أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مصطفى محمد غريب - هل نستطيع التخلص من الغوغائية في الفكر والضوضائية في العمل المستقبلي ؟!















المزيد.....


هل نستطيع التخلص من الغوغائية في الفكر والضوضائية في العمل المستقبلي ؟!


مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب

(Moustafa M. Gharib)


الحوار المتمدن-العدد: 454 - 2003 / 4 / 13 - 04:11
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


 

 

كل لحظة تمر تدق الأجراس كما لم تدق سابقاً، قوية، رنانة، مخيفة، تدخل إلى المشاعر كسكاكين القصابين الحادة، لندخل في حِداد متقطع لا نهاية له سيبقى سنيناً طويلاً يعشش في دهاليز نفوسنا،  حِداد  لا مثيل لأوصافه لا يرتبط بالشكل وليس له اصلاً شكلاً يدلّنا على جوهره المتخفي بألمٍ غير منظور، ستكون الطبيعة رغم جماليات لوحاتها الأخاذة شبيه بأسطورة متًخَيّلةً مأساة العالم السفلي الذي كان شيخ المعرة قد توقف على ضفافه ليضيف للعالم رؤيا من كفيف، هذا الكفيف الذي شاهد دون الآخرين لوحة الوجود ولم يتخيل تقاسيمها فوصفها كأحسن الناظرين في جميع العهود، الطبيعة وهي تتمشدق بالعنفوان ستهرم فيها البراعم وتخفت الريح ، وتنشف في فترات غير منظورة الأنهار والبحار احتجاجاً على هذا التمادي من أجل أفلاس القيم الجمالية وارتفاع القبح الذي ترعاه الآلات والعقول الإلكترونية..

 من يدري غير الأحاسيس بأن الغيوم نفسها تتآخي مع أبخرة المياه تندمج مع النسيم الربيعي المشوه، لكنها بالقوة والقسر تتزاوج  مع دخان القنابل التي تسقط من كل مكان حتى من السماء، هذه الزرقة المديدة التي تعكس ازرار الكون واسراره تتعاون مع الشياطين الحديدية لغسل الرؤوس ويباس الأرواح،  ماذنب هذه الطيور الصغيرة التي تهرول خلف العربات الحديدية تسمع لهاثها عبر مسافات طويلة تؤشر بسباباتها على شفاهها لتقول الماء أُس البلاء، من يدري غيرهن بعذاب هذا العطش المستيقظ منذ سنين طويلة يطاردهن ليكمل دورته اليابسة عن كثب، من هؤلاء الواقفين خلف المرايا يبحثون عن أسمائهم التي بدلت بأسماء تدر الرعب والخوف بسبب إستهتار التعتيم ، كل الذين يبحثون عن الذات ليختفوا خلف الكلمات الطنانة قائلين بضياع الوقت والنية من أجل التغيير، ما هذا الهروب من المنطق والوقوف في المنعطفات لإنتظار التسليم؟ أليس  القادم مبشراً بمقولة أن تكون الساعات البقايا لحظات عابرة كما هي لحظات الموت الأخيرة، رفسةً ، رفسةً، تصل للقلب بعباراتها المفلوجة المأخوذة من تاريخ جميع الحروب، هذه المصارين الممتدة عبر آلاف الأميال تقبل في هوادج كأنها زفة لعروس بدوية، تفتح أبوابها بشظايا زجاجية لماعة لتغري العيون بأنها نجوم تزور البشر لتنقذهم من الظلام.. تنشر الصقيع بمظلات طائرة لتشع بطريقة دراماتيكية على هذه البانوراما المتنوعة في الطبيعة الممتدة أمام الجميع..

