أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد ابراهيم حسن الصبحي - توأمة علم البيانات مع علم المعلومات بمدارس علم المكتبات والمعلومات















المزيد.....



توأمة علم البيانات مع علم المعلومات بمدارس علم المكتبات والمعلومات


محمد ابراهيم حسن الصبحي

الحوار المتمدن-العدد: 6499 - 2020 / 2 / 25 - 13:45
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


لقد واكب البيانات الضخمة وتطبيقاتها ظهور علم البيانات كتخصصٍ جديدٍ ناشئ في الأعوام الأخيرة. وأدركت مدارس علم المكتبات والمعلومات Library and Information Science (LIS) بصفة عامة، ومدارس المعلومات iSchools في الولايات المتحدة بصفة خاصة النمو المطرد لعلم البيانات، حيث حاولت تلك المدارس استيعاب هذا التخصص ذي العلاقة الارتباطية الوثيقة (Zuo et al, 2017). وبدأت بعض مدارس علم المكتبات والمعلومات في إطلاق برامج ماجستير لعلم البيانات، أو إضافة مزيد من المقررات الدراسية في سبيل سعيها لتطوير الخطط، والمناهج الدراسية الحالية، وتتجه هذه المدارس، من خلال هذا الإجراء، لتحديد أبعاد مشكلة نقص المواهب في اختصاصيي علم البيانات، والذي يُقدَّر عددهم بما يتراوح بين 190,000 – 140,000 فردٍ يمتلكون المعرفة المتعمقة في تحليل البيانات في الولايات المتحدة خلال عام 2018م (Manyika et al, 2011).

ويقدم قسم علم المعلومات والمكتبات بجامعة إنديانا في بلومينجتون Indiana University in Bloomington، وقسم علوم المعلومات بجامعة إلينويز University of Illinois في أوربانا شامبين Urbana Champaign تخصص علم البيانات على مستوى درجة الماجستير في علم المكتبات، ودرجة الماجستير في علم المعلومات. وتتيح مدرسة المعلومات في جامعة واشنطن University of Washington مقررات مثل: مقدمة في علم البيانات، والبرمجة لعلم البيانات وتمثيل البيانات، ومعالجة البيانات ضمن أدلة المقررات الدراسية الخاصة بها. وتقدم مدرسة دراسات المعلومات في جامعة سيراكيوز Syracuse University أيضًا برنامجًا لعلم البيانات على مستوى الدراسات العليا. ويشير كل ذلك إلى أن علم البيانات قد أصبح نقطة جديدة للتعليم بمدارس علم المكتبات والمعلومات. وتضطلع مدارس علم المكتبات والمعلومات بدورٍ رائدٍ في الارتقاء بتعليم علم البيانات عبر العديد من التخصصات (Song and Zhu, 2017). ومهما يكن من أمر، فإن البيانات الضخمة Big Data لا تشكِّل بالضرورة القدرات المستقبلية لمدارس علم المكتبات والمعلومات. ولا يمكن لعلم البيانات أن يصبح جزءًا لا يتجزأ من علوم المعلومات، ويقدم تعليما أكثر فعالية في مدارس علم المكتبات والمعلومات ما لم يتم تحديد العلاقات الارتباطية والتداخلات بين علم البيانات وعلم المعلومات.



2- مراجعة الإنتاج الفكري المتخصص في علم البيانات

تزايدت في السنوات الأخيرة عدد الدراسات والبحوث التي تناولت البيانات الضخمة وعلم البيانات، وعلم البيانات هو مجموعة من التخصصات التي تهدف إلى رصد مشكلات البيانات الضخمة (Song and Zhu, 2016))، وتنطوي البيانات الضخمة على خمس خصائص (5Vs): الكمية Volume، وسرعة النمو Velocity، والتنوع Variety، والصدق Veracity، والقيمة Value. وتحتاج البيانات الضخمة، بالمقارنة مع البيانات الصغيرة، إلى سلسلة جديدة من التقنيات، والإجراءات، وإلى نظام لاستخلاص الأهمية، والخروج منها بالاكتشافات الجديدة، ويشكل ذلك الخلفية الخاصة بظهور ونشوء علم البيانات. ولقد حاولت العديد من الدراسات تعريف علم البيانات، حيث يُعرَّف دهر (Dhar, 2013) علم البيانات بأنه: "دراسة منهجية لتنظيم البيانات، وتمييزها، وتحليلها، وما تضطلع به من دورٍ في الاستدلال الاستنباطي". وأشار جورج وآخرون (George et al, 2016) إلى أن علم البيانات هو مجالٌ ناشئٌ متعدد الارتباطات التخصصية لاشتماله على: علم الإحصاء، والتنقيب في البيانات، وتعلم الآلة، وتحليل البيانات. ويكمن الغرض من علم البيانات في إنتاج الرؤى والأفكار التحليلية، وتكوين نماذج تنبؤية من واقع البيانات الضخمة. ويرى تشاو (Chao, 2016) أيضًا أن علم البيانات ما هو إلًّا مجال متعدد الارتباطات، ينطوي على دراسة لتجهيز البيانات (الضخمة)، والإدارة، والحوسبة، والتحليل، وتطوير منتجات البيانات.

ويهدف علم البيانات إلى تحويل البيانات إلى: معلومات، ومعرفة، وحكمة. ويستخدم بعض الباحثين مصطلح علم البيانات للإشارة إلى دراسة تجهيز البيانات، وتحليلها وتفسيرها، واستيعاب فحواها (Han et al, 2011 Gelman et al, 2014). وينظر باحثون آخرون إلى علم البيانات باعتباره مسمى جديدًا نسبيًا للتنقيب في البيانات Data mining (Larson and Chang, 2016). وتُعرِّف جمعية علم البيانات بأنه "الدراسة العلمية لابتكار البيانات، والتحقق من صحتها، وتحويلها بهدف تكوين معنى ما"(The Data Science Association, 2017) ، وطبقًا للتعريف المقدم بواسطة بروفوست وفاوست (Provost and Fawcette, 2013)، فإن علم البيانات هو "مجموعة من المبادئ الأساسية التي تدعم وتوجه الاستخراج المبدئي للمعلومات والمعرفة من البيانات"، وعلى الرغم من الاختلاف الذي لا يزال قائمًا في الآراء، يظهر في الأفق نوع من الاتفاق الجماعي على أن علم البيانات يُعد أحد المجالات الناشئة متعددة الارتباطات التي تهتم بتحديد واستخلاص الأنماط القيِّمة من البيانات الضخمة، وذلك بواسطة تحويل البيانات إلى معلومات ثم إلى معرفة من خلال تحليل البيانات والتنقيب فيها.

وفي محاولة للوقوف على عناصر مجال البحث في علم البيانات، أكَّد سونج وزهو (Song and Zhu, 2016) على أنَّ الإلمام بالاحتمالات والإحصاء، وعلم الحاسب، وتعلم الآلة لهي العناصر الأساسية لهذا المجال. وذهب الباحثان إلى أن البيانات، والتقنية، والأفراد هي الركائز الثلاث الأساسية لعلم البيانات. وذكر عشاييم وآخرون (Aasheiem et al, 2015) أن ارتقاء علم البيانات وتقدمه يرتبط - إلى حدٍ بعيد - بتحليل البيانات. ويعتقد أجاروال ودهر (Agarwal and Dhar, 2014) بوجود تشابه بين أحد التخصصات التقليدية وهو تخصص نظم المعلومات، وبين علم البيانات الذي لم يزل يستهدف تقديم المعلومات المناسبة للأفراد المناسبين، في الوقت المناسب، وفي الشكل المناسب، غير أن ذلك يتم تنفيذه بشكل أكثر تعقيدًا، ويرى سارتسيشانسكي (Saar-Tsechansky, 2015) أنه يتعين على علم البيانات التركيز على استخلاص الخاصية المعلوماتية من البيانات.

ويعرض تشاو ولو (Chao and Lu, 2017) نسقًا نظريًا لعلم البيانات من خلال استخدام التشبيه المجازي للنسر، حيث يُعد كلٌ من: علم الإحصاء، وتعلم الآلة، وتمثيل البيانات Data Visualization بمثابة الأساس لعلم البيانات (جناحي النسر)؛ فيما يمثل كلٌ من: تجهيز البيانات، والحوسبة، والإدارة، والتحليل، وتطوير منتجات البيانات المضمون الجوهري لعلم البيانات (جسم النسر)، أما معرفة المجال فتقدم الاتجاه التطبيقي لعلم البيانات، فالتكامل مع معرفة المجال هو الوجه الرئيس للتخصص (رأس النسر). وفي الواقع يعتبر تجاهل أهمية معرفة المجال أحد الانتقادات التي يواجهها علم البيانات (Carter and Scholler, 2016).

