يانا السمراني - عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني - في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول: الإمرأة هي الروح العابقة بتراب الأرض، تضبط إيقاع الشارع بحماسها وشعاراتها الصريحة ضدّ كل أشكال القمع السلطوي والأبوي.


يانا السمراني
الحوار المتمدن - العدد: 6508 - 2020 / 3 / 8 - 01:54
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة، وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى، ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء، تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا رقم 229 سيكون مع الأستاذة يانا السمراني - عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني - حول: الإمرأة هي الروح العابقة بتراب الأرض، تضبط إيقاع الشارع بحماسها وشعاراتها الصريحة ضدّ كل أشكال القمع السلطوي والأبوي.
 

 للمشهد السياسي اللبناني اليوم أبعاد جديدة عدّة، فمنذ 17 أوكتوبر إنفجر الشارع، ثائراً، منتفضاً، غاضباً، رافضاً هذا النظام السياسي الطائفي الطبقي الفاسد، والذي أثبت عجزه عن إدارة شؤون الدولة بكل تفاصيلها السياسية والإقتصادية والمالية والإجتماعية. إتبعت الحكومات المتتالية، منذ نهاية الحرب الأهلية 1975-1990 وإعلان إتفاق الطائف، سياسات إقتصادية ريعية غير منتجة، تعتمد بشكل أساسي على الإستدانة من الخارج، وساهمت في تعزيز الانقسامات الطائفية والمذهبية وزيادة الهّوة بين الطبقات الإجتماعية، ما أدّى إلى ظهور طبقة الـ 1% ، الطبقة الأوليغارشية المهيمنة.
عجزت حكومات ما بعد الحرب عن نسج مجتمع لبناني موحد، بل ساهمت من خلال اعتماد مفهوم العفو العام، بعد تسلم ميليشيات الحرب للسلطة، عن قيام أي معالجات جديّة للازمات الإجتماعية، وبالتالي، تم القضاء تدريجاً على حس المواطنة عند اللبنانيين. الأمر الذي أسفرعن انعدام كامل للثقة بدولة التحاصص السياسي والطائفي، دولة الاستغلال العلني للطبقات الاجتماعية الفقيرة، دولة المصالح والزبائنية والفئوية.
لم ينجح جيل الحرب الأهلية في التغيير رغم تحليلاته الصائبة ومصداقيته وتضحياته. ومن ناحيته، لم يكّل الحزب الشيوعي - على مدى سنوات طوال - من التصويب على أسس هذا النظام الطائفي الأبوي والديني، المولد للفساد، وبقي يؤكد على طبيعته الطبقية المولدة للأزمات.
إنتفض الشعب اللبناني بحثاً عن عقد اجتماعي جديد، رفع الصوت عالياً ضد التحالف الطبقي المسيطر "كلٌن يعني كلٌن". رفض مختلف القوى السياسية المشاركة في هذه السلطة السياسية الحاكمة التي تداولت على الحكم، فحمّلها - بشكل أو آخر - تبعات ما وصلت إليه الأمور اليوم. جاءت هذه الصرخة إثر تراكم النضالات على مر السنين، من "حملة إسقاط النظام الطائفي"، في عام 2011، إلى الحراك الشعبي حول أزمة النفايات في عام 2015، وغيرها من حركات مطلبية أهمها حراك "هيئة التنسيق النقابية" أو ما يعرف بالمطالبة بتعديل "سلسلة الرتب والرواتب". وهكذا كانت ثورة 17 أكتوبر، في أحد أوجهها رفضا لتبعات ونتائج الحرب الأهلية، وهدفت، في وجهها الآخر، إلى إرساء مفاهيم جديدة من المحاسبة الأهلية، والمواطنة الناشطة المتابعة، وصولاً إلى إعادة تشكيل هذه السلطة على أسس جديدة.
"يعتمد نجاح الثورة على مدى مشاركة النساء فيها." (لينين)
لم تتأخر النساء في أي مرحلة، سواء ضد الاستعمار، أو خلال الحرب الأهلية، أو في مواجهة "العدو الصهيوني"، وفي كل المحطات المطلبية المحقة، من النزول إلى الشارع جنباً إلى جنب مع الرجال، كافحت المرأة من أجل المشاركة في المظاهرات والاحتجاجات، رغم المعيقات المفروضة عليها اجتماعيا. حملت المرأة السلاح، قاومت وجُرحت وأسرت وإسستشهدت، طالبت بالكشف عن مصير المخطوفين، مدّت الجسور بين كل الفئات والتمايزات الاجتماعية والدينية، طالبت بحقها في إعطاء جنسيتها لأولادها، ولم تخضع لشروط المحاكم الدينية الظالمة، وهي لن تهدأ حتى إقرار قانون مدني مُلزم ومُوحد للأحوال الشخصية، يخرجها من نير رجال الدين بكل ما له علاقة بالزواج والطلاق والإرث والحضانة والسن القانوني للزواج.
