أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدي الراضي - قراءة في قصيدة -نسير في فوضى -للشاعرة فاطمة بورزى.















المزيد.....


قراءة في قصيدة -نسير في فوضى -للشاعرة فاطمة بورزى.


عدي الراضي
باحث في التاريخ والتراث.

([email protected])


الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 7 - 02:45
المحور: الادب والفن
    


قراءة في قصيدة "نسير في فوضى"للشاعرة فاطمة بورزى.
"الشعراء شموع الأدب.والشمعة رمز التضحية فهي تحترق من أجل إنارة طريق الآخرين.والشبه بين الاثنين واضح لايحتاج تفسير"
في زمن سيطرة الالعاب الالكترونية على عقول الكثير من الشباب إلى درجة الإدمان.من الواجب علينا تشجيع هذه الفئة العمرية على المطالعة والإبداع باعتبارها شرايين المجتمع ودم يجري في عروق الشعوب ؛وأقل مايمكن فعله في الوقت الراهن هو الأخذ بيد كل الطاقات والمواهب الشابة لكي لايخمد وهج شعلة حب الإبداع في وجدانها. ولتكون حديقة الإبداع مخضرة ومزهوة بأزهار يانعة؛علينا سقي براعمها بمياه التشجيع وغيث المساعدة.ويجب ألا نستهين بإبداعات الشباب لأنها تلخص طموحاتهم وتعبر عن هواجسهم. وإذا تم نقدها وقراءتها من طرف المختصين في كل المجالات التي يشملها إبداع هذه الفئة بامكانتا رسم سياسة شبابية واضحة .وفي هذا الإطار نقدم في هذه الورقة قراءة مختصرة لقصيدة "نسير في فوضى للشاعرة الشابة فاطمة بورزى.
1-التعريف بالشاعرة :ازدادت الشاعرة فاطمة عدي بورزى بقصر ايت عاصم بمدينة تنجداد وتابعت دراستها بالمدينة نفسها.والتحقت بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية وحصلت منها على شهادة الإجازة في الحقوق لتشتعل بعد ذلك استاذة بالتعليم الابتدائي.وقد كانت مولعة بالشعر منذ صغرها .واستهلت الشاعرة مسيرتها الشعرية بقصيدة عنوانها"رمح لعلك تفهم".تم إلقاؤها من قبل الشاعرة وهي تلميذة بثانوية الحسن الثاني ضمن فعاليات اليوم الوطني للشعر بمؤسسة الإمام الهوا ري سنة 2015م. وبمدينة الرشيدية سنة 2013 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.ومنذ ذلك التاريخ نشأ المسار الإبداعي لهذه الشابة التي تشع الموهبة بين كلماتها ويظهر حب الشعر في بريق عيونها.
2-قراءة في عناوين قصائد الشاعرة:للشاعرة العديد من القصائد تستحق أن تجمع في ديوان. وبعد إذنها طبعا اخترنا بعضها "رمح لعلك تفهم" نسير في فوضى"بيني وبين"ثم "صلاة الجنازة".والعنوان نصف القصيدة لأنه يلخص محتواها واتجاهها العام.ويعد بمثابة النافذة التي من خلالها نطلع على بهو النص ولب القصيدة.وهذا ينطبق على عناوين قصائد الشاعرة فإذا تم جمعها فهي تكون جملة مفيدة على هذا الشكل "رمح لعلك تفهم أيها القارئ بأننا نسير في فوضي وبيني وبينك سنصلي صلا الجنازة علي القيم والشيم ورصيدنا الباقي من الإنسانية. وفي هذا الاتجاه تصب كل هذه العناوين التي تكون روافد المفهوم والمبتغى من قصائد الشاعرة.فهي قصائد للاستيقاظ والنهضة من نوم عميق وسبات الإهمال والاستهتار بكل مايعرفه العالم من نزاعات وصراعات وتوترات وانهيار القيم.والرمح يعني السيف والسهم وغيرها من المترادفات الحديدية الحادة وهي أساليب اللوم والعتاب وخطاب انفعال بصراخ الكلمات. لتنبيه القارئ بان العالم يسير في فوضى .وبيني وبينك عبارة تقال ايضا باللسان العامي لتأكيد التنبؤ بوضع كإرثي قادم فالشاعرة ترى بان النتيجة الحتمية للفوضى التي يسير فيها العالم طامة يستحيل التحكم والسيطرة على عواقبها.ورغم الحضارة التقنية والتطور الحاصل في جميع الميادين فانعدام التواصل بالمعنى الانساني وليس المادي بين الافراد والمجتمعات وبين مختلف الحضارات سوف يؤدي حتما بالعالم نحو حافة الانهيار. وسوف يشهد الانسان على هذه النهاية المأساوية طوعيا وإجباريا بتأدية طقس صلاة الجنازة على كل سمات الجمال والحسن التي ابتلعتها الحضارة المادية الجافة من كل المشاعر والأحاسيس.بعد إلقاء نظرة وجيزة على أهم عناوين قصائد الشاعرة سوف نقتصر في هذه الورقة على قصيدة "نسير في فوضى"ولتكون القراءة شاملة وكاملة لابد من استعراض أعمدة ومقاطع القصيدة كما دونتها الشاعرة.
