أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امريم الصغير - بين مد الحب وجزر الحرب في رواية -ماذا لو أطعمتك قلبي- لإيمان زياد















المزيد.....

بين مد الحب وجزر الحرب في رواية -ماذا لو أطعمتك قلبي- لإيمان زياد


امريم الصغير

الحوار المتمدن-العدد: 6517 - 2020 / 3 / 18 - 23:48
المحور: الادب والفن
    


إن الحديث عن لغة الكتابة عند إيمان زياد مبحث جدير بالوقوف عنده والتأمل في تفاصيله، خاصة في ظل خوضها معركة يومية للتعبير عن الذات وما يحيط بها من قضايا مصيرية على رأسها القضية الفلسطينية، من هذا المنطلق كتبت إيمان زياد وعبرت وحاولت تكسير جدار الصمت المطبق على الأفواه في محاولة منها تحريك المشاعر ونقش الأثر العميق الذي لا يمحي عبر استدعاء المكبوت والمخفي والتعبير عن آلام وآمال المرأة العربية عموما والفلسطينية على وجه الخصوص، مانحة لنفسها أبعادا تحررية من القهر الوجودي الذي تمارسه ضدها الثقافة من خلال تعبيرها عن تأوهات الجسد ورغباته الدفينة، وكذا من خلال إثارتها لتيمة الحرب والحديث عن الجنون الذي يعصف ببلد فلسطين وما تشهده من دمار وتخريب وإبادة لشعبها.
"راهنت بروحي تحت قبتي الحب والحرب وخرجت سالمة، تلك التي دلقت صمودها وخوفها على الورق هنا، تتعلق الآن بظل أصابعكم..."، هكذا افتتحت إيمان زياد كتابها " ماذا لو أطعمتك قلبي" الصادر عن دار ريم للطباعة والنشر، جمهورية مصر العربية.
فالمتأمل في المتن الشعري الزيادي يلاحظ دون جهد هيمنة ثنائية "الحب " و "الحرب" على قصائد وهواجس الكاتبة / الشاعرة، هذه الثنائية التي فرضت نفسها في وقت لم تعد فيه الكتابة في زمن المآسي والنكبات والتحديات المصيرية، ترفا فكريا بقدر ما هي تمرد على الواقع وانتفاضة في وجه الظلم والقهر وثورة في وجه الاستبداد وصرخة توق إلى الانعتاق. فمنذ البدء تعلن الكاتبة من خلال تساؤلها في مقطع (هل أدركت) عن علاقتها بالآخر / الرجل وبحثها الذؤوب عن الحب والترقب والتعلق فتقول:
قلبي يتدلى من معصمك
مسبحة أو تعويذة
تحمينا من لوثة الشوق
هل أدركت (ص 8)
فالحب يرادف الحق في الحياة والاستمرارية والتعلق بالآخر باعتباره عاطفة إنسانية تفعم القلب إحساسا يسري ليجدد الحياة في عتمات القلب الحزين ويعيد الدفء بعد جموده المخيف. لذلك تؤكد إيمان زياد في مقطع (تعلق) ارتباطها بالرجل وتوحدها معه، مشبهة نفسها بطفلة مصابة بالفقد لا يتحقق وجودها إلا بوجود الرجل، معتبرة إياه شاطئ النجاة الذي يأويها من عتمة الحياة البئيسة.
وتبرع الشاعرة في تصوير خبايا وأسرار وإيمادات الجسد ولغته وشهواته، في محاولة منها للانفلات من ضغوط الواقع موظفة ألفاظا ذات إيحاءات جنسية:
أيلتحم اندهاشك في دمي
كرعشة حجر في رحى البرق
أو وجه صاغ تأوه الندى
حتى تسربت إلى جفني كالمحال
كيف تنشغل بافتراس شفوي
المكبل حتى قصفة
وتستوقفنا مجموعة من المقاطع التي تتضمن ألفاظا دالة على الرغبة الامتناهية في التعبير عن الحب والعشق من قبيل: قبلة – عناق – شغف – غريزة – شهوة - ....
تقول الكاتبة:
وأنا أتعبد كراهية ضلوعك المشتهاة
وأرخي لك
شقوق الوقت
تتدفق منها نيراني
لست مبهمة..ولست أحجية..
إنما حطني الورد تويج اكتمالك
ومسد جسدي بساطا حريرا
توفده دمك
رممني قبلة ..لا بعدها