 

 

الحرب ذات الحجل الناري المزدوج

كيف بدأت الحرب، من زوقها، وضع الحجل الناري المزدوج بين جفنيها، صب الرصاص في اوداجها، جمّلها لتكون مقياساً للفحولة والقسوة والقوة والإنتصار، هي الخبيثة المؤذية بدون مشاعر، منذ أن بدأ البشر الحرب على البشر، هؤلاء الذين خلقوا لهم أنصاف آلهة يتقاتلون من أجل بقائها لبقائهم قربها، لترعاهم تمنحهم السعادة والخلود، هذه الحرب التي امتدت منذ فجر التاريخ لتسرب الجذام للعقل الآدمي بالوصول إلى مطامحه حتى آخر مرحلة،  لتكن لازمة الصلة غير متقطعة لكي يبحثها الباحثون والأكاديميون والغارقون في شؤونها ومسوغاتها الطبقية، يفلسفون الرموز ويقربون المسافات ويُغرقون بالأحابيل شعارات الكرامة والوطنية والحرية والأمة والدين والعزة " ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ حتى يراق على جوانبه الدم " لا يسلم الشرف بالسلام والحوار والكلمات البسيطة الإنسانية التي تبحث عن الحب والعشق والتفاني والخير والإخلاص وأم المقولات الوفاء!!

 لله درك ايها السلام المبعد المكروه الجبان المتخاذل الذي تريد أن تقف الشعوب والأقوام على منحنياتك لتقول لا للقتل نعم للأطفال، لا للذبح نعم للإمهات، لا للخراب نعم للزرع والضرع .. لا للعنة الحرب المفخخة بقيم الدجالين....

تزحف الجيوش وتتربص بدون موافقة مسبقة، لكن بتدبير وتحضير وتخطيط، من أجل ابتلاع الحقيقة ونشر بذور الجحيم وتقسيم شؤون الناس،  ويتم التحضير للإستقبال وكأن هذه الدموية الأخيرة ستنعم براحة البال عندما تجد نفسها تلتهم الأخضر واليابس، كأنها ساعات الزمن الأخيرة بيد الجندي الذي انتقم منها لأنها خذلته بعفتها، وبعدها تزحف الجيوش إلى بداية الإنطلاق، لا وجود للبداية أو النهاية متفرقتين مبتعدتين، انه الإمتزاج بين اللحظة والإنطلاق بين الإنطلاق والوصول. هذه الجحافل التي تمر بالبلاد تمر بالعراق على خيول حديدية وطيور ضوئيه ملونة ، ليس لللهو أو السياحة، ستكون الإقامة والقيامة جالستين على طاولة واحدة، تندمجان بسحر الكلمات والإستقبال الحار.. تشربان من الكأس نفسه. من يحث نفسه للمتابعة والتدقيق، لا يوجد خطاب ثقافي أو سياسي إلا وقال: علينا اللعنة، اللعنة على منبعنا اللعنة على أخلاقنا، اللعنة على السياسة لأنها سمرت وجودنا في التخلف إلى الأبد، اللعنة على ثقافتنا القديمة المتحجرة، اللعنة على الثورات والقيم الثورية لأنها كانت كجحيم دانتي نعيش فيها، فرخت فينا الوسواس والتراجع والإنكفاء، اللعنة على الجميع دون نفسه، وأن شتمها مرة فهو سادي لا يجد من يشتمه غير نفسه..

ألم تكن الحرب قائمة بشكل حضاري بفن حزبي ملوث، الأحزاب الملوثة بعقدة عقاب الضمير تعاقب الآخرين من أجل أن تتساوى عقدها الملوثة، هولاء أو نقول أولئك  الذين جلبوا العقاب والحرب، هؤلاء القادمون من القرية النائية التي كان مخاطها الفيروسي يملئ رئتيها،وبصاقها علة السم الرعاف تقذفه أفاعي السديم، عفونتها راجت لكي تعم جميع الأماكن حتى لا تُعيّر بالعفونة، حملته للجميع ما عداهم، قسموها على الجميع بحصص ظنوا أنها باقية الى الأبد، لا عطف، لا رحمة ، لا شفقة..