ويبلور فينثيان وآخرون (Phenthean et al, 2016) أوجه التشابه والاختلاف بين علم البيانات وعلم الويب، حيث يضطلع علم البيانات بمساندة الموضوعات الأخرى من خلال تحليل واستثمار مجموعات البيانات في التخصصات الموضوعية، المختلفة واستخلاص المعرفة منها، ويوضح فينثيان وزملاؤه أن كلا التخصصين يتداخل مع الآخر، كما يوجد بعض الموضوعات المشتركة التي يمكن أن تمثل - إلى حدٍ كبير- مجالًا للتحاور بين كلا التخصصين.

وتشغل العلاقة الارتباطية بين التقنية والنظرية في علم البيانات اهتمام الوسط الأكاديمي، وفي حين يُعتقد بأن الاتجاه الأساسي للتقنية سوف يشهد تطورًا وتحديثًا في القريب العاجل، سوف تظل المبادئ العامة لعلم البيانات خلال العقود القادمة بدون تغيير غالبًا (Provost and Fawcette, 2013). وقد انتهى دهر بعد طرح عدة تساؤلات حول علم البيانات من وجهة نظر النمذجة التنبؤية Predictive Modeling، إلى أن المطالبة بتحقيق الدقة التنبؤية فيما يتعلق بالملاحظات المستقبلية سوف تكون الشاغل الرئيسي لعلم البيانات (Dhar, 2013).

وقد شهدت الأعوام الأخيرة تطبيقًا مطردًا لعلم البيانات في العديد من المجالات، بما في ذلك الأعمال التجارية، والفيزياء، وعلم الفضاء ... إلخ. وسوف نقتصر في مناقشتنا هنا على الأعمال التجارية بسبب ضيق الحيز. ويولي باحثو نظم المعلومات لتطبيق علم البيانات في الأعمال التجارية أهميةً قصوى، وينصب جُل اهتمام علم البيانات الخاص بنظم المعلومات على العلاقة بين: علم البيانات، والأعمال التجارية، والمجتمع. إن تحويل أساليب تصريف الأعمال التجارية، وتوليد القيمة عبر البيانات هو ما يهتم به الباحثون في مجال نظم المعلومات (Saar-Tschansky, 2015 Agarwal and Dhar, 2014 ).

وقد نشرت المجلة الفصلية لنظم المعلومات الإدارية MIS Quarterly دليلًا إرشاديًا خاصًا لتقدير مساهمات علم البيانات في سياق الأعمال التجارية. ويقدم نيومان وآخرون (Newman et al, 2016) نموذجًا مفاهيميًا لعلم بيانات الأعمال التجارية Conceptual Business Data Science Model (BDS)؛ يركز على التطوير النموذجي والتجريبي، ويحقق التكامل بين موارد الأعمال التجارية والإجراءات، والوظائف لتعظيم الكفاءة والفعالية. وينظر لارسون وتشانج (Larson and Change, 2016) إلى علم البيانات باعتباره جزءًا لا يتجزأ من التحليل الذكي للأعمال التجارية Business Intelligence، حيث ناقشا تقييم المبادئ، والممارسات الذكية في سياق التحليل الذكي للأعمال التجارية، كما طرح الباحثان إطار عملٍ تنفيذيٍّ مرن، يحدد أثر علم البيانات على التحليل الذكي للأعمال التجارية. ويشير دافنبورت (Davenport, 2017) إلى أننا في عالم الأعمال التجارية نحتاج قطعًا إلى دمج البيانات بما يكفل الوصول إلى فهمٍ أعمق للعملاء. ويبحث جورج وآخرون (George et al, 2016) انعكاسات علم البيانات على البحث في مجال الإدارة، حيث انتهوا إلى أن مجال البيانات، وتقسيماتها يمكِّن الباحثين الإداريين من صياغة نظريات، وطرح تساؤلات جديدة، والبحث عن إجابات أفضل للتساؤلات التقليدية.

ونظرًا لافتقار سوق العمل إلى القوى العاملة المتخصصة في علم البيانات، فقد أصبح علماء البيانات، وما يرتبط بهم من مهارات محورًا لغالبية المناقشات الدائرة حاليا. وتعتبر وظيفة عالم البيانات Data Scientist بشكلٍ عام، "أكثر الوظائف جاذبية في القرن الواحد والعشرين". فعلى من يشغل هذه الوظيفة أن يمزج بين وظائف: قرصان البيانات، ومحلل البيانات، وموصِّل البيانات، والمستشار الموثوق، ومن ثم يستطيع فرض الهيكلة على أية كميةٍ ضخمةٍ من البيانات غير المهيكلة، والقيام بتحليل البيانات، كما تُعد سمات الوصول، وحب الاستطلاع إحدى السمات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها عالِم البيانات (Davenport and Patil, 2012). وتنطوي مجموعة المهارات الخاصة بعالِم البيانات على: الرياضيات، وتعلم الآلة، والذكاء الاصطناعي، وعلم الإحصاء، وقواعد البيانات، والنزوع إلى تحقيق الكمال، والدراية العميقة بصياغة المشكلات، وتقديم حلول هندسية فعالة (Dhar, 2013).

وعلاوة على ذلك فإن الإلمام بالبنية التحتية للبيانات الضخمة، والنظم مفتوحة المصدر تُعد أيضًا من المهارات الضرورية لعالِم البيانات؛ حتى يتمكن من إتقان المهنة (Mattmann, 2013). ولا يقوم كبير علماء البيانات بتوزيع جهده بالتساوي على كل وجهٍ من أوجه العمل الخاص بالبيانات، فمن الناحية الفعلية يضطلع بالقليل من معالجة البيانات، والكثير من عمليات تصميم التحليلات، والتفسيرات الخاصة بالبيانات (Provost and Fawcette, 2013). وفي هذا السياق أعدَّ سونج وزهو (Song and Zhu, 2016) قائمة تضمنت تسع مهام يتعين على عالم البيانات القيام بها، تبدأ باستخلاص المعرفة القابلة للتنفيذ من البيانات، وتنتهي بدعم اتخاذ القرارات تلقائيًا في ضوء البيانات التي يتم معالجتها، ويعتقد الباحثان بأن برامج التعليم الرسمي في الجامعات سوف تكون المصدر الرئيس للإمداد بعلماء البيانات. ويتحقق هذا على نحوٍ تدريجيٍّ في هذه الأيام، فعلى سبيل المثال، قامت مدرسة المعلومات بجامعة كاليفورنيا في بريكلي University of California – Berkeley بتقديم برنامجٍ للماجستير في علم المعلومات والبيانات، وهو برنامجٌ يمزج بين كلا الجانبين: الاجتماعي، والتقني. وتتبنى المدرسة رؤيةً تقضي بتصوير مجال علم البيانات في هيئة منحنى الجرس؛ حيث يشغل أحد طرفيه الباحثون الذين يقودون العمل الخاص بابتكار الخوارزميات الجديدة، فيما يشغل عمال البيانات Data Worker الذين يقومون بمهام أكثر سهولة الطرف الآخر من المنحنى. ويهدف برنامج علم المعلومات والبيانات إلى تعليم علماء البيانات ليتبوءوا مركزًا يتوسط هذا المنحنى الجرسي الضخم (Saxenian, 2014).

وقام كارتر وشولر (Carter and Sholler, 2016) بعمل مراجعة نقدية لكل ما يُثار حول علم البيانات من ضجيج وانتقادات، وعمدا إلى إجراء دراسة ميدانية لمختلف ممارسات العمل اليومي التي يؤديها علماء البيانات، والدوافع، والتقييمات. ويشكل التحليل الكمي للمقابلات شبه المهيكلة التي أجرياها صورة أكثر دقةً للدوافع الكامنة وراء عمل علماء البيانات، ومعايير التقييم، حيث يبين ذلك التحليل على أرض الواقع أن نشاط علماء البيانات ينم عن وجهة نظر متفردة للنظرية، ومعرفة المجال، والموضوعية، والنزاهة، والوصول الميسَّر للبيانات، وتختلف وجهة النظر هذه عن غيرها من وجهات النظر المؤيدة لعلم البيانات وحتى الناقدة له.



