أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - نجوى .. قصة قصيرة















المزيد.....

نجوى .. قصة قصيرة


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 6503 - 2020 / 3 / 1 - 20:43
المحور: الادب والفن
    


دائما أراه جالسا لوحده في ذلك الركن من الحانة التي أرتادها عادة.
رجل في الخمسين من العمر أو أكثر بسنة أو سنتين, أنيق الملبس تكاد السيجارة لا تفارق شفتيه وهو يعب بين الفينة والأخرى كأسا من العرق غير آبه لأحد من الزبائن حوله.
كنت أراه يكلم نفسه بصوت خفيض كأنه يكلم شخصا مرئيا وعلامات الحزن ترتسم على محياه.
لا أدري لماذا بات أمر هذا الرجل الحزين الجالس وحيدا في ذات الركن من الحانة يشغلني ويؤرقني أحيانا ؟
ولا أدري أي فضول قادني اليوم إلى مجالسته واقتحام عزلته السرمدية بطريقة بوليسية مهذبة طالبا منه السماح بالجلوس على طاولته ليوافق بإيماءة من رأسه أشعرتني بالطمأنينة.
بقيت لدقائق أرقبه بطرف عيني عسى أن أجد مدخلا للولوج إلى عزلته المسورة بالصمت والوقار حتى خلته مجنونا أو ممسوسا أو معتوها.
خاطبته بود :
- ممكن سيجارة لو تكرمت ؟
أجابني :
- العلبة أمامك دخن براحتك.
أخذت سيجارة من علبته وشكرته ثم أردفت :
- أنا كاتب قصة وصحفي أهتم بشؤون الآخرين على الدوام.
قال بهدوء :
- أهلا وسهلا.
ثم أضاف مبتسما :
- عسى أن تكتب قصتي.
شعرت بأني قد وجدت ضالتي بكل سهولة ويسر .. أجبته مسرورا.
- بكل امتنان.
- لا لا قصتي قصة طويلة ومملة.
- يسعدني أن تسرد لي شيئا منها .. أوعدك بكتابتها.
- أنتم معشر الأدباء خياليون وتستهويكم القصص الخيالية.
- صدقت يا رجل نحن خياليون وفضوليون أيضا.
- لكن قصتي ليست خيالية.
- حبذا لو تحكي لي قليلا فأنا متشوق لسماعها بكل شغف.
عب كأسه وأورث سيجارة وراح ينفث دخانها وعيناه تبحلقان في الفراغ.
- قصتي هي مأساة نجوى.
مازحته مشجعا :
- يا عيني على نجوى.
خزرني شزرا وهو يقول.
- لا تقاطعني رجاء .. نجوى كانت زميلتي في الكلية .. أحببتها بجنون وتزوجتها بعد أن تخرجنا .. لم أجد فرصة للتعين في دوائر الدولة .. لذا عملت سائق تاكسي .. سيارة التاكسي ورثته عن أبي بعد مماته .. لكن السيارة سرقت في ليلة ظلماء .. وهكذا أصبحت عاطلا عن العمل .
كان يتحدث بشجن وهو يعب العرق ويدخن بنهم.
- ألم أقل أن قصتي مأساوية ومملة .. حسنا سأختصرها لك .. فكرت بالسفر إلى عمان إلا إن نجوى رفضت سفري .. قالت كيف تتركني وحدي .. أموت من دونك يا حبيبي .. أنا سأعمل مع فاتن .. فاتن زميلتنا في الكلية .. سألتها مستغربا .. وماذا تعمل فاتن ؟ قالت .. مطربة في ملهى ليلي .. سخرت من اقتراحها الجنوني .. وأنت ماذا تعملين راقصة ؟ قالت شكو بيها راقصة ؟ أرقص مع البنات على المنصة مقابل دنانير وفيرة تعيننا على المعيشة حتى يفرجها الله.
لم أشأ أن أقاطعه وهو يسترسل في حديثه وأنا أجاريه في الشرب.
- أنت لا تعرف نجوى ولا يمكن أن تتخيل جمالها وسحرها وطيبتها .. المهم وافقت على مقترحها تحت طائلة البطالة والعوز والإحباط .. ذهبت إلى ذلك الملهى سرا لمرات عديدة أراقب نجوى .. كانت ترقص مع ثلة من النساء شبه عرايا .. حتى نجوى كانت ترتدي ثيابا غير محتشمة يكشف عن مفاتن جسدها البض الذي تتناهشه عيون الرجال الشرهة .. كانت الغيرة تنهشني نهشا حتى شعرت بأنني قواد رسمي.
لاحظت تغضن عروق وجهه وهو يدين نفسه ويزداد ثمالة بعد أن أنهى أكثر من نصف قنينة العرق.
