أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آوات محمد امين - ترجمة قصة قصيرة - ام بزونة















المزيد.....

ترجمة قصة قصيرة - ام بزونة


آوات محمد امين

الحوار المتمدن-العدد: 6511 - 2020 / 3 / 11 - 18:34
المحور: الادب والفن
    


ام بزونة
عمر سيد *
ت: آوات محمد امين
في الاحياء القديمة لبغداد، التي بيوتها من الآجر والطين والتي لم تصبح بعد جزءا من عالم الاسمنت والابنية العالية، حيث البيوت المتواضعة المتداخلة مع بعضها بأزقتها الضيقة والمكتظة بالفقراء، هناك حيث الذكريات والقصص. تلك الاحياء المليئة بأرواح الذين قضوا بالطاعون او السيول او سيوف المغول، في احد تلك الازقة الملتوية هناك دكان صغير تديره امرأة وحيدة، متشحة بالسواد. امرأة سمراء بشامة في وسط ذقنها، ممتلئة الاطراف، كانت حزينة و صامتة على الدوام تحطمها الذكريات. كانت تبيع مصائد الفئران والجرذان ومبيد الحشرات والتي تزخر بها الجدران المنخفضة للدكان. بملامحها المتسمة بالحزن والكآبة كانت تفرش قطعة من القماش الابيض تتدلى من على حضنها وهي منشغلة بالتطريز بخيوط ملونة، ترسم باناملها الناعمة وبكل دقة وهدوء صور الفئران على خريطة عجيبة كما كانت ترسم الخطوط والدوائر والالوان المتداخلة. كانت المرأة تصاحب القطط مثل ابناءها، وهي التي لم تحضى بوليد في حياتها. كانت القطط تدور حولها وتلامس الاجزاء السفلية من ساقيها. قطط باحجام والوان واشكال مختلفة، منها البدينة والنحيفة وكثيرة الفرو بشوارب طويلة وذوات العيون الحادة ومنها الصفراء والبنية والسوداء والمرقطة. دكان يملأه المواء كبيت القطط وينتشر فيه الفخاخ والمصائد. كان المرتادون على الدكان كثيرين ولكن القليل منهم كان يبتاع شيئا. اكثر المرتادين كانوا جنودا، حيث يتوافدون على الدكان بزيهم العسكري المهلهل والتعب باد على وجوههم وهم يتهامسون مع المرأة وينصرفون مسرعين دون شراء اي شيء. جنود مرهقون كانوا يأتون ويذهبون احيانا بكل هدوء على اشكال القطط. المرأة التي لم تحتضن يوما وليدا لها كانت تدعى من قبل الناس في الحي والسوق المحلي بـ(ام بزونة) وذلك لفرط تعلقها بالقطط.
*****
حكاية ام بزونة كانت معروفة لدى الجميع. امرأة شابة وجملية لم تنعم ببيت الزوجية الا ستة اشهر حيث ترملت قبل خمس عشرة سنة. ستة اشهر من الصياح والتراشق، ليس مع زوجها وانما مع الفئران، لأن خوفها من الفئران كان الى حد اعتاد الناس على سماع صرخاتها في الحي بعدما كانوا يسرعون الى بيتها ظنا منهم بان السبب هو زوجها الذي يكون قد انهال عليها بالضرب (ومن المؤسف ان بيوت الفقراء غنية بالفئران فقط) ولكنهم تيقنوا بان السبب يكمن في خوفها اللامحدود من الفئران والذي بمجرد رؤيتها للفأرة يكفي لكي تصرخ بأعلى صوتها. ذات يوم ثار غضب الزوج المسكين ولكي يقضي على خوف زوجته بدا بملاحقة فأرة داخل المنزل، يلاحقها هائجا دون كلل مثل القطط حتى قبض عليها. أتى بالفأرة الى زوجته المرعوبة وهو يمسك بذيلها بأصبعين ويصيح: ما هذا الكائن المسكين الذي تخافين منه وقد اخزيتنا في الحي؟ فزعت الزوجة عند رؤيتها للفارة متدلية بين اصبعي زوجها دون حراك فصرخت بكل صوتها ثم هربت من المكان وزوجها يلاحقا ممازحا من غرفة لأخرى الى ان حشرها عند زاوية فوقف امامها وهو يرفع الفأرة الى فمه قائلا بنبرة تملأها المزاح ونشوة النصر: هل ابلعها؟ وهو يقربها من فمه المفتوح ملء شدقيه، لحظتها الفأرة المرعوبة هزت بنفسها فافلت ذيلها من بين اصبعي الزوج وسقطت في فمه. وبما ان الفئرات اعتادت على البحث عن الجحور والشقوق لتختفي فيها فانها نزلت الى باطن جسد الزوج ولسؤ الحظ اتخذت المجرى التنفسي بدلا من المجرى الهضمي طريقا للاختباء مما سبب للرجل الاختناق الشديد في الحال فدار حول نفسه لمرات وقد جحظت عيناه وازرق لونه ومن ثم سقط على الارض وقد فقد الحركة لينتهي بالموت خنقا.
نشبت الحرب، وغزت سماء البلد المئات من الطائرات وخلال اربعين يوما تم تدمير جميع المنشآت العسكرية والملاذات ومخابيء الاسلحة والذخائر. ثار غضب الدكتاتور فكان يصرخ كثور هائج ينطح برأسه الجدران الذهبية للقصر وهو قد اعدم نصف ضباطه الكبار بتهم تتعلق بالتجسس والكشف عن مستودعات الذخائر واسلحة الدمار الشامل. يا ترى ما هو السر وراء تلك الصواريخ التي تصيب الاهداف العسكرية واللوجستية التي بنيت بسرية تامة؟ لابد من وجود خونة وايد عميلة خلف ذلك السر حيث ان تلك الاسلحة المخيفة التي صنعت لابادة البشر وتم خزنها لسنوات قد دمرت خلال اربعين يوما وفق خطة مدروسة.
*****
لقد غيرت الفئران حيات ام بزونة، فقد حولتها من امرأة سعيدة الى ارملة حزينة متشحة بالسواد حيث ان العبث والفراغ تنخران روحها الى درجة تفكيرها بالانتحار، ولكن رؤية عدوتها المنبوذة وهي تصول وتجول امام عينيها في حين تبقى هي جاثمة على ركبتيها كتمثال مخيف تنظر الى امامها بيدين متدليتين وشعرها الاسود المبعثر وملامحها الغاضبة كأنها وحش اسطوري، تجعلها تفكر بالانتقام من الفئران بدلا من الخوف منها.
*****
ثمانية عشر منظرا عجيبا نقشت بخيوط صوف ملونة على ثماني عشرة قطة قماش تبدو مثل ثماني عشرة خريطة مليئة بالاسرار، مزدحمة بصور القطط بانواعها والالوان والخطوط والاقواس واشكال هندسية مختلفة على هيئة الطلاسم، وقعت كلها بيد صحفي من اصل ايراني بأسم فرزاد بازوفت ومن خلاله وصلت القطع الى امريكا. بعد اشهر قليلة تم اعتقال بازوفت من قبل الاجهزة الامنية للدكتاتور بتهمة التجسس ولم تمض فترة طويلة حتى امر الدكتاتور بأعدامه متجاهلا الاحتجاجات الدولية بذلك الشأن ومن ثم ارسل جثته في تابوت الى بريطانيا لان بازوفت كان يحمل جنسيتها. بعد اربعة اشهر ونصف من تلك الحادثة اندلعت الحرب فقامت المئات من الطائرات بقصف المحافظات الثمانية عشر في البلد. يوما بعد أخر كانت ام بزونة تشاهد النساء وهن يترملن ويتشحن بالسواد بسبب الحروب