لنبدأ مراسم الخشوع
بالصلاة (ص12)
ذلك أن الجسد هو بيت الكائن والدليل الأقوى على الكينونة، لذلك نجد الكاتبة/ الشاعرة تحتفي به في أكثر من مقطع في محاولة منها تبجيل الجسد الفردي المتحرر من الروابط بحيث يغدو التعبير عن طاقاته ورغباته الجنسية كشرط من شروط تكسير الكتابة النسائية لحاجز الطابوهات التي ظلت تكتم أنفاسها وتعرقل حريتها.
وتعود الكاتبة لتتساءل عن ماهية الحب في مقطع "كيف يكون الحب" ذلك الشعور بالانجذاب إلى الآخر وتلك الكيمياء المتبادلة والاحساس بالرغبة في الاخلاص الدائم والثبات تجاه مختلف الأمور... لتجد الجواب عن كينونته في التحامها بالآخر على إيقاع نوتات موسيقية.
من هنا يحتل التعبير عن الشوق وانتظار الحبيب والتعلق به مكانة هامة في العديد من مقاطع الكتاب فهي تصور عشقها الجامح في مقطع "خصر الدفلى" قائلة " ستعانقني حتى الوريد" وفي مقطع "خراب" تصور لهفة اللقاء قائلة "أشهق عائدة إليك" مستسلمة أمام حرارة العشق، معترفة بأن طرفها الآخر هو " الملاذ والمنتهى".
بل وترتقي الشاعرة بالحب إلى أسمى المراتب وتضفى عليه لونا أزرق عنوانا للهدوء والسلام والصفاء الروحي في مقطع "حب أزرق" وترتقي به إلى درجة التصوف والطهر من كل المظاهر المادية والدنيوية في مقطع "صلصال" حيث الالتحام بالملكوت الطاهر، موظفة ألفاظا صوفية تقول:
مدد يا سيد الكون مدد
وأنا أشهد تصوفك الموسمي
ويبلغ التعبير عن الحب عند الكاتبة مبلغه في مقطع " ماذا لو أطعمتك قلبي" الذي تعمدت أن يتوسط كتابها، لتؤكد من خلال إصرارها على الاستجابة لهذه التجربة الوجودية العميقة في محاولة منها الخروج من وحدتها القاسية الباردة نحو حرارة الحياة المشتركة الدافئة نحو التحامها بالآخر إلى حد الذوبان والتفاني والانصهار، تقول:
رماني بثغره المجنون
كأنه نصل
هكذا احتفت الكاتبة بالحب معتبرة إياه مجموعة من المشاعر الايجابية والحالات العاطفية والعقلية المعبرة عن الفضائل الإنسانية. وأمام تمسك الكاتبة بحرارة الحب وحميميته تصطدم بجبروت الحرب وقسوتها، فعلى غرار الكاتب (ارنيست همنجواي) في روايته " في الحب والحرب" والروائي الفلسطيني إلياس خوري في روايته " باب الشمس ملحمة الحب والحرب والمقاومة" وغيرها من الأعمال الروائية التي جمعت بين ثنائيتي الحب والحرب والمقاومة، عمدت الكاتبة في كتابها إلى الجمع بين هذه الثنائية لتبرز تمسكها بكل الأساليب والأسلحة لكسب رهان الحب الذي يبني معالم الجمال في الحياة، في وقت يسعى صناع الحرب إلى استخدام كل أنواع الأسلحة لنسف المشاعر النبيلة، فمنذ الوهلة الأولى تصادفنا إشارات الكاتبة إلى الموت ومآسي البلاد ومعاناة العباد:
" كم مرة يعتذر للموت هذا الرصاص...
أنا والرصاص.. أموت مرتين لتظل أحلام ريتا
حتى القيامة مؤجلة (ص 15)
وتغور الكاتبة في أعماق الجرح الغائر لتصور هول المأساة ومعاناة سكان الأراضي المغتصبة في ظل الاحتلال الغاشم، موظفة الرمز تارة والخطاب الصريح المباشر تارة أخرى، تقول في مقطع "على مقاس صوتي":
همد الطير في طبق الولاة
ومذمر المشيعون على قلبي
يحملون جثة مجهولة
حائرة.. ( ص 17)
وتقول في مقطع "رجاء":
والخطى تنسج الأكفان
على صليب من بقايانا
يا إلهي...
هب ذرية البؤس
بعض الحياة
وهبني..
بأنيني الشفرات أشفي أحلام البلاد. (ص 26)
