بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 7 - 12:21
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مدخل
------------
هي النوع السابع من تصنيف المعلومات الاستخبارية بحسب ماذكرناه من انواع المعلومات ( انظر مبحث ١٦ جمع المعلومات) , وهي المعلومات الاساسية التي تقاس المتغيرات الحاصلة على الارض على اساسها , وهي مهمة جداً للاجهزة الاستخبارية كما سنبين .
-------------------------
الثابت والمتحول
-------------------------
مما لاشك فيه ان كل منا قد مر بمعرفة لطبيعة فلان من الناس , فحين يتأخر تشك ان مكروهاً قد حصل له لانه ليس من عادته ان لايأتي قبل التاسعة صباحاً الى مقر عمله , وحين تدقق ستعرف بالفعل ان عارضاً ما قد عطله , لكن لو انه كان لايلتزم بمواعيد دورية لتحركاته , فسيكون من الصعب التكهن بأن شيئاً ما غير طبيعي قد حصل له .
فالمعلومات الدورية هي كذلك , لانها معلومات في الحالة الطبيعية للحياة سواء داخل البلاد او في الخارج لدى جهة العدو , وهي معلومات يومية تتكرر كل يوم بشكل رتيب ودوري بلا تغييرات تذكر , وهي تحيط بنا في كل حياتنا والتي ندعوها احياناً بالرتابة . وهي بمثابة المقياس العام لكل شيء حولنا .
فتقوم الاجهزة الاستخبارية في الحالات الطبيعية برصد وتثبيت كافة تلك المعلومات الدورية عن العدو , كي تتمكن من معرفة المتغير من تصرفاته , فحين ترصد الاجهزة الاستخبارية العسكرية ساتر العدو , فان من اهم واجباتها ان تحدد الطبيعي من غير الطبيعي في جهة العدو وتوقيتاته وغير ذلك , فمثلاً في احد القواطع كان العدو يوزع الحليب الساخن في الساتر المتقدم ليلاً , وكل ليلة في الساعه ٩ الى ٩ ونص عندما كانت تاتي عجلة توزيع الحليب والفواكهة , كان كل الجنود يتركون مواضعهم ويذهبون الى الملاجىء لجلب الاواني والتجمع حول العجلة مع الضحك والنكات , وفي هذه الاثناء يكون هذا التوقيت هو المناسب لمفرزة الاستطلاع والاستكشاف لعبور ساتر العدو.
الا ان المهم هنا ليس في ايجاد الثغرة في رتابة يوميات حركة العدو في الجبهة , وانما تكون الاهمية في ان تلك المعرفة تتيح للجهاز الاستخباري الراصد ان يعرف فيما اذا كان العدو يخفي شيئاً ام لا , فحين تحدث تغييرات في هذا البرنامج اليومي للعدو , حينها تتنبه الاجهزة الاستخبارية الى ان العدو يخطط لشيء ما فتكون مستعدة له وباحثة لإكتشافه .
ولو لم تكن الاجهزة الاستخبارية قد سجلت بشكل دوري لحركة العدو وتوقيتاته , فانها لاتستطيع معرفة المتغيرات التي قد تحدث , ومن ثم تغفل عن ان هنالك شيئاً ما يتم التخطيط له .
--------------------
الثابت القاتل
--------------------
في عمليات الاغتيال , تسعى المجموعة المكلفة باغتياله برفع تقارير دورية بتحركاته لفترة من الزمن لتحديد عادات مشتركة يقوم بها يومياً او اسبوعياً , ومن ثم سيكون لديها تصور واضح عن مكان وزمان استهدافه المناسبين , لذا يسهل اغتيال الموظف من معرفة مواقيت عمله , واغتيال رجل الدين من خلال معرفة مواقيت الصلاة والمسجد الذي يصلي فيه .