نسير في فوضى.
أحتاج إلى وحدة من نوع خاص؛
لأهيأ لجرأة لاأعرفها؛سأبعث لك رسالة لاحقا.
ونلتقي في قصيدة في خلوة ؛في رغبة.
في لقاء عميق نولد من جديد.
على دفتي كتاب وأوراق نعناع.
أو نموت موتة واحدة.
ونحمل رؤوسنا المقطوعة في نفس الصحون؛
والرياح ترسم خريطة معالم كصوت بداية فاجعة ؛
أو صوت عاصفة.
أرض حبلى سقط منها الطفل مربوط بخيوط من حرير....
والنساء تأتي كما تأتي الفصول.
نصف خراب ونصف جميل.
ترفع أثدائها رايات...
تحولت النساء إلى قطرات من الماء؛
تداعب حبات الرمل ؛ونسير في فوضى.
والسماء تقدم هدايا؛امتزج الحصى بالنجوم ؛
في شكل أسرار ؛تسكن بين كلمة وإشارة وتختفي ...وتختفي...وتختفي..
أكررها؛وتختفي بين وجهي ووجهك وأنت تتقدم نحوي.
حتى الآن لاأعرف ماذا يجمعنا غير الانتماء لنفس الجسد في زمنين مختلفين.
بقلم :فاطمة بورزى.
الرشيدية :يوم 18/03/2018
3-دلالة الألفاظ في قصيدة "نسير في فوضى".
الشاعر فنان يرسم لوحة تشكيلية بالكلمات لن يتذوق جمالها إلا عاشق الجمال. والناقد مرآة من زجاج مجهري يظهر ذلك الجمال لضعاف البصر في شاشة الشعر.والقصيدة كهف من الكنوز والنقد الادبي مفتاح ابوابه.وبواسطته يمكن للقارئ الولوج إلى مخازن القصيدة والاغتراف من معادنها النفيسة. المفعمة في أكياس ذهبية بين رفوف مقاطع القصيدة.والناقد هو مساعد الشاعر لأن اللغة الشعرية تبدو للقارئ لغة مبهمة يكتنفها الكثير من الغموض.والبعض يراها عبارات غير منسجمة.وعكس ذلك فاللغة الشعرية جسرا تواصليا بين الشاعر والقارئ ؛ عن طريق القصيدة يحاول الشاعر توجيه رسائل وإيصال خطاب معين إلى جمهور القراء.ويبقى الناقد هو الشخص الذي يتولى العناية بالقصيدة بعد إنجابها من طرف الشاعر الذي يتألم ويتوجع من ألم مخاضها ايام وشهور. حيث يعمل على تفكيك رموز القصيدة والغوص في أعماق بحر الأبيات. من اجل التوصل إلى اللب الذي يعد الغاية الكبرى من الشعر؛والأهداف والمرامي الخفية الكامنة وراء اللغة الشعرية كما ينسجها الشاعر وذلك بتكسير الطبقات الجيولوجية للنص على حد تعبير جميل حمداوي.وعلى هذا الاساس حاولنا إعداد قراءة أولية لقصيدة "نسير في فوضى" للشاعرة فاطمة بورزى.فأين يكمن المضمر والظاهر في قصيدة الشاعرة ؟
اعتمدت الشاعرة أسلوب بسيط ومتميز.والشعر ليس في تعقيد اللغة.بل اجمل وأفضل الالوان الشعرية تلك المكتوبة بلغة يفهمها الجميع.ورغم ان الشعر لايستعمل اللغة المباشرة فتامل الكلمات ولألفاظ الواردة في القصيدة تظهر الرمزية واضحة بين مقاطعها ومعبرة بشكل أفصح عن مواقف ظاهرة. والمعجم الذي وظفته الشاعرة يتكون من كلمات قوية تعكس موقفها من القضايا اليومية التي تملأ صفحات المواقع الاجتماعية وهي في الغالب تفاهات تستهوي الأغلبية الساحقة من المتابعين؛ فقد استعملت كلمة"وحدة"والخلوة"وغيرها من الألفاظ التي تعبر عن النفور الإيجابي وليس السلبي واختيار موقع الانعزال بدل الانصهار يعني المواجهة الفعلية للسائد والغربة الفكرية تؤدي إلى التأمل والنقد