ولا يقتصر التعبير عن محنة الاستيطان الصهيوني على المقطعين فقط بل عبرت عنه الكاتبة في أغلب مقاطع كتابها مصورة العدو وما خلفه من خراب ودمار وقتل للنفوس مشيرة إلى ذلك بإشارات عديدة من قبيل (سفك الدماء – ألسنة النار – كأس الموت – الجثث – الدم – الخراب – الردم ...)، علاوة على الألفاظ ذات الصلة بالحرب والدمار مثل ( الثكنة العسكرية – مدفع القصف – الشهداء – أجساد مشوهة – المغتصبون – الزنازن – أكواعهم المبتورة – أصفاد الموت – قديفة...) لتؤكد أن الحرب تفقد الحياة قداستها وتدل على سفالة الأجهزة السياسية.
وتواصل الكاتبة تعريتها للواقع من خلال الحديث عن تيمة الحرب/ المأساة الدائمة التي تبعث على الشقاء الانساني تقول في مقطع " محاصر ببحة":
الطرقات تنهشها حوافر العسكر
وتسحق البيلسان
البيلسان الذي،
من ثوب مطرز على بوابة الجنة،(ص 81)
وتحكي في مقطع " ليتني ساحرة" عن أطماع الطامعين في البلاد وانتهاكات الصهاينة بحق الفلسطينيين تقول:
ليتني ساحرة من القرون الوسطى
أتوسط الطغاة
وهم
يتحققون من نبض البلاد
فاغمز بومة على كتفي
لتنبش رؤوسهم الخائنة
ليتني أأمر عصاي
بربط مشانق حمراء
على حرف السماوات
مشانق من ثياب شجها المغتصبون
وباعناق اولئك الخونة
تتلوث (ص 58)
وأمام هذا الواقع المرير المتخن بالهزائم والانتهاكات الجسيمة لم تتواني إيمان زياد في السعي إلى شحد الهمم والدعوة إلى استرداد الحقوق المنتهكة وطرد المحتل بالأفعال والأقوال والدفاع عن الأرض والعرض تقول في مقطع " كفاه الموت":
أيها المغروسون
كالشوك في نعاس الليل
انهضوا من الردى
لقنونا درسا كيف نحيا
فلا شيء يضنينا
في زمن عضال
...
مشروخة أنا كبلادي
والنار يهجوها الحطب
كفانا سباتا يلتف العنق
وكفاه الموت
يحتال على الأنام (ص 89)
متوعدة المحتل الغاشم بالمواجهة والمقاومة والتحدي بعدما أيقنت أن من حاز الحق وامتلك القوة والإيمان عرف طريق النصر، رغم سياسة الترهيب والوعيد التي تمارسها الأجهزة الأمنية الصهيونية، تقول في مقطع "أتؤلم الجثة نار تستعر !!:
ويل لضمائر تستتر بأجسادنا (ص 97)
آملة أن يتحقق حلم التحرر والانعتاق معبرة عن ذلك في مقطع "حين تحب تلقاك أنت":
والموال الذي خانك يوما
سيعانقك كابن ضال
عاد الآن
ونفخ في صرته
ليطير ركام قبل واعتذارات
ويسطف النرجس بمواجهة عينيك
وتنهض على قدميها
عوسجة ساخنة
وتفتح روحها لصداك،
والسماوات التي بدت بعيدة
ستقترب لتضلك بالسكينة ترتيلا (ص 108)
وأمام ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من سلب واضطهاد وتدمير فرصته لحياة كريمة، لم تتوانى الشاعرة / الكاتبة في التعريف بقضيتها وما يعانيه أبناء شعبها من كل أشكال الظلم والقهر والحرمان، الذي لم ينل من عزائم جميع الفلسطينيين الذين نجحوا في اختراق جدار الإسمنت والحديد العالية ليعانقوا نهج التحرر في كل شبر من العالم، مقدمين قرابين لهذه الأرض، شهداء حفروا بدمائهم الطاهرة طريقا إلى الحرية...



#امريم_الصغير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بنية الخطاب السردي وجمالية اللغة في رواية -عندما يبكي الرجال ...


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امريم الصغير - بين مد الحب وجزر الحرب في رواية -ماذا لو أطعمتك قلبي- لإيمان زياد