الإمرأة هي الروح العابقة بتراب الأرض، تضبط إيقاع الشارع بحماسها وشعاراتها الصريحة ضدّ كل أشكال القمع السلطوي والأبوي، لم تكتفي فقط في تصدّر الصفوف الأمامية، لكنها شكلت سداً منيعاً في وجه القوى الأمنية، تمسكّت بالشباب والرفاق، حمتهم من الاعتقال، وواجهت بفخر القنابل المسيلة للدموع وضربات القوى الأمنية. هكذا ثارت على الواقع الإقتصادي الذليل. غضبت، وما أجمل النساء حين تغضب! وقفت شامخة تطالب بحياة أفضل لأولادها. أعلت الصوت ضدّ سيف الهجرة المُسلط على رقاب أبنائها. كيف لا، وهي من يمد الجذورعميقاّ في أرض الوطن، وتشكل الوعي والرابط المتين، الذي يساهم في تكوين اللغة والهوية.
ينظر النظام الرأسمالي إلى النساء كجزء من "الجيش الاحتياطي للعمل"، يتم استغلاله متى كان هناك نقص في اليد العاملة في بعض قطاعات الإنتاج، ونبذه مرة أخرى متى انتهت الحاجة إليه. وبالرغم من كل الخطابات حول "عالم المرأة" و"تمكينها"، وبالرغم من جميع القوانين التي يزعمون أنها تضمن المساواة، تبقى النساء العاملات القسم الأكثر استغلالاً واضطهاداً داخل الطبقة العاملة، بينما تتحمل النساء المنحدرات من الشرائح الأفقر في المجتمع العبء الرئيسي لنتائج هذا الاضطهاد.
العلاقة بين الثورة والمرأة هي علاقة قديمة جداً، ففي أهم الثورات العمالية كانت المرأة العنصر البارز فيها؛ منذ الثورة الفرنسية الكبرى، وصولا إلى الثورة الاشتراكية في روسيا، وبعدهما، حتى يومنا هذا ضدّ سياسات ترامب العنصرية في الولايات المتحدة، كما شكلت عصب الثورات العربية خلال العقد الماضي بأكمله. يُعتبر العمل الثوري في صفوف النساء العاملات مسألة أساسية خلال مرحلة النهوض الثوري، وحينما تقرر إعلان يوم 8 آذار اليوم الأممي للمرأة، أو ما يُعرف بـ "يوم المرأة العالمي"، وتم احياؤه عبر مظاهرات حاشدة للنساء العاملات في مختلف أنحاء العالم. وفي هذا السياق، لم يكن مصادفة اندلاع شرارة الثورة الروسية بنتيجة اضرابات صاحبت إحياء هذه المناسبة.
مطالب النساء لا تنتهي عند أبواب العمل حيث المطالبة بالمساواة في الأجر، بل تتعداها إلى المنزل، فهي تناضل أيضا من أجل القضاء على جميع التشريعات التمييزية، من أجل المساواة التامة أمام القانون. وهي ليست مطالب فئة اجتماعية محددة، بل هي تهدف لتحسين ظروف الحياة المشتركة بين الجنسين. وهذا النضال اليومي ليس هدفا بحد ذاته، بل وسيلة لجعل النساء واعيات بوضعهن كجزء من طبقة مستغَلة، وبضرورة النضال من أجل مجتمع أرقى.
الحركة النسوية هي حركة تغييرية بامتياز، تقلب تحليل اللامساواة إلى استجماع نقدي لمحددات وعي المرأة، هي عملية تغييرية لا يمكن فصلها عن الواقع، والسعي من أجل الوعي يصبح ممارسة سياسية. فقضية المرأة مسألة سياسية مرتبطة بوجود نظام قمعي رأسمالي يسيطر على أجساد النساء ويتحكم برغبات من لا يخضعن منهن لهذه السلطة.
نساءً، نحتفل اليوم بقدرتنا المتواصلة على النضال من أجل الدفاع عن حقوق كل المضطهدين والسعي للعيش في عالم أكثر مساواة وعدل.