أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال الشيخ - انحراف التوابيت















المزيد.....


انحراف التوابيت


منال الشيخ

الحوار المتمدن-العدد: 1575 - 2006 / 6 / 8 - 11:14
المحور: الادب والفن
    


لم يكن القبو مليئاً بالموتى برغم التوابيت الكثيرة والشموع في الزوايا والرائحة المتسربة عبر الفتحات ولم تكن الرائحة لقطط ميتة أو أسماك متعفنة بل كانت لأجساد بشرية تحضر احتفالا باذخاً مغلقاً وغاية في السرية . بدلات ( السموكن) الصلبة وفساتين السهرة المتأرجحة على أجساد مخملية الملمس تنزلق فوقها كلمات سرية جعلت الحاجة ملحة إلى مفاتيح تفك سراً لتعتيم المؤبد على هذا القبو . الصمت لم يكن من واجباتي اليومية بالرغم من دعواتهم لي . ولكن لا بأس بالتجربة لم يكن النصاب قد أكتمل حتى آخر لحظة من
موعد استقبال الضيوف فالجميع كان في انتظار العضو الأخير الذي بدونه لن تكون للاجتماع قيمة أو معنى . هنا بدأت أراقب الحاضرين بعيني السرية التي أخفيتها طوال سنين لذلك لم يلحظ أحدهم على الإطلاق تدويني لحركاتهم بالرغم من ضخامة كلماتي فوق البنفسجية ، الجميع ينظر إلى الساعة الرملية المعلقة في العناق ويترقب آخر تابوتاً مقفلاً ليزيل عنه الغبار الكاتم لأسرار آخر الأعضاء بدأ الحاضرون يستقبلون رائحة غريبة ولكل منهم رائحة تميزه : العطر الذي تستعمله الضيفة الخاصة جداً " سالو مي " هو المسك المستخرج من غدة في راس القديس "يوحنا" أما تشلي العضو غير المستقر فله رائحة صهير البرونز في درجة حرارة الدماء المسفوحة ولابد أن تكون للمجموعة امرأة حكيمة لها رائحة ثعابين ، هي النبيلة التي أنجبت على جسدها جروح المسيح وقبل الزائر الأخير كان هناك ظل أخضر برائحة خضراء ورائه ظلالاً بألوان وأشكال مختلفة . لم أشأ أن اسأله فقد عرّف بنفسه . لم يكن سوى ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة حاملاً شهادة فخرية مختومة بختم دائري أخضر ( حي لا يموت ) تفوه ببعض كلمات لم أميزها كان يخاطب الظلال المتعددة التي تتبعه ، لم يسألني أحد عن رتبتي فالجميع متهم بإكمال النصاب ...
المهم من هو المدير كنت مسروراً عندما تلقيت دعوة حضور إلى جهة رسمية مرموقة كهذه ولكن الغرابة في الأمر لم يصنفوني فخالجني شعور نفاجئ بأنني أفقد رائحتي وحاستي اللمسية لكنني انحشرت بين الجميع في انتظار الأخير . أخذت صنابير التابوت ترخى بطيئاً وأبخرة بدأت تتصاعد من الرؤوس : دليل التفكير السليم ، الجميع يعرفه وأنا معهم مع إني لم أره لقد ميزته من رأسه ورائحته المقسّمة على شكل بلوكات متساوية وجسده الخالي من جروح المسيح ويده النقية من رائحة السمك التوراتي وجيبه النظيف من قسيمة زواج إسلامية دعاه المنادي بالسيد ( لينين ) .
قبل سنوات رسبت في مادة التاريخ وكان السبب كامن في عنف ( لينين ) عبرت آخر ذرة من الرمال عنق الزجاجة الماسية مع الجمع وأعلنت الساعة بصوت سرابي عن بدء الاجتماع ، لم يسألني أحد عن رتبتي.
