقد قادها ذلك إلى أن "تألمت قائلة:"نفسي أشوف ساحل صيرة الذي كتب عنه شعراً ابن حافتي (حارتي) لطفي أمان, وتغنى به (الموسيقار) أحمد قاسم, فقال: وفي صيرة تترجرج نشرب هوى كله." (٣).

وكان أن أحضر المستعمر البريطاني معه العنصر الهندي الاسيوي بغالبية مسلميه من سنة(أحناف) وبهرة(الشيعة الإسماعيلية), ناهيك عن البنيال(الهندوس), في ظل ربطه عدن بشركة الهند الشرقية، والتي كانت تمثل ملكية بريطانية عابرة للقارات ومسيطرة على مقدرات شعوب آسيا وافريقيا الشرقية, ولكي يخلق نسيج اجتماعي يستعين به, إلا أن ذلك إنتهى لخلق ما عرف بالولاء العدني المتميز للمدينة رغم تباينات سكانها أعراقا,ثقافتا وأديان, تزاوج من جمعتهم الديانة وتجاوروا وتصادق الجميع وشكلوا علاقات تعايش وعمل مشترك لعشرات السنيين, وبذلك خلقوا الروح العدنية الفريدة.

وترعرعت "عائشة" العدنية في تلك الأجواء الاجتماعية المتسامحة, لدى ليس غريبا قولها حينما سألناها من علّمها قيادة السيارة، فضحكت وقالت بصوتها الجهوري: "علّمني جارنا اليهودي، بسيارته، كنا في عدن نعيش في سلام ووئام مع اليهود والفرس والهنود وأهلها الطيبين." (٤).

وإذا كان ذلك ممكنا في زمنها المتقدم والمتسامح فإن ذلك مع إندلاع اُوج الصراع العربي - الإسرائيلي في عام ١٩٦٧ لم يتاح له الصمود والاستمرار, فكان أن أتجه الثوار اليمنيين إلى إسقاط تبعات ذلك الصراع على اليمنيين اليهود والذين تعرضوا إلى الإعتداءات المنظمة من قتل وحرق لمنازلهم ومتاجرهم, وهو ما دفعهم إلى الرحيل من مدينة عدن دون رجعة.

وفي مدينة "عائشة العدنية" مثل الصوماليين الذين أنحدرت منهم كمكون من أبناء مدينة عدن ومدن يمنية أخرى منها مدينة الشحر في أرض حضرموت, والتي كانت قدمت منها قبل استقرارها في عدن، بعد وفاة أبيها, وزيارات الفنان "محمد مرشد ناجي والتي أشارت إليها الكاتبة لبنى الخطيب في مقالها", جاءت لدواعي عديدة إنسانية واجتماعية لا سيما وأن والدة الفنان كانت صومالية منحدرة من عشيرة علي سليمان المنتمية لقبيلة "المجيرتين" وإسمها عورلا عبدي والسيدة عائشة كانت بمنزلة خالته, ناهيك عن أنه قد عايش الصوماليين في حله بعدن وترحاله إلى دولة الكويت والتي أغترب فيها لسنوات.

"عائشة العدنية" كانت إبنة عدن والتي شكلت موطنها بحكم نشأتها التاريخية, ناهيك عن إعتزازها بقومها الصوماليين الذين ساهموا بتحرير مدينة عدن والمحميات اليمنية المرتبطة بها, والذاكرة التاريخية لمعركة ساحل صيرة والتي أمتزجت فيها الدماء معا بطبيعة الحال سطرت لذلك, وفي ظل مثل هذه المعادلة المتسمة بالمصداقية العالية والإنصهار الاجتماعي, فأهل عدن نظروا "لعائشة" وأمثالها كجزء من النسيج العدني اليمني التاريخي والمقترن بالكفاح الانساني المشترك بين الذين جمعهم هذا التراب.

ولكن لا يخلو الأمر من المفارقة في أن إنتهت "عدن التي عرفتها في سابق أيامها وشبابها وكفاحها, إلى عدن أخرى أصبحت كمرتع ومحط رحال ممن لا تحضرهم الروح العدنية في تسامحها وبساطتها وكفاحها المعيشي, وبفعل السيطرة والنهب والقمع من قبل الاسلام السياسي اليمني ومن متصيدي الفرص وجحافل النعرات القبلية, ذلك وغيره أنتهى بأبناء عدن أن يصبحوا غرباء في دارهم، ووصل الأمر بالغالبية منهم أن أصبحوا تحت خط الفقر, وعائشة العدنية في أيامها الأخيرة كانت من عداد هؤلاء، والجميل أنها أوصت في آخر أيامها، كما قيل نقلا عن أحد جيرانها والذي كان أقنعها بأن تجعل من بيتها وقفا للمسجد المجاور لها.

نعم لم تكن مجرد سائقة تاكسي أجرة الجدة "عائشة العدنية", بل كانت تعني ذاكرة المدينة التاريخية وروح أبنائها الفسيفساء، والذين قضت عليهم وشردتهم التناقضات السياسية والاجتماعية، التي حلت عليهم في العقود الأخيرة, وواقع الحسرة على أيام مضت وقساوة العيش بالنسبة "لعائشة".
وفي حين أن "عائشة" كانت قد أتخذت في مراهقتها المبكرة, قرار خلاصها من الحاجة والعوز من خلال إمتهان سواقة سيارة الأجرة, فإن مدينتها المحببة عدن تبحث عن طريق خلاصها مما أنتهت إليه, وتنشد الخلاص من قبل محبيها, سائلة هل من مجيب ليضع نهاية لعبث طال استمراره ؟


- المصدر:
كيف تتذكر أول سائقة "تاكسي" في الجزيرة العربية أيامها؟،لبنى الخطيب،١١ مارس ٢٠١٢،عدن الغد.



#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- Markale Midnimo
- جدوى المركزية والفيدرالية في الصومال
- إثيوبيا: تنازل عن إريتيريا وابتلاع الصوماليين
- خسارة الأتراك مع آخرة أردوغان!
- سفارة تركية تتربح من الهجرة
- فلنجتمع على دين المواطنة
- العلمانية تجمع ولا تفرق
- تأمين الصومال بالتعاون مع تركيا
- الصومال وجماعة المنكر وتحاشي المعروف
- الصومال أولا- Somalia First
- العلاقات الإقليمية لسلطان علي مارح
- عمان في عهد السلطان قابوس
- سياد بري ليس الانقلابي الوحيد
- في الصومال رجال المال عامل هدم
- الصراع على الدين والمجتمع لأجل السياسة
- حركة تحرر صومالية تمارس التقية والتضليل
- خصوم في حضيرة الايجاد
- تهديدات بقايا مؤتمر الهويي الموحد
- إنتحار حركة تحرر صومالية
- مهمشين متنازع عليهم في الصومال


المزيد.....




- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد حسن يوسف - عائشة العدنية: ذاكرة المدينة