أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بدر - سيميائية الإيقاع















المزيد.....

سيميائية الإيقاع


عادل بدر

الحوار المتمدن-العدد: 1575 - 2006 / 6 / 8 - 08:17
المحور: الادب والفن
    


الخطاب الشعري هو خطاب منظم فيما يتعلق بأثره الصوتي ،لكن بما أن الأثر الصوتي هو ظاهرة معقدة فإن واحدا من عناصره فقط يتعرض للتقنين "هكذا فإن العنصر المقنن في العروض الكلاسيكي يتمثل في المدات ACCENTSالتي أخضعها العروض بالتسلسل وقاسها بقوانينه لكن يكفي أن تتعرض سلطة الأشكال التقليدية ببعض الاهتزاز لكي تظهر بإلحاح هذه الفكرة وإن جوهر الشعر لا يستهلك في ملامحه الأولى بل يعيش كذلك بواسطة الملامح الثانوية لأثره الصوتي فإلى جوار الوزن هناك الإيقاع الذي هو كذلك قابل للمعاينة وأنه يمكن كتابة أشعار لاتلتزم إلا هذه الملامح الثانوية فالخطاب يمكن أن يبقى شعريا حتى مع عدم المحافظة على الوزن 0
إن الأنساق الإيقاعية تسهم بدرجات مختلفة في خلق الانطباع الجمالي ،فهذا النسق أو ذاك يمكن أن يهيمن في أعمال مختلفة وهذه الوسيلة أو تلك يمكن أن تسند إليها مهمة (الظاهرة المهيمنة)؛ولذا فإن الاتجاه نحو نسق إيقاعي معين هو الذي حدد الصفة الملموسة للعمل الشعري،فالقصائد الجيدة هي تلك القصائد التي تحمل إعلاما شعريا ،وتكون كل العناصر فيها متوقعة وغير متوقعة في آن.
وكما يقول (جروس)"إن وظيفة العروض أن يخيل العملية الإنسانية في حركتها في الزمن على نحو غني ومعقد "بل إن( أرنولد ستاين)يذهب إلى أن البناء الوزني "لا يشبه الاستعارة فحسب ،بل إنه مفتاح الاستعارة
فالشكلانيون الروس ينظرون إلى الإيقاع مثل الصور images يقصدبه الكشف عن النمط التحتي للحقيقة العليا ؛أي غور المعنى الكامل ،وعلى هذا فإن الإيقاع يشير إلى عدد من الدلالات السطحية والعميقة في القصيدة ،إنه قد يبدو صدى لمعنى القصيدة ،وقد يؤكد المعنى ويطرح معاني وتفسيرات وظلالاللمعنى ويمكن استخدامه لإثارة المعنى وللإيحاء بالصراع داخل بنية القصيدة ،فهو أداة للكشف داخل بنية القصيدة ، وهم يعدون الإيقاع الموسيقي أقوى عناصر الجمال في الشعر ،فالمتلقي غير العربي يطرب للشعر العربي في جرسه وإيقاعه؛وهذا معناه أن الموسيقى (الإيقاع)عنصر جوهري في تشكيل النص الشعري يقوم بوظيفة جمالية مع غيره من عناصر تشكيل النص الشعري ،فهو يكمل بقية العناصر ويؤازرها في الوقت نفسه إذن الموسيقى ولاسيما الموسيقى الناضجة المثقفة"لاتقوم على التشابه والتكرار فقط ،بل تقوم أيضا على المخالفة ،إن الموسيقى التي تقوم على التشابه وحده هي موسيقى البدائيين أوالموسيقى غير الناضجة ،ويستوي في ذلك فن الموسيقى المستقل أو موسيقى الشعر
وهذا الاهتمام الموسيقي يرجع إلى طبيعة اللغة العربية ،التي نشأت في بيئة يغلب عليها الأمية ،وكان الأدب يعتمد على المشافهة والأذن ،وكانت مسامع العرب هي وسيلة الحكم على النص الأدبي ؛وهذا أدى إلى أن تكتسب الأذنالمران والتمييز بين الفروق الصوتية الدقيقة ، وأصبحت مرهفة تستريح إلى كلام؛لحسن وقعه أو إيقاعه وتأبى آخر ؛لنبوه أو لأنه كما يعبر أهل الموسيقى نشاز0