 كيف جاءوا؟ كالقراد يدب بين رواج الكلمات الثورية التي تعفنت فور وصولهم، وأصبحت نفايات روائحها كريهة تزكم القلوب، وتخبل العقول، لقد تعلموا السيطرة  بفنون عريقة لتطبيع الرقاب، القسوة كلمة مسكينة تطلق على القساة ، لا وجود لكلمة في قواميس اللغة نستطيع تدبيرها لتكون مرادفة للعمل الذي قاموا به، وطّنوا الرعب، جعلوه زميلاً يلازمنا في الليل والنهار، لا رعب بدون تشويهات للوعي لكي يكون مقلوباً ، استمدوا الغوغاء ليقلبوها إلى منطق يجب أن يهتدي الناس به، مدخل جامد لكنهم يحركونه لجعل الناس كالقرقوزات، بتجاهل الظرف المكاني والزماني ، جردوا كل علة من العلل الباقية، جعلوها فردية، تعتمد على العقيدة الجامدة، عزلوها عن الحياة، وراقبوا النتائج، أدانوا اي رفض أو فكرة تتضادد معهم ، وجعلوا من البشر قطيعاً يؤمن إيماناً أعمى بعصمة القائد، وقوة القائد، وفكر القائد، هذا الشخص الذي عرف كيف يحتل النفوس من الداخل بالحراب، يحتلها بواسطة التقليد والتعميد والتجميد،  وجاء بالآراء العقيمة القديمة فحَدّثها على طريقته الخاصة.. حدثها لتتناسب مع الطموح المقتدر الآمر الناهي، وبعدما عزل العملية المعرفية والنشاط الثقافي النظري عن التحوير الطبيعي للطبيعة والمجتمع راح يتمسك بالمعرفة وحده، هكذا أراد ان يُعلم من حوله أنه هو المعرفة، معهم أو بدونهم، فتحولوا إلى قرود  يرقصون في مداراته فقط، يرقصون لثورته المعرفية التي سقطت في الفخ القديم..

 فلسفوا الشك والريبة كمدلولان فلسفيان ربطوهما بالقومية ثم بالدين، شك في اليقين الحسي، برّروهما كمنطق في بحثهم المعوج، لا قناعة في الظواهر مادام الداخل غير معروف، أنكار امكانية المعرفة واكتشاف الحقائق إلا بمدلول عدم وجود أحكام قطعية في الأشياء.. الريبة في كل من حول القائد والريبة في كل من حول الحاشية، وينتهي التفسير بريبة الكل في الكل ما عدا القائد.. هل هذه هي الحزبية التي يتحدث عنها البعض؟ أم يجري خلط الأرواق لإبعاد تهمة زندقة الإنتماء!

 

قانونية التراكم

نصوص من الوجع وهذه الجيوش تدخل لتطرد جيش اخرى كان يحتل العراق ونفوس مواطنيه، تأتي جيوش لتطرد جيش محتل ولتحتل المكان.. مسافات من الزمن تتقاطع  رويداً رويداً لتعيد لنا المسميات العتيقة على شكل مربعات جديدة، المربع الأول والثاني والثالث والرابع والأخير لهم، ولكم لا مربع ، لتعيشوا الهامش مرةً أخرى، بواسطة أزلام لم نسمع بهم ولم نر أشكالهم حملتهم الفضائيات إلينا كفرسان مضامير السباق الذين ما دخلوا سباقاً عرفناه، لم يكن من يقرّ فيهم أنه كان " سِكْناًــ الثاني" جميعهم " فصْ كلاس ــ أول ممتاز "  متقدمين مناضلين منفلتين ملهوفين للكراسي الفارغة، بينما ترك من هرسته عجلات الهرس من قائمة المكافحين، ومن يدري لعلهم سيحاكمونه يوماً لأنه وقف ضد الطغيان الفكري المعرفي وضد القرف العملي الضاغط بمؤسساته التعسفية، والتهمة جاهزة في كل الأوقات " التحريض " لأنه يمتلك جرأة المقاومة وكشف الزيف..

