عبد الرزاق السويراوي
الحوار المتمدن-العدد: 6510 - 2020 / 3 / 10 - 11:27
المحور:
الادب والفن
السيارة البيضاء توقفت للتو بالقرب من باب البيت الخارجي ,وقد إنعكس على سطح زجاجتها الأمامية , قرص شمس الصباح , فبدا كمصباحٍ شديد التوهّج .فتح السائق الباب , وما إنْ ترجّل حتى خرجت ثلاثُ نسوةٍ من البيت ، وهنّ متلفّعات بعباءاتهنّ . همّ السّائق بالتوجّه صوب النسوة ، ثم فتح الباب الخلفي للسيارة . خطواته كانت رتيبة جداً , غير أنّ إلتفاتة لاحت منه نحو المرأة التي كاد جنبها الأيسر يلامس بابَ السيّارة الخلفي , وقد أمسكت بيدها اليمنى صرّة للملابس , فيما أسندتْ جاهدة بيدها الأخرى , ظهرَ الفتاة التي تتوسطهنّ , أمّا المرأة الثالثة ، فكانت هي الأخرى ، تسعى لإسناد الفتاة من الخلف . وعندما التقت نظراتُه بنظرات المرأة الممسكة بصرّة الملابس, خمّن مع نفسه ، أنها تودّ لو أنّه أعانها بأخذ الصرّة بدلاً عنها , وفعلاّ ، عمل بما خمّنه ، فتناول الصرة منها . كانت الفتاة تتلوّى من شدة الألم , ولفرط شدّته إنطبعت سحنةٌ صفراء على وجهها الذي أخذ العرق يتصبّب منه بالرغم من عدم إشتداد حرارة الجو . وبين اللحظة والأخرى ,كانت تزمّ شفتيها بقوة ، فبان الذبول عليهما جلياً , ولكي تخفّف من وطأة الألم الذي يعتصرها , كانت تضع يديها أسفل بطنها المندلق أمامها , والذي لم تخف عباءتها إنتفاخه الواضح , حتى أنّ السائق ضحك في سرّه من التشابه الكبير , بين تكوّر وإنتفاخ بطنها , وبين صرة الملابس التي وضعها في هذه اللحظة فوق المقعد الأمامي للسيارة . حركة الناس في الزقاق ما زالت متسمة بالهدوء , فالصباح ما زال في أوّله , أمّا النسوة الثلاث فقد تهالكن بأجسادهن فوق المقعد الخلفي لتنطلق السيارة ولكن على غير عجل ........ في المساء , وقبيل أنْ تشتدّ جحافلُ ظلمة الغروب , توقفت سيارةٌ سوداء حيث الباب الخارجي للبيت , فترجّلت منها إمرأتان ولكن ببطء خالطه تعبٌ بدا واضحاً عليهما . إحداهنّ كانت تحتضن بباطني كفّيها , رضيعاً كان يبدّد بصراخه سكون الغروب , فيما كانت المرأة الأخرى تمسك بلامبالاة ، بصرّة الملابس التي بدت أصغر حجماً عمّا كانت عليه صباحاً . صراخ الرضيع ما زال يتواصل دون إنقطاع فيما همّت المرأتان بالدخول في البيت . بدأت في هذه الأثناء , تتوافد بإتجاه البيت , بعضُ نسوة الزقاق مع عدد من الرجال .أنصرف السائق بسيارته لكن عويلاً بدأ يتعالى تدريجياً من داخل الدار , ليطغى على صراخ الرضيع الذي ُلفّ بقطعة قماش قارب لونها , لون بشرة وجه الرضيع .
#عبد_الرزاق_السويراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