3- العلاقة بين علم البيانات وعلم المعلومات

تكمن الفكرة الأساسية هنا في أن كلًّا من رسالة علم البيانات، وطبيعته يتسقان مع رسالة علم المعلومات وطبيعته، حيث يوجد نوعٌ كبيرٌ من الاتساق بين كلا التخصصين، فهم يشكلان معًا عناصر بحث ما يُعرف بـ "سلسلة المعلومات Information Chain"، هذا فضلًا عن وجود مجموعةٍ وفيرة من الفروض النظرية المتماسكة التي تنطبق على كلا العلمين. ويزعم ي وما (Ye and Ma, 2015) أن كلًّا من علم البيانات، وعلم المعلومات يمتلك نفس المبادئ المحورية، ويشارك الآخر نفس مناهج منطق النظرية وأساليبها؛ فرسالة علم البيانات هي: "تحويل البيانات الخام، والمشوشة إلى معرفة قابلة للتنفيذ"، لدعم اتخاذ القرار (Santon, 2012). وأما رسالة علم المعلومات - طبقًا لتعريف بوش (Bush, 1945) - فهي "تيسير الوصول إلى مستودعات المعرفة الضخمة". وبعبارة أخرى تكمن رسالته في تنظيم المعرفة وإتاحتها بكفاءة وفعالية (Ma et al, 2008). وفضلًا عن ذلك يتداخل كلا التخصصين في رسالتيهما إلى حدٍ كبير. ويؤكد أوهنو – ماشادو (Ohno – Machado, 2013) على أنه حينما يتعلق الأمر بالبيانات الطبية الحيوية، والرعاية الصحية، والسلوكيات الصحية، لا نكاد نرى ثمة اختلافاتٍ بين المعلوماتية الطبية الحيوية، وعلم بيانات الطب الحيوي، فكلاهما يتشابهان.

ومن منظور المعالجة، فإن علم البيانات يشارك علم المعلومات نفس الاهتمامات أيضًا؛ فما يقوم به علماء البيانات هو: استخلاص البيانات، وتحويلها، وتمثيلها، وإدارتها، فيما يقوم علماء المعلومات بإجراء البحوث حول إنتاج المعلومات، وتجميعها، وتنظيمها، وتفسيرها، واختزانها، واسترجاعها، وبثها، وتحويلها، واستخدامها (Borko, 1968 Griffith, 1980). ويكمن التشابه هنا في أن علم المعلومات يركز على عناصر سلسلة المعلومات: (إنشاء – تنظيم – تكشيف – استرجاع – استخدام) والتي يتم دراستها من خلال الاتجاهات المختلفة لتحليل المجال. ويتلاقى علم البيانات مع علم المعلومات في مواضعٍ عديدةٍ، حيث أثبت بنج (Peng, 2017) أن سلسلة البيانات ترتبط في جوهرها بسلسلة المعلومات، فكلاهما يركز على استخلاص القيمة والأفكار من البيانات، وهكذا يمكن إدماج سلسة البيانات مع سلسلة المعلومات بسلاسة، ويعني ذلك أن البيانات يمكن أن تصبح موضوعًا للبحث في علم المعلومات وفي علم البيانات على حدٍ سواء، فعلم المعلومات على هذا النحو يمتلك المزيد من العناصر التي يمكن مشاركتها مع علم البيانات، ولا يعني هذا القول بأن كلا التخصصين يتنازع نفس المهام البحثية في هذه المجالات، أو أنهما يتملكان نفس المجال البحثي. وفي الواقع يبرز علم المعلومات عددًا قليلًا من الأفكار المحورية مثل: استرجاع المعلومات، وصلاحية البحث، والتفاعل (Saracevic, 1999).

ويبدي الباحثون في علم المعلومات أيضًا اهتمامًا كبيرًا بسلوك المعلومات البشرىِّ، وبيئة المعلومات، وإدارة المعرفة، والقياسات البيلومترية ... إلخ، ومثل تلك الأفكار لا يغطيها علم البيانات، أو على أقل تقدير يغطيها ولكن بصورة جزئية. وباستثناء هذا الالتقاء، ينطوي علم البيانات على مجالاتٍ لا يعيرها الباحثون في علم المعلومات الاهتمام الكافي، وبالتالي فإنه يتعين عليهم إذًا السعي إلى تطبيق مبادئ علم المعلومات في هذه المجالات، فضلًا عن استحضار المناهج الجديدة التي تتعلق بعلم البيانات. ويرى ستانتون (Stanton, 2012) بأن المكتبيين بارعون في مجال إدراك احتياجات المستفيدين المعلوماتية، وإدارة البيانات وهما اللذان يمثلان طرفا البداية والنهاية لمشكلات البيانات الضخمة على التوالي ، وهكذا فهم يحتاجون إلى ممارسة مهاراتهم لشغل الأرضية الوسطى بين كلا الطرفين.

وينطوي علم البيانات أيضًا على بعض الاتجاهات التي يتعين على الباحثين في علم المعلومات تطوير خبراتهم فيها حتى يتمكنوا من اللحاق بالركب، فعلى سبيل المثال، سوف يشهد العقد القادم بكل تأكيد دمج أرشيفات البيانات مع مرافق الحوسبة العلمية (Mattmann, 2013)، ومن ثم فإن هذا يتطلب من باحثي علم المعلومات توسيع نطاق اهتماماتهم، والتكيف مع تطبيق التقنيات الجديدة، هذا فضلًا عن المشكلات التي سوف تحدثها البيانات الضخمة في المبادئ الأساسية لعلم المعلومات مثل: عرض الصلاحية، ونظرية العالَم الصغير، وتأثيرها العميق على تلك المبادئ. ويعمل علم البيانات على دمج "موضوعات البيانات" المتنوعة في نظرية المعلومات، وعلوم التحكم والاتصال (السيبرانطيقا)، ونظام العلم؛ تلك الموضوعات التي تشكل الأساس التقليدي لعلم المعلومات، وصهرها جميعًا في نظرية مجرَّدةٍ متماسكةٍ. ومن خلال ذلك يتسنى لعلم البيانات استبدال النظريات التقليدية، حتى يصبح مصدرًا ملهمًا يزود علم المعلومات بنظريةٍ جديدةٍ (Chao and Lu, 2017). ومن المتوقع أن يتفاعل علم البيانات مع علم المعلومات ليتمم كلٌ منهما الآخر، وهذه هي النتيجة المثالية التي تتمكن من خلالها مدارس المكتبات وعلم المعلومات من تحقيق التكامل العضوي بينهما، وتطوير العمل المؤسسي الذي يدعم كلا التخصصيين (Raisch and Birkinshaw, 2008)، لاكتشاف مختلف الموارد الأكاديمية الخاصة بعلم المكتبات والمعلومات من ناحية، واستثمار الإمكانات الجديدة لعلم البيانات، ومواجهة تحديات عصر البيانات الضخمة من ناحيةٍ أخرى.

وتعتمد العلاقة الوطيدة بين علم البيانات وعلم المعلومات على العلاقة الراسخة بين البيانات والمعلومات، حيث يشكلان معًا المفهومين الأساسيين لعلم المعلومات. وكما هو معروف فإنه كلما كان المفهوم أساسيًا كلما ازداد تعقده (Wang, 1995)؛ ويرجع السبب في ذلك إلى احتوائه على جميع الجينات (المورثات الثقافية Memes) المكوِّنة للتخصص. وتجسد العلاقة بين البيانات والمعلومات العلاقة بين التخصصيين اللذين يحملان تسمياتهما، ففي دراسته النقدية التي اعتمد فيها على استخدام منهج دلفاي Delphi لفحص 57 باحثًا من الباحثين القياديين في علم المعلومات، توصَّل زينس (Zins, 2007) إلى أن النهج المفاهيمي السائد في تعريف البيانات، والمعلومات، والمعرفة هو التمحور حول الإنسان Human centered، وإدراكه المعرفي، ورؤيته للموضوعات. إضافةً إلى ذلك يتعامل أكثر النماذج الشائعة لتعريف المفهوم في علم المعلومات مع البيانات والمعلومات بوصفها ظاهرةٍ خارجيةٍ فيما يتعامل مع المعرفة باعتبارها ظاهرةٍ داخليةٍ.

