أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - محمد النعماني - العلمانية والدولة والدين والمجتمع















المزيد.....



العلمانية والدولة والدين والمجتمع


محمد النعماني
(Mohammed Al Nommany)


الحوار المتمدن-العدد: 1598 - 2006 / 7 / 1 - 00:06
المحور: ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
    


د فلاح اسماعيل حاجم يقول اشهد تأريخ التطوّر الدستوري للبشرية علاقة بالغة التشابك والتعقيد بين الدولة كونها كيانا سياسياً إجتماعي والمؤسسة الدينية وتعاليمها، التي اريد لها ان تكون سندا إيديولوجيا لماكنة الدولة ومسوغا غير قابل للجدل والنقاش لسيطرتها اللامحدودة. وهذا ما يفسر لجوء دوّل اوروبا الاقطاعية الى اعتماد قواعد الكتب السماوية لترويض رعاياها في الداخل وشرعنة الحكم الملكي المطلق وتنصيب الحاكم وكيلا للخالق مع كل ما يترتب على ذلك من تصرف مطلق باموال الناس وارواحهم، ذلك ان كل ما يصدر عن الحاكم ان هو الأ بارادة الهيّة مقدسة غير قابلة للمساس. ولا اعتقد أن هنالك ضرورة للتذكير بأن الرمز الديني كان حاضراً في جميع حروب الابادة منذ الحروب الصليبية وحتى الوقت الحاضر .

واذا كانت تعاليم الدين تؤلف مصدراً لسلطة الحاكم المطلقة في اوروبا الاقطاعية فانها (التعاليم) التي اصبحت ذريعة لتعطيل اي جهد لتدوين القواعد التي من شأنها تحديد تلك السلطة في الملكيات الشرق-اوسطية. حتى ان دساتير بعض منها، والتي صدر اغلبها بطريقة المنحة، ظهرت الى النور بعد مرور اكثر من قرنين على إقرار أول دستور عصري في العام 1787.

إن مراجعة متأنية لتأريخ الموروث الدستوري للبشرية سيبيّن بوضوح بأن علاقة الدين بالدولة كانت رفض كامل للدين من الدولة (تجربة الدولة السوفيتية واغلب دوّل المنظومة الاشتراكية السابقة) او انصهار احدهما بالآخر (جمهورية ايران الاسلامية). فيما تتوسط اغلبية الدول الاوربية والولايات المتحدة الامريكية طرفي هذه المعادلة. فمواقف الكثير من الدوّل الاوربية كانت بين ابداء المساعدة والدعم للمؤسسة الدينية او اتخاذ موقف محايد منها مع تأكيد مبدأ الفصل بين الدين والدولة. ان الدستور بوصفه النتاج الطبيعي للمساومات السياسية بين القوى الأساسية الفاعلة في المجتمع يقوم برسم الخطوط العامة لتنظيم العلاقة بين الدولة ممثلة بمؤسساتها (سلطاتها)، والأفراد الذين يمكن تصنيفهم على أساس وضعهم القانوني في الدولة المعنية، أي بالارتباط مع حجم الحقوق والواجبات الممنوحة لهم والمفروضة عليهم (مواطنون و أجانب و" بدون"). وعلى هذا الأساس يذهب علماء القانون الدستوري إلى تصنيف أطراف العلاقات القانونية السائدة في الدولة على مجموعتين، تضمُّ الأولى منها ذوي العلاقة المباشرة بتأليف جهاز الدولة وتفعيله، حيث يأتي في المقدمة من هذه المجموعة الشعب كونه المصدر الرئيس للسلطات إضافة إلى أجهزة الدولة، المنتخبة منها (التمثيلية) والمعينة (التنفيذية في اغلب الأحيان). فيما تحتل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني مكانة بالغة الأهمية بين أطراف المجموعة الأولى ذلك أنها (الأحزاب والمنظمات) تسهم بشكل مباشر في رسم السياسة الداخلية والخارجية للدولة من خلال الفرق واللجان البرلمانية التي تؤلف تلك الكيانات عمودها الفقري. ومع تأثيرها الكبير إلا أن تلك الكيانات لا يمكنها بأية حال أن تكون بديلا لأجهزة الدولة الممثلة فيها.

ذلك ان طبيعة جهاز الدولة ذاتها وتركيبته الداخلية وامتلاكه إمكانية إصدار قرارات ولوائح ملزمة للجميع و ذات قوّة قانونية يتطلب تنفيذها، في اغلب الاحيان، استخدام أسلوب الإكراه الذي تفتقر إليه الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، تلك المنظمات التي ما ان ينتهي مبدأ الطواعية لديها حتى تنتهي لأن تكون مدنيّة، ان كل ذلك سيؤدي الى ما يمكن ان نطلق عليه فوضى الصلاحيات التي ستفضي، كما تثبت تجربة الدولة السوفيتية، الى انهيار كل من الدولة واداتها السياسية. وتمتلك الاحزاب الدينية، او تلك التي تتخذ من الخطاب الديني برنامجاً لنشاطها السياسي خصوصية استثنائية في المنظومة السياسية للدولة ولا سيما في البلدان التي يؤلف الدين فيها احد المكوّنات الاساسية للوعي الاجتماعي. وتتأتى هذه الخصوصية من القراءات المختلفة للتعاليم الدينية ذاتها الى الدرجة التي تجعل من القواعد الدينية اقرب الى الايديولوجيا السياسية منه الى التعاليم الدينية المقدسة. وتبدو اشكالية العلاقة بين الديني والسياسي اكثر خطورة في البلدان متعددة الأديان والملل والنحل الدينية والمذهبية، ذلك أن بامكان أي منها الرجوع إلى الموروث الديني والمذهبي، و لاسيما إن ذلك الموروث يحمل من القدسيّة والحلول النهائية والمفروغ من صحتها ما يجعل أمر المساس به من الكبائر. عند الحديث عن إشكالية العلاقة بين الدين والدولة اجد ضرورياً الإشارة إلى أربعة محاور كانت وما تزال تكون موضوع جدل بين المشرعين الدستوريين والساسة على حد سواء. وتلك الموضوعات هي:

1- علمانية الدولة، 2- إلغاء إمكانية دعم المؤسسة الدينية من قبل الدولة، فضلا عن 3- مبدأ فصل المؤسسات الدينية عن الدولة مع إقرار مبدأ مساواة تلك المؤسسات أمام القانون، وأخيرا4- إعطاء الدين الصفة القانونية كونه دين الدولة الرسمي. على انه لابد من تأكيد أنه قد تبدو بعض المفاهيم الواردة مترادفة في الظاهر مثل مفهومي العلمانية ومبدأ فصل الدين عن الدولة، إلاَّ أن التعمق في دراسة وتحليل تلك المفاهيم سيكشف بأن مفهوم العلمانية أكثر شمولية من مبدأ الفصل، حتى انه يمكننا عدُّ فصل الدين عن الدولة وإلغاء دعم المؤسسة الدينية من قبل الدولة عنصرين لا يستقيم من دونهما مبدأ العلمانية ذاته. وفي جميع الأحوال فإن العلمانية لا تعني القطيعة الكاملة بين الدين والدولة ذلك ان مجالات كثيرة يمكنها ان تمثل نقاط التقاء وتعاوناً بين المؤسسة الدينية والدولة، وربما تبرز السياحة الدينية واحدةً من مجالات هذا التعاون في العراق تحديداً. لقد اختلفت الدساتير في تحديد العلاقة بين الدين والدولة، ففي الوقت الذي ذهب فيه بعضها إلى إغفال أية إشارة إلى الدين في القانون الأساسي للدولة ارتأى الآخر تأكيد على عدم دعم الدولة للمؤسسة الدينية . فالتعديل الأول على الدستور الأمريكي يحرم على برلمان الولايات المتحدة (الكونغرس) سن التشريعات التي من شأنها دعم المؤسسات الدينية او تلك التي تكرس ديناً رسميا للدولة. القاعدة ذاتها يمكن العثور عليها في المادة 116 من الدستور النمساوي لعام 1901. والمادة 16 من دستور بيلاروسيا لعام 1994. والمادة 11 من الدستور الاثيوبي لعام 1994 . والدستور النيجيري لعام 1995. والمادة 14 من دستور روسيا الفيدرالية لعام1993.

في الوقت ذاته فان عدد غير قليل من الدساتير ذهب إلى تأكيد علمانية الدولة من خلال تضمين مبدأ العلمانية في الفصول الخاصة بالأسس الدستورية للدولة عاداًّ هذا المبدأ من الثوابت الجامدة وغير القابلة للتعديل. فالمادة الأولى من الدستور الفرنسي لعام 1958 أعلنت فرنسا " جمهورية موحدة ، علمانية و ديمقراطية". و القاعدة ذاتها تضمنتها ديباجة الدستور الهندي لعام 1950. والمادة الثامنة من الدستور الانغولي. والمادة السابعة من دستور أذربيجان لعام 1995. والمادة الأولى من دستور كازاخستان. والمادة ذاتها من دستور جمهورية قرغيزيا. وديباجة دستور الكاميرون. والمادة الأولى من دستور جمهورية مدغشقر.

والفقرة الأولى من المادة الأولى من دستور جمهورية مالي. والفقرة الأولى من المادة 14 من دستور روسيا الفيدرالية. والمادة الأولى من دستور طاجكستان. ومثيلتها من دستور تركمانيا...الخ. وهنا أرى من المناسب الإشارة إلى أن الكثير من الدوّل المارة الذكر يؤلف المسلمون فيها أغلبية سكانية. وليس اقل مما ورد أعلاه الدوّل التي ذهبت دساتيرها إلى النص صراحة بفصل الدين عن الدولة. فالمادة العشرون من الدستور الياباني لعام 1947 تنص على أن أي من المؤسسات الدينية لا يمكنها الحصول على امتيازات من الدولة او الاستحواذ على السلطة السياسية فيها. فيما حرمت المادة ذاتها على أجهزة الدولة تنظيم الفعاليات ذات الطابع الديني أو الإسهام في الأنشطة التي تقيمها المؤسسات الدينية.

إن الحديث عن موضوعة فصل الدين عن الدولة والعلمانية يبدو مجتزءأًً ومنقوصاً دون الإشارة إلى واحدٍ من المبادئ الأساسية التي يكون توافره دعامة لا غنى عنها في البناء الدستوري للدولة العصرية، وهو مبدأ المساواة بين المؤسسات الدينية. حيث وجد مبدأ المساواة الدينية تجلياته في القواعد الدستورية للغالبية العظمى من البلدان. فالدستور الفرنسي، على سبيل المثال، ينص في مادته الأولى على " مساواة المواطنين كافة أمام القانون بغض النظر عن العرق والأصل والمعتقد الديني". ويمكن العثور على قواعد مشابهة في المادة الحادية والثلاثين من الدستور الكمبودي. والمادة الثانية عشرة من دستور استونيا. ومثيلتها في الدستور السلوفاكي. والمادة الثالثة من الدستور الإيطالي. والمادة الحادية عشرة من دستور الكونغو....الخ. وبذلك تكون المنظومة التشريعية لهذه الدوّل قد التزمت بواحد من أهم المبادئ التي جعلتها اللوائح القانونية الدولية معياراً لدرجة التزام الدوّل وحكوماتها بالدفاع عن حقوق الإنسان. وإذا كانت العلمانية تمثل الحل الأنسب لإشكالية العلاقة بين الدين والدولة، فانها (العلمانية) كونت مخرجاً مناسباً من إشكالية التنازع بين القاعدة الدينية (الشرعية) والقاعدة القانونية (الوضعية). ذلك أن عدّ القاعدة الشرعية مصدراً أساسيا (أو حتى احد مصادر) التشريع في المنظومة الحقوقية للدولة سيثير من الإشكالات أكثر مما سيقدمه من حلول ولا سيما في البلدان التي تتميّز بالتعددية الدينية والقومية والمذهبية والاثنية. إضافة إلى ذلك فان اعتماد القاعدة الشرعية في القانون الأساسي للدولة سيؤدي إلى تنازع القواعد القانونية ليس في الدستور وإنما في التشريع الفرعي (القوانين العادية) أيضا، وهذا ما يمكن تلمسه في دستور جمهورية إيران الإسلامية والذي أكدت الفقرة الرابعة عشرة من مادته الثالثة " ضمان الحقوق للجميع نساءً ورجالاً وإيجاد الضمانات القضائية العادلة لهم ومساواتهم أمام القانون". فيما ذهبت مادته الخامسة عشرة بعد المئة إلى إلغاء تلك المساواة باشتراطها لمن ينتخب لرئاسة الجمهورية ان يكون " من بين الرجال المتدينين....".

وهذا ما يمكن تلمسه أيضا في الكثير من القوانين المنظمة لعمل السلطة القضائية في اغلب بلدان المشرق العربي. إنني أرى إن واحدة من ضمانات نجاح التجربة الديمقراطية في بلادنا هو صياغة القواعد الدستورية بالشكل الذي يؤمن حقوق الأفراد الأساسية وحرياتهم الشخصية وبناء علاقات متكافئة بين الدولة وجميع الكيانات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وجعل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية من الحقوق الشخصية والعمل على تأمينها بالشكل الذي لا يؤثر سلباً في الحقوق الشخصية للآخرين، والسعي الجاد من اجل فصل الدين عن الدولة حمايةً لقدسية الدين من الدولة.

هل العلمانية مفهوم مضاد للشريعة الإسلامية؟ سؤال طرح للنقاش ضمن فعاليات مؤتمر الكنيسة الإنجيلية بهانوفر يوم الخميس 26 مايو/أيار الماضي. نقاط مثيرة ناقشها الحاضرون تركزت على موقف الإسلام والمسيحية من فصل الدين عن الدولة.

يعد موقف الإسلام من الدولة العلمانية بمعناها المتعارف عليه ـ فصل الدين عن الدولة ـ من أكثر المواضيع نقاشا وبحثا في الآونة الأخيرة سواء داخل أوروبا أو في الدول الإسلامية نفسها. ففي مؤتمر للكنيسة الإنجيلية عقد بهانوفر يوم الخميس 26 مايو/أيار الماضي تركز الحديث حول تناقض وتضاد الشريعة مع العلمانية. وقد تحدث في المؤتمر د. ولفغانج هوبر أسقف الكنيسة الإنجيلية عن "تناقض العلمانية مع الشريعة الإسلامية وتناقض المسلم المتدين مع الدستور الألماني"، مقارنا الإسلام مع المسيحية التي اعتبرها متوافقة بالأصل مع مبدأ فصل الدين عن الدولة والمبادئ العلمانية الاخرى ومستشهدا بقول المسيح الأشهر "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لل "
الإسلام لا يتعارض مع الدستور الألماني

Bildunterschrift: القرآن ، أهم مصادر التشريع في البلدان الإسلاميةوفي معرض رده على أقوال د. هوبر، قال المختص في الدراسات الإسلامية الدكتور محمد قليش من "جامعة مونستر" لموقعنا: "من وجهة نظري الشخصية ليس هناك لدى المسلم أية مشكلة في الإقرار والاعتراف بالدستور الألماني لأني اعتقد أن القيم الرئيسية المبني عليها الدستور موجودة في الإسلام."، وذلك في إشارة إلى القيم الأساسية التي قام عليها الدستور الألماني وهي الديمقراطية والحرية والمساواة. وفي تعليق من القاهرة للدكتور جمال حشمت، احد القيادات السياسية وعضو البرلمان السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، على مسألة توافق أو تناقض الإسلام مع نظم الحكم المدنية الديموقراطية قال: "مقولة أن الإسلام غير متوافق مع الديموقراطية ونظم الحكم المدني مقولة افتراء على الإسلام، بل على العكس من ذلك، فإن الديموقراطية ما هي إلا الصورة الإجرائية لقيمة إسلامية أصيلة وهي الشورى. من حق الشعب اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله في المجتمع المبني على القيم الإسلامية." وفي معرض رده على رأي د. هوبر المتعلق بموقف المسلم المتدين من الدستور الألماني قال: "إن الدستور الذي يحمي حرية الفرد والرأي والتعبير والمشاركة السياسية هو دستور روحه إسلامية. الحرية فريضة من فرائض الإسلام بل الحرية كقيمة إنسانية لها الأولوية على تطبيق الشريعة، والمجتمعات الإسلامية لم تزدهر إلا في ظل النظم التي أشاعت مناخ الحرية."

"أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"

Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: الاسقف د. هوبر رئيس مجلس الكنيسة الانجيلية في المانيا مع رئيس مجلس الاساقفة الكاثوليك في المانيا الكاردينال ليمان يكثر الاستشهاد بهذا القول الشهير للسيد المسيح كدليل على أصالة التوافق بين المسيحية والعلمانية وهذا ما فعله الاسقف هوبر في مداخلته، الا أن السياق التاريخي لهذا القول غالبا ما لا يذكرأو يتم تجاهله. لقد جاء هذا القول الشهيرعندما سئل المسيح من بعض تلاميذه الهيرودسيين بقصد إحراجه: "يا معلم، نحن نعلم أنك صادق، تَُعرِّف سبيل الله بالحق، ولا تبالي بأحد، لأنك لا تراعي مقام الناس. فقل لنا ما رأيك: أيحل دفع الجزية إلى قيصر أم لا؟" فإن قال أنه لا يجب دفع الجزية فإنه سيعتبر محرضاً ضد السلطة الرومانية المحتلة في ذلك الوقت، وإن قال تدفع الجزية فإنه سيعتبر خائناً للوطن لمصلحة المحتل، لذلك كان قوله للخروج من هذا المأزق: "لماذا تحاولون إحراجي؟ أروني النقد الذي تدفعونه كجزية"، فأتوه بقطعة نقدية، فقال لهم "لمن هذه ؟" قالوا: "لقيصر" فقال لهم: "أدوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله". وطوال مئات من سنوات سيطرة الكنيسة على الدولة قبل عصر التنوير في أوروبا لم يتم تأويل هذه المقولة على أنها دعوة إلى فصل الدين عن الدولة أو ما يعرف بالعلمانية. وحتى الآن هناك من المسيحيين من يرفض ويتخوف من هذا التأويل. فقد كتب حديثا الكاتب المسيحي دكتور صموئيل عبد الشهيد في موقع مجلة صوت الكرازة بالإنجيل عدد ابريل 2005 تحت عنوان "نعيق الغربان"، معترضا على التأويل الظاهري لهذه المقولة: "لقد اختلفت التأويلات حول مفهوم فصل الدين عن الدولة في الأوساط المسيحية، وفي الأوساط المجاهدة في سبيل دعم مفهوم "الفصل". فالأوساط المسيحية، أو بعضها على الأقل، تُفسِّرُ قول المسيح: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، بأنه دعوة صارخة لفصل الدين عن الدولة. وقد يكون هذا هو المعنى الظاهري لهذا القول" ثم يضيف في موضع آخر: "ونرى المشكلة ذاتها، وبصورة أضخم وأكثر إضراراً في الأوساط المدنية التي تريد أن تحطم كل ما هو مُتعلَّق بالدين، والمسيح، والمسيحية باسم فصل الدين عن الدولة."
الإسلام وفصل الدين عن الدولة

Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: مسجد الفاتح في مدينة ايسين في المانياعلى الرغم من عداء الأصوليين الإسلاميين التقليدي لمفهوم العلمانية والتأثير الواضح لمواقفهم الدينية على الثقافة العربية، هناك من يرى في أقوال نبي الإسلام محمد ما قد يكون أكثر مباشرة في تأصيل مفهوم فصل "الدين عن الدنيا". فقد روي في حادثة تأبير النخل الشهيرة قيام النبي بنصح بعض صحابته بتغيير طريقة زراعتهم للنخيل، وعندما لم يُؤخَذ بنصيحته قال مقولته الأقل شهرة من مقولة المسيح وان كانت أكثر مباشرة من خلال سياقها التاريخي: "أنتم أدرى بأمور دنياكم". ويتعامل الأصوليون الإسلاميون مع هذه المقولة بنفس الطريقة التي تعاملت الكنيسة بها مع مقولة المسيح في العصور الوسطى، ولكن لو أراد الإسلاميون والباحثون المحايدون دليلا دينيا لتأصيل توافق الإسلام كدين مع فصل الدين عن أمور الدنيا لكانت هذه المقولة أفضل دليل.

الدعوة الى العلمانية ليست جديدة
هناك العديد من العلماء والمفكرين المسلمين الكبار الذين أكدوا على ضرورة فصل الدين عن الدولة، مثل محمد عبده وقاسم أمين وعلي عبد الرازق وطه حسين ونجيب محفوظ. ففي سنة 1925 أصدر الشيخ علي عبد الرازق، أحد علماء الأزهر، كتاباً بعنوان "الإسلام وأصول الحكم"، طالب فيه بفصل الدين عن الدولة، فواجه هجوما عنيفا من الأصوليين آنذاك. وكذلك الشيخ الأزهري خالد محمد خالد، الذي رأى "عدم تلازم الدين مع الدولة وأن الإسلام ديـن ورسالة إنسانية وليس دولة". وتناول فكرة الدولة الدينية نفسها، على مر التاريخ، وعلى ضوء النتائج التي عانت منها المجتمعات الإنسانية، ليؤكد أن الدولـة الدينية أداة للتكفير وخنق الرأي ودعم الاستعباد والقهر والاستبداد وتتعارض مع الإسلام في قيمه الروحية والإنسانية والاجتماعية.

الخلاف الحاد حول الإشارة إلى الجذور المسيحية لأوروبا في أول دستور أوروبي أعاد إشكالية العلاقة بين الدين والدولة إلى بؤرة الحدث السياسي. ورغم الفصل الدستوري بينهما في ألمانيا إلا أن تأثير الدين يمر عبر الأحزاب السياسية.

يُعد تنظيم العلاقة بين الدين والدولة ركيزة من الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي في دول أوروبا الغربية. ورغم التباين الواضح في تحديد مدى تأثير العامل الدينى على العملية السياسية على أرض الواقع، إلا أن هناك إجماع ديمقراطي عام على ضرورة الفصل بينهما وفي نفس الوقت الحفاظ على مبدأ حرية العقيدة كحق من حقوق الإنسان الأساسية.

خلاف أوروبي حول الإشارة إلي الدين
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: رئيس الوزراء الاسباني السابق أزنار، احد أشد المناصرين لفكرة الاشارة الى هوية اوروبا المسيحية
الخلاف بين الدول الأوروبية حول الإشارة إلى الجذور المسيحية- اليهودية لأوروبا يُظهر صعوبة التوصل إلى صيغة مشتركة لآلية فصل الدين عن الدولة. فالدول الأوروبية التي تعيش فيها أغلبية كاثوليكية مثل بولندا وإيطاليا ومعها أحزاب المعارضة المسيحية مثل الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا، أصرت على الإشارة إلى الدين المسيحي كجزء لا يتجزأ من الهوية الأوروبية. وعلى النقيض من ذلك أصرالموقف الفرنسي المدافع عن "إنجازات" الثورة الفرنسية وقيمها العلمانية على أهمية "الفصل القاطع" بين الدين ومؤسسات الدولة حتى يتم "تحييد" العامل الديني كلياً، وهو ما عبر عنه لاحقاً القانون الذي سُن لحظر كل "الرموز الدينية" في الأماكن العامة في فرنسا. الدستور الأوروبي الذي أقراه المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي والذي يتم الآن اجراء استفتاء بشأنه في بعض دول الإتحاد الأوروبي لا يحتوي على هذه الإشارة، وهو ما يمكن اعتباره "نصراً" لأنصار العلمانية بمفهومها الفرنسي الصارم.

العلمانية لا تعني العداء للدين
مفهوم دولة القانون العلمانية القائمة على دستور ديمقراطي يحترم الكرامة الإنسانية لا يهدف إلى معاداة الأديان ولا يعبر عن إنكار لوحدة الخالق، كما يعتفد الكثيرون، بل إنه يمثل منظومة مبادئ أساسية تهدف الى التعاطي العقلاني والعملي مع هذه الإشكالية الحيوية. وعلى الرغم من حقيقة أنه تم تطبيق هذه الأنظمة الدستورية العلمانية تاريخيا في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية إلا أنها ليست قاصرة على الحضارة الغربية فقط، لأن ترسيخ الحقوق الأساسية للإنسان مكسب تنويري نتج عن صراع تاريخي طويل مع أنظمة الحكم الثيوقراطية.



الفصل بين الدين والدولة من منظور تاريخي

Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: شيراك الرئيس الفرنسئ وشرودر المستسار الالماني السابق من المعارضين لفكرة الاشارة الى الدين في الدستور الاوروبيبدأت محاولات تنظيم العلاقة الشائكة بين الدين والدولة في أوروبا بـ "صلح فيسفاليا" الذي اوقف الحروب الدينية قي أوروبا في عام 1648، ثم تطور هذا المشروع ليضع في ما بعد أسساً وقواعد لفصل الكنيسة عن الدولة. التعريف الأدق لمفهوم العلمانية قدمه جون هوليوك بقوله:"العلمانية هي الاعتقاد الراسخ بالقدرة على اصلاح حال الانسان عن طريق استخدام مادي لعقلانيته دون العداء للدين". ما يتضح من هذا التعريف هو أن العلمانية ليست أداة للتدخل في شؤون البشر الخاصة، بل كانت تعني بداية تحويل أموال وممتلكات الكنيسة إلى ملكية عامة، و هي تعني الآن ببساطة فصل الدين عن الأمور السياسية "لأنسنة" عملية اتخاذ القرار السياسي، أي تحويل العملية السياسية إلى عملية سلمية جدلية بين البشر دون الإدعاء باحتكار الحقيقة والاستناد الى مرجعية ألوهية عليا.
الدين والدولة في ألمانيا
تشكل ألمانيا مثالاً وسطياً للعلاقة المثيرة للجدل بين الدين والدولة. الدستور الألماني المعادي للفاشية والقائم علي ضمان الحرية والديمقراطية يتعاطى بصورة متوازنة مع دور الديانة المسيحية كمرجعية قيمية وأخلاقية، إلا انه يرفض التدخل المباشر للمؤسسات الدينية في العملية السياسية الألمانية. تأثير الدين غير المباشرعلى السياسة الألمانية يمر عبر الدور الذي يلعبه الدين في عملية اتخاذ القرار السياسي. فممثلو الكنائس على سبيل المثال يحاولون من داخل المنظومة الحزبية اقناع الأحزاب القريبة منهم فكرياً وسياسياً بتبني تصوارتهم، لأن الدستور الألماني يضمن للاحزاب السياسية الأولوية العليا في "صياغة إرادة الشعب". كما أنه يمكن للقوى الدينية كونها جزءاً من قوى المجتمع المدني التأثير على الرأي العام ودفعه إلى تأييد موقف معين مما يضمن لهذه القوى تأثيراً فاعلاً على العملية السياسية الديمقراطية.

الفصل بين الدين والدولة مكسب حضاري
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: رئيس لجنة صياغة الدستور الاوروبي فاليري جيسكان
إن أكثر ما يهدد العلمانية كمكسب حضاري هو تحويلها إلى عقيدة سلطوية أو أيدولوجية فوقية لمحاربة الدين. فالدولة العلمانية الحديثة لا تمثل شراً لا بد من قبوله بحكم تفوق الأغلبية، بل نظام تم الإتفاق عليه لحماية التعددية الدينية والدنوية. لذلك لا يوجد تحقيق كامل لحرية العقيدة الدينية خارج نظام دولة القانون العلمانية. وهو ما يعود قطعاً إلى المنظومة السياسية الديمقراطية الحديثة القائمة على الفصل بين السلطات لخلق توازن مؤسساتي يمثل درعاً واقاياً من كل النزعات الشمولية، الدينية منها والدنيوية على حد سواء، التي تسعى إلى تقييد حريات الإنسان الأساسية.

تعد تركيا أول بلد إسلامي قام بفصل الدين عن الدولة. وبعد مرور أكثر من ثمانين عاماً على إجراء هذا التغيير الجوهري يتسأل الكثيرون عن مدى نجاح العلمانية في هذا البلد الإسلامي وإمكانية تطبيق النموذج التركي في العالم العربي.

بدأت العلمانية في تركيا عام 1923 عندما أسس الجنرال التركي السابق مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية الحديثة فاصلاً بين مؤسسات الدولة والدين الإسلامي كونه الدين الرسمي الوحيد للدولة في ذلك الحين. وكانت خطوة أتاتورك جبارة، لأنها جاءت بعد حل الخلافة العثمانية التي ارتكزت على الشريعة الإسلامية لقرون طويلة. ولسد الفراغ في الحياة العامة قام أتاتورك بتنشيط وإحياء الحس الوطني التركي وهذا ما أدى إلى انتهاك حقوق الأقليات العرقية كالأكراد على سبيل المثال لا الحصر والدينية كالأرمن والسريان الأرثوذكس. واتبع أتاتورك ومن خلفه من قادة أتراك سياسة دمج الأكراد أو كما سماهم "الأتراك الذين يعيشون في الجبال". وراح ضحية هذه السياسة 30 ألف شخص. ويعود نجاح أتاتورك في هذا التحديث الجذري إلى قوة شخصيته وعنفوان سياسته العسكرية. وكان الأتراك يعتبرونه بطلاً وطنياً ذو شعبية عارمة.
تأسيس الجمهورية التركية

Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: الجيش التركي كان دائماً المدافع الرئيسي عن ميراث أتاتورك
قام أتاتورك بإجراء تغييرات جوهرية بعد الحرب العالمية الأولى، هادفاً إلى جعل تركيا بلداً ذو مجتمع مدني مقدياً في ذلك ببعض المجتمعات الأوروبيه. فبعد إلغاء نظام الخلافة تم فصل الدين الإسلامي عن الحياة السياسية لتبدأ بذلك ثورة ثقافية جاءت من أعلى، وهو ما لم يكن قد حدث من قبل في التاريخ الإسلامي الحديث. ورافق هذه الثقافة تغييرات كثيرة لها علاقة بممارسة الشعائر الدينية مثل حظر ارتداء بعض أنواع الملابس على الرجال كالسراويل التقليدية والقبعات الحمراء (الطربوش) وتم سن قوانين تجبر الرجال على وضع قبعات أوروبية حديثة وكان كل من يخالف هذه القوانين يعاقب عقاباَ شديداً. إضافة إلى ذلك دعا أتاتورك إلى حرية المرأة وتقوية مركزها في المجتمع التركي، حيث منح النسوة حق الانتخاب وطالبهن بخلع الحجاب التقليدي حيث قال: "يجب على النسوة إظهار وجوههن للعالم" و"ينبغي عليهن رؤية العالم بأنفسهن" مطمئناً في الوقت ذاته الرجال قائلاًً: "عليكم ألا تخشوا شيئاً بهذا الخصوص!" وللتخفيف من تأثير اللغة العربية (لغة القرآن) المرتبطة بشكل مباشر بالتعاليم الإسلامية استبدل أتاتورك الأحرف العربية التي كانت اللغة التركية تكتب بها بأحرف لاتينية وأحل التأريخ الميلادي محل التأريخ الإسلامي الهجري.
تقييم التجربة التركية
: تركيا تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
بعد مضي أكثر من ثمانين عاماً على تأسيس الجمهورية التركية لا يمكن القول إن النظام العلماني التركي قد نجح بصورة كاملة. كما نجد أن إصلاحات أتاتورك لم تصل إلا جزئياً إلى المناطق الريفية حيث أن الحياة الاجتماعية هناك لا تزال تقليدية ودور المرأة في القرى أقل بكثير من دورها في العاصمة أنقرة أو في اسطنبول ومعظم المدن الكبرى الأخرى. ولهذه الأسباب جاء فوز حزب والعدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا حالياً، والذي كسب أصواتاً كثيرة في المناطق الريفية، لكن هذا الحزب وخاصة رئيسه طيب أردوغان يريد إعادة الصبغة الإسلامية إلى المجتمع التركي. ويقول المراقبون أنه لو لم يقف الجيش وجنرالاته كالرقيب وراء الحكومات التركية لتزعزع النظام العلماني السائد في تركيا، وهذا ما يبرر حدوث انقلابات كثيرة في تاريخ الجمهورية التركية. لكن هذا الوضع يقلق الاتحاد الأوروبي، الذي يرفض أن يكون للجيش دور فعال في تحديد سمات أية دولة أو نظام. وعلى الرغم من ذلك خطت تركيا خطوة كبيرة في اتجاه الانضمام للاتحاد بعد موافقة الأخير على اعتبار تركيا مرشحاً للانضمام للاتحاد في المستقبل. وأدى ذلك إلى اعتراف شبه رسمي بالأقلية الكردية وببعض الأقليات الدينية المسيحية، مما يشير إلى أن تركيا تأخذ المسار الديمقراطي الحديث.