الجذري للأوضاع وعبرت عن ذلك في رغبة التخلص من من الشوائب ورواسب الرجعية والتزمت التي زرعتها البرامج التعليمية والطرق البيداغوجية الطبقية خلال العقود مما أدى إلى إنتاج أجيال مستلبة . والوحدة تعني الهروب من الواقع بعيدا عن الضجيج والفوضى والتسيب من أجل لملمة الأفكار والعودة بصياغة نموذج نقيض يخالف اليومي والروتين ويصب في اتجاه المأمول والمرغوب فيه. استهلت الشاعرة قصيدتها بمقطع "أحتاج إلى وحدة من نوع خاص لأهيأ لجرأة لاأعرفها سأبعث إليك رسالة لاحقا..." أسلوب بسيط ومفهوم ظاهريا وسطحيا.وباستعمال مجهر النقد على لوحة الشاعرة كما سبقت الإشارة إلى ذلك سوف تظهر لنا العبارة عميقة تضمر وراءها افكار وخطابات ورسائل بأكثر من دلالة.
تحتاج المجتمعات إلى وقفة تأمل. في زاوية أو ركن لإلقاء نظرة إلى الوراء والقيام بنقد ذاتي لمسيرة طويلة نلقي اللوم على الأخر ونبرئ الذات ونتملص من المسؤولية ونسلك اسهل الطرق بدل الاعتراف بأخطائنا نلفق تهمة اخفاقتنا وإحباطتنا بالأخر.فالجرأة التي تقصدها الشاعرة تكمن في ضرورة إعادة قراءة التراث والنظر إلى التاريخ بمنظار العلمية وليس بعين العاطفة. وإذا كان الفيلسوف يكتب وينظر بمناهج ومفاهيم فلسفية منبثقة من مرجعيات نظرية فإن الشاعرة تعبر عن كل الهموم وجميع الإشكاليات بلغة الرمز ؛فالجرأة هي الجسر لتكسير الطابوهات التي تشكل بشكل دائم جدارا سميكا يفصل بيننا وبين الزمن.وأزمة الأمم الشرقية في تقديس الماضي لأنه يدركون أنه لن يعود أبدا والعجز عن مسايرة الحاضر والخوف من المستقبل الذي يبدو مجهول المعالم. ومادام رؤيتنا للواقع ضبابية فعلينا بتغيير المرآة التقليدية التي ننظر من خلالها إلى وجوهنا فالصدأ اكتسح زجاجها.فالمساء هو الزمن المناسب للنظر في وجوهنا وليس الصباح كما اعتاد الأجداد.وهذه هي الرسالة التي وعدتنا الشاعرة بإرسالها (سأبعث لك رسالة لاحقا). ولعل توظيف معجم بديل في المقاطع الأخرى من القصيدة مثل اللقاء العميق والولادة الجديدة وغيرها من الألفاظ التي تعكس طموح الشاعرة لخلق أجيال جيدة بعقليات التغيير.والشاعر دائما يصنع مجتمعا مثاليا ليعيش في مدينته الفاضلة (القصيدة).وأحيائها (معجم شعري).بعيدا عن الضوضاء والضجيج والترهات والآفات والظواهر الاجتماعية الشاذة التي تغزو الانساق الفكرية والثقافية .فالخلوة ليست بين الجدران بل خلوة من خارج الأنساق المتداولة والمألوفة.والرغبة المقصودة هي رغبة في البوح بكل مايخالج نفسيتها ووجدانها من المشاعر والأحاسيس؛اذن فلغة الشاعرة عنيفة بلمسة لينة فالعزوف المقصود من طرف الشاعرة من أجل الاندماج والغربة بهدف المؤانسة. فمقاطع القصيدة مترابطة ومتناسقة في خيط ناظم فالسابق يوضح ويكمل اللاحق.فالولادة على دفتي كتاب او ورق النعناع يعكس دعوة الشاعرة للعودة إلى الكتاب والمطالعة بدل التيه في أوحال التفاهة.وبدون التكوين الثقافي والتعليم العلماني والعلمي لايمكن للمجتمع المغربي أن يتقدم خطوة إلى الأمام.