الله ما هو شكل العذاب القادم، ما هو رواج الكلمات القادمة، الجمل المنتظمة، الوعظ على طريقة التقديس، كلمات الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان، ما هو الخطاب الذي سيشيعونه ليكون مقبول،اًُهوعهد الثوريات المأزوم الذي سخفوه لن يكون منذ الآن مقبولاً ولا مرجعاً، سيكون القادم ذا نكهة خاصة رطبة حلوة لا تخدش مسامعهم، ربما سَيُسْتَحْدث طريقاً خاصاً به، كيف سيكون القبول !.. من منا يعرف ان الذي تعلمه من السكوت لا تكفي حقبة طويلة من السنين ليعود إلى الأصل ويترك التطبّع، التطبّع كان بفوهة المسدس، كوي الأعضاء التناسلية بالكهرباء، وقطع الآذان وتجديع الإنوف والسموم والتغييب المبرمج.. الإستحداث سيكون ليس كسابقه، سيجدون حتماً الطريق المؤدي للتفسير الحقوقي المدني والديني  الذي سيجعلهم يستخدمونه بدون وخزة ضمير، يبعدوا الإحتلال الأول الذي ابعده الإحتلال الثاني وهم سيكونون الثالث بأسماء ونقاط وجمل ليس أمامها سوى تحديث القانون القديم..

لم هذا الضجيج ؟ وكأنه قبول بالنتائج غير المعروفة، لتكون هناك أداة تسلطية جديدة، التسلط لغة محمومة ليس من السهولة التخلص منها، لغة الشعارات والفقاعات المنتشرة في الفكر العراقي الذي ما زال يرضخ لضخ التراجع على اساس التقدم، فيضيف للعموميات والشموليات قوانين تجميلية سنراها قريباً مفبركة وعلى القياس، العمومية في قول الخير والموقف الحيادي من الفساد لأن الزمن كفيل بالخلاص منه، يحولونه كقانون للقيمة يتواجد في كافة المنظومات الإجتماعية.. وسوف نرى مومياءات جديدة في أردية عصرية لكي لا نخلط بينها وبين من سبقتها ولتكون على الأقل مقبولة لفترة التمرير..

لابد من الإشارة للماضي كي نتعلم الحاضر والمستقبل وإلا سنبقى نفرّغ ما لدينا من صيغ ثقافية رافضة التقليد إلى تقليد أعمى في جوهره، نحسبه ذو عين بصيرة، لا بد أن نفهم أن لا عيب في حزبية الفكر والإنتماء وإلا ضعنا في متاهات التفسيرات الساذجة، (الكل فوق الميول والإتجاهات).. وكأن الناس قطيع من الغنم تحتاج لراعي وعصى ومزامير كمزامير النبي  داود، فمنذ ان تحسسنا معنى الصراع بين  مفهوم ديمقريطس ومفهوم افلاطون عرفنا أن هناك طبقات تتصارع شئنا أم أبينا، صراع بين الطبقات خارج عن القوانين البشرية لكنه موجود بوجودهم، لكل مجموعة من الناس مصالح وقد تكون متعارضة ومخالفة ، فلماذا لا نفهم أن التعارض والخلاف قوانين موجودة حتى في الطبيعة ؟ ولماذا نخوض صراعاً داخلياً غير منطقي ينتج الضوضاء بدون حدود؟ ضوضاء تجعلنا بعيدين عن فهم ما يجري حولنا، فنتشبث بالكلمات الرنانة التي تطن في آذان من يسمعها لأنه لا يفهمها، من هنا نفهم الحربين، حربٌ بدأت قبل ست وثلاثون عاماً أخذت كل وقتنا وهدمت ما في داخلنا من صروح المعرفة والنظرة الإيجابية في التطلع والتغيير ، افقدتنا التركيز حتى بتنا لا نفهم الخير من الشر، ومن هذه النقطة نفهم الحرب الآن وأسبابها وعنفها المراد بلوغ الهدف القطعي، ما هي إلا إمتداد للفكر القسري الملقن بمعرفة الضلال، وكأنه يمتزج مع الفكر الآخر باعتبار المعرفة والثورة المعرفية ملكه وليس للآخرين سوى القبول بالنتائج.. المعرفة هي ملك الإنسانية بدون تمييز، هذا أبيض وذاك أسود والآخر أصفر، هذا عربي وذاك كردي والآخرين من جنسيات يصعب علينا ذكرهها لكثرتها وتعددها، من أين جاءت فكرة الشعب المختار الأعلى ؟ والشعوب الأخرى اين كانت من سلالم التدرج البشري.. هذه الفكرة الغاصبة التي تتدلى منها قوانين الإمتثال، مخرجة بطريقة تعسفية، تريد أن تضع الفرد المطلق بديلاً عن المطلق كله، يريد أن نفهم العالم برؤياه دون غيره، ويعتبر رؤيته هي الخير بينما الرؤيا الأولى شر يجب التخلص منها، إذن هو يري ان يحتل مكان الآخر، الآخر الذي سار على الطريق نفسه معتبراً الحق له والباطل للآخرين، فوضع قوانينه المعرفية الخاصة ليشوه الفكر المعرفي وحقوق الأفراد والمجموعات بالإنتماء الفكري والعملي، وهكذا يجري تحويل الطبقات والشرائح الاجتماعية والاحزاب والمنظومات المعرفية والثقافية إلى شكل واحد لا يتجزأ حسب المفهومين السابقين، تحويلها مخالفاً لجميع قوانين الطبيعة المحركة وقوانين الإجتماع التي باتت معروفة، ظللها بظلال الريبة والشك والقدرة والعنف ليمنع الناس من ان تبحث عن جذور الحقيقة..