البلدان العربية وفصل الدين عن الدولة

: البلدان العربية قد تستفيد من التجربة التركية في فصل الدين عن الدولة
عند الحديث عن الأنظمة السياسية السائدة في العالم العربي لا يمكن تعميم رأياً معيناً عليها. إذ أن الأنظمة السياسية العربية مختلفة. فمنها النظام الملكي كما هو الحال في السعودية والأردن والمغرب، ومنها الجمهوري كما هو في الجزائر واليمن ولبنان، وهناك أنظمة أميرية كالكويت والإمارات العربية. وإضافة إلى الاختلافات في الأنظمة السياسية هناك تباين واضح في قوانين هذه الدول ونسبة اعتمادها على الشريعة الإسلامية. وهنا يظهر الاختلاف في تأثير الشريعة على الحياة العامة من بلد إلى آخر ففي المملكة العربية السعودية تطبق الشريعة على نطاق واسع في حين يقل تطبيقها في تونس ولبنان. وبغض النظر عن كل هذه الاختلافات لا يمكن أن نتصور إمكانية فصل الدين عن الدولة في معظم الدول العربية حالياً، وذلك بسبب المد الإسلامي، الذي تعيشه هذه البلدان وهذا ما يمكن ملاحظته بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة في كل من العراق ومصر والمناطق الفلسطينية. إضافة إلى ذلك تستغل بعض الحكومات العربية هذا المد الإسلامي لمصالحها الخاصة كما حدث مؤخراً في العاصمة السورية دمشق بعد مهاجمة متظاهرين السفارتين الدنمركية والنرويجية بسبب أزمة الرسوم الكاريكاتورية. وبدى هذا المد الإسلامي جلياً في سوريا ومصر من خلال ارتفاع عدد مراكز تعليم القرآن وعدد المصلين في المساجد، إضافة إلى ارتفاع نسبة النسوة المتحجبات في الشوارع. وتحاول بعض الحكومات العربية احتواء المد الإسلامي هذا بالسماح للقوى الإسلامية بتنظيم نشاطاتها ومنع كل الكتب الناقدة لهذا التيار الإسلامي مستغلة ذلك لتخفيف الضغط عنها.

في ظل أوضاع كهذه لا يمكن تصور تأسيس نظام يفصل الدين عن الدولة بشكل جذري كما حدث في تركيا قبل أكثر من ثمانين عاماً، لكن التجربة التركية بأسسها الديمقراطية قد تكون قاعدة لبناء مجتمع مدني في الدول العربية، لكن على المدى البعيد ومن الصعب تحديد هذا المدى، لأنه لا توجد بوادر تشير إلى إمكانية البدء بمثل

هذا المشروع في الوقت الحالي على الرغم من ضرورته الحتمية لهذه المجتمعات.


الاسلام والدولة.. بين جدل النخبة ومطالب الجمهور

حول ذلك كتب برير العبادي يقول

لا يزال موضوع الاسلام والدولة يمثل واحداً من ابرز مشاغل الفكر العربي المعاصر(1)، لا، بل الفكر الاسلامي الحديث، ويأخذ بناصية كل جدال فكري او سياسي على صفحات الكتب والمجلات، وفي أروقة الندوات والمؤتمرات او في السجال الكلامي بين التيارات الفكرية والايديولوجية التي تتقاسم ساحة العمل الفكري والسياسي في مجتمعنا.

وما دامت قضية العلاقة بين الاسلام والدولة تتمظهر في شكل من اشكالها بوصفها احدى تجليات خطاب النهضة العربي وأحد موضوعاته الاساسية، لذلك يندر ان تطرح موضوعات الفكر العربي المعاصر او مشاكل المنطقة العربية الفكرية والسياسية، دون ان تجد موضوعة العلاقة بين الاسلام والدولة داخلة في صلب هذه الاهتمامات والمناقشات. فاذا كان الحديث عن شكل النظام السياسي ومضمون القانون الدستوري، فان الاسلام لابد ان يكون طرف الحوار والجدال، ولا تقبل موضوعية بحث او علميته ما لم يحدد موقفه أزاء الاسلام ونظرياته في الحكم والادارة على اعتبار ان المجتمع العربي يضم بين دفتيه اغلبية شعبية لا تزال تنظر الى الاسلام كمشروع خلاص ونظام متكامل وحده الكفيل باخراج المجتمع من ازمته الراهنة.

واذا تطرق الحديث عن التنمية واخفاقاتها في منطقتنا، فان اول ما يتبادر هو نقذ النموذج الاقتصادي المتبع، فبما ان نموذج التنمية الذي طبق منذ نشوء الدولة الحديثة هو نموذج تأسس على صورة الاخر وآليات عمله ومضامينه الفلسفية والاجتماعية فان التطلع الى مشروع تنموي جديد لابد


أما اذا انصرف الحديث إلى ثنائيات الفكر العربي المعاصر العتيدة الأصالة والمعاصرة، التراث والحداثة، الاتباع والابداع، العقلانية واللاعقلانية فان الاسلام يحل في صلب النقاش حلولاً لا مناص منه بوصفه باني حضارة هذه الامة، ومكون ثقافتها الرئيسي ومؤسس تاريخها ومنظم عقلها، وبالتالي فان اي بحث يتناول هذه المفردات لابد ان يقرر موقفه من الاسلام، ومسؤولية الاسلام تجاه النظام السياسي والثقافي في الماضي والحاضر والمستقبل، أما انفصالاً أو قطيعة او استلهاماً وإقتباساً او تطبيقاً وتجديداً، وهكذا يرتبط الحديث ارتباط تمفصل وتشابك بين الاسلام ومجمل الموضوعات الاساسية التي يتناولها الخطاب العربي المعاصر، والتي لم ينته جدله فيها حتى الساعة، بل جاءت الصحوة الاسلامية، أو حركة الاحياء الاسلامي لتزيده حرارة وحدة وقوة.

بيد أن الملاحظ، ان المتعاطين بالافكار والمشتغلين بالحقل الثقافي والسياسي، وممثلي الاتجاهات الفكرية والسياسية تداولوا الجدل في هذه القضايا دون ان يخرجوا بنتائج محددة ومتفق عليها حتى يمكن الانصراف الى معالجة الواقع الموجود طبقاً لتلك النتائج بصراحة. واذا كانت النظم السياسية والثقافية والاجتماعية التي طبقتها الدولة الحديثة ـ وليدة المشروع القومي الذي لم يخف تبنيه للعلمانية ـ قد فرضت فرضاً وانتهت الى ما انتهت اليه، فان صعود التيار الاسلامي بقاعدة جماهيرية عريضة وبخطاب سياسي يطالب تطبيق الشريعة الاسلامية، او قوانين الاسلام، ويلح على تأسيس النظام السياسي طبقاً للنظرية السياسية الاسلامية بصورها المتعددة... ضاعف من مساحة الحرب الايديولوجية والصراع الاجتماعي والسياسي، وأعاد طرح المشكلات والتساؤلات ذاتها التي طرحت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حول موقف الاسلام من العلم والمعاصرة وتطور النظم السياسية والادارية، والعلاقات الاجتماعية وكأن هذه القضايا لم تطرح ولم تناقش ولم يجب عنها المفكرون الاسلاميون، وفي ظل تفاقم الاوضاع السياسية والاجتماعية وتردي الحالة الاقتصادية وسيادة لغة العنف، التي تقودها السلطات الحاكمة غالباً فان الحديث عن المأزق الشامل والازمة المفتوحة صارت عنواناً لكل حديث يتناول واقع المجتمع العربي. ولان السلطة القائمة تراقب مسار الجدل الثقافي وتطورات الصراع الاجتماعي والسياسي لتحدد موقفها فان استناد النظم الى ايديولوجية الحداثة، جعلها تستفيد من المواقف التي تعبر عنها النخبة الثقافية التي تتبنى الايديولوجية ذاتها، لتسبغ المشروعية على ممارستها القمعية ولتستمر في انتهاج سياستها التي وصلت الى طريق مسدود، وهكذا صار محكوماً على المجتمع ان يدور في حلقة مغلقة ولا يجد حلاً لمشكلاته، بل ان التأزم بلغ حداً قارب الانفجار، لان التعارض في المواقف يدفع نحو الاصطدام حتماً، فهناك اغلبية شعبية، تعتقد ان الازمة سببها التبعية المنهجية والفكرية والسياسية للدولة الحديثة والاصرار على اكمال هذه المسيرة لدواع



ذاتية وسياسية، وهناك نخبة المثقفين التي تدعم السلطة للأسباب ذاتها، رغم بعض الخلافات وأحياناً الانتقادات التي توجهها هذه النخبة للسلطة لكنها لا تختلف معها إلاّ في آلية الحكم، إذ تعتقد هذه النخبة ان الدكتاتورية وانعدام المشاركة الشعبية في الحكم هي سبب المشكلات ولكنها تشارك السلطة في الدعوة الى فصل الدين عن الدولة، وتدعو الى علمنة الدولة وعقلنة التراث(1) وهي دعوات تصاعدت حدة مع صعود التيار الاسلامي، لتوفر قاعدة ذهبية للسلطة كيما تعاكس الارادة الشعبية بالقمع والارهاب.

بيد ان المنطق السابق ذي اللون الصارخ في الدعوة الى العلمانية واستنساخ نموذج حضاري آخر، ما عاد مجدياً في اقناع قوى الاغلبية. ولهذا اتجهت القناعة الى احياء الجدل من جديد حول موضوعة العلاقة بين الاسلام والدولة فاستعاد البعض مواقفهم من جديد في المعارضة وبالذرائع القديمة، ووقف آخرون في منتصف الطريق متعللين باشكالات عديدة، ووافق آخرون بتردد، وبالدعوة الى تجديد بعض المفاهيم والمصطلحات وتغيير المضامين التي ترتبط بما يعنيه تأسيس نظام الحكم وصياغة الدستور وفق الرؤية الاسلامية. على ان ابرز الاشكالات المطروحة، ارتبطت بشكل نظام الحكم وصلاحيات الحاكم وكيفية اختياره والعلاقة بين الحاكم والمحكومين، وطريقة المشاركة السياسية والرقابة على الحكم، وحقوق الاقليات الدينية، والمرأة ودورها الاجتماعي... الخ(2).

ومع طرح هذه القضايا احتدم النقاش على أشده من جديد وعاد السجال ليغرق المجتمع في فوضى الافكار، فيما كان المفترض ان ينتهي هذا السجال ويخرج من الغرف المغلقة ودوائر التنظير الى معالجة الواقع وفق معطياته الموجودة، ببنيته الثقافية، وتاريخه ومطالبه، حتى يتم تفصيل مشروع النهضة ونظرية التغيير والبناء من جديد، وحتى يتم تحديد الاختيارات المنسجمة مع معطيات الواقع الاجتماعي.

وباعتقادنا فان المرحلة جد خطيرة تستدعي موقفاً عاقلاً ومسؤولاً، للانتقال من عالم المثال الى عالم الواقع، أما إذا استمر السجال الفكري وبقيت الطبقة المثقفة حبيسة الجدل والتجريد، فان المسار الاجتماعي المتأزم سيتواصل بوتيرة تنتهي الى الصدام والانفجار الذي لن يسر (الانتلجنسيا) التي يفترض بها ان تساعد المجتمع على تجاوز أزمته الحضارية الراهنة ولا تحصر مهمتها بالدفاع عن مواقفها وايديولوجياتها التي تتعارض مع مصالح المجتمع ولا تتلاءم معه، لانها تستند في اغلب الاحيان على مثل الأخر وقيمه التي تشكل استفزازاً للمجتمع وتحدياً له، ولا تقيم معه علاقات وئام على أمل تغييره ونقله للمعاصرة.

ان هناك مشكلات جدية تحول دون تجاوز منطق السجال العقيم الى الحوار البناء المنتج، وما نشاهده من انفصال الفكر عن الواقع هو ثمرة طبيعية للعقل السجالي الذي يغلب عليه المنحى.

الايديولوجي في عملية الصراع التي يقودها دفاعاً عن الافكار والنظريات التي يؤمن بها(1).

من هنا كان لزاماً على أطراف النقاش الدائر ان تضع اسلحتها الايديولوجية جانباً وتتسلح بخطاب معقول يتأسس على منظورات الواقع لا خارجه، بحساب ان هذا الواقع هو حصيلة ثقافة وتاريخ وانماط تفكير وسلوك طبعت حركة الافراد والمجتمع فكانت تربة عصية على استنبات بذور غريبة عن بيئتها. ولهذا لم تنجح تيارات التجديد والتحديث التي استوحت الغرب وتجربته وظروفه في تأسيس نفسها جماهيرياً واقناع المجتمع أو اغلبيته بافكارها، وما حصلت عليه من نتائج بعد قرن او أكثر هو أقلية حصرت خياراتها في مسايرة نموذج التقدم الاوروبي، واستماتت في الدفاع عنها، لكنها وجدت نفسها محاصرة بخذلان عميق، ذلك لان الفئات التيى جعلتها محط رهانها، وهي الجامعية والمتعلمة، اتجهت الى اعادة صلتها بالدين، ليس في صورة تأكيد الذات التي يزعزعها هجوم الاخر الثقافي وغزوه الفكري، بل في الأعم الأغلب لسيادة القناعة بان منظومة الاسلام الحضارية هي المنهج البديل لواقع مأزوم.

وللحقيقة فان هذه النتيجة التي وصلها تيار التحديث العلماني لم تجعله يستسلم بل دفعته الى متابعة الصراع بجدية وشراسة، «ففي الوقت الذي تبرز فيه قوة الايديولوجية الدينية وجاذبتيها، تكثر دعوة المثقفين من ليبراليين وماركسيين وقوميين الى تحديث المجتمع العربي وتجديد بناه التقليدية وقراءة تراثه قراءة علمية وواقعية وتفسير الاسلام تفسيراً تقدمياً ثورياً الى غير ذلك من عبارات تترجم هذه الرغبة المتزايدة في التحديث والتجديد»(2) وهذا يعني ان ميدان الجدل لازال مفتوحاً والاستغراق في دعوات الحداثة يستمد مشروعيته من مواكبة الحضارة الحديثة في حين تعني هذه المواكبة بلا قيود ولا تحفظات عند الاسلاميين ذوباناً واستلاباً لا يجوز القبول به(3) على ان الثابت هو ان دعوات الحداثيين والدعم الذي يلقاه خطابهم الثقافي لم تعد تعني المجتمع كثيراً، فكلما علا النقاش وارتفعت حدة الصراع، كان المتصارعون على المحور الذي يناقض أهداف الغالبة في واد، والغالبية في واد آخر فأن سعة التنظيرات لا تشغل بال الامة، لان بديهيات الفكر الشعبي والهم العام الذي يشغل بال الجمهور، لا تمسه كل الفوضى الفكرية والثقافية المطروحة، وان سمة المشغولين بالفكر النظري المنفصل عن الواقع الاجتماعي الذي ينتمون إليه، هو الاستمرار في هم الاشتغال بصناعة الفكر وانتاج نظرياته، او تبني النظريات المنتجة في الغرب وتمثلها ومحاولة زرعها في بيئة مغايرة للبيئة التي انتجتها، ولهذا لم ينته النقاش والجدل في القضايا التي واجهها خطاب النهضة العربي كقضية العلاقة بين الدين والدولة، رغم انها طرحت ابتداءً من منتصف القرن الماضي، بمضمون لا ينتمي الى التراث الاسلامي، مضمون نهضوي يجد أصوله وفصوله في النموذج الحضاري الاوروبي(4) ولا زالت اجيال المثقفين تتناقل فصول

هذا النقاش وتضيف عليه جديداً بحسب مستجدات العصر الفكرية، فتتوالد الافكار وتنتج نفسها من جديد دون ان تجد لها ارضية في المجتمع لا في صيغ النظام السياسي الحاكم، ولا في نمط ثقافة المجتمع رغم التغييرات التي حصلت فيها، ولا في منهج التنمية المستخدم، فالمجتمع يسير في اتجاه والسلطات الحاكمة في اتجاه آخر، والمثقفون في دائرة خاصة، بينما الازمة المفتوحة والمأزق الشامل، هما العنوان الرئيسي لكل منه يطل على دراسة المجتمع العربي المعاصر، والشكوى العامة هي لسان الجميع، فليس هناك قطاع راض عن قطاع، اذ السلطات تشتم الشعب وتحتقره، تتوسل بالعنف والقمع للسيطرة عليه بعنوان تحديثه وتنميته وقيادته في طوفان التحديات، والمجتمع يئن من بطش السلطة فيحاصرها بعزلته عنها وشعوره الاغترابي منها لقناعته بانها لا تمثله وليست نابعة من حنايا وجوده، وأعجز من ان تحل له مشكلاته وتنجز له طموحاته، وهكذا تسود نزعة مقاومتها واهمالها والامتناع عن مشاركتها في التحديات التي تواجه الوطن.