واستعمال عبارة أوراق النعناع دليل واضح على دقة الشاعرة وخبرتها وموهبتها في انتقاء معجمها الشعري.والنعناع من النباتات العطرية التي لها حضور قوي ومتميز في المجتمع المغربي.ومرتبط بالشاي والسكر الذي يعني العائلة والهدية والضيوف والكرم والسخاء؛والمؤانسة والحديث والسمر وغيرها من الامور التي لاتستقيم إلا بوجود هذا المشروب العجيب المنسم بالنعناع وقد كان هذا الثلاثي الشاي والنعناع والسكر موضوع الشعر والغناء منذ دخوله إلى المغرب خلال القرون السالفة. فالمجتمع نتن بروائح ناتجة عن تعفن ظواهر غريبة مستفحلة خلال السنين الأخيرة واكتسحت جميع فئات المجتمع.فما أحوجنا إلى نقط عطرية زكية للتخفيف من رائحة التفاهة المتفشية في مجتمعنا الراهن.فالولادة الجديدة لن تتم إلا فوق أوراق نعناع يعني البحث عن الطيب والعطر بلغة الشاعرة دلالة عن الثقافة الملتزمة التي تهدف التعمق في شرايين المجتمعات ؛لتغيير العقليات المدخل العام نحو تغيير تفكير الاجيال بلغة الفلاسفة وعلماء الاجتماع.
وفي المقاطع الموالية انتقلت الشاعرة لتحديد اختيارين إما اللقاء العميق للتداول في أمر العالم وإما الموت.وبين الوجود والعدم (نولد من جديد....أو نموت موتة واحدة)يتحدد مصير البشرية.وعبر هذا المسار الذي رسمته الشاعرة في قصيدتها فإما فقدان الوعي الفكري والسياسي (نحمل رؤوسنا المقطوعة....)فالرأس المقطوع هو الذي لايحس بذاته ومحيطه. وهو الرأس لايستفيد منه إلا الحلاق حسب طرائف ونكت المجتمع. مما يجعل حامله لقمة صائغة بين انياب الاخرين(...في نفس الصحون) كناية عن التبعية والاستعمار والاستلاب الهوياتي .وعدم النهوض بالذات يجعلها مرتبطة بالآخر وفقدان الحرية الذاتية. وإما الخضوع لعاصفة تتولى فيها الرياح رسم خريطة عالم بمعالم جديدة والمقصود بالرياح والعاصفة زوبعات وهبات اجتماعية غير منظمة وغير مؤطرة بفكر الرفض من أجل التغيير.والهدف خلق فكر جديد وجيل واعد يغترف وينهل من منبع العقل بعيدا عن العاطفة. والعاصفة تدمير وخراب وهدوء من ورائها يقود نحو وضع مغاير للسابق.والضغط يولد الانفجار.فضغط التهميش والإقصاء وفي باطن هذه الالفاظ يولد الاحتجاج (كصوت بداية فاجعة أو صوت عاصفة كأرض حبلى).والشبه بين العاصفة وأرض حبلى تكمن في الكيفية التي تؤدي تراكم الضغوطات الاجتماعية إلى الاحتجاج ضد الأوضاع المزرية مما يؤدي إلى النقلات النوعية داخل المجتمعات .وفي الطبيعة فان الزلازل والبراكين الناتجة عن ضغوط الطبقات الارضية تؤدي إلى تغيير معالم القشرة الارضية ذوبان الصخور ثم جمود الحمم البركانية وتكوين اشكال سطحية جديدة.على شاكلة أطفال بخيوط من حرير.والحرير في الحضارة الإنسانية يرمز لليونة والى الاشياء النفيسة .وقناعة الشاعرة واضحة فالتغيير لن يأتي من فراغ بل تغيير عقليات الاجيال هو المسار المستقيم في اتجاه ضفة المجتمع الجديد.ثم في المقاطع الوالية تعود الشاعرة إلى حقل النساء (النساء تأتي كما تأتي الفصول.نصف جميل ونصف خراب).