وساعد تجاور البيانات والمعلومات في نفس المستوى التصنيفي على اقتسام بؤرة قضايا البحث في علم المعلومات بما يكفل الوصول إلى أساسٍ منطقيٍّ محكمٍ لمسمى التخصص. وعمد باديا (Badia, 2014) إلى استخدام البيانات النصية التي أعدَّها زينس، في تطبيق الأساليب المعيارية لاسترجاع المعلومات، وأساليب استخلاص المعلومات، للكشف عن الرأي الإجمالي للخبراء في هذا الصدد. ولقد أظهرت النتائج وجود نوعٍ من الإجماع على ضرورة النظر إلى البيانات والمعلومات والمعرفة باعتبارها مفاهيم مترابطة، ولكنها مختلفة، واتفق غالبية الخبراء على أن المعلومات يتم استخلاصها من البيانات، في حين يتم استخلاص المعرفة من المعلومات، وهذا ما يعكسه وجود التسلسل الهرمي للمفاهيم في علم المعلومات.

وتتمثل المصطلحات الأزلية المشتركة بين البيانات والمعلومات في: الإنسان، والاستخدام، والتنظيم، أو المؤسسة. ويُعبَّر عن هذا التسلسل الهرمي للمفاهيم بعدة تسميات: (التسلسل الهرمي للبيانات، والمعلومات، والمعرفة، والحكمة (Data - Information - Knowledge - Wisdom (DIKW)، أو التسلسل الهرمي للمعلومات"، أو "التسلسل الهرمي للمعرفة"، وهو الذي يجسد النموذج الأساس الذي يقوم عليه علم المعلومات. وفي سياق الرؤية الهرمية يتم تعريف البيانات والمعلومات، والمعرفة في ضوء علاقة كلٍ منهما بالآخر، فالمعلومات هي بيانات منظمة أو مهيكلة، والمعرفة قد تكون مزيجًا بين المعلومات، والفهم، والمقدرة، والخبرة، والمهارات، والقيم، ومن ثم فإن عمليات إضفاء الدلالة وتقدير الصلاحية والهدف تعمل على تحويل البيانات إلى معلومات (Rowley, 2007). ويذهب أوبنهايم وآخرون (Oppenheim et al, 2003) إلى أن البيانات عادةً ما تكون منفصلةً وحقيقيةً، ولا يمكن أن تتحول إلى معلومات إلَّا إذا كانت محددة السياق، ومبوَّبة، ومعدودة، ومصوَّبة، ومركَّزة.

وباختصار فإن مفهوم "البيانات" متأصلٌ من حيث علاقته المتداخلة مع مفهوم "المعلومات، فالبيانات هي الأساس اللازم لتعريف المعلومات، والمعلومات لا يتم تحقيقها إلَّا من خلال معالجة البيانات. وتأسيسًا على هذا المنطق فإن علم البيانات، وعلم المعلومات هما تخصصان توأمان من حيث الطبيعة، وعلى الرغم من المقارنات العديدة التي تُعقد بين نظريات علم البيانات، والنظريات في علم المعلومات، قد يكون من الممكن بل ومن المفيد أيضًا تجاوز هذه المقارنات، الأمر الذي قد يساعد في دمج هذه النظريات في نظريةٍ عامةٍ موحَّدةٍ لعلم المعلومات.

وحينما نمعن النظر في نشوء البحث وتطوره في علم المعلومات، نستطيع أن نلحظ وجود نزعةٍ للحركة التصاعدية نحو القمة في التسلسل الهرمي (البيانات - المعلومات- المعرفة – الحكمة). فقد عمد البحث في علم المعلومات منذ ثمانينيات القرن العشرين إلى توسيع مجاله تدريجيًا ليتضمن قضايا المعرفة والذكاء جنبًا إلى جنب مع قضايا المعلومات، وهكذا أصبحت موضوعات: إدارة المعرفة، واكتشاف المعرفة، وتخطيط المعرفة، وتنظيم المعرفة تمثل الركيزة الأساسية لبرامج البحث، الأمر الذي دعا بعض الباحثين إلى تحرِّي إمكانية تأسيس تخصُّص لعلم المعرفة، ومجال للسلوك المعرفي (Zins, 2006 Ford, 2005)، فكلاهما يُعد امتدادًا منطقيًا، أو تنقيحًا لعلم المعلومات. وفي حين تسير هذه التخصصات أو المجالات بالتوازي مع المجالات التقليدية مثل: الإبستمولوجيا، وعلم المعرفة الإدراكي، ابتدعت قضايا الذكاء موضوعات جديدة غير مسبوقة في علم المعلومات على مدار أكثر من عشرين عامًا مثل: الاسترجاع الذكي Interface Retrieval، والذكاء الاصطناعي المعتمد على تصميم الواجهات AI-based Interface Design، والتحليل الذكي للأعمال التجارية Business Intelligence، والذكاء التنافسي Competitive Intelligence ... إلخ.

ولقد حاز هذا النوع من التغير في لغة الحوار على إعجاب المتخصصين في مهنتنا، وفي حين تشير هذه النزعة إلى تصدر الحكمة مجالات البحث خلال الأعوام الحالية، غير أن ذلك لم يحدث، فلا تزال مناقشة مفهوم الحكمة وطبيعتها أمرًا نادر التناول في أدبيات إدارة المعلومات، وإدارة المعرفة (Rowley, 2007). وبدلًا من ذلك أصبحت البيانات، وليس الحكمة، هي مثار أم مسار؟ ( إن كان المقصود أنها دافع للبحث فهي مثار، وإن كان المقصود أنها توجه البحث فهي مسار) البحث والشغل الشاغل لعلم المعلومات.

إن الكيان البحثي الجديد، البيانات وليس الحكمة، هو الذي يجذب اهتمام المعلومات إلى قاعدة التسلسل الهرمي (البيانات – المعلومات – المعرفة – الحكمة)، ويبدو علم البيانات كما لو كان خطوة رجعية للوراء تنأى بعلم المكتبات والمعلومات عن المرتبة التي ارتقى إليها عبر مراحله الممتدة (Santon, 2012)، فهل هذا يعني حقًا بأن الاتجاه التطويري التصاعدي (إلى الأعلى) في التسلسل الهرمي يُعد خطًأ ؟ والإجابة بالنفي، فالمستوى الأدنى ليس بالضرورة أن يكون مرادفًا للحماقة. إن الهدف من وراء تمثيل البيانات، وتحليل البيانات، والتقنية في البيانات لا يتأتى إلَّا من خلال مفهوم "المعلومات"، ومن ثم الإشارة المباشرة إلى تنظيم المعرفة، واكتشافها، والحصول على التحليل الذكي الذي يساند الأعمال التجارية ويدعم اتخاذ القرارات العامة والعلمية. إن من شأن غياب التعاون بين علم البيانات وبين نظرية المعرفة، ونظرية الذكاء أن يقوِّض أهمية علم البيانات، وينال من قيمته، ويفسر تطور "البيانات الذكية "Smart Data في مجالات العلوم والإنسانيات والأعمال التجارية هذه النقطة بشكلٍ كبير، وعلاوةٌ على ذلك، فإن بزوغ علم البيانات لن يغير من المسار التطويري لعلم المعلومات على النحو الذي تم الإشارة إليه في ضوء التسلسل الهرمي (البيانات – المعلومات – المعرفة – الحكمة).



4- مساهمات علم المعلومات المتميزة لدعم علم البيانات

تم إغفال نظرية علم المعلومات في فترات ليست بالقليلة عبر التاريخ الفكري للعالم الرقمي، ولا تزال مقولة باتيس (Bates, 1999) قابلةً للتطبيق في عصر البيانات الضخمة: "في حين يتم تجاهل خبراتنا (كعلماء للمعلومات)، يتخبط الوافدون الجدد على المعلومات بين التساؤلات، فينفقون عشرات الملايين من الدولارات على البحث ويحشدون الموازنات لإعادة اختراع العجلة واكتشاف ما قد توصَّل إليه علم المعلومات في عام1960م". وما يتعين علينا فعله لتصحيح ذلك كعلماء للمعلومات ومهنيِّين، هو العمل على استقطاب الأدوات، والأساليب، والنظريات إلى داخل البيانات الضخمة، ومجال البحث في علم المعلومات، ومن ثم دعم هذه الأدوات والأساليب والنظريات بقوة في تلك المجالات الحديثة (Sugimoto et al, 2012)، فمن شأن تلك الإجراءات أن تعزز مركز علم المعلومات وتضمن تطوره.