اما المثقفون فانهم يشتمون الجيمع، قادة المجتمع لتقليديته وعقليته السحرية والنصوصية وبنيته التراثية، وقادة السلطة ولهذا فان التقلب في المواقع والانتقال الدائم هو سمة قطاع واسع من مثقفي الثقافة الغربية لانهم في اغلب الاحيان حلفاء للسلطة ضد المجتمع، وفي أحيان قليلة مع المجتمع في نقده للسلطة والحال، فان صورة المجتمع العربي المعاصر تشي بصنوف من الصراعات المنهكة والمفقرة، فاذا طرحت التساؤلات عن الوقت الذي ستنتهي فيه هذه الصراعات، وما هو الموقف من التحديات المتعاظمة وكيف سيكون الاستعداد للقرن الواحد والعشرين، لا تجد جواباً، بل اجوبة متعددة بصورة امنيات. اذن، فمن هو القادر على تقديم الاجوبة؟ بل من المسؤول عنها؟ هل هو الشعب المآسور المشغول بجراحاته العميقة، ام السلطات التي لا تستطيع السيطرة على تناقضاتها والتي يلاحقها عار الاخفاق والفشل في جميع برامجها وسياساتها؟ ام المثقفون الذين أظهروا العجز عن مغادرة حالة الاغتراب والغربة للانتقال الى حالة التلاحم مع المجتمع!!

صنف واحد فقط من المثقفين الذين لم ينفصلوا عن المجتمع ولم تظهر عليهم أدواء الاغتراب هم المثقفون الاسلاميون لكنهم مطاردون مرفوضون من قبل السلطات، وامكانات العمل والنشاط محدودة أمامهم، لانهم مقيدون باعلام الدولة الحديثة وأساليبها التشويهية ورقابتها السلطوية فيما أعرض الآخرون عن سماع خطابهم، لهذا حرم المجتمع من فرصة التعبير الحر والحوار المفتوح المتكافىء، لتمتد جسور التفاهم، وليتم عبور قنطرة التواصل التي تخدم الجماعة الوطنية ككل، على مرحلة جديدة تبدأ، يتحد فيها صوت المثقفين مع صوت المجتمع، وتحل فيها عقلانية واقعية بدلاً من عقلانية حالمة طوباوية، تستنسخ الأخر، وتهيم في الخيال فلم تنتج غير نزعة انفصال بين النخبة والعامة ووعي شقي مسكون بالازدواجية والتناقض.

لقد سادت مرحلة من التشخيص والنقد شاركت فيها جميع التيارات والقوى الايديولوجية، لكن نقد الواقع غير اعادة بنائه من جديد، فهذا النقد لم ينتج خطاباً نهضوياً جديداً، يتجاوز اشكاليات الخطاب العربي المعاصر الذي ظل يستعيد القضايا التي طرحها الفكر النهضوي منذ القرن الماضي ويجترها اجتراراً(1) ولا يخلص منها الى نتائج واضحة محددة تسمح باستئناف عمل جديد.

ان الضرورة باتت ملحة للتعامل بعقل جديد رائده الوعي الموضوعي والتعامل المسؤول والنزول الى أرض الواقع ليس عبر محاولة نقد العقل العربي والدخول في متاهة نظرية جديدة تقع في الاخطاء ذاتها التي حاولت نقدها(2)، بل في الوقوف على ارض بكر توطن للحوار البناء المنتج الذي يساهم في دعم المجتمع لاختيار المنهج الذي يريد تطبيقه في النظام السياسي ونموذج التنمية، وطريقة المحافظة على الهوية، بعد ان قاسى حصاد تجارب مريرة، استهلكت قرناً كاملاً، فلم تجلب التحديث ولا انشأت عقلانية كعقلانية الغرب التي اعتبرتها نموذجها المحتذى وكلما جاءت به، هو دولة قطرية يسودها القمع ويعلو فيها صوت الاستبداد والعنف، دولة انجازها الاعظم تحديث التخلف وتثبيت التجزئة، والدوران في الهامش ارتباطاً بمركزية الغرب(3) فلم تبق هوية ولا خصوصية ثقافية ولم يظهر تقدم مادي، بل شعارات فارغة وشقاء مستمر.

عوائق التوصل الى نتائج موضوعية

ان أهم العوامل التي منعت حتى الان من تطوير وعي موضوعي لقضية العلاقة بين الاسلام والدولة في مجتمع المسلمين المعاصر (المجتمع العربى تحديداً) هو حالة الخصام الايديولوجي بين المدافعين عن الرؤية الاسلامية والمناهضين لها، فالطرف الاول يصدر في وعيه وافكاره ونظرياته من المرجعية الحضارية والثقافية الاسلامية، بينما استلهم الطرف المقابل فكره ونموذجه من مرجعية الغرب الحضارية وبدا ـ طيلة قرن او اكثر ـ كل تيار متحمس لنفي الآخر والدفاع عن موقفه رغم الاتفاق على الهدف، وهو هنا النهوض من التخلف وتجاوز محنة المجتمع وتجزئة الامة وتأكيد انسانية الانسان وحقوقه والمساهمة في الحضارة من موقع المشاركة والمسؤولية، لا الاستتباع والذوبان والتقليد، يقول الدكتور محمد عابد الجابري (ان من أهم عوائق التواصل والتفاهم، بين تيارات الفكر العربي المعاصرة، انغلاق كل منها داخل مرجعيته الخاصة، وانشداده المطلق اليها ونفي كل ما عداها)(4).

على ان الاعتراف بهذه الحقيقة لم يتم تجاوزها عمليا ليتم تحديد نقاط الاختلاف والاتفاق حول الاهداف والوسائل والمفاهيم والمصطلحات، لأننا نعتقد ان هناك نوعاً من الاتفاق على كثير من الاهداف والوسائل، لكن ثمة اختلاف على الوسائل وعدم اتفاق على المضامين التي تتضمنها المصطلحات التي يتعامل بها كل طرف.

أما العامل الثاني الذي عمق من حالة الخصام فهو الشك العميق في نوايا كل طرف والذي زادته


(2) تعرض مشروع محمد عابد الجابري الذي تمثل في نقد العقل العربي الذي ظهر في ثلاثية شهيرة الى سلسلة نقودات كان أبرزها نقد الدكتور برهان غليون، والدكتور علي حرب، ود. طيب تيزني واسماء آخرين ظهرت في اكثر من كتاب ومجلة متخصصة وفيها على وجه التحديد مجلة الوحدة الصادرة في المغرب.

العوامل السياسية الداخلية والخارجية ليصبح جدار الحواجز النفسية والايديولوجية غير قابل للهدم إلا بمعول نقد الذات والاعتراف باخطاء تجربة الممارسة العملية، فصار من السهل التحاور بلغة التسقيط والشتيمة والاتهامات والتحريض بدلاً من التفاهم واللقاء على القواسم المشتركة، حتى صار لكل فريق عالمه الخاص وهمه الخاص، وللأمانة التاريخية، فان الساحة الثقافية والميدان السياسي كانتا مفتوحتين أمام التيار القومي العلماني والتيار الماركسي في بعض الحالات، ولم تكن مفتوحة أمام القوى الاسلامية إلا لبعض الوقت ولمصالح سياسية معروفة الاهداف، فيما كان التيار الاسلامي يواجه العنت والصدود والقمع فيضطر مكرهاً الى النزول الى الأرض وممارسة العمل السري، أو يساق الى المعتقلات والمشانق بقرارات سريعة وبصورة جماعية، وكان ذلك يستتبع سلبيات فكرية وسياسية وهواجس الخوف الدائمة والتشكيك والشعور بالمطاردة، التي تؤدي آلياً إلى الغموض والتقوقع، ولا تمنح الافكار والممارسات فرصة التطوير والمكاشفة. فقوى المشروع الاسلامي لا زالت الى الان تواجه المنع القانوني حتى في ظل تبني الديمقراطية الموجهة!! رغم حرصها على العمل تحت مظلة الدستور والشرعية الحكومية.

العامل الثالث الذي أعاق سبل التفاهم والانتهاء من حالة الخصام والقطيعة هو اغتراب(1) المثقف القومي العلماني الذي يرفع شعار الحداثة عن مجتمعه وتاريخه وانسلاخ البعض عن هويته واستيطانه الابراج العاجية التي وطدت لديه شعور التعالي على المجتمع، فالافكار والاهداف التي ينادي بها هذا الصنف منتقاة، او مقتبسة، لم تخضع لنقد كاف، ولم يراعى فيها اختلاف البيئات، وبالنسبة لمثالنا، صيغة العلاقة بين الاسلام والدولة، فانها كانت مشكلة منقولة، من بيئة عانت فيها الكثير وحسمتها بطريقة عنيفة (فمشكلة العلاقة بين الدين والدولة كما نقلت الى المجال العربي في القرن الماضي، وأوائل هذا القرن لم يتم بعد تبيئتها تبيئة ملائمة في الواقع العربي الفكري والحضاري كي تصبح معبرة بالفعل عن همومه وتطلعاته، وليس عن هموم وتطلعات الواقع الاوروبي الذي نقلت منه)(2) من هنا كان نقل هذه المشكلة والتنظير لها خطأً فادحاً ترتب عليه نتائج جسيمة، لماذا؟ لانها مشكلة مصطنعة فلم يحدث تفكير عن وجود حالة صدام بين الدين وحركة المجتمع او تنظيم الدولة ونظامها السياسي ولم تحصل حالة حصار ديني ضد التطور العلمي والتقني او يفرض فيها الدين سلطة جامدة متحجرة، مستبدة إذ الدين لا يحتاج الى وسائط لتفسيره حتى لا يفهم الناس ان الاسلام نقيض الاستبداد والجمود والانفعالات، يقول الدكتور برهان غليون: (تبدو اشكالية فصل الدين عن الدولة عندنا مصطنعة منقولة عن الغرب)(3)، ورغم ذلك فقد استمرت المشكلة تحدث أثرها المأساوي في الفكر والممارسة حتى غدت من أكبر المواقع التي تسد طريق علاج المشكلة الاجتماعية والسياسية التي تثقل كاهل النهار العربي، بسبب استناد السلطة العلمانية الحاكمة على هذه الرؤية للدفاع عن سلطتها، والتي هي سبب

الماساة التي يواجهها المواطن العربي، فالعلمانية العربية التي تبنت فصل الاسلام عن الدولة، استخدمت ذلك (كوسيلة لتقوية النظام السياسي القائم وتدعيم الطبقة المسيطرة التي أرادت ان تستفيد من علوم الغرب الحديثة لتنعش نظامها واقتصادها)(1) وهي لذلك لا تستطيع التخلي عن هذه الاساليب لانها ان فعلت ذلك تكون قد الغت نفسها، بينما فرض على المجتمع ان يعاني من نتائج هذه المشكلة التي تم نقلها الى الفكر والثقافة لتعمل عمل الالغام لوقف تقدم القوى التي ترفض وجود مشكلة بين تأسيس نظام الحكم وادارة الدولة على اساس الشريعة الاسلامية.

أما العامل الرابع الذي هو امتداد وتفريع من العامل الثالث، فهو أزمة وعي المثقف العلماني لظروف مجتمعه وبنيته الثقافية وعلاقاته الاجتماعية، واصراره على فرض آرائه فرضاً، لان المجتمع لا يستحق الهدنة والمداراة بسبب تخلفه العلمي، وتمسكه بالغيبيات والسلوك الخرافي، ومعنى ذلك ان تحديث هذا المجتمع يتطلب احداث قطيعة مع تراثه واقتلاعه من جذوره، هذا هو فحوى المنطوق العلماني الذي يدعو المجتمع الى تبني القطيعة المعرفية (الايبستمولوجية) كشرط لتحقيق النهضة، وقد ساد هذا النمط من التفكير ولا زال يردده بعض غلاة العلمانيين رغم الردود الكثيرة على هذه المقولة، ومن شخصيات متخصصة في الفكر والتاريخ الغربيين(2) بل ذهب هشام شرابي الى تبرير عجز النخبة العلمانية العربية عن احداث هذه القطيعة، في كتابه البنية البطركية ص86. على ان دعوات العلمانية وصلت الى الطريق المسدود، لانها (لم تنبت من الصراع الاجتماعي الداخلي، ولم تنشأ نتيجة لتفكك وتحلل القيم التقليدية الموروثة وزوال فعالياتها في الممارسة اليومية والجماعية. ولكنها نشأت عن طريق التبني من قبل نخبة معدودة العدد وغالباً معزولة عن الشعب)(3)، ويحدد هشام شرابي تاريخ انتهاء مفعول الفكر البطركي الحديث، كما يسميه، بشكله الاصلاحي والعلماني والقومي واليساري بنهاية الستينات، فيقول: ولم تتمكن العقائد العلمانية (الاصلاحية، الليبرالية، الاشتراكية) من غرس جذور عميقة في تربة النظام البطركي الحديث ـ ثم ينزلق لتبريرها أيديولوجياً ـ لا لأن هذه العقائد غير قابلة للتطبيق على البنى الاجتماعية العربية بل لانها بالاحرى شوهت عند نقلها الى اشكال بطركية حديثة(4).

وللحقيقة، فان مائة عام على قيام الدولة الحديثة بمناهج تعليم غربية وبوسائل اعلام حديثة وثقافة متغربة لم تنجح في تغيير المجتمع وفقاً لاهدافها، او تغيير نمط تفكيره، ولهذا لم يكن مجرد مصادفة ان تواجه الدولة القطرية التي أسسها المشروع القومي وهو المظهر السياسي للنزعة الفلسفية القومية(5)، صعود تيار اسلامي جماهيري، يدعو للربط بين الدين والدولة إذ ان هذا الصعود هو حصيلة الانفصال بين الدولة والامة (فكانت الحركة الاسلامية الاصولية المعبر القوي عن مشاعر الجماهير (البرجوازية

الصغيرة) المحرومة واعقاداتها بشكل لم تحققه أية ايديولوجية قومية كانت أو اشتراكية(1). اما عن السبب، فيقول الدكتور برهان غليون، (بقدر ما ارتبطت العلمانية بالسلطة، هذه السلطة التي بقدر علمانيتها كانت ترتبط أيضاً بالاجنبي، نزلت النزعة الدينية الى المعارضة، وبقدر ما ارتفعت الاوساط الاجتماعية التي تتبنى العمانية في المرتبة الطبقية، نزل الدين الى الشارع)(2).

ان ظهور المد الاسلامي كان نتيجة طبيعية لاخفاق الدولة الحديثة التي قادها التيار العلماني(3)، وكان هذا الاخفاق دليلاً على عجز النخبة التي قادت هذه الدولة عن فهم المجتمع وطريقة تفكيره واساليب تعبئته وتغييره، وبالتالي كان غير ممكن الامساك بالايديولوجيات السابقة والاصرار على التمسك بالسلطة، بذات البنية الفكرية التي مثلت القاعدة التي استندت اليها وهذا ما يقودنا الى القول بان الواقع الاجتماعي يفرض اليوم على المثقف العلماني الذي يواجه التيار الاسلامي ان يعترف بهذه الحقائق الموضوعية ويعيد النظر في موقفه من الإسلام، ليصبح اللقاء بديل المواجهة، والحوار بديلاً عن الحرب الايديولوجية.