الحرب هي التي ستنتهي بحرب جديدة، قد تكون صعبة وتحتاج إلى نزيف آخر ليتراكم مع النزيف القديم، إلا أن النهاية ستكون في الكيفية القادمة، لا بد بعد كل حدّ  للتراكم ظهور نوعية جديدة لتبدأ العملية من جديد، إنه القانون الذي يبين مجريات التطورات في الظواهر الطبيعية والاجتماعية، يعمل أحياناً خارج إرادتنا، ونحن لا نختار ظهوره وتغيره لأن ذلك يجعلنا نفتقر إلى اساس معرفي يتعارض مع القانون نفسه.. ولا يمكن أن نطرح طرحاً مكيانيكياً آحادي الجانب فنسقط في التلفيقية ونعبر إلى متاهات الضياع..

 

فرضيات  قد تكون مقبولة

كل لحظة تمر تعلن الأجراس عن شيء جديد سيحدث، لا نعرف كنهه ولا مصيرنا فيه، نخمن بفطرية ساذجة معللين أنفسنا بالخير، أي خير هذا وأي تغيير ذاك؟ لماذا لا نقول الشر يذهب وسوف يقدم شر آخر؟ ولهذا نحتاج إلى التهيأ كي لا نغلب مثلما غلبنا مرتين، مرةً قبل اربعين سنةً ولم نستفد من التجربة ورحنا نتجادل في البيضة والدجاجة، ولهذا حدثت المرة الثانية قبل ست وثلاثين سنة.. هل بالإماكن الإستفادة بدون قيام الغوغائية في أفكارنا والضوضاء في أعمالنا ؟

 بالمعنى الواضح أكثر هل نستطيع التخلص من الغوغائية في الفكر والضوضائية في العمل، أي نعرف الإتجاه الذي من الممكن أن يكون الإتفاق عليه شرط للتخلص من حروب ومطاحنات قادمة، بالحديث عن العقائدية وضرورة إلغائها، بالتوجه لإلغاء الماضي بحجة أنه كان نكرة في المعرفة والنضال ضد القوانين الإستبدادية ، كيف يمكن إلغاء عقائد الناس والتحدث في الوقت نفسه عن الحرية والديمقراطية وحرية الفكر وطواعية الإنتماء؟ أليس هذه هي الخريطة الفكرية التي نحتاج إليها لكي يعرف كل واحد منا طريقه للوصول إلى الهدف المنشود؟ وعدم دخول الغوغائية والضوضائية للفكر والعمل، فهل نحتاج إلى إلغاءات جديدة تتمازج في باطنها مع الإلغاءات السابقة؟   من يلغي من؟ وما هو الجديد في التحديث المطلوب أن تقول كان اسمي ومعتقدي في خبر كان واصبح اسمي ومعتقدي في التجديد والتحديث هذا؟ هل التحديث يعني الشكل او المضمون أو المطلوب كلاهما معاً كشرط أن تقبل في العقل الحضاري الجديد، في الحلم الثقافي الترفعي الذي يطلق رصاصة الرحمة على الماضي بحجة التخلص من الرتابة والشكلية والريبة والشك في التعامل.. !