والحديث عن الموسيقى لاينفصل عن لغة الشاعر وأسلوبه ،وعلاقة الشعر بالموسيقى أقوى من علاقات فنية أخرى ،فكلاهما سمعي .
والموسيقى ليست زينة عارضة أوحلية ثانوية أو ظاهرة كمالية ،إنما عنصر هام ولازم في إقامة البناء الشعري على مختلف عصوره واتجاهاته ،لكن التطور وطبيعة العصر جعلا لكل عصر أنماطه البلاغية وإيقاعاته ،فلقد كانت حركة تطور الإيقاع في هذا العصر تسير باتجاه البعد عن التفعيلات ،والتخلي عنها تدريجيا ،وهذا أدخل مجالات غير سمعية عديدة داخل الإيقاع ؛ولذا "فإن انتقال بعض الآداب من المرحلة السمعية إلى المرحلة البصرية مثل الشعر العربي له أثره البالغ في تكييف بنيته ؛إذ أن الإنشاد كان يجعل القيم الموسيقية في الشعر القديم هي الحاسمة في تحديد قيمته ،أما القراءة التي تجعله كتابيا فهي تبرز في تكوينه عناصر تشكيلية مكانية مختلفة عن العنصر الزمني الأول نسبيا 0
وإذا كان (سي موريه)قد عرف الإيقاع RUTHM بأنه "التكرار المنتظم لمقاطع صوتية بارزة في اللغة المنطوقة من خلال تبادلها مع مقاطع أخرى أقل بروزا،ويتحدد البروز بعوامل درجة الصوت pitch وديناميكته ومدته 0
فإن هذا التعريف يقتصر على الجانب السمعي ،لكن من المفيد أن نستفيد من الجانب التشكيلي وإيقاعيته ونعني بالإيقاع تكرار الكتل أو المساحات مكونة وحدات قد تكون متماثلة تماما UNITS
أومختلفة ،متقاربة أو متباعدة ويقع بين كل وحدة وأخرى مسافات تعرف بالفترات.
وهكذا نرى للإيقاع عنصرين أساسيين يتبادلان أحدهما بعد الآخر على دفعات تتكرر كثيرا أوقليلا،وهذان العنصران هما"(أ) الوحدات :وهي العنصر الإيجابي (ب)الفترات : وهي العنصر السلبي وبدونهما لايمكن أن نتخيل إيقاعا ،سوء كنا بصدد فنون فراغية كالنحت والتصوير أم بصدد أي من الفنون الزمنية الأخرى كالموسيقى أو الرقص. . .إلخ0
فالعنصر الإيجابي في الإيقاع الموسيقي هو الصوت ،والسلبي هو فترة السكون التي تعقبه ،وفي الرقص تعتبر الحركة عنصرا إيجابيا والثبات عنصرا سلبيا ،وإيقاع الصورة له مراتب متعددة ، ومن النادر أن نجد في العمل الفني إيقاعا واحدا فقط،بل الاحتمال الأكبر أن يشمل إيقاعات متعددة ،ولن اجتماعها بجوار بعضها بشكل أو بآخر ،فهو أمر من شأنه أن يكسب الصور تنويعا وتجديدا في الشكل ويحد من الضجر الذي قد يحس به البعض ؛كنتيجة للرتابة المتناهية لو زاد الإيقاع كثيرا ،وهذا ينبه إلى وجود عنصر زماني معين في التصوير ،إذ النسب المكانية تكتسب قيمة زمانية حين تعمل بعض المساحات على اجتذاب العين مدة أطول من بعضها الآخر ؛وبذلك"يكون في اللوحة نوعا من الحركة الصامتة التي يتمثل فيها بدورها الإيقاع0
وكل هذا يؤدي إلى اعتماد القصيدة على الوسائل البصرية ؛وهذا يدل على سيادة القراءة على السماع .
ونسعى إلى توضيح عدة ملاحظات تبين دلالة هذا السؤال ــــــ (لماذا الإيقاع تحديدا؟)
ليس من الصعب على أي إنسان أن يربط لأول وهلة بين الشعر والموسيقى ، إذ يكفي أن تتذكر أن الشعر لا ينفصل عن الوزن والإيقاع والتنغيم والإلقاء ،وأن هذه العلاقة تمتد في مفهوم الشعر نفسه.