تحول القبو إلى قاعة مؤثثة بالتوابيت نفسها .. بالأعضاء أنفسهم وبالطاولة المستديرة المثقلة تحت خرائط بعددهم ، خرائط متشابهة لكنها تتباين فيما بينها شئ واحد . لم أفهم ما كانت تشير إليه الخريطة قبالتي ، فالخطوط المتعرجة والمتقاطعة والمتوازية تتوافق مع أي شئ أفكر به قد تكون مخططاً لقلب إنسان يشكو من الإسهاب بكلام موقع أو ربما الرعد نهاري متواصل عند إحدى زوايا السماء غير أن الإشارات الحمر كانت تدل على أن الخرائط هذه لم تكن سوى خطوات لمخطط ما متفق عليه الجلسة ، بدأت الراقصة المبجلة تتذمر من حصتها . لا تحلم بدمج طليطلة في النقرس الواقع غرب الانديز بل هي تحلم بطروادة أخرى ودماء مختلفة تسفك من أجلها ، هنا تحمس تشيلي لفكرتها ورغبتها إنها تستحق أن تكون حواء ثانية ولكنه لا يمتلك من صفات أدم ما تجتابها تفاحة لامعة فهو لا يغريه في الكون شئ سوى البرونز وأفران صهره ولهذا طالب أن تكون حصته جعل جبال البراكين الثائرة ضمن حدوده ، الجميع يطالب ويتكلم عن حصته أما أنا فلم أعد أدري عن أية بقاع يتحدثون ومدير الجلسة صامت بمكر ذئب متفرس خشيت غضبه فهو كما قرأت عنه أثناء خطبه السياسية لا يهدأ وبينما كان يتحدث تشيلي عن بلاد البرونز كانت ( سالو مي ) تعيد ترتيب ماكياجها وشعرها وتصر على أسنانها : حواء من جديد ! لم يكن حلمها أمراً بشعاً في نظر البقية إذ لكل واحد منهم مطالب أغرب فبعد صمتها الطويل طالبت النبيلة الألمانية بحقها في كأس الراعي ( إكسير الحياة ) كونها خليفة لقروح المسيح وبعد أن أثارت ضجتها العالمية القائلة بظهور جروح المسيح على جسده بأمر من الله طلب الكاثوليك جميعاً بضرورة إعادة النظر في أمر النبيلة التي لم تكن مطالبها كثيرة بأية حال ، لم تطلب غير قطعة أرض محددة الشكل والمساحة وعلى مقربة من مكان الكأس لذلك فقد وهبت أرض بمشارقها ومغاربها بالوكالة.
لم يبق غير الظل والرئيس وأنا ، كانت خريطة الرجل الظل تنطوي على تجاعيد كثيرة وتخوم لا حدود لها لذلك فقد تذمر وشكى أمام الحاضرين من افتقاره إلى ولادة لتنظيم أقاليمه المجعدة لكن تشيلي كان كريماً معه فوعده بأن يعيره عدداً من تماثيله .