الدورة الطبيعية للحياة تمر بثلاث مراحل الشباب والكهولة ثم الشيخوخة.الشباب يتجسد في الربيع والصيف يمثل الكهولة والخريف يعني الشيخوخة ونهاية الحياة اي مرحلة العدم وهو تصور عميق للكون والحياة من قبل الشاعرة. والنساء ليست مجرد إناث تقوم بوظيفتها التناسلية فقط بل هي مدارس لتكوين الأجيال؛ ومتاحف لحفظ أركان هوية الشعوب.وجسور لنقل الثقافة والحضارة بين الاجيال.وهي رمز للجمال والخراب في نفس الوقت باعتبارها سفينة لنجدة الاجيال في يم التفاهة والانحلال الخلقي في كل مظاهره. وتأكيدا لأهمية دور النساء في المجتمعات أضافت الشاعرة هذا المقطع(ترفع أثدائها رايات).وفي إطار انتقائها واختيارها للكلمات المناسبة استعملت الشاعرة كلمة الثدي بدل النهد.فالثدي رمز الامومة وكنه الحياة.فحليب الام يغرس بذرة الحياة لكل من طرق باب الوجود من الصبيان.والثدي يعني الهوية والأخوة والانتماء إلى جذر واحد وحقل واحد محاط بسياج خصوصيات معينة تميز كل جماعة بشرية.وهذه الكلمة مقدسة لأنها مصدر الحياة ولا تخجل الام في إظهار أثدائها امام العموم مادامت الرضاعة هي السبب في ذلك.فالثدي كلمة مقدسة يحترمها الجميع وقد اعتبرت الشاعرة الاثداء رايات والراية هي العلم التي تعني هوية الدول ورموز أمجاد وتاريخ والأمم.وثدي المرأة علم يلخص بطولات الشعوب لان المرأة هي خزان الحضارة ومنبع الثقافة المميزة لكل جماعة بشرية.والنهد في المخيال و الثقافة الشعبية يعني الشهوة والغريزة الجنسية وغير من الدلالات التي تجعل من بعض الالفاظ ألغازا مدنسة.والشهوة رغم كونها متعة ولذة فمنطق عقدة اوديب يجعل منها مصدر الآفات .وباختصار فكلمة الثدي في القصيدة تلخص موقف الشاعرة من قضية المرأة.والنهد لايخدم موضوع القصيدة وهذا دليل قاطع على موهبة الشاعرة وبراعتها في انتقاء الكلمات والغربلة لاختيار اللغة الشعرية المناسبة فالنهد رمز الانوثة والثدي رمز الأمومة وهنا يكمن الاختلاف والوظيفة.و القصيدة سلسلة والكلمات حلقات مكونة لها وإذا اشتقت من معدن نفيس تظل متينة ولا يعلوها الصدأ على مر السنين.وهذه القاعدة تنطبق على القصيدة المعنية بالدراسة.وقد اختصت الشاعرة في قصيدتها حيزا كبيرا للمرأة دائما في تبرير دورها المجتمعات.وختمت قولها بكون النساء تتحول إلى قطرات من الماء مداعبة لحبات رمل ونسير في فوضى.فالنساء في القصيدة رايات (الهوية)وفصول (العطف والحنان)ثم قطرات من الماء تداعب حبات الرمل والماء رمز الحياة.والرمل كناية عن الارض والتربة.وعندما تسقط الامطار تخضر الطبيعة.فإذا اختزلتنا المرأة في الخصوبة والوظيفة التناسلية نجردها من أدوارها الاساسية في الحياة حتما سوف يسير العالم في فوضى وتختل كفأت ميزان الأسرة في المجتمع.وفي المقاطع الموالية والأخيرة من القصيدة تناولت الشاعرة جوهر الصراع ولب الازمات في العالم بحديثها عن العلاقة بين الأرض والسماء(والسماء تقدم هدايا؛امتزج الحصى بالنجوم في شكل أسرار تسكن بين كلمة وإشارة وتختفي ...اكررها).