4-1- مفهوم البيانات

يتمركز مفهوم البيانات في قلب تخصص علم البيانات برمته، ويسيطر على علماء البيانات الاعتقاد بأن البيانات تتسم بالموضوعية والحيادية، غير أن هذا الاعتقاد يُواجَه بتحدٍّ كبيرٍ بواسطة دراسات المعلومات التي توضح بأن البيانات عادة ما تكون انحيازية، وفي هذا الإطار توصَّل باحثو الدراسات العلمية إلى نتائج مشابهة أيضًا. ويشير معنى مصطلح البيانات إلى "الملاحظات الإحصائية وغيرها من التسجيلات، أو مجموعات الأدلة"، أو "سلسلة من الحقائق والملاحظات غير المترابطة (Zins, 2007)، ومع ذلك فإنه طبقًا للمذهبين: التاريخيِّ Historicism، والعمليِّ Pragmatism، اللذين يُعدَّان المصدر المعرفي الأكثر إثمارًا لعلم المعلومات، فإن الملاحظات هي نظريات محتملة وتتأثر بالسياقات الثقافية والاجتماعية. أما رؤية المذهب الوضعي Positivism التي تقضي بأن الملاحظات حقائق لم تخضع للمعالجة، وتتسم بالحيادية والموضوعية فهي غير صحيحة؛ حيث إن الخلفية النظرية للفروض تقضي بأن تكون الملاحظات موجهة (Hjorland, 2009)، وإضافة إلى ذلك، فإن البيانات تعد نظرية مستقلة وربما كانت مفعمة بالانحيازات، إن "البيانات" الخاصة بعلم البيانات ليست حقائق موضوعية أو محايدة، ولكنها مجموعة من المعلومات التي توافق أهدافًا وفروضًا محددة (Carter and Sholler, 2016).

ومن المؤسف أن الإبستمولوجيا (المعرفة) السائدة في علم البيانات لا تزال تعتمد حتى الآن على المذهب الوضعي بدرجة تفوق الاعتماد على المذهبين التاريخي والعملي، ويوجه داي (Day, 2014) بعض الانتقادات للبيانات الضخمة حيث يرى أنها لا تتيح المجال لتصاعد حالة التمثيل الوضعي النقي فحسب، وإنما تقوم بما هو أبعد من ذلك حيث تعمل على استبعاد المناهج العلمية والنظرية. وبالتالي فإنه يتعين على الباحث في علم البيانات أن يغير وجهته وفروضه المعرفية من المذهب الوضعي إلى المذهبين التاريخي والعملي، فحينما تحظى الرؤيتان: التاريخية، والعملية للبيانات بالقبول، قد يصبح علماء البيانات وقتها أكثر اقتناعًا بالحقيقة، التي تقضي بأن مصادر البيانات التي يتم تحليلها وتشكيلها تتسم بعدم التجانس، وعليهم حينئذٍ أن يسعوا إلى تصميم تطوير منتجات البيانات، والقيام بأنشطة تحليل البيانات على أساس النظريات المميزة للبيانات، أو التحيزات الخفية الخاصة بها، كما يتعين عليهم أيضًا توخي الحذر عند تطبيق مخرجات التنقيب في البيانات بسبب عدم تجانس النظرية الأساسية للبيانات.

4-2- مراقبة جودة البيانات

تعد جودة البيانات مجالًا آخر من المجالات التي يمكن لعلم المعلومات من خلالها أن يدعم علم البيانات. وكما هو معروف فإنه لا يتم إنشاء جميع البيانات على قدم المساواة أو بنفس القدر من الأهمية، حيث تتفاوت مصادر البيانات الضخمة التي تضم: تسجيلات الاستجابة الإنسانية، والاستجابة النفسية، وحركة العين، ونطاق واسع من الذخائر اللغوية، وسلسلة طويلة من "البيانات الصغيرة"، ... إلخ (Furlough, 2012). وفيما تتمتع بعض البيانات بقدرٍ كبيرٍ من الأهمية، يتمتع بعضها الآخر بقدرٍ أقل من الأهمية، حيث لا يتعدى بعضها كونه ضوضاء منفِّرة، وتظهر مشكلات دقة البيانات، ومصداقيتها حينما يعالج علماء البيانات البيانات الضخمة.

ولا يزال علم البيانات يصبُّ جُل اهتمامه إلى الآن على كم البيانات، فيما يتم تجاهل جودة البيانات إلى حدٍ ما، وإذا ما استمر الموقف على ما هو عليه، فإن ذلك سوف يساعد على إعادة إحياء المقولة الشهيرة التي انتشرت في ثمانينيات القرن العشرين "المدخلات الخاطئة تؤدي إلى مخرجات خاطئة (GIGO) Garbage in, garbage out في عصر البيانات الضخمة. وإنه لمن الأهمية بمكان الالتزام بجودة البيانات، وانتقاءها للمساهمة في الارتقاء بعلم البيانات، ويمكن لعلم المعلومات الاضطلاع بدورٍ مهم في هذا الصدد. ويشير مارشيونيني (Marchionini, 2016) إلى أن جودة البيانات (البيانات الجيدة) تشكِّل أحد الاهتمامات الرئيسية في علم المعلومات. فلقد خضعت جودة المعلومات للدراسة المتأنية في علم المكتبات والمعلومات في ظل تفاقم الانفجار المعلوماتي على الإنترنت. وتُناقِش الدراسة الحالية هذا الموضوع بعمق، كما تحاول إدراج جودة المعلومات ضمن فلسفة المعلومات الرشيدة (Mai, 2013)، وأما بالنسبة للمصداقية، فلدى علم المعلومات تاريخٌ بحثيٌّ حافلٌ لمصداقية المعلومات التي يمكن استخدامها كمرجع في هذا السياق، وتحتل أفكار ويلسون (Wilson, 1983) حول السلطة المعرفية مكانًا بارزًا في تلك النوعية من البحوث، وعلى ذلك، فإن نظريات علم المعلومات مرشحةٌ بامتياز لإثبات مجال جودة البيانات في علم البيانات، ويستطيع مهندسو، وعلماء البيانات، من خلال التسلُّح بنظريات جودة المعلومات مثل: السلطة المعرفية، انتقاء البيانات الحديثة، والصالحة، والصحيحة، والموثوقة، والمفيدة، والمفهومة، إنتاج منتجات وخدمات عالية الجودة ترتكز على البيانات.

4-3- مكتبي البيانات

لقد قدَّم علم المعلومات مساهمات جليلةٍ لاحتواء جولتين من جولات الانفجار المعلوماتي التي شهدها القرن العشرين (Hahn, 2003)، وإنه لمن المنطقي التسليم بقدرة مطوري علم المعلومات على التعامل مع الجولة الثالثة للانفجار المعلوماتي في عصر البيانات الضخمة (Bargman, 2012)، ومن بين تلك الجهود التي يقوم بها المطوِّرون تأسيس تخصص فرعي مثل علم مكتبات البيانات (Kellam and Thompson, 2016) Data Librarianchip. وفي هذا السياق يظهر بوضوح المسمى الجديد لوظيفة مكتبي البيانات، ويمكن اقتفاء أثر البدايات الأولى لاختصاصي مكتبات البيانات في بحوث إدارة العلوم الاجتماعية، والمعلوماتية الحيوية (Koltay, 2017).

وتشهد الأعوام الحالية تطورًا مطرًدا في أعداد اختصاصيي مكتبات البيانات في المكتبات وبخاصة المكتبات الجامعية والبحثية، وتعتبر وظيفة مكتبي البيانات بمثابة التطور المنطقي للمكتبي الجامعي، في ظروف استثنائية يواجه الباحثون فيها احتياجات جديدة، ومتطلبات سياساتٍ بحثيةٍ جديدة، وممارسات إدارة بياناتٍ جديدة. وبالنسبة لوظيفة مكتبي البيانات الذي يعمل في بيئة البيانات، فإن مبادئ علم المكتبات والمعلومات، ونظرياته، وخبراته، ومهاراته صالحةٌ للتطبيق، ومفيدة لمجال إدارة البيانات، بل إنها تدعم في الوقت ذاته علم البيانات (Federer, 2016).