ان الإستطاعة هذه تجعلنا ندرك بأن اشكال الوعي الاجتماعي ذات ألوان مختلفة لأنها إنعكاس موضوعي للطبيعة ومجرياتها ووجودنا الاجتماعي واختلافاته وتناقضاته في وعي الناس، والحق المتاح على أساس الوعي الحقوقي، حق الإختيار والتحرك والإيمان بحرية تتماشى مع حرية الآخرين ونشاطهم وتحركهم وإيمانهم ولا بأس أن تتقاطع معهم لأنها صيرورة الحياة، حق العمل السياسي بدون التدخل على اساس مفاهيم التكفير والتحريم والإتهام بالعمالة والإرتباط، لفصْلنا عن العالم وكأننا من طينة خاصة، لا حق قانوني مدني أو ديني يتبنى مفهوماً إصلاحاً للآخرين لكي يكونوا على شاكلته، علينا عدم القبول ورفض ذلك، ورفض النصيحة التي تطلب التخلي عن كل شيء من أجل شيء واحد ينفرد به اصحاب السلطة.. لا مكان للإصلاح المؤقت إذا لم يكن جذرياً..

في كل لحظة تدق الأجراس على مفاهيم قد تكون غبية في نظر البعض، وربما يتبناها آخرين كمفاهيم ذكية، المفاهيم تتغير والعقائد أيضاً ولكن ليس عن طريق الفرض القسري، السجون الفكرية، وطواغيت القرارات الفوقية أو الجالسين على مكاتب فضية وذهبية يرون العالم كما هي مكاتبهم الفخمة المريحة والراقية الأثاث، الذي يركب أحدث السيارات يعتقد أن العالم يعيش مثله، والذي يركب أقدامه للوصول إلى مكان لقمته يعرف جيداً كم هو مغدور لأنه يرى السيارات الفاخرة وهي تمرق امام عينيه دون أن يستطيع لمسها، علينا أن ندله على الطريق بدلاً من ضياعه في متاهات وسفسطائيات لا نهاية لها.. أن لا نجعله يفهم أن حظه أن يكون في أسفل االسلم الإجتماعي وعليه القبول به لأنها هناك مشيئة تفوق طاقته ووجوده..

هل ندرك هذه الحقيقة، إذا أدركناها فسوف نعيش معاً ، نختلف، ونتحاور، ننزعج ونتصالح ، نسلك طرق مختلفة ولكن على شرط أن تكون في مجرى واحد ، حرية الوطن والديمقراطية للناس.. ورؤية الطبقات المسحوقة وحقها أن تعيش بلا حروب لأنها وقودها الحقيقي، حقها في أن تقول كلمتها ورأيها بصراحة بدون خوف أو رعب أوضغوط مادية ومعنوية، حقها في لقمة العيش بكرامة وعزة النفس، حقها في الشعور الخاص الذي تحمله، حقها في المعرفة والتقصي والإطلاع، كي تكون فاعلة بقدر ما تكون للفاعلية منفعة للوطن وللجميع.، حقها مثلما يطلب منها البناء أن تعرف لمن هذا البناء؟ وهل هناك سقف منه يحميها من برد الشتاء وحر الصيف..

إذن هو الوطن المعني وعدم رؤيته في تجريد ذاتي، وإذن هم الناس أيضاً، سواد الناس وعدم تجييرهم بجرة قلم وبدون منحهم حرية حق الإختيار.. 

 

 



#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)       Moustafa_M._Gharib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مصطفى محمد غريب - هل نستطيع التخلص من الغوغائية في الفكر والضوضائية في العمل المستقبلي ؟!