الصراع بين الواقع (الارض) والحلم (السماء)وبين العقل والوهم بين العلم والأسطورة والميتافيزيقيا والمنطق.بين هذه الثنائيات تاهت البشرية في أوحال الصراع .والسماء دلالة رمزية عن المعتقدات الطائفية والأديان.فالإنسان عندما يعجز في الارض يعود إلى السماء وتمتزج الحصى بالنجوم.فمواجهة الكوارث الطبيعية والآفات ومختلف الظواهر بأكف الضراعة يعني الاستسلام. والاعتقاد ان الإجابة الحقيقة والحلول الفعلية لمشاكلنا وأزماتنا تكمن في السماء هو جوهر التأخر والدوران في الحلقة المفرغة.والمعتقدات في المجتمع مجرد مسكنات ومهدئات وأدوات لشرعنة الطبقية في المجتمع.فالحلم وهم والإشارة والعلامة واقع ملموس.والصراع بين الحقيقة والوهم تاريخي يظهر ويختفي .فالوجوه متشابهة(وجهك الذي يشبهني وأنت. تتقدم نحوي).والعقول واحدة فلماذا لانترك المعتقدات جانبا وكل منا يتخلى عن حقيقته المطلقة كما يدعي ونلتقي في أحد أدنى لتحقيق التواصل والتقارب الفكري والمذهبي باعتبار الإنسانية هي العقيدة الموحدة للبشرية.وختمت الشاعرة قصيدتها بان مايجمعنا هو الانتماء إلى نفس الجسد (حتى الان لاأعرف ماذا يجمعنا غير الانتماء لنفس الجسد في زمنين مختلفين).فالمقصود بالجسد في القصيدة هو الكون كفضاء عام والوطن كمجال خاص محدود.ورغم اختلاف الازمنة والأجيال فالحلم واحد والهدف المتفق عليه هو إعادة الاعتبار للقيم والشيم النبيلة.والعودة بفكر الشباب الراهن إلى دائرة العقل والتاريخ. وخطاب الشاعرة قذائف مسددة نحو العقول العلمية والعلمانية وموجهة إلى كل الضمائر الحية التي تمتطي متن باخرة الإنسانية في بحر التفاهة ومحيط الماديات.
4-موقع الشاعرة في القصيدة:
تنبني شخصية الشاعر على مجموعة من الخلفيات الذاتية والموضوعية التي ساهمت وعبر مسار طويل في بناءها وصقلها بمميزات سيكولوجية واقتصادية واجتماعية.وفي هذا التحديد تصنع القصيدة.والذات الشاعرة لاتنفصل عن الذات الجماعية.وفي إطار هذا التحديد تعجن القصيدة.فالحضور الجزئي او الكلي للشاعر يبرز في المعجم الموظف والكلمات المستعملة ثم الالفاظ المكونة لمتن القصيدة؛داخل محيط جغرافي واثني وعرقي وايكولوجي أيضا.وكل هذه المؤشرات تساهم في تصنيف المادة الخامة للقصيدة.وبالغوص في أعماق القصيدة نرسم صورة تقريبية للشاعر –ليس الصورة الفيزيولوجية طبعا-وإنما الصورة العامة المجسدة في المرجعية الفكرية والمواقف السياسية والوضع الاجتماعي والطبقي للشاعر أو الشاعرة.
من هذا المنطلق فالشاعرة فاطمة بورزى حاضرة وبقوة بين مقاطع القصيدة.فهي واعية بقضايا الشعب ومهمومة بتحديات العصر في عمر مبكر فهي سابقة لزمانها وكبيرة من عمرها .فقد تناولت بشكل علمي وضعية المرأة في في ظل المجتمع البطريكي الأبيسي حيث السيطرة الكاملة للرجل والذي تكرسه مجموعة من الأعراف والنصوص المقدسة في التراث.ورغم الاختلافات الفيزيولوجية والأدوار البيولوجية.فالإنسان امرأة كان أو رجل لحم ودم وعظام وجدان وأحاسيس.لافرق ولاختلاف بين عناصر البشرية.