ان اغلب المثقفين العلمانيين، اما لم يطلعوا اطلاعاً كافياً على الفكر الاسلامي اطلاعاً يمكنهم من وعي الاسلام ويخفف من غلواء التشدد ضده، وأما انهم اطلعوا على التراث والفكر الاسلاميين بخلفيات ايديولوجية مسبقة، لغرض التبشير للايديولوجيات التي آمنوا بها، وهذا النمط من التعامل لا ينتج وعياً موضوعياً من القوى الاسلامية يقارب الرؤى ويفتح قنوات الاتصال والتفاهم، بل على العكس زاد من حال الخصام وجعل الحوار أصم، كل طرف همه تفنيد الطرف الآخر، بنسب تتفاوت، اذ ان التيار العلماني استمر بهجومه معمقاً الحواجز ومثبتاً السدود التي تحول دون تأسيس وعي حواري، وقد ابقت هذه الحالة الاشكالات التي يطرحها الفكر العلماني، كما هي منذ اليوم الاول لظهورها، ولم تنفع الاجابات والحلول التي طرحها المفكرون والمثقفون الاسلاميون لانها هي الاخرى، حصرت نفسها في الاجابات العمودية ولم تطرح مشروعاً تفصيلياً يبدد قلق الآخرين حتى لو كان مصطنعاً، إذ لا يكفي الاكتفاء بالطرح المثالي للاسلام ومنظومته الاخلاقية ونظامه السياسي الذي يتأسس على العدل والشورى واختيار أهل الحل والعقد، بل لابد من تحديد دور المواطن وحدود الحريات، ومن هم أهل الحل والعقد وكيف يمكن اختيارهم وما هو دور المجالس الاستشارية او التقويمية.

والصحيح ان بعض القوى الاسلامية تؤجل الخوض في التفاصيل بدعوى ان وقتها لم يحن بعد، كما ان بعضها يردد مقولة السلف الصالح، دون لحاظ الفوارق بين بيئة السلف الصالح أو دولة الخلاف والواقع الراهن المعقد، وربما عمد البعض الى ابقاء خطابه الاسلامي عمومياً حتى لا يتعرض لاحراج


(3) حلل هذه الظاهرة الدكتور برهان غليون في مقاله الاسلام وأزمة علاقات السلطة الاجتماعية، في المستقبل العربي، العدد 128، 10/1989. ويقول الدكتور سعد الدين ابراهيم (اصحاب المشروع التحديثي اخفقوا وانتهوا بمجتمعاتهم الى ازمة، الليبراليون والاشتراكيون على حد السواء، العسكريون منهم والمدنيون). راجع مجلة صدى الاسبوع العدد 8930.


المناقشة لكن ذلك لم يمنع الجمهور العريض من قبول اطروحات التيار الاسلامي حتى غدا شعار تطبيق الشريعة شعاراً للمرحلة، الأمر الذي كان يقود المثقف العلماني الى معاضدة السلطة في استخدام الاسلحة المضادة للقوى الاسلامية عبر استخدام العدة الثقافية فى محاولة لتفكيك مضمون الخطاب الاسلامي وهدمه واستعداء السلطات ضده، ولكن لم العداوة والتحريض، وممن الخوف، وهل يخدم ذلك المجتمع؟ تأتي الاجابة في عموميات مطلقة، الخشية من الدولة الدينية، القلق من الاستبداد، الدفاع عن الحريات، الدفاع عن المكاسب التي حصلت عليها المرآة!! صيانة وحدة المجتمع الذي تهدده الاطروحة الاسلامية التي تخيف الاقليات الدينية، المحافظة على مبدأ المواطنة وتنظيم العلاقات الاجتماعية على اساس مدني (المساواة) وليس دينياً.

بيد ان هذه الاشكالات كان يمكن تجاوزها بالحوار والصراحة التي تلزم اصحابها بعد الاقتناع، بالانتقال الى خطوة جديدة، تتعهد بتقنين الشريعة دستورياً، حتى يكون هذا الدستور او المشروع السياسي واضحاً ومحدداً وحتى لا تكون هناك ذريعة للعودة الى خطاب التعارض، أي وضع الدولة الاسلامية ضمن اطار الدولة الدينية حتى يوضع في مقابلها الدولة الدينية، او توضع الديمقراطية في قبال فكرة الشورى وأهل الحل والعقد، وتوضع فكرة مساواة الرجل والمرأة في مقابل فكرة اعطاء كل جنس حقوقه ودوره.

ان الحديث الان يتركز حول مشروع المستقبل، وإذا كانت هناك اكثرية عددية تطالب بنظام سياسي تعتقد بانسجامها معه، لتعيد بناء حياتها ودولتها وفق مضامينه الاساسية، فلماذا نحاول السباحة ضد تيار الاكثرية بشعارات الدفاع عن التوازن الاجتماعي ومصلحة البلد، وقيم القوى الحديثة ومصالحها. ان ثمة تناقضاً واضحاً في موقف الداعين الى الديمقراطية، والمعارضين، في ذات الوقت الذي يجري الاحتكام اليها لتقرير مصير النظام السياسي والاقتصادي الذي تطالب به الاكثرية الشعبية، ومهمة الفئات المثقفة الان هو ان تنسجم مع اطروحاتها ولا تنجاز في مواقفها انحيازاً ايديولوجيا. فما وافق مصاحلها تبنته، وما لم يحقق اهدافها صمتت عنه، ليستمر المجتمع يكابد الصراع المضني.

فالتيارات العلمانية الليبرالية، او الاشتراكية، تحاكم الفكرة من منطلقات وخلفيات ايديولوجية بحتة، يتعانق فيها التاريخ والذات والسلطة، فتجتمع للدفاع تحت لافتة المشروع القومي الوحدوي لتقود عملية رفض وتحد في آن واحد لمطلب الجماهير وتجد نفسها متحدة مع سلطة النظام البطريكي ـ بتعبير الدكتور هشام شرابي ـ رغم انها تنتقده وتهاجمه احياناً وتحمله المسؤولية عن الاخفاق والفشل(1).

لماذا لا تتخلى القوى المناهضة للتيار الاسلامي عن شعاراتها وايديولوجيتها وتفكر من جديد بواقع المجتمع وظروفه وطرائق تفكيره، وتعيد تفصيل مشروع النهضة وفق أُسس ومنطلقات جديدة متجاوزة أخطاء الماضي، ومستوعبة تجارب حماسها الثوري، ومستفيدة من معطيات الحالة الانتقالية


التي يمر بها مجتمعها حالياً، فتمسك بلحظة مناسبة للتغيير؟ بالتأكيد ان قوى المشروع القومي من ليبرالية واشتراكية ونقدية حديثة، لا يمكنها ان تنسلخ عن قناعاتها بسهولة، وليس مهماً أن تنسلخ عنها، لكن المهم ان نتقدم خطوات عملية لمصلحة المجتمع، ومصلحة بعض الاهداف التي تؤمن وتنادي بها، ولا تحول دون حركة هذا المجتمع عبر التحالف مع أنظمة القمع ومشاركتها خندق المواجهة والتنظير لمشروعها القمعي السلطوي، دفاعاً عن ايديولوجية الحداثة، او نكاية بالتيار الاسلامي او للحيلولة دون مطالب الامة وحقها في اختيار منهج سياسي وحضاري ونهضوي جديد. ان الدوران في هذه الحلبة لم يعد يجدي نفعاً، فلا الجماهير التي نتهمها بانها نصف أمية او أمية ساكنة بلا حراك، ولا الفكر الحداثوي نجح في عبور جدران مجتمع النخبة بيد ان المجتمع يتجه نحو الاصطدام او الانفجار بعنف بضغط التفاعلات الداخلية والضغوط الخارجية، وما لم يتم ضبط هذا الانفعال بعنف بضغط التفاعلات الداخلية والضغوط الخارجية، وما لم يتم ضبط هذا الانفعال وتوجيهه الوجهة الايجابية الصحيحة، فان شظايا الانفجار لن توفر احداً، فجميع محتمياتنا مقبلة على هذه المرحلة، تأخر بعضها ام اسرع، فحتى مجتمعات الرفاه الاقتصادي الاميرية ـ الملكية في الخليج اجتازت مرحلة التفكير والتأمل، وتقدمت خطوات نحو التعبير عن ذاتها عبر الواجهات التقليدية ذاتها، علماء دين وبرجوازيات متوسطة، وقوى السلفية المعروفة. ولا يمكن التنصل من حالة الاخفاق التي وصل اليها المشروع القومي ودوله القطرية التي لم تستطيع حفظ التوازن الداخلي، او الوحدة الوطنية، وانتهى بعضها الى الاقتتال الدالي والصراعات القبلية، فيما لا زالت الدول العربية تتصدر قائمة الدول التي تنتهك حقوق الانسان وتصادر أدميته وحرياته(1).

ان الاستمرار في الدوران المستمر لم يعد ناجحاً للتهرب من المسؤولية، والاهتراء الذي دخلته مجتمعاتنا، بحاجة الى علاج حاسم ينهي حالة التقابل والتناقض بين مطلب الجماهير ومطلب السلطات التي يهمها كثيراً ان تستمر التقابل والتناقض بين مطالب الجماهير ومطلب السلطات التي يهمها كثيراً ان تستمر النخبة العلمانية المثقفة في انتاج فكر يدعم جمود السلطة ويوفر لها غطاءً فكرياً وايديولوجياً كيما تواصل حماية دكتاتوريتها باسم حماية حقوق المجتمع المدني ومكاسب العصرنة والتحديث.

والقناعة السائدة ان حالة الانغلاق والتقابل سترتد الى داخل المجتمع وتفجره من الداخل فاستمرار كل فريق ينادي بشعاراته من داخل مرجعيته الثقافية لن ينتج غير حالة استقطاب القوى وتحويل المعركة عن مسارها الصحيح اي من معركة ضد التخلف والتجزئة والتهميش وانعدام العدالة الاجتماعية وضياع الحقوق الانسانية، الى معركة تيارات تتصارع على اثبات احقيتها في قيادة مشروع النهضة المخفق وتأطيره فكرياً وسياسياً، ولان الانظمة السياسية القائمة تستمد مشروعيتها من الدفاع عن الحداثة والعصرنة والمشروع القومي فان المعركة ستقدم نفسها تحت راية التناقض بين قوى سلفية تريد اعادة عقارب الساعة الى الوراء، وبين قوى تحديثية أشد التصاقاً بالحضارة الراهنة وأكثر استيعابا

لشروط الانتقال الى مجتمع عصري متقدم!! بيد ان هذه الرؤية تجاوزها الواقع بكثير فدعاة المشروع الاسلامي المعاصر، وان اتهموا بالاصولية والسلفية ليسوا أقل حماساً للعصرنة والتحديث الوحدة(1).

بل ان قاعدة المشروعية التي يستندون اليها أوسع بكثير من مشروعية الطرف المقابل، لانها جماع عقيدة وتاريخ وولاء شعبي، واختيار حضاري ليس بالضرورة تقليداً أو محاكاة لمشروع الغرب الحضاري بالاضافة الى الدعم الذي يقدمه فشل مشروع الدولة القومية، او القطرية وعجزه عن انجاز أي من الاهداف التي سعى اليها. ان البحث عن جذور الاخفاق بموضوعية هو مهمة المثقف الموضوعي والانتهاء من مشكلة فصل الدين عن الدولة، او عدم اقحام الدين في السياسة، او ركوب الدين لحماية دكتاتورية السلطة وعلمانيتها وتبعيتها... سيكون بداية الفهم لمشكلة المجتمع وازمته الراهنة، تمهيداً لمباشرة علاج ناجح، وبغير ذلك، فان الغالبية الشعبية ستجد نفسها في مواجهة مع السلطة ومن يدعم فكرها ومشروعها السياسي، لن تنتهي بعدد قليل من الضحايا او بخسائر اقتصادية او تمزق اجتماعي محدود، ولعل بوادر ذلك تتمظهر على أكثر من صعيد وفي أكثر من أقليم ليس أقلها ما شهدته عدد من البلدان العربية في الاونة الاخيرة.

على هذا الاساس تبدو مناقشة الرؤية الداعية الى اقامة دولة اسلامية والرؤية المضادة لها، وتجاوز حالة التقابل في المسميات والمصطلحات والهواجس الى المضامين الحقيقية التي يدعو لها كل طرف وطي مرحلة الخصام الايديولوجي الى الحوار الفكري المنتج والايجابي في طليعة المهام الملقاة على طبقة المثقفين(2) إذا ارادت أداء مسؤولياتها ووظيفتها ودورها الاجتماعي المفترض بصدق واخلاص على ان التمهيد للارضية اللازمة لشروط الحوار المنتج، سيكون مقدمة واجبة ذات أهمية خطيرة لتوفير مستلزمات النجاح لهذا الحوار، فمن غير المعقول ان يظل التقابل في الوعي والافكار حبيس المسميات والمصطلحات والنوايا المبيتة، فالكشف الحقيقي للاهداف ومضامين المشاريع المناقشة الهادئة التي تأخذ بنظر الاعتبار شروط الواقع الاجتماعي، تشكل الدعامة الاساسية لبدء مرحلة من الوعي والعمل تستجيب لواقع الامة بحرص وكفاءة.

موقف العلمانية من الدولة الاسلامية

في سياق المتابعة لمكونات الخطاب العلماني بمختلف تياراته يظهر بوضوح أن هناك قلقاً حقيقياً او مصطنعاً من تأسيس الدولة على اساس الاسلام بقيمه واخلاقه وضوابطه ونظامه السياسي(3)، فالعلماني يحاكم قضية الدولة الاسلايمة من محددات ثقافية ونفسية وتاريخية تجعله يتخذ موقفاً سلبياً

(1) يقول الدكتور سعد الدين ابراهيم: الخطاب السياسي الاسلامي ينطوي في كثير من جوانبه على عناصر الحداثة لان دعاته لهم قدم راسخة في التعليم الحديث وقدم أخرى في التراث ولهذا فخطابهم يجمع بين الخطابين وبين عالمين عالم الحداثة وعالم الاصالة. انظر مجلة صدى الاسبوع، العدد 930.

(2) طالب العديد من المثقفين العلمانيين والاسلاميين بالحوار، وقد نظم مركز دراسات الوحدة العربية ندوة للحوار خرجت في كتاب وكانت لها اصداء ايجابية.

(3) يستحسن مراجعة مضمون ندوة الحوار القومي ـ الديني لانها لخصت موقف العلمانيين تقريباً.



بشكل تلقائي ويمكن ايجاز هذه المحددات على النحو التالي:

أولاً: ان تداخل سلطة الدين مع السلطة الزمنية يقود الى الاستبداد والتخلف واللامساواة والانقسامات الطائفية والتمييز.

ثانياً: ان فصل الدين عن الدولة هو الطريق الموصل إلى النهضة والعقلانية والمساواة والحرية والابداع.

ثالثاً: ان المحافظة على الذات والثقافة القومية ممكن عن طريق اقامة الدولة القومية الحديثة وليس بالضرورة عبر اقامة دولة اسلامية (دينية).

رابعاً: قوانين الشريعة الاسلامية لا تصلح ولا تكفي لادارة الدول بعد التطورات الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية والتقنية. ولا شك ان المؤشرات التي تجعل العلماني يفكر بهذه الطريقة هي صورة الغرب بعد فك العلاقة بين الكنيسة والسلطة، ونجاح الدول القومية في اوروبا، وصورة الدولة العثمانية في أواخر حياتها، فالعلماني يقيم علاقة ذهنية بين واقع القرون الوسطى ودور الكنيسة الشمولي، وبين موقع الاسلام في الدولة دون ان يستحضر الفرق الشاسع بين الاثنين،. سواء في موقفهما من العلم او في العلاقة بين الحاكم والمحكوم او في التجربة التاريخية غير ان العدة الثقافية لم تقتصر على هذه المحددات والمؤثرات في صياغة موقف العلماني من قضية الاسلام والدولة، بل ان مزيداً من الأدلة تم حشدها لمعاكسة أية دعوة ترمي الى المطالبة باعادة لحم العلاقة بين الاسلام والدولة.

