أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - احذروا أيها القراء .. كتابة رواية كالسفر إلى مجرة















المزيد.....

احذروا أيها القراء .. كتابة رواية كالسفر إلى مجرة


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6508 - 2020 / 3 / 8 - 15:02
المحور: الادب والفن
    


الفرق بين الرواية واللارواية، الرواية: دخل الميت من الباب! اللارواية: دخل الرجل من الباب.
إهداء إلى أنطون تشيخوف

اننا نتمتع بموهبة اختراع الروايات كي ندغدغ ألمنا . مارسيل بروست
1
أحياء ميتون، وميتون أحياء، أحياء لا يؤثرون في شيء حتى لا يطردون ذبابة عن وجوههم، وموتى يغيرون قواعد العالم، مثالٌ حي: راشد الغنوشي لا يساوي حشرة، وكارل ماركس ما زال يهز قواعد العالم ويغيرها، هكذا تَصْنع رواية، بالاعتراف أن اه يجامل الفقراء ويثري الأغنياء...
لأن الهروب من بدائية الحياة يريح قلب كاتب فقد الثقة بالعالم من حوله فرار بكبسولة شهوة، فانجر يتقصي ملاذ غير آسن كمستنقع مليء بالورود أو بستان مكتظ بالحراب السامة، تبعدك الرواية عن الروتين القاسي كالذي يتمثل بسقوط طائرة ركاب وعلى متنها مئتي إنسان ويعبر الخبر طبلة أذنيك كمرور ذبابة أمامك، أو كمصرع عشرات الأطفال بغارة خاطئة بشمال أو جنوب سوريا ولا يثير ذلك حسك لأنه بمكان بعيد عن بيتك ولسبب أعمق أنك لا تعرف أحداً من ذوي أولئك الضحايا. ما علاقة ذلك بكتابة الرواية؟ يسأل من لم يقرأ أنطون تشيخوف أو ارنست همنغواي أو غابرييل غارياي ماركيز، لأن الأمر لا يعنيه فالرواية التي تشدك هي تلك التي تصف جسداً عارياً أكثر مما يثير خبر سقوط طائرة الركاب وهكذا يتداعى العالم وينهار كأنه علبة كارتون أو قطعة خشب طافحة فوق الماء، أي جنون للرواية يحتشد فيها البشر من كل الألوان والجنسيات وكل ما يهم هو ماذا يشكلون من شهرة، فحين يموت مئة طفل بغارة لطائرة أطلسية بحدود أفغانستان تجد الخبر بحافة صفحات الأخبار الهامشية بداخل الجريدة أو بذيل نشرة الأخبار بقناة العربية ولكن وتفاجئ بعد ساعة بخبر انتحار أحد المشاهير في هوليود أو سبق صحفي لخروج نجم الكرة كريستيانو من فريق ريال مدريد، خبران يحتلان صدر الصفحات الأولى وبدايات نشرات الأخبار حتى القارئ أو المشاهد لن يتعاطف معك سوف ينصرف لأخبار المشاهير وينشرها بوسائل التواصل الاجتماعي، هل رأيت مرة واحدة بحياتك خبر غارة على مخيم للأطفال بوسائل التواصل الاجتماعي أو بتغريدة لتويتر تبلغ آلاف القراءة؟
الهروب للرواية يخلصك من بدائية العالم ويفسر طعم الهدوء بمذاق نهارك الذي تشرق شمسه بكلمات مألوفة مثل صباح الخير وكيف حالك؟ وأين تسهر الليلة ثم تمضي يومك بتعاسة لأنك لم تقرأ رواية لغارسيا ماركيز لتفهم ما هي الحياة وليس كيف تسير الحياة؟ إن لون الشمس بعد يوم ممطر هو البرتقالي ولكن بذهنك المدرب بالتبعية سترى لونها أصفراً باهت كورقة خريف برصيف طريق مكتظ بالأشجار وإذا كنت تعيش ببلد لا توجد بأطرافه سوى النخيل فلن تفهم لماذا يعتبر الخريف أجمل من الربيع لأنك لا تمر بيوم خريفي في وطن لا تزرع فيه الأشجار ولا تسقط أوراقه الصفراء على الطريق، هل يجيب هذا التأرجح غير العقلاني على سؤالي لماذا الرواية؟... إهداء إلى أرنست همنغواي.
2
متعة الرواية في وحشية كلماتها التي تمطرها حوادث غامضة تدور بين كائنات غريزية تهاجر كالطيور بين أغصان يابسة بغابات كريستالية تشدك من نهارك الرصاصي حتى مساءك البنفسجي ولا تترك دقيقة تميز بين امرأة تصلي تبيع الهوى وبين امرأة عارية تحمي شرفها بالدموع، لأنك مسير بعقائد صفراء ببطون كتب التاريخ سردت لك لآلاف السنين والحقب طلاسم مزركشة بالفتن تمضغها وتمضي بحياتك سعيداً لن تفهم معنى الرواية بهذا الزمن الذي أودعت كل رصيدك من المعرفة بتغريدة تويتر خاطفة مرت كأنها نسمة بيوم حار أشبعت جوعك لمعرفة لماذا تزدهر الرواية بمكان آخر من العالم بينما تموت بمكان آخر فيه؟
لقد كتب عليك أن لا تسافر لأبعد من حدود توتير ولا أقصى من أخبار المشاهير لأن بذلك تسلية عظمى لعقلك المترهل الذي لا يحبذ ثقل أوزان ما يجري وراء أسوار اللاجئين بالعالم الذين يستحق كل نفس بشري منهم رواية تشهد على ميلاده وموته، فكم لاجئ عربي غرق بمحيط سحيق تعرف عنه شيئاً مقابل ثقافة مكعبة هائلة رسخت بعقلك عن بطل لعبة تنس بأقصى الأرض، هل رأيت الفرق أيها القارئ بين الرواية حين تبحث عن تائه بين أركان الكون وبين قطعة تغريدة تسبح مئات الكيلو ميترات لتقع فوق رأسك المربع كعلبة الطماطم؟ رواية الشيخ والبحر، ارنست همنغواي ورواية (......) شتان بين عالمين منشطرين أحدهما أسطوري وآخر متفسخ لكن أغلب قراء اليوم بعصر التواصل الاجتماعي يسبحون بمستنقع التفسخ فالشيخ والبحر تقبع بمخازن الغبار وتخلوا منها المكتبات المتفسخة بعالمنا العربي بينما تعج بها مكتبات باريس ولندن ونيويورك وكأنها من إصدارات أمس، الفرق بين القراء كالفرق بين الليل والسجن فكلاهما مظلم لكن لأحدهما الشوك وللآخر السحر. نقرأ ونقرأ ونصاب بالتخمة ويظل العقل فارغ لأن عصر الرواية تغير منذ ازدهرت مهرجانات الورق بأطناب الأغلفة الصفراء ذات الحروف السامة والخالية من زهور الألم الذي عاشه غوغول وجيكوف وشتاينبيك ونجيب محفوظ، أضحى وادي الرواية خالياً من العشب ونكهة السرد الخرافي. زمن الرواية يزدهر في الغرب وبالعالم كما لم يحدث من قبل وزمن الرواية بمحيطنا ينضب كنهر مملكة الحيرة الذي تحول لصحراء رصاصية اللون... إهداء إلى نجيب محفوظ