ومن هنا ترى ان الشخصيات الهامة لاتكرر عاداتها ومواعيد تحركاتها وطرق ذهابها وايابها مما يصعّب على الراصدين لها ان يرسموا جدولاً بالمعلومات الدورية لهم , ومن ثم لايعرف الفريق المكلف بالاغتيال اين يجب ان يتواجد ومتى .
وهو ذات ماتفعله الجيوش في تمويه حركتها عن عيون العدو , فهي لاتستطيع منعه من ان يرصد حركتها وحركة جنودها الطبيعية لاسيما مع وجود الرصد المستمر , لكنها تعمد الى الخطة البديلة التي تتمثل في ان تجعله يظن ان كل شيء طبيعي واعتيادي وكما هو امس واول امس , لانها تخفي المتغييرات التي تحدث عن طريق الحيلة , فيما هي تخطط للهجوم او المباغتة , فتراها توحي له ان مظاهرها اليومية هي ذاتها فيما تخفي شيئاً خطيراً .
------------------------
الرقابة المستمرة
------------------------
ان الكثير من النشرات الاخبارية المحلية تكون مورد اهتمام الاستخبارات الخارجية من قبل دول الجوار والدول المتخاصمة , لتبيان المعلومات المتكررة واليومية , فالاستخبارات المحترفة تراقب كل شيء عن العدو , وهي تعلم ان اسواقه على سبيل المثال يتوافر فيها كل شيء , ولكن حين تصدر قرارات مفاجئة بسحب السلع الاساسية من الاسواق وتقنين توزيعها , فهذا يعني ان البلد يتحضر لشيء ما كالاستعداد للحرب .
ومادامت الامور اعتيادية , فان الاجهزة الاستخبارية تجمع في كل اتجاه المعلومات الدورية الطبيعية , وماان تصبح الحالة غير اعتيادية , حينها لاتعود للمعلومات الدورية قيمة , فتصبح المتغيرات متسارعة وغير رتيبة وتحتاج الى متابعة متغيراتها ساعة بساعة , وفي كل ساعة تتغير الامور وتتطور لان المعلومات في هذه الحالة هي معلومات ازمة .
وتتصدر معلومات الأزمة, كما هو الحال قبل اكتوبر الماضي , حيث كانت المعلومات الدورية عن العراق قبل المظاهرات معلومات دورية شبه ثابتة في كل المرافق والطرق والدوائر والمدارس , وبعد التظاهرات اصبحت المعلومات معلومات ازمة هي ( عدد المتظاهرين , اماكن التظاهر , الاضراب العام , حركة الاجهزة الامنية , تقارير المستشفيات عن الخسائر , غلق المدارس , موقف الحركة في الشوارع...الخ ) حيث تذهب الاجهزة الاستخبارية الى المعلومات الطارئة بدلاً عن المعلومات الدورية الطبيعية .
وكذا الامر في الانواء الجوية حيث تكون حالات الطقس دوماً روتينية ومتشابهة , لكن المهم هو معرفة يوم العاصفة , فهم يتابعون طيلة السنة الطقس حتى يستطيعون معرفة اخبار العاصفة , وهذا هو المقصود من الحالة الدورية حيث يتم في الحالات الاعتيادية تحديد الثوابت , ومن ثم على اساسها تكون تلك الثوابت هي المعيار لمعرفة المتغيرات , فانت لا يمكن ان تفهم العدو ما لم تعرف يومياته حتى تستطيع المقارنة بين ماقبل وما بعد , لذا يجب ان تتابع العدو وتراقبه وتعرف تصرفاته الاعتيادية حتى تكشف تصرفاته غير المعهودة من خلال المعلومات الدورية التي جمعتها عنه , فحين تتغير الرتابة تعرف ان شيئاً قد حدث او سيحدث سواء هجوم او هروب او اختفاء وغير ذلك .
---------------------------------
دقة المعلومات الدورية
---------------------------------
مما لاشك فيه ان مراقبة نشاط العدو الدوري كفيل بفهم خطواته من خلال يومياته :
١ مستوى الاستعداد .
