أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3














المزيد.....

حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6499 - 2020 / 2 / 26 - 14:59
المحور: الادب والفن
    


تحت الصخرة الكبيرة، أين وقف حمو جمّو ينتظرُ الإشارة المطلوبة، رقد السهلُ الكبير بمزارع كرومه ومساكب حنطته. الامبراطور الروماني، جوستنيان الأول، بحَسَب روايات تناقلها سكان المنطقة جيلاً وراء جيل، كان يصيد في هذه المنطقة لما تجلت له السيدة العذراء على الصخرة كي تأمره ببناء دير يحمل اسمها. وهوَ ذا حمو جمّو، يقف على صخرة مقابلة للدير ويخال له أنه سيّد المكان بلا منازع.
أيقظه من هذه الفكرة مساعدُهُ، الذي هتفَ بنبرة منتصرة: " لقد سيطر الشبابُ على بوابة الدير، يا آغا ". العصابة، لم تكن تستعمل الدواب في التنقل؛ وذلك نظراً لنشاطها في منطقة وعرة. فما لبثَ أفرادها أن انزلقوا من المرتفع الصخريّ، ليهرولوا باتجاه الدير ويرتقوا من ثم درجاته العشوائية العديدة، وصولاً للبوابة. كانوا يعرفون طريقهم، طالما أنهم حلوا في عام أسبق ضيوفاً ثقلاء على المكان. هكذا ساروا بعدئذٍ في مجموعة واحدة، عابرين رواق طويل مسنود بأعمدة لها تيجان، يتقدمهم الزعيمُ، المكتسية ملامحه بالقسوة والسخرية في آنٍ معاً: كان يسعى إلى بناء الكنيسة، مؤملاً في وجود عدد كبير من النسوة المزينات بالحلي الذهبية، اللواتي حضرن لصلاة الأحد. كذلك كان آخرون يأتون من أجل التبرك بإيقونة العذراء، المعتقد أنها تشفي الأمراض بحيث أن المسلمين أيضاً آمنوا بكراماتها.

***
الأسقف، الذي عُرفَ على لسان العامّة في الشام ب " البطرك "، كان في منتصف الحلقة الرابعة من عمره، معتدل القامة وحنطيّ اللون، في عينيه الزرقاوين قلقٌ مقيم. كذلك اتسم باللطف كمعظم رجال الدين المسيحي، ولو أنه أكثر صرامة مع راهبات الدير والمناهز عددهن الأربعين. وكان لكل راهبة صومعتها الخاصة، وكذلك عملها اليوميّ؛ إن كان في الحياكة والتطريز أو بجني الحرير من دودة القز وتخمير النبيذ. الأسقف، كان يتناول أحياناً وجبة الغداء مع الراهبات، وفي خلال ذلك يُمكنه سماع شكاواهن ومطالبهن ومشاكلهن. في يوم اقتحام الدير من لدُن عصابة حمو جمّو، كان الأسقفُ في الكنيسة يُشرف على أمور الصلاة. وقد سمع مع الآخرين صوت الطلقتين، اللتين أعلنتا نبأ حضور قاطع الطريق.
" أيها البطرك الموقر، أطلب من رعيتك التزامَ الهدوء ريثما ننهي عملنا "، خاطبه زعيمُ العصابة عن قرب وهوَ يلوح بندقية في يده. كان الهرج قد ساد القاعة، كذلك أغميَ على بعض النسوة في أثناء سلب حليهن. فوراً بعد ذلك، تم اقتياد الأسقف إلى حجرته الكبيرة، الكائنة في ممر يؤدي إلى مزار الإيقونة المقدسة. هناك، أفهموا الرجل أنه جاء دوره كي يدفع الأتاوة للعصابة والتي دعوها " جزية "، ربما سخريةً به.
" أقسم بسيدنا المسيح أن خزينة الدير خاوية، كوننا ساعدنا المحتاجين ونحن في زمن الحرب والحصار "، قال راعي الدير لزعيم العصابة. ثم أستدرك كأنه تذكر شيئاً آخر: " علاوة على أن موسم الحصاد ابتدأ للتو، مثلما ترى "
" لا أرى، يا أبانا، إلا التذرع بحجج واهية "، رد حمو جمّو بنبرة شرسة. ثم التفت إلى رجاله، متسائلاً: " من لا يدفع الجزية، ما المطلوب منه عندئذٍ؟ "
" عليه أن يعلن إسلامه "، رد المعاون. فكّرَ الزعيمُ قليلاً وهوَ مطرق برأسه، ثم ما عتمَ أن رمق الأسقفَ بنظرة احتقار: " سمعتَ ما المطلوب منك، يا هذا ". بقيَ الرجل صامتاً، يفكّر بدَوره في طريقةٍ تخلصه من المأزق. لكن صبر زعيم العصابة كان قليلاً، وما لبثَ أن همزَ صدرَ الأسقف بفوهة البندقية: " هه، ماذا تنتظر؟ "
" أمرك يا آغا، ولكن كيفَ يُمكن للمرء أن يغدو مسلماً؟ "، رد الرجل قانطاً. اتسعت عينا قاطع الطريق دهشةً، قبل أن يلتفت إلى معاونه ليطرح نفس السؤال. هذا الأخير، غمغم وكان يكبت ضحكته: " ياو، قل له أن ينطق شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله! ". أعاد الزعيمُ كلمات مساعده بصوت عالٍ، كي يرددها الأسقف. ما أن فعل الرجل المطلوب منه، إلا وتعالت الضحكات والتعليقات من جانب أفراد العصابة. بيد أن زعيمهم بقيَ جامداً، وما عتمَ أن ظهرَ وميض الشر في عينيه مجدداً: " هل تظن، أيها الأبله، أنك بقادر على خداعي بمجرد نطقك تلك الكلمات؟ "، هتفَ في وجه الأسقف وقد أشهر خنجراً من وسطه. ثم تابع القول: " لن تكون مسلماً حقاً، إلا بعد أن تُختن! ".
في ذلك اليوم، ضج بر الشام كله بحكاية ختان بطرك صيدنايا، وما أسرع الخبر أن انتشر في المدينة أيضاً. اسم حمو جمّو، بات منذئذٍ على كل لسان.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع على العيش
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 1
- مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن/ 2
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن
- عصير الحصرم 77
- المنزل المنحوس
- حديث عن عائشة: الفصل السابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 4
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الرابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3