3
ماذا يؤلم الروائي غير غض الطرف عن المسكوت عنه؟ مخدر الكتابة أحد الآلام التي تسببها الغيبوبة حين ينتشي السرد وتوغل بالغابات الضبابية ويلوذ الأبطال كل بمرفأ ينتظر انفجار الحدث، تثيرك كآبة ما بعد الجنس، ينتشر دخان الانفجار بأرجاء المكان وبأبعاد الزمان فتقع الفوضى العارمة بأنحاء الرواية وعلى الروائي الجسور تحريك الخيوط المشتعلة بالنار والسير على الماء بأقدام مشتعلة بالنار للملمة المسافات المتبقية من حريق الغابات، لاشيء يوازي الثورة العاطفية والانتكاسة النفسية مع الوقائع الأصلية بالرواية لعدم وجود مسارات روتينية كئيبة تحكم النسيج وإلا ما عاد للمسكوت عنه واقعية، فسحر السرد وجنونه هما في الوصف الصوري وليس في عبارات غبية مرئية ظاهرية، فسحر السرد يكمن في الجوفي الذي يمزج الواقع بالخيالي والسحري لتبزغ صور حقيقية بقدر الواقع المزري المصور، فكاميرا الروائي هي السحر ولكن من يعتقد ذلك غير المتألم بالكتابة والساهر خارج كهف الضجر. للرواية شأن يوازي يد الخالق الذي يشكل الخلق بصلصال الألم والبؤس وشرارة الاحتراق فتكون نطفة الخلق تلك الشخصيات الملتهبة التي تملك كيريزما جاذبية ولا تسقط بالسأم، التحدي للسارد هو الألم الآتي من رحم الواقع ونبشه واستخراج المومياء بداخله حية ترزق.. هكذا يتم الخلق السردي. ما يؤلم حقاً هو السرد المسكوت عنه، لا أولئك الأيتام الذين ينبشون بقايا الكلمات المستهلكة ثم يجمعونها بركام الورق لتظهر بشكل كراسات متوهة تبحث عن صيد بالكاميرات في أسواق عكاظ السنوية.
ما يؤلم الروائي تلاشيه بالانفجار ذاته مع الأبطال والشخصيات في الزمان والمكان، فما أسهل الكتابة بمداد الألوان المزركشة وأسهل من ذلك صنع العبارات بالورق كلعبة مكعبات يتم رصها بحكايات الأطفال الليلية ما قبل النوم، ما يؤلم هو السرد السحري الدموي المحفز للمجازفة بمسكوتٍ عنه بين خالق متألم ومخلوقات هامشية لا يعتني بها العالم إلا في الروايات الدامية فقط...إهداء لغابرييل غارسيا ماركيز