والشاعرة أمازيغية من الجنوب الشرقي لهذا عبرت بشكل صريح عن موقفها من الهوية الحقيقة للشعب المغربي (قضيتنا ياسيدي ؛قضية جسد يتكسر؛بين موت وميلاد.بين ورد ورماد. من قصيدة بيني وبينك للشاعرة).كما نلمس مواقفها السياسية المبنية على ضرورة ايجاد البدائل التنموية لفك العزلة الاقتصادية والتنموية عن مجال الجنوب ألشرقي(والحنين يرتدي ثياب ضباب أبيض في يديه جمجمة التاريخ وسيجارة. من قصيدة صلاة الجنازة للشاعرة).وبعملها كأستاذة فقد ألحت على ضرورة العودة إلى المطالعة والاهتمام بالكتاب. (في لقاء عميق؛نولد من جديد على دفتي كتاب).من أجل إعداد حقول الأجيال بتربة خصبة من التربية على الأخلاق والقيم لزرع وغرس الثقافة الملتزمة عمادها الجرأة ومصدرها العقل والمنطق(امتزج الحصى بالنجوم في شكل أسرار تسكن بين كلمة وإشارة وتختفي....وتختفي...وتختفي).
ومن الناحية الفكرية فالشاعرة تحث وتحض على تجاوز ثقافة الخضوع والاستسلام والتمرد على كل الافكار التي تكرس السيطرة وتشرعن الاستغلال وضد الظلم والاستبداد.و التسلح بجميع الاساليب العلمانية والعقلانية لهدم جدران الجهل والتخلف التي تفصل في اوطاننا بين الأجيال وصيرورة الزمن.
الخاتمة:
لقد حاولنا في هذه الورقة إعداد قراءة بسيطة ومتواضعة لقصيدة نسير في فوضى للشاعرة فاطمة بورزى.ونعرف جيدا انها لا ترتقي إلى المستوى المطلوب.والهدف الاسمى من هذه المحاولة هو التعريف بالشاعرة الشابة حتى لايغمر ضباب النسيان أشعارها.ولتكون القراءة كاملة وشاملة؛ نحن في انتظار إصدار ديوان يضم قصائد الشاعرة لإتمام الرؤية والكشف عن النزعة أو البصمة الشعرية المميزة لقصائدها.
فاس في يوم 5 مارس 2020.



#عدي_الراضي (هاشتاغ)       [email protected]#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معركة -تحيانت-محطة نوعية في تاريخ مقاومة أيت حديدو للإستعمار ...
- التقاط الأخبار ؛بين سطور الأسفار؛ لإنارة عتمة تاريخ مجاط.
- -ثِمْجّاط-مجال الرعي ومنتجع الرحال.
- جيل مخضرم.
- -زلاغ -و-ثغاط-أعلام أمازيغية تحرس مدينة فاس.
- شظايا جسد متفتت.
- جسور من الاوراق.
- أشاوس المقاومة المنسيون من رجال أيت حديدو الشجعان:عادين وعرا ...
- القنديل الوامض في عتمة تاريخ قرية أفراسكو الغامض.
- -أنرار- في تاريخ قصور منابع زيز بين الوظيفة الزراعية والسوسي ...
- أنوار ساطعة على أركان دامسة من تاريخ تاعرعارت المنسية.
- منتدي شباب اميلشيل من أجل التنمية المستدامة: قراءة في الشعار ...
- الأنظمة الرعوية بأعالي زيز-تويلي-نموذجا.
- حلف أيت يفلمان: التاريخ والمجال.
- قصبة عدي وبيهي بالريش معلمة تاريخية.
- الضفدع في المخيال الشعبي المغربي منابع زيز نموذجا.
- معركة أيت يعقوب ركن منسي في أرشيف المقاومة بالمغرب.
- المرأة والرجل كفتان في ميزان الأسرة.
- السكر في النسيج الاجتماعي والثقافي والحضاري المغربي بين الرم ...
- قراءة في-كتاب اميلشيل الذاكرة الجماعية-


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدي الراضي - قراءة في قصيدة -نسير في فوضى -للشاعرة فاطمة بورزى.