أما أنا فكنت لما أزل أنتظر حصتي ، توخم جو القاعة لكن رائحتي التي فقدتها ضيعت على فرصة المغادرة ، ولم أحظ بنظرة واحدة منهم وبخاصة تلك المغرورة التي حلمت دوما برقصتها التاريخية في هذه اللحظة اكتسحني خوف غريب على رأسي إذ وقعت عيناي على صحن فضي وكأنما ينتظر زينة ما .. كنت أعرف كل منهم ومع ذلك رسبت في مدونات التاريخ التي تخصهم جميعاً .. ثمة رغبة استفحلت داخلي في أن أطلق صوتي كي ألفت انتباههم ولكن شيئاً ما ظل يشد لساني إلى الخلف فالخريطة قبالتي لم تكن لها دلالة واضحة حسناً لا خير من الانتظار ولكي لا يكون هناك صمت قد يلفت النظر فضلت أحداث ضجة تشي بتذمري الخفيف وطيي للخريطة غير إني لم أتوقع إحداث كل تلك البلبلة في صفوفهم . استداروا جميعاً نحوي بنظرة لم أفهمها ولكن مدير الجلسة فضل أن يبقى انتباهه سراً وبين نفسه إذ ترك أصابعه تداعب شاربه المدبب لأول مرة بدأت أشك في صحة بطاقة الدعوى وبلمحة سريعة استطاع رئيس الخدم كسر الملل الذي خيم على الجلسة لتقديمه لكل منا سكيناً فضياً جعلني أتوقع أن المرحلة الثانية ستكون صحون من الخوف الصيني وعشاءً معداً من لحوم فاخرة مزينة برؤوس أناناس مثل شجرة ميلاد أرملة تزينها جماجم أزواجها في ليلة رأس السنة لكن الخادم ملأ الصحون بمظاريف مغلقة فأدركت وأنا أتفحص السكين ثانية جهلي الكبير بالشؤون المكتبية تركت الأشياء تطبخ على موائدهم بهتت لهفتي في فتح المظروف الخاص بي إذ انطفأ استغرابي لأي شئ يحدث هنا خاصة بعد أن فتح المدير مظروفه بسكين خاص وقرأ ما بداخله من قصاصات ورق بشراهة ماسحاً فمه بعد القراءة كنت أظن إنها رسائل من مجهول يعلم بوجودنا وبسبب وجودنا هنا أما نحن فلم يأذن لنا بفتح مظاريفنا فالمدير التزم الصمت برهة ثم نهض بجسده الذي أخذ يزداد ضخامة في كل ساعة وهو يصادر مظاريفنا كلها ليعيد توزيعها علينا من جديد وبشكل عشوائي بعد أن جد في خلطها وددت عمل الشيء نفسه فقد بدأ بالنسبة لي لعبة مسلية ولكنه كان جاداً فأمرنا بفتحها في حذر واضعاً الأوراق مقلوبة على الطاولة وفعلنا دون كلام أو استفسار بعدها جمعها منا ثانية وخلطها ثم وزعها علينا من جديد مقلوبة حسناً لما كنت أتأمل لعبة ورق ليس إلا . جلس في مكانه متأملاً شيئاً يراه ميتاً مرة واحدة فالكبار يمتلكون نظرة مجسمة تمكنهم من رؤية أي شئ بالجهات كلها وبتزامني عجيب صممت أن تكون أقدارنا مرسومة فيها بنهايات سعيدة ولكن صمت المدير الذي استغرق مدة طويلة جعلني أفكر أن الأمر غدا أخطر .. ثم طلب منا أن نضع الأوراق مقلوبة الواحدة قرب الأخرى ..لكل منا ست أوراق صغيرة رسمت الأوراق البيض المقلوبة محيطاً آخر للطاولة المستديرة وبحركة لم الحظها جيداً دون المدير الطاولة ظلت تدور مدة ليست بالقصيرة خِلتُ نفسي نرداً تدور به عجلة الروليت قال بينما الطاولة لما تزل تدور " عندما توقف عن الدوران ليحمل كل منكم ورقة يضعها مقلوبة في يده " هكذا تحولت الطاولة من مستطيلة إلى دائرية فذلك لغز لم أدركه وها هي الآن أمامي في شكل تابوت ربما أنا الذي فقدت قدرتي في تعيين الأشكال . الغريب في الأمر أني بدأت الحظهم يتداولون ما بين عاداتهم ووجباتهم بدأت جروح النبيلة الألمانية تختفي وتمتلئ أخاديدها بالحياة وصارت تتزين بالنظر إلى المرآة في كل لحظة بينما نظيرتها ( سالو مي ) ترسم جروحاً بشكل صليب وتحفر أخاديداً على جسدها الشامخ شموخ أعداء الرومان، وصار الرجل الحي يصهر لحمه تمثالاً من البرونز بينما تُرك (تشيلي) يخلف ظلالاً بعدد ألوان قوس قزح. .