فقد تم قرن التخلف بالسلطة الدينية للاستدلال على عقم المبادرة والمراهنة على استعادة العلاقة بين الاسلام والدولة، والمصداق العثماني هو وسيلة الاستدلال على ذلك، كما أحرزت الأدلة اكبر نجاحها في صدور كتاب الشيخ علي عبد الرزاق (الاسلام واصول الحكم) في عام 1925 بعد الغاء الخلافة في تركيا، وليس مهماً ان يناقش دعاة المشروع الاسلامي بالأدلة خطأ الاستنتاجات التي خرج بها عبد الرزاق ودور المستشرقين فيها بل ان الذريعة جاءت من الوسط الاسلامي نفسه لتدعيم رؤية فصل الدين عن الدولة في المجتمعات الاسلامية ثم جاء كتاب خالد محمد خالد (من هنا نبدأ) ليعضد من وتيرة الموقف المساند لفصل الدين عن الدولة، وقد اتحدت السلطة التي ورثت الاحتلال الاجنبي مع دعاة التحديث على النمط الغربي لتدافع عن هذه المقولة دفاعاً عن الذات أولاً، وللتمكن من الاستئثار بالسلطة واسباغ المشروعية عليها ثانياً.

لقد بقيت العلمانية فلسفة القوى المرتبطة بالسلطة المرتبطة بدورها في الخارج (الغرب)، لكن التحديث سمح لها بالنمو عمودياً ـ وليس اُفقياً في الوسط الاجتماعي بالدفاع عن عدد من الحريات الضرورية، كحركة المرأة، وحرية المعتقد والمساواة وحرية الانتخاب والاختيار، وصاغت فكرها بشكل مهاجم، فاذا ذكر الاسلام كنظام ودولة، أنكرت ذلك وقالت انه رجوع الى الوراء وسلفية رجعية، وإذا تحدثت عن الديمقراطية جعلتها في مقابل استبداد الدولة الدينية، وإذا ظهرت أزمة علاقة بين اقلية دينية وأكثرية فان الدولة الحديثة التي تفصل بين الدين والدولة هي الحل السحري لمشكلة التعدد والتنوع الطائفي او العرقي أو الديني(1)، وقد تكاملت منظومة الافكار هذه مستعينة بفكر الاستشراق وخلفياته ومحركاته الايديولوجية، حتى غدا من الصعب معالجة أزمة المجتمع الذي يعاني من التمزق والانشطار الداخلي دون معالجة الفكر العلماني الذي يريد شيئاً قد لا يختلف في مضمونه مع ما يرمي اليه الاسلام، في قضايا المساواة والمشاركة في السلطة، وعلاقة الراعي والرعية، والحريات المسؤولة، ودور المرأة وحقوقها، لكن التقابل الموضوع لمعاكسة الدعوة الى تطبيق الاسلام، يضيع على المجتمع حقه في ان يستظل بسلطة مقتنع بها تنسجم مع عقيدته وتعيد التواصل مع تاريخه وتضعه في تيار الحضارة والعالمية دون خسارة لخصوصيته وذاتيته ومنظومة إخلاقه وقيمه الدينية والاجتماعية.

ان الاسلام والعلماني قد لا يختلفان بالضرورة في الاهداف الاجتماعية التي يسعيان اليها بل في الخلفيات الفلسفية في موقع الدين من الحياة والكون. فاذا كان الاسلامي يراها من منظورات عقيدته وحضارية وان الاسلام لابد ان يقود مسيرته، فان العلماني يريدها علاقة فردية بين الخالق والمخلوق، لكنه يريد للحياة ان تتأسس وفق معايير العدالة والتضامن الاجتماعي والمساواة والحريات.

ان الخلاف هنا حول المنهج والوسيلة التي تحقق النظام الامثل بما في ذلك النظام السياسي. فالاسلامي يراه في الاسلام، أما العلماني فانه يتكىء على فلسفة الغرب ونموذجه الحضاري، ويرى ان التقنين الغربي حديث فيما تقنين الاسلام تراث ليس من ضرورة لاعادة العمل به بعد ان تجاوزته حركة التاريخ!!

وللحقيقة، فان جل الهجوم المضاد للفكرة الاسلامية انما ينبعث من نقد فكر الجماعات والقوى الاسلامية، بوصفها تنقل عن الاسلام وتريد تطبيقه، فتثير خوفاً وهلعاً لدى التيارات الرافضة، له ان الهجوم على فكرة الحاكمية الالهية التي صاغها أبو الاعلى المودودي، او التركيز على فكر سيد قطب خصوصاً كتابه (معالم في الطريق)، او في استعراض مواقف حزب التحرير، والجماعات الاسلامية المصرة على نظام الخلافة، وموقفها من الاقليات الدينية او نقد تصرفات الجماعات الاصولية، كل ذلك يجري لهدف واحد، وهو الحيلولة بين الاغلبية وطموحها لاعادة الاسلام الى موقعه في حياة المجتمع(2).

ولا شك ان فاصلة التخلف التي تتسع بيننا وبين الغرب تزيد من تمسك العلماني بدعواته، فتخلف المسلمين يغري العلمانية بالانغلاق في مواقفها، لتصوغ موقفها على اساس انها تمثل العصر، والاسلاميون يمثلون التراث، ولم ينفع استدلال الاسلاميين على ان استمداد السلطة من الاسلام لا تعني العودة الى نمط الدول اليثوقراطية، او الاتوقراطية، أو الاوليغاركية او الدكتاتورية في اقناع العلمانيين بان

(2) يمكن الرجوع الى كتاب الحركات الاسلامية المعاصرة في الوطن العربي الذي أصدره مركز دراسات الوحدة العربية، وكذلك ندوة الحوار القومي الديني في الفصل المتعلق بتطبيق الشريعة الاسلامية للاطلاع على طبيعة الحوارات والنقاشات التي دارت حول موقف الرافضين لتطبيق الشريعة

رقابة المجتمع الصحيحة تمنع الاستفراد بالحكم والاستبداد(1)، بل ان جعل الاسلام مصدر التشريع ليس معناه انسداد الافق امام التقنين للمشاكل والقضايا المعاصرة، فباب الاجتهاد المفتوح وقدرة الفقه الاسلامي على التجدد ومتابعة التطور يلغي أي نوع من المخاوف والقلق على حركية المجتمع وتطوره وملاحقته للحداثة والعصرنة، وكما لا يعني حصر التشريع في الاسلام استعادة قوانين تاريخية شرعت لمجتمع بمواصفات مختلفة، فان وضع قوانين ادارية وتنظيمية هو من صلاحيات الحاكم الاسلامي وليس هناك حالة انسداد قانوني، بسبب مرونة التشريع الاسلامي ووضوح الثابت والمتغير(2)، الطبيعي والاستثنائي في منظومة الفقه الاسلامي، لكن ذلك كله تم تجاوزه واهماله لمصلحة الدفاع عن ايديولوجية المشروع القومي المستند الى العلمانية والحداثة. ولاحظنا ان الخطاب السياسي العلماني سعى الى تأسيس نفسه في مقولات انتجها بذكاء معتمداً النصوص الاسلامية ذاتها عبر طريق التأويل وفهم النص بطريقة جديدة. فاذا قال الاسلاميون ان الاسلام عقيدة ونظام ودولة، قالوا ان الدولة ظاهرة حديثة بالمفهوم السياسي، بينما لم يقل الاقدمون في تعريق الاسلام سوى انه عقيدة وشريعة(3)، وعليه تكون الدعوة الى الدولة الاسلامية ذات مضمون ماضوي بمعنى انها تريد استرجاع صيغة الدولة الاسلامية السالفة التي تقوم على مبدأ الخلافة.

وبما ان الخلافة ليست امتداداً للنبوة من حيث تلقي الوحي واستمداد السلطة من الله (بل) انها نظام بشري وليست نظاماً دينياً، من هنا لن يكون هناك الزام ديني باستمرار هذا النظام ولا بالعودة الى هذا النظام(4) وحينما لا ينتج فكر الجماعات الاسلامية السياسي غير نظرية الخلافة التي يختارها أهل الحل والعقد من المسلمين. ويتجمدون بها(5)، فان موقف القوى المناهضة لفكرة الدولة الاسلامية يسترسلون في الجدل النظري لاثارة دخان من الافكار والتساؤلات يعمي البصيرة ويعدم الرؤية، فتبدأ سلسلة من التساؤلات لا تنتهي: إذا كان نظام الخلافة غير ملزم ولا مستساغ في العصر الحديث، هل لدى الاسلاميين صورة اخرى عن النظام السياسي الاسلامي الذي يريدون تطبيقه؟ وكيف سيتجاوزون مشكلة الخلافات القومية والدول القطرية والفواصل الطبيعية التي باعدت بين المسلمين؟ هل يقبلوم ثلاً بدول اسلامية متعددة، أم دولة واحدة يحكمها خليفة ويكون له نواب في الاقاليم
(1) يرجع بهذا الخصوص الى مداخلات السادة، أحمد كمال أبو المجد، محمد سليم العوا، فهمي هويدي، ومحمد عمارة، في ندوة الحوار القومي الديني.

(2) يمكن الافادة من ملاحظات السادة طارق البشري ومحمد سليم العوا والسيد محمد حسن الامين في المصدر السابق، وكذلك طارق البشري في مجلة منبر الحوار العدد 13 السنة الرابعة، ربيع 1989، 1410هـ، في حوار حول تطبيق الشريعة.

(5) ناقش الشيخ محمد مهدي شمس الدين صيغة نظام الخلافة وبين نواقصه، لاحظ المشروع السياسي الاسلامي وآفاق المستقبل، مجلة الغدير، الاعداد 14، 15، 16 الصادرة في حزيران 1991 ـ ذي الحجة 1411هـ.

وإذا انتهت التساؤلات الفكرية والنظرية المتشعبة، لا يأبى قسم كبير من المنادين بفصل الدين عن الدولة بالدفاع عن النظم القائمة والاحتجاج بان الحاكم مسلم يصوم ويصلي ويبني المساجد وان دستور البلاد ينص على ان دين الدولة الرسمي هو الاسلام، وان الاسلام هو مصدر التشريع، أو أحد مصادر التشريع، فماذا يريدون اكثر من ذلك؟(2).

ولا ينتهي الجدل والنقاش بل يتواصل في مسالك تجدد كل مرة، دون الاستفادة من التواصل او محاولة مراكمة النتائج للوصول الى النتيجة النهائية. وهكذا لا يجد المتابع للخطاب العربي المعاصر المتعلق بالاسلام والدولة، إلا تدافعاً فكرياً لا ينفصل عن خلفيات ايديولوجية، بل هو الاحتجاج الدائم، ومن طبيعة المقال الاحتجاجي انه لا يتوقف عند موضع محدد، ولا يجيب على التساؤلات بدقة وتحديد بل يميل الى الخلط المنهجي ويستعين بمناهج مختلفة ويعمد الى التغطية على القضايا الحقيقية لينصرف الى قضايا فرعية او هامشية(3)، وهذا النمط من التفكير خارج الواقع، يزيد من تراكم مشاكل الواقع، حتى غدت الامور التي نواجهها وكأنها قدر المجتمع فلا يبرح مغادرة مشكلة حتى يواجه اخرى من سنخ الاولى، وسيكون الدوران المستمر هو سمة حركة المجتمع لا الحركة الخطية التي تعالج المشكلات الواحدة بعد الاخرى والتي ينتجها الزمن المتحرك الى الامام.

وإذا استمر الانغلاق في المواقف والهروب الدائم من المسؤولية، فلا يستبعد ان تلجا كل قوى المجتمع المسيسة والمؤطرة بايديولوجيات مختلفة الى استثمار هذا الوضع، لتقود حرباً ضد الاخرى، بالعنف او باللجوء الى سرقة السلطة وحمايتها بالقوة المسلحة لمنع القوى الشارعية والمؤثرة من الوصول الى أهدافها، ومستفيدة من المبررات والمسوغات التي تسمح لها بذلك، او بالتحالف مع السلطات القائمة ذات المنهج الذرائعي التي تعمل على البقاء في الحكم باي وسيلة سواء في تبديل الشعارات او في انتهازية المواقف، فاذا مالت كفة الشارع لصالح تيار معين، انحازت السلطة اليه، وتخلت عن مواقفها وسلوكاتها القديمة، ويبقى المجتمع عرضة لامراض تفتك به من جراء هذا الصراع، فيجد تخلفه لا يتزحزح، ووحدته مهزوزة، وحرياته في تناقص مستمر، ولا يعدم التحليل النفسي او الاجتماعي القاء تبعة ذلك على العقلية النصوصية المتخلفة التي تعيش في الحاضر وعقلها في الماضي، والتي تأبى الدخول في تيار الحضارة وترفض العيش بعصرنة. لانها لم تنفتح على الثقافة العالمية ولم تستفد من تطورات النظم والقوانين والافكار والسلوكات. ولكن أيجدي هذا الخطاب نفعاً؟ بالطبع لا، فالذين توجه اليهم هذه الشتائم يزدادون تعلقاً وارتباطاً بقيمهم وعقيدتهم وافكارهم والطموحات النابعة من هذه الافكار، ولان التيار القومي العلماني التحديثي أقلية فانه أخفق في ان يصير أكثرية رغم ان السلطات القائمة


(1) قدمت في هذا الصدد بعض الاجوبة، راجع الدكتور حسن الترابي في الصحوة الاسلامية والدولة القطرية. السفير في العددين الصادرين في 30/3/1987 و31/3/1987.

تنتهي اليه ويستفد من دعمها واجهزتها، مثلما يستفيد من الدعم السياسي والثقافي الخارجي ويستطيع امثال الدكتور هشام شرابي ان يسوغ ذلك ويدافع بطريقة الهجوم بالقول ان البنية البطركية المتخلفة والعلاقات الاجتماعية التي تبنتها هي التي حالت دون ذلك (ولم تتمكن العقائد العلمانية «الاصلاحية، الليبرالية، الاشتراكية» من غرس جذور عميقة في تربة النظام البطركي الحديث، لا لان هذه العقائد غير قابلة للتطبيق على البنية الاجتماعية العربية، بل لانها بالاحرى شوهت عند نقلها الى أشكال بطركية حديثة) ص98.

ماذا يريدون الاسلاميون؟

على العكس من التيار العلماني، فان القوى الاسلامية بمختلف اتجاهاتها، سلفية وعصرية، تغييرية واصلاحية تتفق على ان اقامة الدولة الاسلامية او اعادة تأسيس الدولة وفق الشرع الاسلامي هو هدف مركزي مقدس يستبطن ضروراته ومبرراته من العقيدة والمنهج الحضاري والتاريخ وظروف المجتمع وواقعه الراهن، ولا يدخل الهدف السياسي، الوصول الى السلطة كدافع رئيسي في الشعارات التي ترفع مطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية. رغم عدم امكانية نفي ذلك بالمطلق(1) لكون ان الوعي الاسلامي المعاصر، يمتلك مقولات تنتظم في خطاب طاغ يمتلك وضوحاً كافياً في الاهداف التي يسعى اليها، وصيغة هذا الخطاب انه يتدرج من المفاهيم والمقولات البسيطة الواضحة التي تبدأ من تعريف الاسلام أولاً، وشمولية الشريعة وضرورة تدخلها في تقنين السياسة والحكم والعلاقات الاقتصادية والقيم والاخلاق، والموقف من الاخر، ثانياً، الى الدراسات المعمقة التي يقوم بها مثقفون اسلاميون يعالجون أزمة الحضارات بشكل عام وازمة الواقع الاسلامي الراهن، واسبابه وسبل علاجه.

ولابد من الاعتراف ان الخطاب الاسلامي ينطوي على تنوع كبير يتراوح بين الدعوة الى تطبيق مماثل للتجربة الاسلامية التاريخية، وبين فكر منفتح اجتهادي متقيد باصول وفقه الاسلام يدعو الى وعي كبير للثابت والمتغير ويفهم مقاصد الشريعة وغاياتها دون افراط ولا تفريط، وإذا كان من الصعوبة تحديد صياغة واحدة لشكل النظام السياسي لدى الاسلاميين بسبب الاختلاف المذهبي والتعددية في الرأي لكن الأطر والأسس العامة التي يستند اليها النظام السياسي لا تختلف في جوهرها، لانها تنهل جميعاً من المنهجية المعرفية الاسلامية وتجارب الحكم الاسلامي التاريخية. وربما دخل عامل اختلاف الوعي في انتاج انواع من الفكر السياسي الاسلامي الذي تناول قضايا الاسلام والحكم لادارة وتنظيم الدولة لكن هذا التعدد لم يلغ الاصول العامة التي تحرك جميع القوى الاسلامية بل عموم المسلمين في تشكيل موقفهم من قضية الدولة الاسلامية.