العبثية للدكتاتور فلم يقتصر عدائها وحقدها على الفئران فقط حين وجدت بان هناك تشابها عجيبا بين الفئران والرصاص حيث ان الرصاصة تتوجه مباشرة الى صدر الانسان فتقتله في الحال، لذا واعدت نفسها بان تعتبر الدكتاتور وزبانيته فئرانا وان تضعهم ضمن دائرة عملها بمكافحتهم مع مخازن اسلحتهم، لذلك انظمت الى شبكة سرية تعمل على الاطاحة بالدكتاتور. اصبح دكان ام بزونة محلا لحفظ واخفاء البيانات والوثائق المتعلقة بتحديد المواقع العسكرية والمستودعات السرية والمخازن الاسلحة والاعتدة الواقعة تحت الارض. في اكثر الاحيان عندما كانت ام بزونة تستلم البيانات كانت تهمهم "مرة اخرى سم الفار الكبير". كانت تصلها وباستمرار وثائقا سرية من جنود منهكين مناوئين للحرب ومن اناس ثوريين، بدورها كانت ترسم المواقع العسكرية والمستودعات السرية على اشكال الفئران مطرزة بالصوف.
*****
ذات صباح عندما كان المصلون يغادرون المسجد بعد انتهاء صلاة العيد وجدوا جثة امراة ملقاة على الارض فقال السادن "قبل قليل رأيت اربعة رجال يستقلون سيارة مرسيدس القوا بهذه الجثة هنا". كانت الجثة ترتدي ملابس سوداء، فستانا طويلا غطتها الوساخة والدم والقيح، كانت ملقاة على جانبها مطوية الاطراف، شعرها الاشعث القصير المتسخ يتدلى على وجهها النحيف الذي تملؤ ه آثار الخدش والقطع والتي لم يجف دمها تماما بعد، احدى عيناها قد فقعت وكانت اثار العض على ارنبة اذنيها وانفها واضحا كما ان احد نهديها قد خرج من فتحة فستانها وكان ممزقا مثل وجهها وكذلك كانت آثار الجروح على رؤوس اصابع يديها وقديمها بادية وقد قلعت جميع اظافرها. فكل شيء كان يدل على حدوث موت مؤلم وقاس. لم يمض وقت طويل حتى ادرك اهالي الاحياء الفقيرة للعاصمة بان تلك الجثة كانت تعود لأم بزونة، حين قام ازلام النظام قبل ما يقارب السنتين باعتقالها داخل دكانها لتبقى مجهولة المصير الى اليوم الذي القيت بجثتها قرب هذا المسجد. بعد ان اجبرت ام بزونة على الاعتراف وكشف حقيقة قصتها، تعرضت الى تعذيب كثير ومن ثم وبدافع المزيد من الاهانة قرروا قتلها بنفس الطريقة التي تبنتها هي في معاداتهم. فبعد سنتين من التعذيب القاسي شدوا يديها من خلف ظهرها وادخلوا رأسها في كيس من الصوف مملوء بالفئران والجرذان الجائعة وشدوا الكيس عند خصرها فقامت الفئران والجرذان المحشورة دخل الكيس، من شدة الجوع والخوف، بمهاجمة صدرها و وجهها ومن المتوقع بانها خوفا من انفلات الفئران الى داخل صدرها اطبقت فمها فاضطرت الفئران الى استهداف الجزء المحشور داخل الكيس من جسمها الى ان لقيت حتفها مع اقسى درجات الالم والخوف.

* قاص وروائي من كردستان العراق
مؤلفاته:
- في نهاية الانتظار (مجموعة قصص)
- الدوائر المنبسطة لبابل (رواية)
- ارض الزيز (رواية)
- مدوس المجرفة (رواية)



#آوات_محمد_امين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آوات محمد امين - ترجمة قصة قصيرة - ام بزونة