وأشار سؤنِر وآخرون (Soehner et al, 2010) إلى أن المعرفة المهنية الخاصة بتنمية المجموعات، وتنظيم المعلومات، واكتشاف المصادر، وإدارة المستودعات تدعم إدارة البيانات وخدماتها إلى أبعد حد. ويمتلك مكتبيو البيانات دورًا حاسمًا في بيئة علم البيانات عبر جميع القطاعات المعرفية (Burton and Lyon, 2017)، فما يقوم به مكتبيو البيانات يغطي دورة الحياة الكاملة لإدارة البيانات، حيث يبدأ عملهم عند خطط إدارة البيانات Data Management Plans (DMP)، التي يقومون خلالها بالتعاون الوطيد مع الباحثين، وبعد ذلك يذهبون إلى ما وراء خطط إدارة البيانات، حيث يُعنى مكتبيو البيانات بجمع البيانات، وحفظ البيانات، وحوكمة البيانات، وإتاحة البيانات، ووصف البيانات Metadata، وتوثيق مجموعات البيانات، ومشاركة البيانات، وتمثيل البيانات Data Visualization، ودعم تحليل البيانات، وتقييم جودة البيانات، والإحالة المرجعية للبيانات، والاستشهاد بالبيانات، والتدريب على الوعي البياناتي (Goben et al, 2016 Robinson and Bawden, 2017).

كما يتعين على مكتبيِّي البيانات أن يجعلوا البيانات متاحةً وقابلةً للاكتشاف ومفهومةً، ويمكن الوصولة إليها، وقابلةً للاستخدام المتكرر (Carlson et al, 2015 Fedrer, 2016). وتتسم اختصاصات مكتبيي البيانات بالتعدد، والتنوع، فكما أوضح روبينسون وبودين (Robinson and Bawden, 2017) أنه يتعين على مكتبيِّي البيانات امتلاك الكفاءة الفنية والإلمام بالتقنيات الأساسية لإدارة البيانات - جنبًا إلى جنب - مع امتلاك الدراية الواسعة بالآثار الاجتماعية والثقافية والأخلاقية لتقنيات البيانات، حيث إن استيعابهم للبيانات يجب أن يكون اجتماعيًا وتقنيًا في نفس الوقت.

وفضلًا عن ذلك يحتاج مكتبيو البيانات إلى التآلف مع موضوع المعرفة طالما أن مجموعات البيانات المعقدة تعتمد على المجال والسياق، وبعبارة أخرى، يتعين على مكتبيِّي البيانات أن يتحولوا ليكونوا اختصاصيي مجالات Domain Specialists، لمساعدة الباحثين في التعبير عن احتياجاتهم إلى تنظيم البيانات، وإمدادهم بخدمات البيانات في مجالاتٍ مختلفةٍ من خلال إجراء الدراسات التحليلية للمجال (Nielsen and Hjorland, 2014). وفيما يتعلق بالعلاقة بين مكتبيِّي البيانات والباحثين، فلسوف تشهد تلك العلاقة تطورًا كبيرًا من خلال المشاركة الفاعلة للمكتبيين في عمليات البحث والارتباط الوثيق بالباحثين (Ekstrom et al, 2016).

وقد اقترح تينوبير وآخرون (Tempopir et al, 2012) ضرورة العمل على الترابط والتكامل بين التطورات التقنية، وخبرات المكتبيِّين في هذه الأيام لمسايرة علم البيانات المكثفة Data – Intensive Science، وإتاحة الفرصة أمام المكتبيين للاضطلاع بدور الشريك الفاعل في ابتكار المعرفة. وفي هذا الإطار يكون مكتبيُّو البيانات بمثابة مكتبيين ضمنيين (Goben et al, 2016). وباختصار، فإن مجمل القول هنا، أنه يتعين على مكتبي البيانات إدارة وتقديم خدمات البيانات لمعالجة دورة حياة البيانات الكاملة بفعالية واقتدار.

ويشهد الوقت الراهن تزايدًا كبيرًا في تعليم الوعي البياناتي، والتدريب المرتبط به، وتقدم مدارس علم المكتبات المعلومات في الجامعات بعض موارد المناهج الدراسية، التي يستطيع الطلاب والمهنيون المتخصصون استخدامها لاكتساب المعرفة التي تجعل منهم مكتبيِّي بيانات مؤهلين. ولعل خير مثال على ذلك مقرر "قصة البيانات Story of Data"، الذي يُدرَّس ضمن برنامج ماجستير علم المكتبات والمعلومات الذي تقدمه جامعة لندن City University of London، وقد صُمم هذا المقرر ليغطي الموضوعات الرئيسية المتعلقة بإدارة البيانات، ومهنة مكتبات البيانات، ويوازن هذا المقرر في رؤيته بين كلا النوعين من المعرفة: الفنية، والمفاهيمية من ناحية، وبين النظرية والتطبيق من ناحيةٍ أخرى (Robinson and Bawden, 2017). وتبين التغذية الراجعة لتدريس المقرر نجاحه الباهر في تقديم الطلاب إلى عالم الوعي البياناتي ومهنة مكتبات البيانات. وتقدم بعض مدارس علم المعلومات في جامعاتٍ أخرى، مثل: جامعة تورنتو University of Toronto، وجامعة شيفيلد University of Sheffield أيضًا مقررات لمهنة مكتبات البيانات أو إدارة البيانات على مستوى الدراسات العليا. وتطلق العديد من المكتبات والمؤسسات مبادرات للوعي البياناتي، لتثقيف المكتبيين والمجتمعات البحثية التي تخدمها، فعلى سبيل المثال، تعاونت جامعة هارفارد مع مكتبة وولباتش التابعة لمركز هارفارد – سيميثونيان – للفيزياء الفلكية Harvard – Smithsonian Center of Astrophysics Wolbach Library، لتطوير برنامج تدريبي أطلق عليه " تدريب المكتبيين على مهنة عالِم البيانات"، حيث يتعلم المكتبيون في سياق هذا البرنامج أحدث أدوات معالجة، وإدارة البيانات، وتطوير مهارات استيعاب البيانات (www.altbibl.io). ويهدف مشروع الوعي المعلوماتي بالبيانات الذي تم تنفيذه بواسطة المكتبيين العاملين بمكتبة جامعة ميتشجن University of Michigan Library، ومكتبة جامعة بوردو Purdue University Library، ومكتبة جامعة مينيسوتا University of Minnesota، ... إلخ، إلى عقد دورات وورش عمل تعليمية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس (Carlson et al, 2015). وعلى صعيد آخر تقدم جمعية المكتبات الطبية The Medical Library Association العديد من برامج التعلم المستمر في مجال إدارة البيانات لتدريب مكتبيِّي البيانات، وتُعد المبادرة التمويلية للمعهد القومي الأمريكي للصحة The US National Institute of Health والمعروفة بـ "البيانات الضخمة للمعرفة" توسعةً لمجالها التدريبي، حيث تنطوي على برامج تدريبية تستهدف تدريب كلٍ من المكتبيين والباحثين على إدارة البيانات (Florance, 2016).

4-4- أهمية نظرية الوثيقة لعلم البيانات

4-4-1 النظرية الثنائية لعلم البيانات

لقد تزايد انقسام مجال البحث في علم البيانات بين العلم والإنسانيات بشكلٍ ملحوظ. أما بالنسبة للفرع الأول (العلم) فتمثل النظم، والأدوات، والنماذج، والمناهج العلمية المستخدمة في جمع البيانات وتحليلها وإدارتها جبهة البحث الأمامية لعلم البيانات، وأما بالنسبة للفرع الثاني (الإنسانيات) فتوضح الجانب الإنساني القوي لعلم البيانات، ويُعد الأفراد أكثر العناصر المتصلة بعلم البيانات أهميةً إذا ما تم مقارنته بالعنصرين الآخرين: البيانات والتقنيات (Song and Zhu, 2016). وتحتل موضوعات: أخلاقيات البيانات، والوعي البياناتي، وخصوصية البيانات، ودعم اتخاذ القرار أولويات الاهتمامات البحثية في هذا العلم الناشئ. ويطلق فلوريدي (Floridi, 2016) على تلك الاهتمامات البحثية ما يُعرف بـ "الثنائية الثقافية الجديدة The cultural neo-dualism"، فالأولى تركِّز على الشكل من خلال التراكيب، والأساليب الكمية، فيما تهتم الأخرى بالمعنى من خلال الدلالات، والأساليب النوعية، وتعمد مثل هذه الثنائية الجديدة إلى تعميق الاختلافات، وزيادة الانقسامات التي يتعين علينا إغفالها وتجاوزها. ولا يُعدُّ مثل هذا الانشقاق الأكاديمي الخاص بعلم البيانات الناشئ بالأمر الغريب على علم المعلومات، حيث مرَّ علم المعلومات بتجربة انشقاق مثيلة عبر سنوات تطوره الممتدة، فعلى الرغم من اضطلاع علم المعلومات بالبحوث ذات الصبغة التقنية جنبًا إلى جنب وبالتوازي مع البحوث ذات الصبغة الاجتماعية، والثقافية، غير أنهما نادرًا ما يتلاقيان، أو يجتمعان.

