أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس مهدي زوين - مدام بوفاري بين الخيبة والخيانة … غوستاف فلوبير














المزيد.....

مدام بوفاري بين الخيبة والخيانة … غوستاف فلوبير


فراس مهدي زوين

الحوار المتمدن-العدد: 6517 - 2020 / 3 / 18 - 02:19
المحور: الادب والفن
    


ان البناء الدرامي والكشف عن خفايا السلوك الإنساني والمضمون العالي الذي طرحه غوستاف فلوبير ليست هي الميزة الوحيدة التي تتصف بها الرواية، فأن الأسلوب الرائع الذي سطر به فلوبير صفحاته وشاعرية كلماته المتناغمة والمسترسلة بنسق موسيقي لايخدش القارئ او المستمع والتي وصف بها ادق المشاعر الإنسانية والاندفاع وراء ألاحلام الى اقصى حدود الوهم حيث ينتهي المطاف بالارتواء من شراب الخيانة الذي لا يدفع الا الى الهاوية .

ان مدام بوفاري هي رواية تتكلم عن خيبة الامل بقدر ما تتكلم عن الخيانة ، وتتكلم عن الحقيقة بقدر ما تتكلم عن الخداع، فهي تروي لنا خيبات إيما وفشلها في تقبل لون الواقع الداكن وتعلقها بالوان الوهم الزاهية والزائفة، تلك الألوان التي كانت تحسها وتعيشها مع شخوص القصص الغرامية وروايات العشق التي طالما قرأتها وحلمت بها كأنها احدى بطلات القصص او عشيقات الملوك والامراء من كتب التاريخ الذي حفظته ، وبقناعة تامة ان مغامرة واحدة تخرجها عن المألوف قد تؤدي الى سلسلة من الاحداث التي تغير اطار حياتها الممل والرتيب حيث كان المستقبل يمتد امامها كسرداب مظلم ينتهي الى باب محكم الاغلاق، فتتعرف في تلك الفترة بالدكتور شارل بوفاري الذي يشتعل في قلبه الشعور بالأعجاب بها وان كان هذا شعوراً صامتاً لا تفضحه سوى نظرات العيون وارتجاف الايدي عندما يكونان معاً، وهو ما ملئ قلبها ورسم في ذهنها صورة رأت انها مطابقة لما قرأته وتخيلته من قصص العشق ولوعة الشوق واهات الفراق فلم يمنعهما سوى انه رجلٌ متزوج، "ولم تسائل نفسها قط عما اذا كانت تحبه فعلاً، فهي تعتقد ان الحب يفد فجأة مصحوباً برعد وبرق، كما لو ان عاصفة تنقض من السماء على الأرض، فتقلب كيانها، وتنتزع الارادات انتزاعها لأوراق الشجر" فيأتي الموت بما يحمله من مفاجئات وما يغير من واقع يجعل من شارل ارملاً بعد وفاة زوجته الأولى فيكون بذلك طريقه الى إيما مفتوحاً ولا يبعده عنها سوى التقدم لخطبتها من ابيها الذي لا يرى زوجاً لابنته الوحيدة افضل منه للتحول إيما الى مدام بوفاري .

يسترسل الكاتب الفرنسي فلوبير في وصفه حياة إيما وما رافق ذلك من روتين الحياة ورتابة الواقع الذي دائماً ما يكون كفيلاً بسكب مياه الحقيقة الباردة على نار الرومانسية ولهيب احلامها، فيصبغ المشاعر بصبغة الواقع، ولكن في حالة مدام بوفاري فالأمر مختلف فان ايما تبقى تكتوي كل يوم بهذه النار التي تحرقها من الداخل وتحيل حياتها الى جحيماً من العاطفة المستعرة التي تبحث عن أي نسمة عشقٍ او هوى ترتوي بها نفسها وتعيش من خلالها مغامرات الحب الذي طالما حلمت به وظنت انها وجدته في شارل الذي يثبت لها كل يوم انه نموذجا للرجل الرتيب " فقد أصبحت أوقات انطلاقه وتحلله منتظمة، وهو يقبلها في مواعيد معينة وكأنما يمارس عادة من العادات، او كانه يتناول حلوى مرتقبة بعد عشاء ممل، واغاظها انه لم يبدي أي انتباه الى عذابها، وبدا لها اعتقاده بأنه حقق لها كل سعادة إهانة وقحة، واطمئنانه الى هذا الاعتقاد جحوداً، فكان كل مجهود للتخفيف من هذه الأحقاد انما يضاعفها، وكان تلطفه معها يزيدها تمرداً، وضِعة حياتها المنزلية تدفعها الى أحلام ملؤها البذخ، وكانت الملاطفات الزوجية تسلمها الى شهوات داعرة، ولكم ودت لو ان شارل ضربها حتى تجد مبرراً لان تكرهه، وتعمل على الانتقام لنفسها منه، ومع كل ذلك لم يكن هناك بد من ان تستمر في الابتسام، وان تسمع الادعاء انها سعيدة يردد مسامعها كل الأوقات، وان تتظاهر بالسعادة، وتدع سواها يعتقد انها سعيدة" .

