أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس سالم - الحزن... وباء عالمي














المزيد.....

الحزن... وباء عالمي


إدريس سالم

الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 15 - 21:37
المحور: الادب والفن
    


- هل القدر يتغيّر؟!
يسألني الذات في ارتعابه الأخير.
- القدر يصبح مرّات كثيرة جرثومة، تتفشّى في أرواحنا.
أجبته، دون تفكير بما يقصده من سؤاله.

ها هو ذا الربّ العليل يصحو من غيبوبته، ينفض عن نفسه شهوة تعذيبنا. يحدّق في دمي المتدفّق في رعبه الجديد، يسألني هو أيضاً:
- هل وباء «كورونا» قرّبكم مني، أم أبعدكم عني؟
هل زدتم إيماناً بي، أم لا زلتم تائهين بين حماقاتكم المرتخية وترّهاتكم المتوارثة؟
- لقد قرأت على الصفحات السوداء أنه انخفض عدد القبلات عالمياً، ولأول مرّة في التاريخ!

شرد قليلاً في جوابي المتهالك، فيما أنا كنت واقعاً في بئر كبير من التفكير العميق، أكلّما شعرت بنوبة حمّى أو سعال، أو وخزة صداع، كانت دليلاً على أنني مصاب بهذا الفيروس التافه اللعين، أو أنني سأصاب به؟!

فجأة! ودون سابق إنذار، يباغتني الذات مجدّداً، بسؤال بلّني فزعاً:
- اعلمْ أنه أصغر كائن في العالم، يقدّر حجمه بمثقال ذرّة، لا يرى ولا يتكلّم، لا يخون ولا يبيع الوطنيات، زرع في كلّ مكان ما لم تقدِر الحرب على زرعه، لكن أيّ تجارة رابحة في هذه الأيّام؟!
- تجارة الخوف... نعم! تجارة الخوف؛ إنها أربح تجارة.
مجدّداً أجيبه بطريقة مصابة بعفويتها، لا تأمّل فيها ولا تحيُّر.

- اسمعْ ما سيقوله ذاتك لك، فأنا المقيم فيك منذ ولادتك، قد لعنتك منذ تلك الولادة آلاف المرّات، دائماً ما كنّا نتحاور ونتشاكس ونتشاتم، لكن، هذه المرّة اسمعْ، وخذْ العبرة:
هناك قانون يلبس دناءات الدنيا كلّها، قانون يعبده تجّار الخوف، ترفع إحدى مواده رأسه إلى السماء: «سيرتفع أرباحنا، عندما يهبط آمال الناس، فليمت المزيد منهم إذاً...».
ليس همّهم كسب الملايين، فصغارهم يفكّرون بكسب المليارات، وفحولهم يرسمون حروباً راقية لكسب التريليونات. لهم علماؤهم وخبراؤهم، يستفسرون منهم طوال الوقت عن ساعة إرسال المصل إلى الناس، لكن في شريعتهم لا مكان للإنسانية، للرحمة، للأمل، بل هناك مكان مفتوح على مصراعيه للألم، للخوف، للموت...

يضحكون
يُنكِّتُون
يغنّون
يَنخبون...،
وكؤوس الرُّم تصنع صخباً على الطاولات والكراسي المرصّعة بالذهب والألماس والفضّة، وهم يشاهدون العالم يلبس خراباً أسود، واحد يقول «خوف قليل يُحضر 460 مليون دولار»، وآخر يصرخ ورذاذ الشراب يسيل من بين شفتيه المترهّلتين «كم مليوناً من الآلهة تحكم الهند؟»، تجيبه امرأة تغازل جدائلها البيضاء بباطن كفّها الأيسر، تشمّ حرير الخزائن «هل الناس يؤمنون بها إيماناً كبيراً؟ وهل هناك أيّ إله قادر على حماية الناس من فيروسنا اللذيذ الجديد؟»، فيما كبير تلك الطاولة يضحك ويقول «انظروا أصدقائي... انظروا إلى نبض بكين، وبرلين، وروما، وطهران وبغداد... انظروا إلى أنباضهم كيف تلهث!».

كفاكما!
كفاكما استهتاراً!
اسمعْ أيّها الذات الحقيرة،
واسمعْ أكثر أيّها الربّ العليل:
- من الحمض النووي للزهور
للنور
للقهر
وللمطر
والريح
والربيع... سأصنع مصلاً، فالأمل يأتي في المكان المناسب والوقت المناسب، وهذا الفيروس لا يجب أن يكون الربّ، ولا الجحيم، ولا القيامة، فمنذ ولادة الأرض، والحزن وباء عالمي، فاطمئنا، فوباء تجّار الخوف زائل، زائل لا محال.

بعد هذا التوبيخ والتنديد، لذاتي المتعصّبة، ولذاك الربّ المتطرّف المتطفّل، أشاهد صفير ريح ما يقفز من نافذة إلى أخرى، يطرق باب سيّالتي العصبية بهمسات متعصّبة. لا... إنه ليس صفير الريح، بل إنها «ديلان»، إنها هي، أعرفها جيّداً، أعرفها من بين آلاف الزهور الشقراء، هي وحدها من بينهنّ يسيل من عينيها بكاء الأمّهات وقهر الآباء.
توجّه «ديلان» كلامها لذاتي والربّ معاً، وهي الخائفة من جهل مستقبل مجهول:
- بالفعل... الحزن وباء عالمي.
نشرُ الفزع بين الناس، وبهذه الطريقة المهزلية، يمكن وصفه بالإرهاب المتحضّر والذكي، فلا فرق بينه وبين الإرهاب الشنيع والعلني، «كورونا» مثله مثل أيّ مخطّط سياسي تمّ، ونجح في نشر الخوف.
نعم! الحزن وباء عالمي، ووباء تجّار الخوف زائل، زائل لا محال.



#إدريس_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أغنية «كوباني»: ألم كلّ الكوبانيين
- صراع «يلماز غوني» مع الذات والتاريخ... في «صالبا»
- قرآن الله
- مازن عرفة لموقع «سبا»: رواية «سرير على الجبهة» انكسارٌ للأزم ...
- مازن عرفة لموقع «سبا»: الحياة التي أعيشها هي رواية، والرواية ...
- الشخصية وبناؤها في رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك»
- على الأمم المتّحدة ومحكمة الجنايات الدوليّة قراءة رواية «سري ...
- تقنية «الراوي» في رواية جان بابيير «هيمَن تكنّسين ظلالك»
- رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك» توثيق الحرب بتقنيات روائية مبهرة
- ماذا قدّمت قناة «ARK TV» للقضية الكردية؟
- كاتب كوردي يتحدث عن اللجنة الدستورية وانقسام الكورد
- سكوت كوردي على فساد مخيّمات لاجئي إقليم كوردستان
- تشبيح حزبي وبازارات على القضية
- احتراز تركي أمام استقرار كوردي فوضوي
- ترامب، وتعلّم ساستنا الدروس منه
- نحن نُهان على أرضكم سيّدي الرئيس
- مَن المسؤول عن استغلال إجازات اللاجئين في إقليم كوردستان؟
- رواية «الطاعون» أسئلة فلسفية عن الموت والقدر والإنسان
- كلّنا قرَابين
- جَان بابيير: رحلتي عبر زمكانية رواية «فوضى الفوضى» مرتبطة بق ...


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس سالم - الحزن... وباء عالمي