لم يسألني أحد عن رتبتينا أعني أنا والمدير موقعه معروف ولا حاجة به إلى علامة تميزه عن الباقين . ماذا يحدث لو قلبت الأوراق ولكن المدير رمقني بنظرة محذرة أذهلتني معرفته لما يدور في رأسي الصغير ..الكبير . لأم أعد أذكر شيئاً من أعضائي حتى رأسي . ساورني شك في أنه موجود حقيقة في تلك اللحظة فجأة وقف المدير بضخامته النامية كل دقيقة وأفصح عن كلام لم أتوقعه:-
-أنا لست ممن تظنون ..لست الجبار الذي تنتظرونه ليحل مشاكلكم السياسية والاجتماعية أنا أضعف مما تتصورون فأنا .. أنا لست قادراً على تحمل أعباء قبري المثقل بروائح كريهة منذ سنين وهو لا ينظفون فتحات قبري حتى صرت أختنق شبعاً من الضوء رغم أني وضعت أسساً حكيمة لإدارة البلدية ولكنهم لا يقدروني كثيراً فأنا لست هنا كما تتصورن .
الساعة الرملية تشير إلى انتهاء النهار والذي كنا نحلم به خذلنا في منتصف الطريق ورحل رحلة ضوئية.
حولت وجوده إلى ذرات الضوء شهقها فضاء القاعة ولم يزفرها فظهرت مشكلة كبيرة . هي الأوراق المقلوبة ماذا سنفعل بها .. أنقلبها ونرى ما فيها أم نتركها ونرحل قانعين بما حصلنا عليه من ظروف غامضة ولكنهم طالبوا مدير جديد يرشدهم إلى طريق صحيح فهم في السياسة أقل فهماً من الدجاج نفسه .. القائمة تكبر وأبوابها تتسع فتحاتها تكثر وعدد الحضور يزداد .الجميع يتأمل حدوث ما في صالح المدينة لذلك قررنا الدخول إلى غرفنا والاختلاء ساعة أو ربما ساعات لعلنا نخرج بقرار حكيم . كنت أفكر في العودة إلى نفسي والنظر في المرآة المعلقة على الحائط لعلي أتذكر من أنا بعد تلك الفوضى المريعة . كان جو الغرفة يمنحني فرصة لتفكير من نوع خاص ومؤقت . آخر شئ فعلته قبل الخروج من البيت هو توديع ما تبقى لي من أمي الهائلة وهذه النافذة تخبرني بأشياء كثيرة نسيتها لهول ما حدث ثم ألوان غريبة بدأت تنبعث مني ، الأبيض والأسود وأوراق صفر تتطاير . في أي مدار نحن؟ وأي الفصول يحتل قلبي الفاقد لرائحته ؟.
ملابسي لا تدل على شئ فأنا لا أرتدي الصوف ولا الحرير أيضاً ، قبل دخولي الغرفة طلبوا مني أن أفكر بمستقبل الحضور قبل كل شئ .. لا ادري ما الذي يوقظ ذاكرتي في طلب معلومات إضافية عن نفسي .. حقاً أن بي شوقاً إلى لحظة معرفة بالأشياء من حولي ، فقدت رائحتي وحاستي في اللمس ولكنني مازلت أرى النافذة تحمل أبواباً عديدة وقلبي لم يعد يحتمل أعباء الماضي . هل يكفي أن تخضر الأرض لتعيش البراغيث ؟ هل يكفي أن تنفجر ينابيع الحياة السود لتتوقف الحروب ؟! أخشى أن يوكلوا إلي مهاماً يكبر لها رأسي أو يمنحوني حصانة ضد الأنفلونزا أو يعيروني عيناً مجسمة تمنحني القدرة على رؤية أعدائي في الجهات الأربع وصهر من أريد عند خط الاستواء .اهدأ ما كنت أحلم به أثناء وجودي في البيت ؟ واحتسائي بقايا برامج السهرة وانخراطي قليلاً مع جزيئات التشويش في حفل راقص ، صاخب لأدفئ المياه الباردة داخلي . الأبواب تؤنبني على خلقها يوماً ما بعدما انسحب المسئولون من المجلس الفدرالي خوفاً من تهمة الخيانة العظمى في حق الطبيعة . وللجنات أبواب وكذلك الجحيم .