- كنت أثق بها ثقة عمياء لأن نجوى لم تكن زوجة فقط .. كانت أما وأختا وحبيبة .. لا أدري ما الذي دهاني بعد ذلك ؟
سالت دمعة لامعة من جفنه على خده تداركها بكفه وهو يواصل كلامه معي وكأنه يحدث شخصا آخر غيري.
- مرة قالت لي .. في الملهى اكتشفت أن معظم الرجال معطوبون هزيلون بل رخيصون أمام النساء .. أنت رجل مختلف عن كل الرجال يا سالم ولهذا أحبك.
وأخيرا عرفت انه يحمل نفس اسمي .. سالم.
- مرة أسرتني بسر أشعل غيرتي وجرح كبريائي .. قالت رجاء حبيبي لا تزعل من كلامي .. أحد التافهين من هؤلاء الزبائن عرض علي مبلغا كبيرا من المال كي ينعم بجسدي .. والله بصقت عليه وعلى فلوسه الوسخة.
دمعة أخرى سالت سريعا على خده فكفكفها .. يا إلهي هذا الرجل يبدو كائنا رومانسيا وهو يعب كأسا بعد أخرى ويشعل سيجارة تلو سيجارة.
- وفي ذلك اليوم المشئوم تأخرت نجوى ساعة ساعتين بل ثلاث ساعات كاملة وراح الفأر يقرض دماغي والشك الرهيب يمزق فكري وأعصابي .. كنت سكرانا حين عادت وهي تلوح لي بحفنة دولارات وتقول .. أخيرا دبرت لك هذا المبلغ كي تشتري سيارة تاكسي حديثة لتزاول عملك كما أيام زمان يا حبيبي.
سكت قليلا ثم أردف وهو في غاية الحزن والكآبة.
- لحظة إذ تحول الشك عندي إلى يقين جارح .. لقد خانتك نجوى يا سالم .. دارت الدنيا بيّ وفقدت توازني .. مسكت بالسكين ورحت أطعن صدرها طعنة أثر أخرى حتى تهاوت وسقطت مضرجة بدمائها.
هذه المرة راح يجهش ببكاء مر .. بكاء ساخن مدوي .. حاولت أن أواسيه لكن دون جدوى.
- اهدأ يا صديقي .. أنا جد آسف .. اهدأ رجاء.
بعد خمس دقائق أسترد رباطة جأشه وتكلم.
- في السجن زارتني فاتن .. وقالت لماذا قتلت نجوى يا سالم ؟ نجوى جاءت معي وأستلفت المبلغ مني كي تبتاع سيارة لك .. وتقرير الطب الشرعي أكد أن لا أحد مس عفاف زوجتك التي ظلمتها بشكوكك وقتلتها بدم بارد .. نجوى كانت تحبك أيها القاتل.
وبكى ثانية حد الجزع .. ولمت نفسي على عذابات هذا الرجل المسكين.
- أودعوني في مصحة عقلية لثلاث سنين .. اعتبروني مجنونا .. نعم كنت مجنونا بحبها كنت أحب نجوى حد الموت .. وأمتها بيديّ هاتين .. هل تصدق ؟ هل تصدق أنا سالم العاشق لنجوى أتحول إلى مجرم قاتل سفاح ؟
كانت دموعه تجري بسخاء وأنا أحاول أن أهدأ من روعه .. لكنه كان متعبا وثملا وعلى وشك الانهيار وهو يردد كلماته الأخيرة.
- لقد فتقت جرحا عميقا داخلي أيها الكاتب الفضولي الوقح.
قام مترنحا وغادرني على الفور, وفي اليوم الثاني عدت إلى الحانة لألتقي بصديقي الحزين سالم الذي يجلس وحيدا في الركن دائما وأواسيه عن محنته الشديدة لكنني لم أجده, سألت النادل وبعض الزبائن الدائمين عنه, الجميع أنكر وجود مثل هذا الشخص الغريب, لكنهم أخبروني بأني كنت يوم أمس أجلس في ذلك الركن أحتسي وحيدا وأكلم نفسي وأبكي بأسى, وغادرت المكان ثملا دون أن أدفع الحساب.



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هالة .. قصة قصيرة
- تغريدات ساخنة 4
- تصريحات صحفية
- حانة الأحلام السعيدة
- تغريدات ساخنة 3
- تغريدات ساخنة 2
- سماحيات 6
- الدين وأفيون الوهم
- مقاولة ... اقصوصة
- سماحيات 5
- تغريدات ساخنة
- سماحيات 4
- سماحيات 3
- ومضات خاطفة
- رؤوس أقلام
- شذرات مما رواه عتاة الرواة عن النبي محمد
- خواطر آنية جدا
- سماحيات 2
- سماحيات ...
- وجهة نظر خاصة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - نجوى .. قصة قصيرة