أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 1














المزيد.....

حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 16 - 20:40
المحور: الادب والفن
    


الربيع يعبق بأريج الأزهار البرية، المتراقصة مع النسيم الرخيّ. الأشجار، تحتضن ثمارها بحنو الأم على الوليد. على أثر قيلولة قصيرة، تفتح الشمسُ رموشَ أشعتها وتتثاءب. فلا تلبث الظهيرة أن تنحسر قليلاً، مخلفةً آثاراً كالزيت على سطح البرك الراكدة، المتخلفة بدَورها عن الشتاء الآفل تواً. البقعة الصخرية، المظللة بأيكة من أشجار الجوز، تشرف من علو هيّن على مشهد قرية معربا، ببيوتها الطينية وجداولها النحيلة، المنسابة بين الحقول ذات اللون الداكن لخضارها وحشائشها. لكن ثمة رجلين، كانا خارجَ المشهد وكل منهما مشغولٌ بفكره أو بما بين يديه: رجلُ عيشو، المكمل عامين على رأس عصابة الثوار الكرد، لاحَ منهمكاً بتنظيف بندقيته الألمانية الصنع، التي شهدت فصولاً من الحرب العظمى. الرجل الآخر، لم يكن سوى أحمد ملا، وكان قد ترك شؤون صحيفته لمساعده ثم التحق بالثوار. فعل ذلك، بعدما كشف الفرنسيون إحدى مراسلاته مع الزعيم المصريّ، " سعد زغلول "، وفيها ما يفيد بدعوته لحشد الرأي العام في أرض الكنانة للوقوف مع الثورة السورية ودعمها أيضاً في المحافل الدولية. بيد أنه ما زال يحن للكتابة، ولو بتسجيل يومياته مع العصابة. وكان يأمل بيوم يستطيع فيه قراء صحيفته مطالعة هذه اليوميات، أو ربما تُنشر ككتابٍ خارجَ البلد؛ في القاهرة مثلاً.. لمَ لا؟
" أرغبُ بأخذ فكرة عما تكتبه، لأكون أول من يحظى بثمرة قريحتك عقبَ تركك الصحيفة "، قال خلّو لصديقه وهوَ يبعد البندقية إلى جانب. ثم أضافَ بنبرة حالمة: " أتمنى لو يتاح لابنتي الكبيرة مستقبلاً قراءة كتاباتك، أو حتى أن تضحي بنفسها كاتبة شأن الأسماء النسائية المعروفة في مصر "
" أتصدق أنني كنتُ الآنَ أفكّر بمصر، مؤملاً أن يتم فيها نشرُ ما أكتب وذلك بالنظر لمعرفتي بعض شخصياتها الأدبية والسياسية عن طريق المراسلة؟ "، قالها الصحافيّ مبتسماً. ثم استدرك، مجيباً على أمنية صديقه: " سأتلو لك كل مرة ما أكتبه، بشكل مبسط. وأنا أيضاً أرجو أن تكون ابنتك إحدى قارئاتي، وكذلك أن يكون لها شأنٌ في هذا المجال. لقد نبهتك إلى موهبتها في الإنشاء برغم أنها كانت بعدُ في الصف الخامس، هل تذكر؟ "
" أجل، كان ذلك في العام المنصرم لما جلبت امرأتي دفترَ ابنتنا المدرسيّ بناءً على طلبي "، رد خلّو فخوراً. على الرغم من أن هذا الأخير كان يقود العصابة، فقد دأب على معاملة صديقه الصحافيّ على أنه الزعيم الفعليّ، فيعطي أذنه لنصائحه حتى في الخطط والتحركات القتالية. من التوجيهات المجدية للرجل، كان الاعتماد على بعض نساء الحارة في توصيل الرسائل، فضلاً عن المؤن والذخيرة في بعض الحالات.

***
إحدى أولئك النسوة، كانت عيشو نفسها، حيثَ أدت بعض المهام في خلال الفترة الأخيرة دونَ أن تلفت نظرَ العدو. كانت الأشياء المطلوبة تخبأ في قعر صناديق الخضار، بينما تتناوب هيَ قيادةَ العربة المشدودة ببغل مع امرأة من الحارة. هذه المرأة، كانت زوجة الرجل المعروف بلقبه، " مخلوطو "؛ وهما من آل البرازي، منزلهما يقع على طرف دخلة علي كَوشتو بأعلى زقاق الحاج حسين. " أم مستو " هذه، كانت تماثل عيشو في العُمر وعلى شيء من البدانة، كذلك كانت تثرثر طوال الوقت مطلقةً الضحكات العالية الرنين. زوجها كان من أبرز رجال العصابة، لكنه يُشبهها لناحية الظرف والطرافة.
المرأتان، وكانتا كلتاهما متنكرتين بهيئة فلاحات ريف الشام، وصلتا ذات يوم ربيعيّ إلى حاجز للدرك، يقطع الطريق الصاعد إلى جبال القلمون. كالعادة، حاولتا أمام الدرك الظهورَ بليدتين وساذجتين. من حسنات تلك الهيئة القروية، إتاحة كشف الوجه لامرأتين اعتادتا على وضع الخمار الأسود منذ صغرهما وذلك بحسب تقاليد المدينة المحافظة. قائد فصيلة الدرك، طلبَ من عناصره جلبَ عيشو إلى موقفه على طرف الطريق. فاجأها حينَ تكلم معها بالكردية، ليقول بصوت منخفض: " أخبري الجماعة أن يأخذوا حذرهم من عصابة أولاد عكاش، لأنها على صلة بالفرنسيين ". لاحقاً، حينَ نقلت عيشو لرجلها التحذيرَ، فإنه علّقَ بالقول: " ذلك الضابط الشهم هوَ من آل حمو ليلى، المقيمين في جسر النحّاس، وقد أرسل لنا أكثر من مرة هكذا إشارة ". ثم أضافَ هازاً رأسه: " أما أولاد عكاش، فإنّ لنا شأناً معهم لو تبين فعلاً أنهم يبتغون الغدرَ "
" خيانتهم ليست مستبعدة، كوننا منعناهم من الاعتداء على القرويين ونهب أرزاقهم ومحاصيلهم. كما أن الفرنسيين يدفعون ذهباً، لو تعلق الأمر بالمساعدة في القضاء علينا "، عقّبَ أحمد ملا. في الأثناء، كانت أم مستو تشم رغيفاً طازجاً من الخبز المشروح قبلَ أن تبدأ بالتهامه: " خبز فاخر! هل تقومون بصنعه بأنفسكم "، سألت زوجها. رد هذا، محملقاً فيها بعينين محمرتين: " لا يا امرأة، ماذا تقولين؟ إنهم أهالي القرية الطيبين، من يمدوننا بالخبز "
" تبدو ملابسك نظيفة أيضاً، فهل تعطيها لنسائهم كي يغسلنها؟ "
" نعم، وهن أحياناً يستحممن معي! "، أجابها متهكّماً ثم راحَ يلف سيجارة.

* مستهل الفصل الرابع عشر/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثالث عشر/ 1
- مدام بوفاري، في فيلم لكمال الشيخ
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني عشر
- حديث عن عائشة: الفصل الثاني عشر/ 2
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني عشر
- جريمة كاملة
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الحادي عشر
- فردوس الفقراء
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الحادي عشر
- جريمة مجانية
- حديث عن عائشة: بقية الفصل العاشر
- حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 1
- حديث عن عائشة: بقية الفصل التاسع
- حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3
- صراع على العيش
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن


المزيد.....




- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الرابع عشر/ 1