هذا ولم تتوقف المحاولات الرامية إلى بناء جسرٍ يساعد علم المعلومات على تجاوز أزماته الانقسامية على مرِّ الأعوام؛ ففي إحدى الدوائر المستديرة التي نظمتها الجمعية الأمريكية لعلم المعلومات والتقنية Association for Information Science & Technology (ASIS&T)، طرح ما Ma إطارًا تواصليًّا – عمليًّا يعمل على تجاوز الازدواجية الأبستمولوجية (المعرفية)، كما حاول وارنر Warner تطوير رؤية متكاملة تساعد في سد الفجوة بين التوجه العلمي، والإنساني للتخصص (Fuller et al, 2013). ومن ناحية أخرى يسلط بكلاند (Buckland, 2000) الضوء على تعقد بنية علم المعلومات؛ حيث يشير إلى أنه يتعامل مع الفهم الإنساني، والعقيدة، وتقنيات المعلومات، والسياسات الاجتماعية، ويعتقد بكلاند كذلك بأن المشهد العام للتخصص إنما ينطوي على قدرٍ من التعقيد، مما يستدعي من علماء المعلومات السعي إلى إتقان كلٍ من: المناهج الأساسية، والتحليلات ذات النزعة الإنسانية، وهي بطبيعة الحال ليست بالمهمة اليسيرة.

ويبين ويلسون (Wilson, 1996) أن مجال البحث في علم المعلومات يتضمن نطاقًا واسعًا من العلوم الاجتماعية إلى جانب القليل من الهندسة عالية التخصص. ويقرُّ باتيس (Bates, 1999) بأن العلوم الاجتماعية، والعلوم الهندسية هي أكثر الاتجاهات المنهجية أهميةً بالنسبة لعلم المعلومات. ومن ثم فإنه يتعين على عالِم المعلومات أن يكون متأهبًّا - على الأقل - للتعامل مع كلا الاتجاهين؛ كي يؤدي وظيفته على نحوٍ جيد. والسؤال المطروح الآن، هل من الممكن تحقيق التكامل بين مختلف الاتجاهات والمناهج لتقديم الأساس المنطقي الضمني لعلم المعلومات؟ والإجابة نعم، إلا أن الأمر قد يحتاج إلى مزيد من الوقت.

وتشير الوثيقة إلى دليل يدعم إحدى الحقائق، حيث تدل على أي شيء يُعتبر بمثابة إشارة إلى شيء ما يعادل المعلومات ككيان (Buckland, 1991 a, 1997)، والفعل "وثَّق أو يوَّثق" يعني: تقديم الأدلة. واقتداءً برؤية بكلاند (Buckland, 2000) التي تقضي بأن الوثائق هي الركيزة الأساسية التي يستند إليها علم المكتبات والمعلومات، ترى روبينسون (Robinson, 2014) أن شأن علم المكتبات والمعلومات هو دراسة الوثائق، وأن مجال علم المكتبات والمعلومات هو في واقع الأمر نفس مجال الوثائق، فمستقبل علم المكتبات والمعلومات إذًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا - لا انفصام له - بمستقبل الوثيقة، كما ترى روبنسون أن إنشاء الوثيقة، ونشرها، وإدارتها، وتنظيمها، واسترجاعها، واستخدامها هي نفسها الاصطلاحات الأساسية التي يقوم عليها علم المكتبات والمعلومات.

وقد ميَّز بكلاند Buckland بين اصطلاحين أساسيين في علم المعلومات: الاصطلاح الوثائقي، والاصطلاح الحاسوبي "ويتضمن الاصطلاح الوثائقي الاعتراف بالأسس المزدوجة وهي البناء ليس فقط على الأسلوب والتقنية (الأدوات)، ولكن أيضًا على الكائنات البشرية (مستخدمي الأدوات) كالأفراد، والجماعات، والمجتمع، مع ضرورة الاهتمام بالمعنى والقيم" (Buckland, 1999). وتأسيسًا على ذلك يمكن القول بأن اصطلاح الوثيقة يغطي جميع الأبعاد الاجتماعية والهندسية لعلم المعلومات، وتعد نظرية التوثيق الجديد The neo-documentation التي تتضمن بشكلٍ شموليٍّ جميع أوجه دراسة الوثائق بأبعادها المعرفية، والتقنية، والاجتماعية بمثابة النواة لهذه النظرية (Buckland Land, 2013)، وهي بذلك تقدم حلًّا ملائمًا وواقعيًا للتغلب على مشكلة تقسيم علم المعلومات، ووضع أساسٍ متحدٍ لتخصِّصه.

ويرجع السبب وراء النقاش المطوَّل آنف الذكر إلى آنه قد يكون من الضروري إبراز نظرية الوثيقة في علم البيانات، فما يعنيه علم البيانات هنا ليس البيانات لأغراض العلم ولا الأدوات التطبيقية لأغراض معالجة البيانات، وإنما ما يعنيه هنا هو العلم الخاص بالبيانات Science of Data. وفي حين يشهد علم البيانات تطورًا مطردًا وسريعًا، فإنه يعاني من تفاقم مشكلة تقسيم التخصص، والتي أوجدتها نظرية الثنائية Theory dualism. وكما لوحظ على أرض الواقع، فإن الجانب العلمي، والهندسي لعلم البيانات ينأى به عن الجانب الاجتماعي، والإنساني والعكس بالعكس. وينزع علماء البيانات لإبداء مزيدٍ من الاهتمام بالبحث في العلوم والتقنية (العلوم الصلبة) والافتخار بألقابهم العلمية، في حين يدرك الآخرون ممن ينتمون إلى مجتمع علم البيانات قيمة البحث في مجال العلوم النظرية (اللينة)، باعتبارها القوة الباعثة على تطوير التخصص والارتقاء به. وإذا ما استمرت الهوَّة الأكاديمية بين كلا الجانبين لعلم البيانات في الاتساع، فلسوف ينتهي الأمر بالتخصص إلى الانقسام لا محالة، فضلًا عن تزايد الاهتمامات والرؤى المتصارعة.

وكما يبين الاصطلاح الوثائقي، فإنه من الممكن بل ومن الضروري تطبيق نظرية الوثيقة وتفعيلها لسد الفجوة في علم البيانات. ولكي تتسم نظرية الوثيقة بالفعالية، يجب أن تصطبغ التقنية في نظرية الوثيقة بالطابع الرسمي وأن تتسم بالتلقائية من جهة، والعمل على الحد من تأثير التعليم، وتنظيم المعرفة على معالجة البيانات من جهةٍ أخرى، حيث إن المعرفة وهي العلم والتعلم المرتبطان بنظرية الوثيقة عادةً ما تجنح إلى مقاومة المعالجة الآلية (Buckland, 2014). وبناءً عليه فإننا حين نقوم بدراسة المعرفة والعلم، نتعامل بالضرورة مع موضوعات غايةً في التعقيد مثل: الفهم الإنساني والعقيدة، وتقنيات المعلومات، والسياسات الاجتماعية، وفي مثل تلك المواقف "يتعين علينا أن نتعلم العمل مع كلٍّ من الأساليب الأساسية، والتحليلات ذات الطابع الإنساني" (Buckland, 2000).

كيف يتسنى لنظرية الوثيقة أن تغطي كليهما؟ يشير بكلاند ولوند (Buckland and Lund, 2013) إلى أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلَّا من خلال التأكيد على ما ذهب إليه كلٌ من: Drury، وليبنيز Leibniz، وأوتليت O"tlet، وبريت Briet، وغيرهم، وإكساب الهدف والأسلوب أهميةً لا تقل عن تلك التي تحظى بها التقنية، وهكذا يمكن عبور الفجوة وتوحيد الجوانب العلمية، والاجتماعية، والإنسانية لنظرية الوثيقة. وعلى نفس النهج، يتعين على علماء البيانات معالجة القضايا العلمية، والإنسانية، وعدم تفضيل أحدهما على الآخر. ويمكن للبحث في مجال علم البيانات تحقيق التكامل بين الأبعاد الفنية، والاجتماعية وإنشاء الأساس النظريِّ المتماسك إذا ما اتبع نظرية الوثيقة، و أساليبها.

