أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - زكرياء مزواري - فيروس كورونا في مواجهة الإنسان السائل














المزيد.....

فيروس كورونا في مواجهة الإنسان السائل


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 6516 - 2020 / 3 / 17 - 04:14
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


الإنسان السائل هو الإنسان الذي بشرّت به فلسفة ما بعد الحداثة، كفلسفة فكّكت الميتافيزيقا، وأعلنت نهاية الإنسان المركّب من مادةٍ وفكرٍ. هذه الرؤية المابعد حداثية شكّلت البنية الفكرية التحتية للمجتمعات الاستهلاكية، فصار الإنسان فيها واحدي البُعد، لا يكاد يتجاوز جسده وحواسّه الخمس.
إنّ الترشيد النيوليبرالي المجرّد من القيمة للمجتمعات الاستهلاكية، جعل الإنسان فيها مُسلّعاً ومُشيّئاً، حيث لا يرتبط وجوده إلا بالاستهلاك ومطاردة آخر ما ينتجه السّوق، حتّى صار ديدنه: "أنا أستهلك، إذن، أنا موجود".
هذا التحريض على الاستهلاك ما كان له أن ينجح لولا قوة الصورة التي تديرها بمهارة فائقة الآلة الإعلامية، كآلة نجحت في اختراق وعي الإنسان، وأعادت تشكيل رؤاه لذاته وللعالم وفق مقاسات السّوق، وقوانين العرض والطلب. هذا الغزو الإمبريالي الكاسح لسيكولوجية الإنسان، جعل منه كائناً عارياً مُفرغاً من الداخل من أي قيمة تجعله يقاوم درجة التنميط والتدجين والتسطيح التي تصيّره في نهاية المطاف إلى مجرد مادة وظيفية- استعمالية.
لقد أبانت المجتمعات الاستهلاكية عن مدى خواء فردها من أيّ حاسّةٍ نقديةٍ، ومن أيّ مضمونٍ إنسانيٍّ مُركّبٍ، كما جلّت درجة تمركز الفرد حول جسده، غير الآبِهِ بعُرى الرّوابط الاجتماعية الإنسانية.
صار سلوك هذا الإنسان العاري مُتوقعاً، وبالتّبع، قابِلاً للتوجيه والبرمجة؛ فكلّ شيءٍ بات مكشوفاً (عادات، رغبات، ميولات، أذواق، توجهات، آراء،...)، ومن ثم سَهُل التّحكم فيه عن بُعد.
هذا الترشيد المحكم، كان لوقت معين، صادقاً على المجتمعات الغربية باعتبارها مجتمعات صناعية ورأسمالية، لكن اليوم بات مشهداً صفيقاً بفعل العولمة وآليات اشتغالها. لنأخذ مثلا وباء كرورنا، كوباءٍ عابرٍ للقارات، والذي صار اليوم حديث العالم. كشف هذا الوباء، درجات متباينة من أشكال احتراز الدول والشعوب منه، ومستويات من الوعي به، وليس في هذا مدعى للقلق، ولا غرضاً من نحت هذا النص، بقدر تسليط الضوء على موجة الهلع والارتماء في التبضّع.
ليكن مدار حديثنا المجتمع المغربي بحكم انتمائي له، إذ أفرز هذا الأخير أشكالاً متنوعةً من التمثّل لهذا الوباء، لكن مع أحادية على مستوى الممارسة والفعل. فرغم طمأنة الدولة لأفراد هذا المجتمع، وعن وجود ما يكفي من المؤونة لسد احتياجات السوق، إلا أن اللّهفة في الارتماء على التبضّع، وادخار أكبر قدر من المنتوجات الغذائية تحسّباً لمدة مكوث الجائحة، ينمّ عن تغيّر في وعي الفرد وتصوره للعالم. صحيحٌ أن المغرب عرف تاريخه ظواهر كثيرة من أوبئة ومجاعات، وصائبٌ أنه طوّر أدوات ذاتية لمواجهة الجوائح، لكن مع تسجيل اختلاف واضح بين الأمس واليوم، سواء من حيث الدرجة أو النّوع.
بلور المجتمع المغربي التقليدي القديم آليات متعددة في وجه غضب الطبيعة، فتجد على المستوى الفردي لجوء العائلات إلى ادخار المستلزمات الأساسية التي تضمن البقاء على قيد الحياة، فكانت "المطامير" و"المخازن" آيات شاهدة على مواجهة نوائب الدهر( "دواير زمان") من جهة، ثم رافق هذا السلوك أشكال أخرى من التضامن الجمعي عبر مجموعة من الطقوس التي كانت تكرس في نهاية المطاف الوعي الجمعي، وتقوي الرابط الاجتماعي.
هذه الروابط الاجتماعية التي كانت تمنح معنى الانتماء للجماعة وذوبان الفرد فيها، باتت مهلهلةً اليوم وباهتةً إلى أقصى النّخاع؛ الفرد عندنا أضحى مُستبطناً للمنظومة الاقتصادية الرأسمالية المتوحشة، والقائمة على إيديولوجية الاستهلاك. فلم يعد وجدانه يتسع لأكثر من ذاته(=جسده) ومحيطه المحدود، وكل حديث عن أبناء جلدته من الطبقة المعدومة (مياوم/ طالب معاشو) خارج من دائرة اهتمامه.
لقد بات واقعنا، للأسف، واقعاً داروينياً شرساً بامتيازٍ، لا بقاء فيه إلا للأقوى اقتصاديا، وبات الإنسان عندنا يستمد قيمته انطلاقا من رصيده البنكي، وصار في الأخير الاستهلاك هو: "بداية المتعة ونهاية التاريخ".




#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سِيرةُ دُكتورٍ خَدِيجٍ
- حُبٌ فِي زَمنِ التّفاهَةِ


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - زكرياء مزواري - فيروس كورونا في مواجهة الإنسان السائل