هل لنا أن نقدس الأبواب ؟ هل لنا أن نمقتها ؟لأعترف بأني ذو قدرات محدودة وأني أجيد الاختيار . كانت الهدن جميعاً وعلى مر التاريخ محض فرص لجمع شتات الأنفس والأسلحة لبدء حرب جديدة وان تباينت بينها الأساليب ولكن هدنتي هذه لم تمنحني سوى فرصة لكشف حقائق كثيرة كنت أجهلها . اليوم بالتحديد وجدت ضالتي ، أنا لم أكن هنا ولن أكون ، الصحيح هو أنني خارج هذه النافذة ،ارصدني كتلة ملتهبة تهم بحرق ما تبقى لي من رائحة فوق جسدي . أعلم بوجودي جيداً خارج المدارات كلها . أرتدي الأزياء الغريبة ، تارة أراني جندياً روسياً وأخرى امرأة ملفوفة بسواد تخفي وراءه بطناً منتفخ بجنين يائس قد يولد مع انبلاج (الفريزن) أصبحت الشاهد الوحيد على جريمتي. كان عليّ أن أقضي وقتاً أكبر مع الوجود لأفهم معنى كلماتي . دائماً أنا المسافر مع الغياب . ولولا ( أديسون ) لما وصلتني دعوة للحضور مع هذا الجمع الذي امتص بقايا نفسي . حصار ! حصار في كل مكان هناك خلف النافذة هنا خلف قلبي ! في الصالة في السماء اختناق حقيقي هل يتعين عليّ التفكير فعلاً في هؤلاء وإيجاد خطة مناسبة تنقذهم من هذه الحيرة . برغم كل شئ تفكيري راحل إلى الجانب الآخر حيث المدن تتشابه بأسوارها وبواباتها كلها مغلفة بالسماء نفسها التي تمطر أسماكاً طائرة في الأعياد لتعيل من لا يقوي على شراء ديك رومي يكشف عن عُريّهِ بفخر في ليلة عيد مبكر. ولكن سماء هذه المدينة لا تشبه أي سماء رايتها من قبل . هنا يمكنك أن ترى كل شئ عبرها أشياء بيض تطير تعلو تسافر تعقد اجتماعات لا نسمع أصواتاً فنحن نراها فقط تدخل الشقوق في أجسادها تمتلك سجلات خاصة تشبه ميكرويفات التجسس الدولي . الوحدة خرافة اخترعها العميان لتبرير موقفهم من النور . أظنني خرجت من الحلبة لا بأس كل ما هو خارج الحلبة خارج عن اللعب أيضاً لكنني اكتشفت أن خروجي لم يكن إلا لاحتساء بعض الحكمة المتعفنة والعودة ثانية كي أخرج لساني . لم يبق لي من المسام ما أتعرق به . جلدي مشحون بطبقات سميكة من ألم مزيت . أنا ومعي مسكين أحمق خارج هذه النافذة نعلم بكل شئ . أحلامه تشبه أحلامي مع فارق بسيط . أحلامي خطوط مجعدة لا أعرف إلى أي اتجاه تفضي ، وأحلامه ذات خط مستقيم يشير بسهمه الإلهي نحو وصول مستحيل إلى رغيف مضمخ بعرق امرأة .أراها هنا كما رأيتها دوماً . آلهة الرقص . ولكني ما زالت مصراً على امتلاكي رقبة واحدة أرغب المقامرة بها . لكنهم حذروني بوجوب الوقوع على حل لهذه المعضلة مع انتهاء وقت الهدنة . خلق الكلمة مثل الولادة . لذلك لا أريد لكلماتي أن تجهض قبل نموها ولكن الخوف دائماً هو في غياب ( الكلوروفورم ) أو العصير مانع عسر الولادة الذي يهدد مستقبل كلماتي بالعوق . مكسورة الألف ومفتوحة العين حد الموت هكذا أفقد رتبتي التي لم يسألني عنها أحد.