4
تدغدغ الرواية الألم بالكاتب وتقوده لجنون ناري ساعة خلق الوجوه وصياغة الأحاسيس، أنه خالق للأرواح البشرية دون إرادة التحكم فيها، لا تصنع الرواية الأحداث الشخصيات المتناثرة بداخلها هي من تحرك الحياة فتخرج سيطرة الكاتب عن مسارها وتتحول الدمى التي تشكلت في البداية من عجين الصلصال إلى كائنات تتنفس الهواء ويلوذ القلم بالفرار لتتربع الرواية قمة الإبداع، لا قواعد رقابية ولا خطوط حمراء تعترض الطريق، تعبر الكلمات من فجوة القلم السحري لتنفض الغبار عن المسكوت عنه وتتوغل بخفايا الظلام، تعري النفوس وتفضح ما وراء الستار، تتجاسر على التقاليد والقيم البالية، تفجر القوالب الجامدة بالواقع لتنزع الخوف من الأرواح الراكدة فتختلط الأوراق ويبدأ الكون بالاستماع لأنين المهمشين والمطاردين والعشاق والموجعين والضائعين بالمتاهات لتختتم النهايات بالبدايات، فلا توجد نهايات إلا تضاجع البدايات، فالعشاق المحرومين من الشواطئ والموانئ والمتخفين بدهاليز الليل يلتحقون بملاجئ العتمة لينعموا بالسلام.
رواية لا تكون بمثابة تمثال جمال ترتدي الألم، رواية لا تحلق بالسماء ما لم تصاب بالجرح، رواية لا تخرج هاوية الآلام البشرية هي كارتونة فارغة كدمية ملطخة بالألوان، الرواية، تلك المجنونة المتمردة على الواقع والمتحدية للقوانين والإجازات الرسمية، أي رواية تلك التي تروج بالواجهات الزجاجية ولا تعبر مرافئ الجوع والخوف والجسد؟ أي روائي ذاك الذي لا تكتسحه المشاعر المدمرة؟ عندما ترتدي الكلمات الماكياج تضحى مجرد حروف باللغة. الرواية هي جرح نازف لا يعالج بالمسكنات، الرواية حكاية معذبين وعشاق سعداء وهائمين بالطرق ووجوه هاربة من الألم إلى مرفأ السكينة، رجال، نساء، عمال، رجال أعمال، عاهرات، قوادين، ومنافقين، أطياف وأشباح وبشر محرومين ونساك ومحتالين ومصلين وملحدين، بوتقة بشرية وكتلة مشاعر تسمو بها العبارات صور تجر بعضها ولا ينتهي المسار بنهايات سعيدة أو حزينة، نهايات وبدايات مفتوحة بلا حدود ولا خطوط حمراء... إهداء إلى جون شتاينبيك.


****



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من رواية -ليلة الفلفل في لوغانو-
- لقاح ضد الكورونا الثقافية!
- نبض الكيبورد في حديقة الكتابة
- رواية يسرا البريطانية - صدرت عن دار الفارابي
- زمن الرواية - الحجّ الأدبي
- فساد ثقافي -تلوين الثعابين الثقافية في حفلات الزار الراقصة** ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - احذروا أيها القراء .. كتابة رواية كالسفر إلى مجرة