ان رغبة إيما الملحة في ركوب سفن الهوى وولوج درب العشق حتى وان كان ممنوعاً او محرماً يجعل منها فريسة سهلة لمدعي الهوى وتجار المشاعر الذين خبروا حياكة الشباك التي يصطادون بها فريستهم من النساء فتتحول إيما من تلك الفتاة الرومانسية الحالمة الهادئة الى امرأة مسرفة ومثارة تقودها رغبتها الجامحة وترى في الخيانة ضالتها وفي الاقتراض والبذخ استقرار نفسها لتكشف لنا عن وجه ثاني يخالف ويعاكس كل الصور الناصعة والبريئة التي ترتسم على محياها وعرفها الناس بها، فتنشر لعنتها على من حولها وتغرق سفينة حياتها مع شارل وابنتها الوحيدة في مستنقع العار والشقاء بعد ان صودر كل ما تملكه الاسرة لسداد الديون التي انفقتها إيما في سبيل شهواتها ونزواتها.

لاشك ان غوستاف فلوبير قد برع في كشف النقاب عن خفايا ودواخل قد تكون مخفية في أعماق العديد من يعيشون التناقض بين ما طبع في اعماقهم من تصورات وبين الواقع الحقيقي، بل انه قد ذهب لأبعد ما يمكن من خلال وصفه ما يبلغه الانسان في اندفاعه وهو يحاول ان يعيش بعيد عن العقل والمنطق والاصطدام بجدار الواقع الصلب من خلال إيما فبدلاً من ان تستفيق من أحلامها وخيالاتها وحتى مجونها وتعود الى الواقع الذي يجب عليها ان يدركه ويتقبله كل شخص ولكنها بالعكس من ذلك تحطمت كلياً وقبلت العيش بمستنقع الخيانة وهي لا تراه الا حديقة زهور روته بمياه الغواية والعشق المحرم، ولبست انقى ثياب العفة على جسدٍ انهكه واقعها المأثوم ولحمها المباح.



#فراس_مهدي_زوين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازمة السكن ،، إخفاقات حكومية وحلول فردية
- الريع ،،، اموال سهلة وخيارات صعبة
- القطاع الخاص بين الإهمال والمشاركة
- عجز الموازنة... بين المشكلة والحل
- النفط وتذبذباته
- الاثار الاقتصادية لأسعار النفط
- موازنة 2019 بين الريعية والابتعاد عن النمطية
- ماذا فعلتم بهذه الامة
- أسعار الطماطم .. مجاملات سياسية وتبعية اقتصادية
- مفاتيح التنمية والبناء
- المنافذ الحدودية النفط البديل
- اتجاهات الانفاق العام في دولة رصد التخصيصات
- عادل عبد المهدي ... بين ثوابت الاقتصاد ومتغيرات السياسة
- التظاهرات الشعبية بين الخطط الانية والحلول الجذرية
- السياحة في العراق اهمال البدائل المتاحة
- التنوع الاقتصادي وضرورة البدائل
- البيئة الاستثمارية بين الواقع والطموح
- ماء البصرة بين الترقيع والحل
- البطالة في العراق ... بين مطالب المتظاهرين والحلول الآنية
- ازمة المياه في العراق بين تجزئة الواقع والنظرة الشاملة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس مهدي زوين - مدام بوفاري بين الخيبة والخيانة … غوستاف فلوبير