ويبدأ أصل القضية من موضوع الالتزام بالصبغة الاسلامية والتقيد بالاحكام وما حلل وما حرم باعتبار ان أحكام الاسلام سماوية وانه لا يمكن بحال استبدال الارضي بالسماوي مهما علت قيمة الاول، إذ سيبقى النقص الناشىء من نقص الانسان الذي صاغها، سمتها العامة. ولان المسلم يعي عقائدياً عدم

جواز تعطيل شريعة الله او اقصائها عن الحياة، وان سعادته تكمن في الاخذ بها وتطبيقها لذلك فانه يعيش ولاءً لدينه وشريعته، ولاء امتثال وطاعة وتعبد تزيدها النصوص الاسلامية، القرآن والسنة، حيوية وتجدداً، ولهذا تبدو مقولة توظيف الاسلام للوصول الى الحكم مغرقة في التأويل الشديد والايديولوجية الحربية، لانه اذا كان هناك من يطمح لبلوغ السلطة عبر الشعار الاسلامي فان هذا الاستثناء لا يصح تعميقه على قاعدة واسعة من المسلمين تعتقد ان واجبها هو الدفاع عن الاسلام بما هو نظام وشريعة وطريقة حكم ومستعدة للموت من أجله.

وليس غرض هذا البحث اعادة عرض ادلة المسلمين بوجوب تأسيس الحكم والنظام السياسي على أساس الاسلام إذ تمتلىء المكتبة الاسلامية بعشرات الابحاث والكتب التي تأتي في صورة أدلة من القرآن وعلم الكلام(1) بيد ان هذه الأدلة، يصادرها المعارضون بالعودة الى تأويل النصوص الاسلامية وفق مشتهياتهم، أي ان الدعوة الى قراءة نصوص الاسلام من جديد، قراءة تاريخية ظرفية عبوراً على قنطرة التأويل والاجتهاد المفتوح بلا قيود ولا ضوابط(2)، أعطى التيار المعارض فسحة في انتاج فكر يلغي مضمون الفكر السياسي الاسلامي جملة وتفصيلاً، فيصبح الرسول (ص) ذا مهمة تبشيرية، تبليغية، ويصير الاسلام ذا مفهومين: الاسلام الديني، والاسلام الحضارة، وتغدو بديهة اقامة الدولة الاسلامية حاجة اجرائية تنفيذية كما ان نشأة الدولة في الاسلام كان أساسها الملك وليس الدين وان شكل الحكم في العصر الحاضر متروكة للمسلمين لانه لم يرد فيها نص قرآني(3).

وهكذا استعيدت أقوال المستشرقين من جديد ومن بعدها أقوال الشيخ علي عبد الرزاق(4) ليستمر العقل السجالي في الدوران على موضوعات لا يريد تجاوزها، غير ان الجدل الايديولوجي بين دعاة الاصالة كما يُطلق على الاسلاميين ودعاة المعاصرة، كما يحب الحداثيون ان يسمون أنفسهم، لابد ان يُحسم ذاتياً أي من الطرفين حتى لو كان هناك فكر مهاجم وآخر مدافع وظالم ومظلوم، لانه إذا سلمنا بصدق النوايا، فالقضية لابد ان تصل الى الاختيار المنهجي، إذ كفى ضياعاً وتردداً وحيرة، فالإنسان المسلم هو هو لا يستطيع كل تيارات الحداثة ان تقتلعه من تاريخه وجذوره ومكوناته المعرفية. وحتى لو نجحت عمليات التحديث الغربية في جذب فئات من المجتمع، فان العودة الى الهوية الاسلامية لم تأت كردة فعل فحسب، ولم تتبناها الفئات المسحوقة في المجتمع والمهمشة والضائعة التي سحقتها آلية

__________________________________

(1) تشمل القائمة كتباً عديدة لشخصيات شهيرة كأبي الاعلى المودودي في كتابه نظرية الاسلام وهديه، وعبد القادر عودة في الاسلام واوضاعنا السياسية، ومحمد المبارك في نظام الاسلام ـ الحكم والدولة، والامام الخميني في الحكومة الاسلامية، والشيخ تقي الدين النبهاني في نظام الاسلام.

(2) يشار في هذا الصدد إلى كتابات محمد أرغون وامثاله، الذي يسعى الى تفسير النصوص المقدسة والاسلام والثقافة الاسلامية بنهج جديد معتمداً على العلوم الحديثة ومناهجها الالسنية وعلم الرموز والانثروبولوجيا وعلم الاجتماع والتاريخ. أما الشرط الضروري لتحقيق هذه القراءة الجديدة، فقائم على اثبات صحة نهج علماني متعدد الزوايا لتفسير القرآن. راجع البنية البطركية ص100 والردود على كتابات ارغون في الحوار.

(3) محمد أحمد خلف الله، مصدر سابق.

(4) راجع نظرية التراث. الدكتور فهمي جدعان. دار الشروق عمان 1985، حيث أشار في بحثه نظريات الدولة في الفكر العربي المعاصر إلى انه يصعب تبين وجود فرق حقيقي بين الرجلين (علي عبد الرزاق ومحمد أحمد خلف الله) ص98.



الاقتصاد التابع والتي استبعدتها الفئات المسيطرة التي تنتمي الى نخبة الحداثة وجعلتها تلوذ بالاسلام للحفاظ على ذاتها وللتعويض عن الحرمان والتهميش بالمثل العليا التي ينادي بها الاسلام في المساواة والعدالة الاجتماعية(1)... لا، بل ان التحليل الصحيح لحالة الاحياء الاسلامي، او الصحوة الاسلامية، هو وصول المجتمع الى مرحلة الانسداد والازمة الشاملة، لان اخفاق التحديث على النمط الغربي وعجز شعارات المشروع القومي «العلمانية» جعل الناس تتجه آليا الى التمسك بالاسلام كخيار لمواجهة مركزية الاستتباع الغربية ولانقاذ نفسها من الوضع الحرج الذي وصلته الدولة القطرية، وهكذا تبدو المطالبة باعادة تشكيل النظام السياسي مسألة اختيار بين منهجين، منهج جرب ومضت على تجربته مائة عام أو أقل، ومنهج يريد وصل التاريخ الحاضر بالتاريخ الاسلامي، ويردم هوة القطيعة التي أحدثها الغزو الاستعماري والهيمنة الحضارية الغربية دون ان يكون ذلك نكوصاً الى الوراء، او غلبة للخرافة او تخلفاً عن ركب الحضارة.

ان امتلاك المستقبل يتوقف على تحديد الموقف من الاخر الحضاري، وإذا اتفقنا على ان آلية الأخر هي التعمية وفرض (عالميته) على حساب الآخرين، فان هذا الموقف لابد ان يتأسس على نتائج التجربة التي طبقت في بلادنا الاسلامية، ففرض الفكر والنظم السياسية ونمط الثقافة والاستهلاك والنظام الاقتصادي لم ينقلنا الى مرحلة الحداثة ولم ينقذنا من التبعية بل لم يوحدنا في الفكر السياسي والعلاقات والمواقف فاستمرأنا الصراع الداخلي بين دعاة المشروع السياسي الواحد الحاكم، وضاعت الوحدة واستمرت التجزئة، بل ان مفهوم الامة القومية، انزلق في الممارسات السياسية الى الحضيض فأطلت القبليات السياسية والحزبية تفعل فعلها المدمر. جرى كل ذلك تحت يافطة الحداثة والعصرنة، لان القائمين عليها عصريون حداثيون.

ماذا يقول الاسلاميون في مقابل ذلك؟ ان الاجابة على السؤال تستدعي عرض الحلول الاسلامية التي تتكىء على تأسيس الدولة على قاعدة الاسلام، وقد ظهرت في الاونة الاخيرة مقالات من خارج أطر التيارات الاسلامية تؤيد صدق دعاوى الاسلاميين، فالقوى الاسلامية تقدم حلولها ليس باللباس العقائدي وحده، بل بعرض نتائج التجربة السياسية والتشريعية التي قطعت مع الاسلام للبرهنة على ان اختيارها لا يعتمد البعد الايديولوجي وحده، بل البعد الحضاري، والاسلاميون يضعون حلولهم على الشكل التالي:

أولاً: ان الدولة الاسلامية اختيار منهجي وحضاري لان المجتمع مسلم ومحتواه الداخلي وعلاقاته واخلاقه وايمانه العقائدي ورؤيته الفكرية للكون والحياة والانسان متأسسة على اساس الاسلام، ولا تنجح تجربة تشريعية وسياسية لمجتمع لا تأخذ بنظر الاعتبار بنية المجتمع وثقافته وعقيدته التي تتحكم بسلوكه(2). وأي اطار حضاري او نظام اجتماعي لا ينبثق فكرياً وأيديولوجياً من الاسلام فهو غير


مشروع في نظر الامة، لانه لا ينسجم مع مشاعرها ونفسيتها وتركيبها العقائدي والتاريخي(1).

لذلك لابد ان تؤخذ هذه القضية بنظر الاعتبار عند الحديث عن شكل النظام السياسي، لان الاقتناع هو سبيل البناء(2)، وتجاوز التخلف.

ثانياً: «بقيام الدولة الاسلامية يوضع حد لمأساة الانشطار والتجزئة في كيان الفرد المسلم الذي تفرضُ عليه ولاءات متعارضة في حياته، فالمسلم الذي يعيش في ظل انظمة تتعارض مع القرآن والاسلام يجد نفسه مضطراً الى ممارسة التناقض في حياته باستمرار... ويظل في داومة هذه الولاءات المتعارضة لا يجد حلاً للتناقض إلا بالتنازل»(3) وهذا التنازل أما يكون على حساب ذاته وثقافته وهويته، او على حساب دوره الاجتماعي فيتحول الى طاقة سلبية. وهذا هو واقع الانسان المسلم الذي واجه صيغة الدولة الحديثة باللامبالاة او بالخضوع القسري المصحوب بعنف دائم أدى الى الشلل الشامل والتوتر المستمر، مما جعل الدولة ممثلة بالسلطة الحاكمة تعوض عن نقص الاعتراف الداخلي بها بالتبعية المتزايدة للخارج لضمان أمنها واستمرار سلطتها.

ثمة سؤال يطرح في هذا الصدد، وهو إذا كانت الدولة الاسلامية تعالج ثنائية الولاء لدى الانسان المسلم، فما هو موقفها من انسانها غير المسلم؟ وهل يعني ذلك ان هذا الانسان ستفرض عليه معاناة تعارض الولاء، بين دينه وقيمه وبين قوانين وقيم دين الدولة؟ جواب الاسلاميين هو الاعتراف بالحقوق والواجبات المتساوية لغير المسلمين فيى المجتمع الاسلامي، فليس هناك مشكلة اقليات دينية بالمعنى الحقيقي بل هي مشكلة مصطنعة تستوحي مخاوفها مما حصل في التجربة العثمانية، لتستعيد ذكريات نظام الملل، او أهل الذمة، وكأن المشكلة في المسميات والمصطلحات، لا في المضامين. على ان القوى الاسلامية تقريباً والتجربة العملية في ايران، اثبتت تجاوز الفكر السياسي الاسلامي لكل مخاوف الاقليات الدينية، فالاقرار بالمساواة وعدم التمييز وحق ابداء الرأي والمشاركة السياسية، وحق العبادة وغير ذلك من الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية يكفلها التشريع الاسلامي، ولا يقول احد خلاف ذلك إلا استثناءات في فكر بعض الجماعات الاسلامية الصغيرة، التي ولدت فكرياً وسياسياً كنتاج لحالة القمع الشديد التي تعرض لها الاسلاميون، فلجأت الى المفاصلة والجذرية في المواقف(4).

اما الموقف من حقوق المرأة، فهذه القضية أوضحتها كتابات القوى الاسلامية والمفكرين الاسلاميين، وعالجتها في جميع جوانبها(5) فثمة نقاشات لا وجه لها في قضية الحجاب(6) والميراث،


(2) ناقش قضية المنهج الاستاذ منير شفيف في الفصل الاول من كتابه الاسلام في معركة الحضارة، دار الكلمة للنشر ـ بيروت ط1 1982.

(3) السيد محمد باقر الصدر، منابع القدرة في الدولة الاسلامية، ص34، وكذلك السيد محمد حسن الامين، الحوار القومي الديني، ص226.

(4) يراجع بهذا الصدد العرض الذي قدمه فهمي هويدي لمواقف القوى الاسلامية بما فيها ايران من الاقليات الدينية في الصحوة الاسلامية والمواطنة والمساواة، في السفير في العددين الصادرين في 9 ـ 10/4/1987.

(5) راجع الشيخ محمد مهدي شمس الدين في منبر الحوار، مصدر سابق.

(6) الدكتورة شيماء الصراف، وضع المرأة في الشريعة الاسلامية، منبر الحوار، العدد 13 ـ السنة الرابعة، ربع 1989 ـ 1410هـ.



وهما العنوانان اللذان يستأثران بثلاثة أرباع النقاش والجدل المستمر، لان الحجاب والميراث خصهما النص الاسلامي بوضوح لا يقبل التأويل والاجتهاد، وهل الدفاع في جوهره عن سفور المرأة أم عن دورها الاجتماعي؟ فاذا كان الحجاب يحد من دورها وقيمتها ويضايقها في ارتياد العلم او المشاركة في عمليات البناء والنشاطات السياسية والاجتماعية وحتى العسكرية، فثمة وجه للنقاش، أما إذا كان الدفاع عن السفور دفاعاً عن قيم الجمال والحرية الفردية، فالاعتقاد هو ان المشكلة مصطنعة، فالمرأة في التشريع الاسلامي لها الحق الكامل في المشاركة في معظم الانشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية(1)، إلا تولي أُمور الامة والقضاء، فهي حرة في جميع تلك الانشطة عدا الاستثناءات القليلة، وقد قدمت ايران نموذجاً بالغ الحيوية، إذ المرأة المحجبة شاركت بفعالية في الثورة وفي الدولة، فيما بقيت المرأة التي سلكت مسلك التغرب، تعيش على هامش المجتمع والاحداث، ومظهراً من مظاهر التبعية والشلل والحالة الاستهلاكية والضياع(2).

ولا تبدو دعوات منع الاختلاط او منع المرأة من حق المشاركة في الانتخابات والتصويت إلا حالات شاذة يتبناها تفكير مغرق في السلفية، لا يصح تعميمها على القوى الاسلامية. ان جعل حقوق المرأة الغربية معياراً لحقوق المرأة في الاسلام، هو حالة استلابية ينبغي الانتهاء عنها، فشعار تحرير المرأة لم يعد يعني نفي الظلم الاجتماعي الذي لحق بها، بل أصبح سلاحاً حداثوياً لتبرير ايديولوجية الحداثة، واعادة النقاش فيما هو حق للمرأة وفق النمط الغربي واعتبار ذلك بمثابة معيار عالمي لحقوق المرأة لا ينتج تغييراً في واقع المرأة ودورها الحالي بل يطرح قضية السلوك الاخلاقي من وجهة نظر سلبية. من وجهة نظر سلبية، حينما يصبح ملاك التصرف الاهواء الغريزية. ولا نعتقد ان مجتمعنا العربي سيقبل بحالة كهذه، بل ان التقيد بالخلق الاسلامي عند النساء المتعلمات والجامعيات، وسيادة وعي جديد بدور المرأة مناقض للوعي الذي فرضته الهيمنة الثقافية والحضارية الغربية هو من أبرز علامات حالة الصحوة الاسلامية الراهنة.

