أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل غائب - غالب لازال يخاطب ج2














المزيد.....

غالب لازال يخاطب ج2


فاضل غائب

الحوار المتمدن-العدد: 6513 - 2020 / 3 / 13 - 15:36
المحور: الادب والفن
    


كتل إسمنتية مرصوفة بلا انتظام، هي البيوت التي بنيت على انقاض تلك البيوت الطينية الصديقة والودودة والرحيمة بالأرض والانسان، والتي اندثرت واخذت معها انفاس الارض اللذيذة في اول أمطار الخريف، لازال غالب يشم رائحتها. وامتدت مساحة البناء الظالم على مد البصر على جانبي الشارع الذي يمر بجوار القرية مفروشة بالاسفلت نحو القرى الأخرى . هذه الكتل المسماة بيوتا، ابتلعت الارض الزراعية ومزقتها بلا رحمة وحولت المنظر برمته الى لوحة قبيحة تنفر وتشمئز منها الوان الحياة، ولن تعود زراعية ابدا الا بمعجزة. الارض مثل انثى رقيقة تمنحك الحياة وتعشق الايدي الخشنة للمزارعين وكأنها الحرير، ومعاولهم وكأنها دغدغات حب وهيام. لازال يتذكر المنظر حين كان عمه يخدش الارض عميقا ويقلب تربتها بمحراثه، ويجهزها للزراعة، مخرجا تلك الديدان البيضاء السمينة التي كانت تجذب بغبطةٍ طيور الزرزور السوداء الممتلئة وعصافير الدوري الصغيرة لالتقاطها.
كان في سرّهِ يحادث جده ويقول؛ اه لو قمت من مرقدك ونظرت الى اراضيك المترامية لكنت آثرت الرجوع تحت التراب. لقد مزقوها مثل كعكة والتهموها شر التهام وجلسوا عليها كسالى وملئوها حفرا تحت بيوتهم ليضعوا اوساخهم. أنظر الى حافات الوادي المجاور للخرابة فقد استبدلت زهيرات النفل الوردية الفواحة بقمامتهم. تلك الخرابة التي كانت تفوح بعطر وانفاس اناس عاشوا هناك في زمن غابر وتركوا بعض وصاياهم. لا ترى حولك نعجة او بغلا او حمارا او حتى دجاجا ملونا، حتى هذه الكائنات لو عادت فلن تستطيع العيش هنا، ابق في مرقدك يا جدي ونم حزينَ العين.
لم يعد هناك لقالق ولا سنونو ولا قَطا. تابع بعينيه المتعبتين كل الارجاء علّه يجد شيئا عتيقا شاخصا فلم يجد غير التلة الحزينة برأس انخفض عما كان عليه وكأنه يريد الحفاظ على مكنوناته، والمقبرة المندثرة والمنجرفة، واثار ماكنة ضخ المياه المالحة من جوف الارض. بعيدا عن جوار القرية هناك حقول لم يطلها العبث بعد، ترتجف خوفا وتشتكي علها تسلم على حياتها وديمومتها. اه كم كان هذا العمر هشّاً وعبثيا وقد اقترب من نهايته وبدأت انذاراته تتوالى، وكم هو حزينٌ وخائر القوى ومحبط، يكاد غالب أن يجهش بالبكاء لذلك المشهد المدمر. طأطأ راسه الابيض محدقا في الارض التي تحت اقدامه لبرهة ورمى بنفسه في جوف سيارته، ومضى وحيدا حزينا متحسرا ومنكسرا. امه تنتظره هناك، كتلة سواد متكورة ومتعبة وأحاسيس صامتة، تسكن في واحدة من تلك الكتل الاسمنتية.



#فاضل_غائب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غالب يخاطب مكان ولادته (مدخل رواية):


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل غائب - غالب لازال يخاطب ج2