٢ تدريباته .
٣ماذا يجهز .
٤ ماذا يصنع .
٥ اهداف المناورات العسكرية .
٦الراي العام الداخلي.
٧ الامن الاقتصادي.
٨جهده الاستخباري.
٩ مستويات التأهب.
فهي كلها تخضع للمراقبة من خلال الاستخبارات الذكية التي تنتج المعلومات الدورية بإستمرار .
ففي جنوب لبنان كانت التكنلوجيا الاسرائيلية ترصد ليل نهار اية متغييرات على الارض حتى وان كان قطع شجرة او تغيير احجار , ولهذا كانت المقاومة اللبنانية تصور احدي الاحجار على قارعة الطريق ثم تصنع عبوة ناسفة مثلها , ثم تقوم بشكل سريع برفع الحجر ووضع العبوة محله , وبهذه الطريقة فقط كانت تستطيع ان تصيب آلياته بالتغلب على اي تقرير دوري يحمل متغيرات فكل شيء على طبيعته.
كما ان متابعه العمل الدوري لنشاط الجيش يفهم منه التعليمات والاوامر الصادرة , فمثلا تدريبات القوة الجوية يمكن فهم الكثير منها في حال كونها ازدات او تراجعت , وهو امر لايمكن استيعابه الا بمعلومات دورية مستمرة , او ان مثلا مركز اتصالات عسكرية للعدو تصله يوميا ٢٠ برقية وفجأة تصل الى ١٠٠ برقية , هنا خرج الموضوع عن الرتابة الدورية المسجلة لدى الاستخبارات التي تراقب , مما يؤشر لديها ان هنالك تحركاً ما يجري .
وبالطبع , فإن افضل مصادر المعلومات الدورية هي الذراع العلني من خلال القنوات والراديو والصحف وشبكة التواصل وغيرها , فان التكرار فيها يخبر بان الامور عادية طبعا. تقييم الاتجاهات والنسب مستمر من خلال المعطيات , ولكن لو ان الاذاعة استمرت بمارشات عسكرية دون رقابة من استخبارات العدو فهي كارثة استخبارية , ولو ان قنوات بلد العدو قطعت برامجها واذاعت كلها القران الكريم , وكانت الاستخبارات العدوة غير متابعة فهي كارثة , لان كلتا الدلالتين تشيران الى ان شيئاً ما قد حدث , فلابد من الاستشعار الفوري للتغيير .
-----------------------------------------------
التحول من الحرجة الى الاعتيادية
-----------------------------------------------
حين تكون الامور اعتيادية تكون المعلومات التي تجمع هي المعلومات الدورية , وحين يحصل حدث ما تصبح الحالة طارئة تحتاج الى معلومات طارئة محدثة ...ولكن استمرار الحالات الطارئة تحيلنا مرة اخرى الى المعلومات الدورية , فمثلا . تظاهرات العراق الاخيرة كانت حالة طارئة لكن استمرارها جعلها حدثاً يومياً , لذا تعود اجهزة الاستخبارات الى تغيير المعايير , فترسم صورة عن التظاهرات لتثبت معاييرها الدورية ومن ثم تتحرى عن معلومات دورية عن ساحات التظاهر بشكل يومي في الصباح والظهيرة والمساء من حيث الاعداد , الفئات , الجهات , الشعارات , ابرز الوجوه , وغير ذلك ), وتكررالتقارير لحين الركون لمعيار دوري تقاس التغيرات على اساسه , وهكذا .
-------------
خلاصة
-------------
المعلومات الدورية هي معلومات بارومترية تشمل كل ماهو متكرر , وهي من المهام الصعبة والهامة التي تقي من المفاجئآت .وهو عمل ضروري ومستمر , وبدونه تبقى الاجهزة الاستخبارية تعاني من الصدمات والمفاجئات حالها كحال المواطن , والله الموفق.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