الساعة الرملية تلفظ عباراتها الأخيرة تسخر لتسمري أمامها ومراقبة رمالها الذهبية إذ تعبر من عنق الزجاجة مثل شهقة ! كم بي حاجة لشرب شاي يغلي في جوفي مثل الأفكار . أظن أن الوقت يمر وأنا مازلت هنا أحمل هموم بائس يقبع خارج النافذة . ولكن من الذي يستحق المنصب بجدارة . الحاضرين جميعاً تنقصهم أشياء كثيرة ، بل إنهم لا يمتلكون غير شئ واحد يميزهم عن بعضهم البعض وحتى لو إني وضعتهم في شخص واحد فباعتقادي لن أكون سوى نصف رجل ونصف امرأة وعندها أيضاً لن يكتمل النصاب . ماذا عني إذن ؟ هل أنا أهل لتحمل مسؤولية مستقبل كوكب مثل كوكبنا هذا وترسم حدود لحيوات ساكنيه ! أنا لم أستطيع إرضاء أمي ولو ليوم واحد في الأقل . قامت تاركة وراءها إبناً يحجز له مقعداً في محكمة العقوق الشرعية الهادفة دائماً لتقويم البناء الضالين .
مع انتحار آخر ذرة من رمال الساعة المقدسة انفتح الباب على مصراعيه لأكون أمام شخصين غريبين لم يكونا نم ضمن الحضور . استدعياني إلى حيث تعقد الجلسة امتحانا سأخوضه وأتوقع فشلي مع أول كلمة أنطقها . كلما حاولت بيع الأشياء التي تخصني ، حصلت على أسعار أدنى من ضالتي غير إني وجدت شيئاً واحداً يمتلك قيمة في سوق متفردة : شرفي ! حتى لو أقفلت الحانات فلابد من وجود مواخير خفية تشتري خلاصة رحيقي . اليوم وغداً أكون شاكراً لوجود صباح جديد دائماً بعد ليل موحش ومهما تلغزت على الجدران العلامات والعبارات المحفورة ، فلابد إنهم دونوا المعلومات الخاطئة إذ لا يصح مطلقاً أن يتزوج قائد كبير ثري وبقامة تنيف على المترين من امرأة تقف أسفله في وجوم بينما يحنط هو في تابوت ضخم ويعيرها مهد ابنه الذي لم يولد لتشغله طوال قرون تحت ضوء شمعة انطفأت مع شهقة الروح الأولى تاركاً أخدود مظلماً على جدار المعبد . أنا الذي رأيتهم ورأيت كل شئ كنت أول الفاتحين لأبواب دفنت تحت أقدامنا ولم تفتح إلا لاستفاضة توابيت جديدة وبأحجام متنوعة . هناك حيث أقطع المرمر وأصقل نفسي وأنزف طوال اليوم نزيف حياء أمام تقطيعي لأواصل التاريخ كي أقبض مع نهاية النهار أجر عملي البطولي وألوذ بالفرار من أذرع تعانقني عنوة غير مدركة إنها تريد قتلي إلا بعد حين !
الرفض .. الرفض هو إحساس الدائم للخروج من هذه الغرفة ومواجهة الحقيقة . ماذا تعني هذه الكلمة في قاموس السياسيين والعسكريين ؟ على ضفاف نهر تقليدي لا أرى منه شيئاً غير رائحة تنفذ من فتحات جسدي ، تعلمت كيف أخطط عندما أمارس لعبة معينة .وهذه القذارة ما هي إلا لعبة ورق . هل من مبرر لخوفي من العبث بالأموات ومعهم إن كنت أنا لاحقاً بهم .