ان مشكلة التيار العلماني حينما يطرح قضايا المرأة وحقوق الانسان، والقلق من الفتن او وحدة المجتمع الوطن، هو حكمه المسبق على نوايا الاسلاميين من خلال بعض التصرفات، او عبر بعض الافكار المبثوثة هنا وهناك فيقوم بجمعها من شتاتها ليصوغ منها خطاباً مناقضاً للمشروع الاسلامي يضمنه مخاوفه لانه لا يجد في بعض الاحيان جواباً واضحاً، لان الاسلاميين لا يميلون الى التفاصيل، ولا يحددون القضايا الخلافية، ويضعون الاشياء في مواضعها بدقة ووضوح. ولذلك سرعان ما يلجأ

(1) تجدر الاشارة الى أبحاث قيمة في موضوع الحجاب، راجع على سبيل المثال كتاب مسألة الحجاب، الاستاذ مرتضى المطهري، الدار الاسلامية، ترجمة حيدر آل حيدر، بيروت 1987.

(2) لآية الله الامام الخميني، موقف نموذجي من المرأة، إذ خصها في خطبه وبياناته ببلاغ خاص لا من منطلق الاشادة والاحترام النظري، بل كان محرضاًلها على القيام بدورها الاجتماعي كاملاً غير منقوص في الاطار الواسع الذي تفحه الاسلام، وأوجب على الناس تعلم الفنون العسكرية دون ان يعيقها حجابها الاسلامي.



الخائفون من الحكم الاسلامي الى الاعراب عن خشيتهم على الحريات كحرية الاحزاب والصحافة والتعددية لان الاسلاميين في نظرهم يحرمون الاحزاب، او لا يقرون التعددية، او يلجأون الى القمع لمن لا يتفق معهم في الراي، على ان هذه المخاوف يمكن تبديدها بالدعوة الى عقد مؤتمر دستوري يشارك فيه الفقهاء والمفكرون وذوو الراي وتبحث القضايا بدقة وتقنن في صفة دستور يكون ملزماً بعد الاتفاق عليه لجميع القوى العاملة في الحقل السياسي والاجتماعي.

لقد صاغت ايران دستورها بمشاركة كافة التيارات باستثناء الماركسية، وجرى اختيار المندوبين بحرية وبالاقتراع السري المباشر، وتم تثبيت مبادىء الدستور الاساسية لاسيما مبدأ ولاية الفقيه. فهل الصحيح القول ان أقلية لم تكن راضية عن هذا المبدأ، إذا قبلت به الاكثرية، ثم عرض الدستور على الشعب فنال ثقته. قد يجوز الاعتراض بان الدستور لم يطبق حرفياً، وان الحقوق التي أقرها الدستور ظلت غير مطابقة للواقع، او ان الوقع لا يطابقها لكن الخلل ليس على عاتق التقنين بل من مسؤولية التنفيذ والفرق شاسع بين القانون الاساسي ومجري القانون وللاحتجاج على القضيتين ميدانهما القانوني والسياسي لأن الممارسة لا تلغي الأصل، والجدل حول الدولة الاسلامية متركز على النظرية لا التنفيذ. وهذا هو الذي يمد الجدل بمادته الأولية، لأن الاسلاميين يعتقدون ان الطعنة انما توجه للاسلام، وهو ما لا يجوز شرعاً وعقلاً.

ومن الانسجام بين النظام السياسي وشرعية القوانين وبين تركيبة المجتمع النفسية والعقائدية، فان التعبئة ضد التخلف او التحديات الخارجية تصبح ممكنة بالمركب الحضاري الذي يبدعه الاسلام، ومن هذه النقطة بالذات لا يصبح هناك تعارض بين حركة المجتمع وحركة السلطة، ولا تبدو هناك حاجة لاستخدام العنف والاكراه، ولا تعود القوانين سلطة قمعية مفروضة بل وسائل للضبط الاجتماعي والتنظيم الاداري، ولا يرتكس القانون في الماضي بل ينسجم مع حركة الحاضر وآفاق المستقبل من خلال بابالاجتهاد المفتوح فـ(هناك مجال واسع لتطبيق القانون الوضعي في مساحات كبيرة واسعة في الحياة العامة لا باعتباره قانوناً وضعياً وانما باعتباره قانوناً شرعياً، وهذا ينشأ من وجود مناطق الفراغ في التشريع الإسلامي التي يمكن ان تكون احكامها مجالاً لاجتهاد الفقهاء انطلاقاً من القواعد العامة الكلية في الشريعة وعند هذا الطريق يمكن الاستفادة من القوانين الوضعية في المجتمع الاسلامي الحديث(1)).

اما الحدود فهي جزء ثابت في الشريعة الاسلامية وغير قابل للتأويل من حيث المبدأ. ولذا فلابد من الالتزام بتطبيق الحدود في أي تقنين، في الحدود التي علم بثبوتها بالضرورة في الشريعة الاسلامية، وأما موارد الخلاف الفهقي فتبقى مجالاً للاجتهاد على مستوى التشريع او على مستوى التطبيق وعند هذا المستوى من الوعي، لا يكون ثمة تعارض بين تطبيق الاسلام وبين المعاصرة والتطور، فمرونة التشريع وحركية الاجتهاد تجعل السبيل معبداً امام استيعاب افرازات العلم والتقنية، لكن ينبغي التحذير من التأويل غير المنضبط باسم الاجتهاد، وهو اجتهاد مطلق وبلا قيود ولا قواعد أصولية من

قبيل تأويل الحجاب الاسلامي وميراث المرأة، وقراءة النصوص المتعلقة بهما قراءة تاريخية.(1)

ان المجتمع العربي يمر بمرحلة هي الاخطر في تاريخه، وهو ينتظر حلاً لازمته يكسر الجمود الذي يسيطر عليه، وقد مالت الاراء الى ترجيح نجاح المشروع الاسلامي في احداث التغيير المنتظر. يقول الدكتور فؤاد زكريا (إذا حدث تغيير ثوري في العالم العربي فسوف يكون على يد القوى السلفية! وليس أبداً على يد قوى التنوير!)(2).

أما الدكتور هشام شرابي فيقول في تكاب البنية البطركية ان هذه الحركة ويقصد الاسلامية تشكل حالياً أكبر قوة ثورية (وثورية معاكسة يمكن قيامها في هذا المجتمع وفي هذه المرحلة. ان قدرتها على زعزعة الاوضاع القائمة يتبدى في تحول الوعي الذي أصبح امراً واقعاً لدى فئات كبيرة من جماهير الشعب)(3).

وهناك جواب للدكتور سعد الدين ابراهيم عندما سُئل عن رأي له مضمونه (ان التيارات الاسلامية يمكن ان تكون التيار الاقوى المتحول لقيام نظام دولة ومجتمع أفضل، فقال: أجل فمن قراءاتي للماضي والحاضر أرى ان التيار الاسلامي هو احد التيارات المهيأة لتحقيق الوحدة العربية)(4).

ان هناك اجماعاً على ان التيار الاسلامي هو تيار الجماهير فقد (استطاع الاسلاميون ان يفعلوا ما لم تستطيع فعله النخب الاخرى وهو الوصول الى قطاعات واسعة من الجماهير)(5) وغدت الحركة الاسلامية الاصولية المعبر القوي عن مشاعر الجماهير المحروقة واعتقاداتها بشكل لم تحققه اية ايديولوجية أخرى... حركة تفوق جميع الحركات السياسية السابقة)(6).

وازاء حركة جماهيرية تفهم ما تريد ومنتشرة على طول الوطن وعرضه، وقادرة على التعبئة العقائدية والنفسية وتطرح بديلاً حضارياً خلاصياً، فان المعاكسة لا تبدو خدمة للشعب وللنهضة ولحرية الانسان وحقوقه ووحدة المجتمع وسلامته، بل ستكون محاولة من النخبة لفرض نفسها بطريقة لا ديمقراطية وباسلوب لا حواري وبمنهج لا يحظى بالاعتراف والشرعية. ترى أيمكن ان تتحقق نهضة امة ووحدتها وترتفع لها راية في الصراع الحضاري بدون اقتناع الجمهور؟ هده دعوة للذين اقتنعوا بان الديمقراطية الحقيقية هي مفتاح الحل لازمة مجتمعنا السياسية والتنموية لكي ينسجموا مع ما اقتنعوا به، ولنحتكم للديمقراطية، ولنقبل بما توافق عليه الاكثرية، من خلال الاعتراف بحق الاكثرية في أن تجرب مشروعها السياسي والحضاري كما جرب أصحاب المشروع التحديثي اطروحاتهم السياسية ونظمهم المدنية والعسكرية.

(1) يلاحظ في هذا الصدد، دعوات محمد النويهي، ومحمد أحمد خلف الله، ومحمد عابد الجابري، وهيثم مناع، ومن الضروري التأكيد هنا على مثالين، الاول في قراءة عصرية للتراث العربي الاسلامي، منهج وتطبيق محمد عابد الجابري في مجلة العلوم الاجتماعية للكويت صيف عام 1989. وتفسير الدكتور عبدالسلام الترمانييني للحجاب في كتاب الرق، ماضيه وحاضره سلسلة عالم المعرفة ـ الكويت، بالاضافة الى كتابات الصادق النيهوم حول الحجاب. انظر مجلة الناقد اللندنية.

يؤكد الزعيم الإسلامي المعارض حسن الترابي أن لا مانع لديه في أن تؤول رئاسة السودان إلى مسيحي أو امرأة طالما كان من يتسلم المنصب عادلا ونزيها، معتبرا أن الشريعة حرفت عن معناها الحقيقي.
ويقول "إذا كان هناك مرشح مسيحي نزيه وقادر على مقاومة التأثير الفاسد للمنصب الحكومي، وكان نزيها ولن يستخدم نفوذه ضد الآخرين سانتخبه". ويضيف "كما أنه لا توجد لدي مشكلة في أن انتخب امرأة".
ولكن الترابي يرى أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة حليفه السابق الرئيس عمر حسن البشير لن ينظم انتخابات حرة حتى يمكن لمثل هذا الخيار أن يتحقق، بالنظر إلى آخر انتخابات نظمت في سنة 2000 .
ويقول: "هل تسمي تلك انتخابات؟ ثلثا المقاعد انتخبت بالتزكية وأحيانا لم يستغرق الأمر أكثر من عشر دقائق لفرز أصوات منطقة باكملها".
ويقول الترابـي (74عاما) إن "الناس لا يفهمون ما هي الشريعة. انهم يعتقدون أنها نظام قانوني، لكنها في الحقيقة نمط حياة".
ويضيف أن "المنع يفترض أن يطبق حسب الحالة، فالمسيحي على سبيل المثال يمكنه أن يتناول الكحول، لكن ليس عليه أن يفعل ذلك في العلن ولا أن يبيعه إلى المسلمين. هكذا هي الشريعة".
والشريعة الحقيقية بالنسبة له تعني أيضا الديموقراطية الحقيقية. "الشريعة تقول لنا إن الحكم يجب أن يكون للشعب. فلا تسلط في الإسلام ولامصادرة للسلطة، السلطة للشعب، وان أراد أن يعين من يحكمه يجب أن يكون منتخبا".
ويقول الترابي الذي يتزعم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، إنه مستاء من حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاق السلام الموقع مطلع 2005 بين الحكومة السودانية وحركة التمرد الجنوبية والذي يستثني جنوب السودان من تطبيق الشريعة. ويقول "كان الناس يعتقدون أن وجود المتمردين في السلطة سيعدل ميزان القوة، لكن هذا لم يحصل. انهم لا يكترثون لحكومة وطنية، انهم يركزون على الجنوب".
ويقول إن متمردي حركة العدل والمساواة الذين يقاتلون القوات الحكومية في إقليم دارفور غرب البلاد، وكذلك في الشرق يمثلون خيارا أفضل بالنسبة لمستقبل السودان. ويوضح الترابي "انهم ليسوا أقوياء على الأرض في دارفور، لكنهم أكثر ذكاء وأكثر وطنية. انهم يفكرون بالبلاد ككل".
ومع نفيه أي علاقة بحركة العدل والمساواة، خلافا لما يشاع عنه، يوضح الترابي أنه يتوقع أن تصعد هجماتها مع اقتراب مفاوضات السلام حول شرق السودان التي ستبدأ في اسمــرة في 13 يونيــو/ حــزيران، ويقـــول "إنهم يريدون أن يثبــتوا قوتهــم قبل المشاركة في المفــاوضات ، وإلا تم التعامل معهم بوصفهم ضعفاء. هذا طبيعي، البشر كلهم يتصرفون هكذا".
ولكن أفكار الترابي شبيهة بافكار حركة العدل والمساواة من حيث المنادة بالديمقراطية الإسلامية ورفض فكرة دولة الخلافة "كل شىء يجب أن يتم على أساس الشورى وأن تضمن الحرية للجميع، مسلمين وغير مسلمين. إذا هاجمك أحدهم شفهيا عليك بالرد شفهيا".
كما يعتبر الترابي أنه من الممكن للمسلمين أن يعتنقوا المسيحية "ان الله عز جلاله منحنا حرية الفكر. الماء يخضع لقانون التحول، فهو يتبخر عند درجة مائة، ويتجمد عند درجة الصفر. لقد منحنا بعض المساحة"، ويتابع "الله لم يرسل الانبياء ليفرضوا علينا أي شىء، نحن أحرار في أن نكون مسلمين أو نصبح غير مسلمين ونعود مسلمين".
والترابي الذي اتهم بالردة في وقت سابق من هذه السنة عندما قال إنه يمكن لامرأة مسلمة أن تتزوج من مسيحي أو يهودي وأن شهادتها تساوي شهادة الرجل المسلم، يقول "على النساء أن يكن شريكات لنا في القتال والفن والسياسة والحكم في كل شىء".



#محمد_النعماني (هاشتاغ)       Mohammed__Al_Nommany#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هو انا من من سكن قلبك الصغير ...؟؟
- !!إنها قصة جيل في زمن اللازمن فاستحال جيلا بلا محتوى و بلا ح ...
- مشروع الطاقة النووية الحرارية -ITER- : البشرية تقبل على بناء ...
- أيها الغائب عن ناظري
- نوبة جنون؟؟
- معظمهم لايزيد متوسط دخله الشهري عن 150 دولار والصحفيات يشكين ...
- !!!حين يبداء الغروب حينها ابداء بالعيش معك
- الرسالة الأخيرة
- ! تقف الدموع كحرس حدود بيني وبينها اقف واشير لها بيدي !اليوم ...
- عصر نووي جديد؟
- فشل اليمن في النمو الاقتصادي واصلاحات سعريه عقب الانتخابات ا ...
- ثقافة العنف في اليمن
- فلسطين!! من الحصار للمقاومه الي الحصار للشعب والي اين ؟؟؟
- الانتخابات الرئاسية اليمنيه نقطة انتقال من تحالف الأسر إلى ت ...
- شدد تقرير لمنظمة اليونيسيف الي أن تجارة الأطفال في اليمن تجر ...
- السجينات اليمنيات.... ظلم مزدوج
- عدن !! اليمنيه في المصادر التاريخيه العربيه !! والكلاسيكيه . ...
- تجارة الجنس أو الدعارة في اليمن دراسة استطلاعية لملتقى المرأ ...
- !!!ظاهرة هروب الفتيات في اليمن مازال المجتمع يعترف على مضض ب ...
- !!؟؟واشنطن!! وموسكو!! تعدد المصالح !!! واوجة عشرة !! وعداوة ...


المزيد.....




- قدمت نصائح وإرشادات للمسافرين.. -فلاي دبي-: إلغاء وتأخير بعض ...
- -شرطة الموضة-.. من يضع القواعد بشأن ما يُسمح بإرتدائه على مت ...
- رئيسي لبوتين: إيران لا تسعى للتصعيد في الشرق الأوسط
- إسرائيل.. إصابات جراء سقوط مسيّرتين أطلقتا من لبنان (فيديو + ...
- إسرائيل تغلق الطريق رقم 10 على الحدود المصرية
- 4 أسباب تستدعي تحذير الرجال من تناول الفياغرا دون الحاجة إلي ...
- لواء روسي: الحرب الإلكترونية الروسية تعتمد الذكاء الاصطناعي ...
- -سنتكوم-: تفجير مطار كابل عام 2021 استحال تفاديه
- الأمن الروسي يعتقل مشبوها خطط بتوجيه من كييف لأعمال تخريبية ...
- أوكرانيا تتسبب بنقص أنظمة الدفاع الجوي في الغرب


المزيد.....

- ما بعد الإيمان / المنصور جعفر
- العلمانية والدولة والدين والمجتمع / محمد النعماني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - محمد النعماني - العلمانية والدولة والدين والمجتمع