لا تجد الموسيقى شرط تولدها فقط في الأوزان المعروفة أو في وزن ما معين ،بل تجد شرط تولدها أيضا ـوربما بشكل أفضل ـفي تقطيعات وفي توازنات لا متناهية تجده في التقابل والتشاكل في التكرار على أنواعه :التكرار لحروف بذاتها أو لكلمات ،وقد يكون المعنى هو حدود هذه المسافات أو فاصلتها ؛وذلك يظهر في التشكيل الهندسي للقصيد الشعري ، فثمة تقنيات يمكن استخدامها لتوليد الموسيقى ،وثمة تقنيات تتعلق بالتلفظ الصوتي ،وتقنيات تتعلق بالتنسيق الدلالي .
وما من شك في أن التماثل الصوتي للتفعيلات العروضية يعد عمدة المؤثرات الصوتية في حدوث الإيقاع الموسيقي في النص الشعري ،ويرجع هذا إلى أن الكمية الصوتية للتفعيلة الواحدة تحوي أكثر من مقطع صوتي ،وعندما تتماثل هذه التفعيلات يحدث تماثل صوتي لأكبر كم مقطعي في القصيدة ؛وبذلك يشكل الإيقاع الموسيقي بعدا جوهريا في القصيدة من خلال تماثل هذه التفعيلات ،والقصيدة العربية بشتى أنماطها يشكل الإيقاع فيها محورا جوهريا ،كما أنه يضفي عليها بعدا جماليا ودلاليا ؛ويرجع هذا إلى أن العربية تقوم على مبدأ التناسب الإيقاعي والموسيقي في كثير من الأحيان .
وقد تخلت القصيدة الحداثية عن البحر العروضي ،وهذا التخلي ليس بالأمر الهين ،ولابد للشاعر من تعويض تلك النمطية الموسيقية بإيقاع بديل لها ؛لأن الحس الإيقاعي شرط مهم في الشعر العربي خاصة ،ولذلك لجأ الشعراء الحداثيون إلى الإيقاع اللغوي إضافة إلى صور الإيقاع الأخرى من صور ونغمات ….؛مما يسمو بالموسيقى الداخلية للشعر ،وهي موسيقى لا تخص الشعر الحداثي وحده بل هي ماثلة في كل شعر جيد ،ولكن الشعر الحداثي يعتمد عليه أكثر من غيره ،فإيقاعه نابع من قلب التجربة الفنية للقصيدة .
ونلاحظ قلة البحوث النقدية في الإيقاع ؛فلم يمنح نظرة فاحصة كالتي منحت للنظرة العروضية ،وإذا كان الإيقاع يمتد داخل القصيدة وفي فاعلية تشكيلها وتحديد مسارها فهو يتيح تجاوز الرتابة ،وهو إيقاع داخلي أكثر منه خارجي ينبع من عناصر الثبات والانتهاك .
والإيقاع كعنصر تأثيري اختلف في الشعر الحداثي عن الشعر القديم ؛فأصبح أقرب إلى الهمس منه إلى الجهر ،وأصبح أصلح للقراءة منه إلى الإنشاد وللمناجاة منه للخطابة ،وهو يحتاج إلى هدوء وتأمل ،وأصبح شعر قراءة لا سماع .
هذا وأنبه على هذه النقاط :
• إن الخروج في موسيقى الشعر يجب أن يأخذ في الاعتبار قيمة العامل النفسي ،أو بمعنى آخر يفلسف فلسفة تأخذ في الاعتبار قيمة العامل النفسي للنسق الكلامي لا صورة الوزن العروضي للبيت الشعري .
• الإيقاع يسهم في خلق مسافة جمالية تجعلنا نتسامى بعيدا عن العالم النثري .
• الإيقاع يرتبط باللحظة التي نشأ فيها،فالمستوى الفني يرتبط بالمستوى الاجتماعي .
• الشعر ـ كما أشرنا سابقا ـ إيقاعيا أكثر منه وزنيا ، فلا يستطيع باحث أن يزعم أن موسيقى الشعر قاصرة على الوزن ،فلكل عصر أنماطه وإيقاعاته ؛فهو الحياة الخصبة بكل غناها .
• الإيقاع إحساس تبرزه الكلمات يتلبس بها ،وهو القالب الذي يحتوي الحركة اللفظية والصوتية للنص الشعري .



#عادل_بدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماغوط شاعر في محيط العزلة
- الشكل وحدود النص الشعري
- الإيقاع : بنية الاختلاف بين النظام واللانظام


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل بدر - سيميائية الإيقاع