"منتمي" ، "لا منتمي" مصطلحات رياضية درستها وحفظتها ولم افهم شيئاً منها ، الآن أفهم وأنا أغادر هذه الغرفة التي تأملتني بعمق وعكست فضيحة نفسي على الملأ وغادرت جميع الموانئ التي حطت رحالها في آخر قطار من قطارات تنفسي اللاهث وراء الخلاص . أكاد أشم خلو الأخرى من القضية ، فلم تعد الأصابع الطرية تعبث هذه المرة بنمري الهادئ أسترخي لفكرة وجودها خارج مداراتي مع إدراكي العميق بأنها تنتظرني دائماً وفي يدها طبق فارغ . الطريق طويل من هنا إلى قاعة الاجتماع طويل بأسرارها التي يخفيها .. من هذا الطريق أمر بكل شئ مدبب المفعول : آلهة حلجها الزمن ترمقني بنظرة شفقة يمضي نحو المجهول وجماجم تحملها (فكوك) كلاب مسعودة حاضت في ليلة هوجاء بقدوم شماليين معبقين بالبارود : هنا تستغيث جماجم الملوك ، وسط المدينة المزدحمة بسلاحف مدججة بإطارات ذات منا شئ عالمية . هذا الطريق يذكرني بمتاهات كثيرة صادفتها في حياتي التي أدرك الآن إني أجهل عنها الكثير . الآلهة لا تخطئ ولا تقع في فخاخ الشيطان وهنا حيث ينتظرني الكرسي الكهربائي يريدونني إلهاً : لا أخطئ ولا أعاني من الآم الانتصاب مثل –ايا- فصل كامل عن الرؤيا القلبية ينطوي أمام هذا الجمع وأمام الورق الأبيض المقلوبة .الأمور تستعجل نفسها ونكتشف أننا أغفلنا الكثير من المهام قبل الهدنة كان علينا أولا إخلاء القاعة من الروائح النكرة كي لا تعبث بترتيب الأوراق المرصوصة فوق الطاولة سداسية الشكل . رأس سالومي صار صنواً لرأس تشيلي ، ورجل الظلال عانق النبيلة باحتراق أعضائه ورؤوس الحاضرين صارت مماثلة لتلك الرؤوس المعلقة بين فكوك كلاب المتحف . وحدي أبكي على لعبة اخترعها ولا أجد مخرجاً منها في كل مرة أعبث بالتاريخ ، أكتشف أني من نفس البوابة ، أعني البوابة التي أطمعتني الكون إعصاراً ولحظة ولادة ، لأستفيق على مخاض بلون رائحة الاختلاط والتي يلقنون أصولها في مدارس عليا خاصة . رجولتي المالحة تحضر في أوقات غير أوقاتها بينما لحمي يذوي فوق الكرسي وأسيل فجوة بيضة يسوي الفوضى التي أمامي . أنا رأيتهم ينكرون ذاتهم ، ومهما كانت أشكالها فللآلهة ( أردية ) تخفي تحتها حزناً جوفياً ولي ردائي أخفي تحته طفلاً عجوزاً يبكي كلما حان موعد الصلاة أمام المعابد المعمورة بماء زلال ، تركت العظام تتهشم نحو الأفضل والأوراق تطير واحدة مع كل إطلاقة تطلق . هناك في الممر حيث التاريخ ينتظر عملية تجميل . تنهار المصاطب وتقوم قيامة الآلهة ويترك الثور المجنح فراغاً على الجدار بحجم الأرض ويختفي نابليون من كتاب التاريخ ويتبعوني وهم عراة .. ولا يسألني أحد عن رتبتي …



#منال_الشيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استمكانات غيمة عوراء
- انتهاك غيث الفردوس
- ثلاثية الاختلاس
- حتما نحن لا نشبه احد .. ولا يشبهنا احد
- انخساف ذاكرة رملية
- النشأة الثانية
- فرار من حرير
- سواقي الرسن
- قراءة شعرية في من يسكب الهواء في رئة القمر
- ورقة من هواجس جمانة الانطاكية
- قصاصة وقاصة على طبق انسحاب


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال الشيخ - انحراف التوابيت