4-4-2- البيانات والوثيقة: تجسيد المعلومات في كيان

البيانات والوثيقة كيانان يحل أحدهما محل الآخر، ويُستخدمان بشكلٍ تبادليٍّ في بعض المواقف، فهما يؤديان وظائف متشابهة داخل نفس المستوى الدلالي لنظم المعلومات. وتعتبر المعلومات كشيء، و تعني " الكيانات المادية مثل: البيانات، والوثيقة اللذين يتم نعتهما بأنهما معلومات لكونهما ينضحان بالمعلومات"، أحد المستويات التي تحظى بالانتقاد، لا سيَّما فيما يتصل بمفهوم المعلومات، ويمكن استخدام كلمة "وثيقة" للإشارة إلى المعلومات ككيانٍ ماديٍّ (Backland, 199a). إن الخصائص المادية، والملموسة للمعلومات هي فقط التي تتيح لنظم المعلومات ISs، سواء أكانت نظمًا خبيرة أم نظمًا لاسترجاع المعلومات، القدرة على معالجتها بشكلٍ مباشرٍ (Buckland, 1991 a,b). وبمعنى آخر فإن الوثيقة هي الفئة الوحيدة من الكيانات الدلالية التي يتسنى لنظم المعلومات الاضطلاع بتشغيلها؛ وفي غضون ذلك تعتبر البيانات هي المصطلح المناسب للمعلومات كشيء" (Backland, 1991 b). وعلى هذا النحو يكون كلٌّ من: البيانات، والوثيقة مرادفين لبعضهما البعض، "وإنه لمن الحكمة إذًا عدم التمييز القاطع بين البيانات والوثيقة والنص" (Buckland, 1991 b).

وتأسيسًا على هذا التكافؤ المفاهيمي، يمكن للبحث في علم البيانات أن يتبنى نظريات الوثيقة العامة، وما تنطوي عليه من نظريات جمع الوثيقة، وتنظيمها، واسترجاعها، وبثها، وإدارتها، واستخدامها لإثراء نظرياتها الخاصة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن البحث النظري في علم البيانات قد تم إغفاله إلى درجةٍ كبيرةٍ، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفرصة سانحة أمام علم البيانات لتكريس البحث النظري في التخصص بعمق من خلال استقطابه النظريات المناسبة مثل نظرية الوثيقة. فعلى سبيل المثال، يتعارض اكتمال البنية التحتية للنشر، والإتاحة الببليوجرافية في عالم المواد المطبوعة على الورق مع البنية التحتية لمجموعات البيانات، التي ما تزال في مراحلها الباكرة، كما يجب علينا النظر إلى إدارة البيانات باعتبارها علم الببليوجرافيا، ومن ثم فإنه من الأهمية بمكان تحديث علم الببليوجرافيا حتى يتسنى التصدي لإدارة البيانات (Buckland, 2011).

وأما المثال الآخر فيتمثل في طرح نظرية التوثيق The Theory of neo-documentation لثلاثة أبعاد تكاملية للوثيقة، تبرز جوهر عملية التوثيق: البعد التقني الذي يشير للملمح المادي للوثيقة، والبعد الإدراكي الذي يصوِّر علاقة الأفراد العقلية بالوثيقة، والبعد الاجتماعي الذي يرتبط بالأدوار الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية للوثائق، وتتفاعل هذه الأبعاد فيما بين بعضها البعض (Buckland, 2016). وفي الواقع، فإن الأبعاد الثلاثة للوثيقة ترتبط بالنموذج المادي، والنموذج الإدراكي، ونموذج تحليل المجال الخاص بعلم المعلومات على التوالي ، وتتكامل النماذج الثلاثة في إطارٍ ذي بنيةٍ متماسكةٍ، ومن المتوقع أن يساعد طرح نظرية التوثيق الجديد بأبعادها الثلاثة على هيكلة البحث في فضاء علم البيانات، حيث يمكن لعلم البيانات إحراز مزيد من التقدم من خلال الفحص الدقيق، والبحث المتعمق عن الأوجه المادية، والإدراكية، والاجتماعية لمجموعات البيانات، وحينئذٍ تصبح نظرية علم البيانات كاملة مكتملة، وأكثر توازنًا شريطة أن يُنظر إلى النماذج المادية، والإدراكية، وتحليل المجال التي تم عرضها في إطار العمل ثلاثيِّ الأبعاد للتوثيق الجديد بجدية.

وينزع بعض الباحثين إلى تناول هذه القضية من وجهات نظرٍ مختلفة، فقد أشار بلاير (Blair, 2006) في مقالِه المهم إلى أن تعقب الاختلافات بين استرجاع البيانات، واسترجاع الوثيقة قد يساعد في الوصول إلى أسباب مشكلة عدم التحديد التمثيلي. وتُجِّسد نماذج استرجاع البيانات واسترجاع الوثيقة نظم المعلومات بدرجتيها الدنيا والقصوى من حيث عدم التحديد التمثيلي على التوالي. ومن هذا المنظور، فإن البيانات والوثيقة كيانان غير متصلين، غير أن كلًا منهما يحتل مواضع مختلفة من حيث عدم التحديد التمثيلي، فهما يقعان في سلسلة مفاهيمية متصلة ذات مستويات مختلفة من حيث الدلالة، والبناء، والقدرة على العمل (Blair, 2006 Oppenheim et al, 2003)، "فمجموعة البيانات تتألف من الوثائق، ومجموعة البيانات هي إحدى أشكال الوثائق" (Furner, 2016). ويمكن وصف النظرية في علم البيانات على الوجه الأمثل، إذا ما تم النظر إليها بوصفها أحد الأنماط الخاصة لنظرية الوثيقة، فتطبيق نظرية الوثيقة العامة على مجالٍ نوعيٍّ محدد مثل البيانات أمرٌ يمكن إدراكه.

4-4-3- بناء على علم البيانات الركين.

يتعيَّن على علم البيانات أن يصب جُل اهتمامه على التفاعل الثقافي؛ حتى يتسنى له التوافق مع نظرية الوثيقة وعلم المعلومات. وقد يبدو هذا كما لو كان مناقضًا للحكمة الراسخة التي تقضي بأن علم البيانات هو علم نظري هندسي التوجه. وعلى كل حال، فالحقيقة هي أن البحث في علم البيانات تمتزج فيه الذاتية بالموضوعية. وتُبين دراسة كارتر وشولر (Carter and Sholler, 2016) أن تحليل البيانات يتسم بالموضوعية طبقًا لوجهة نظر الممارسين لوظائف محللي البيانات، بيد أن عملية تقييم نتائج التحليلات تتصف بالذاتية، ومن ثم فهي تختلف من شخصٍ لآخر دون أدنى شك، ونحن نرى بأن المعرفة البشرية، والتعلم هي عناصر حيوية وضرورية لعلم المعلومات، " ففي سياق دراسات المعلومات، فإن كل ما نعرفه وكذلك الأساليب التي نسلكها في الوصول للمعرفة هو من قبيل الاستفسار الثقافي وحسب" (Buckland, 2012).

وبالإضافة إلى ذلك، يتسم مجال علم البيانات بأنه مجالٌ ثقافيٌّ بامتياز بحكم طبيعته. وبالنسبة لنظرية الوثيقة فهي تتضمن أيضًا جودة الثقافة. والوقائعية Facticity هي وضعٌ ثقافي، حيث تمتلك الوثائق عنصر الإثبات الذي يجب إدراكه من خلال قواعد الثقافة المتعارفة. وعلاوة على ذلك، فإن الوثائق تتوغل في حياة الأفراد، وتشكل المعتقدات، والمجتمع، والثقافة (Buckland, 2016). ونستشهد هنا بما قالته سوزان بريت [2006 / 1951] Suzanne Briet ، إن التوثيق هو "أسلوبٌ ثقافيٌّ جديدٌ، وأما المفتاح الآخر المرتبط بالمفهوم في نظرية الوثيقة وهو المعنى، فيُنظر إليه باعتباره محورًا للإنسانيات (Buckland, 2007). إن التعبير عن المعنى وتفسيره إنما يعتمد على الثقافة؛ فالمعنى هو مطية الثقافة، وهذا هو ما أردنا توضيحه، فنظرية الوثيقة تراعي الاعتبارات الثقافية، فمن شأن دمج نظرية الوثيقة في علم البيانات أن يبرز الطبيعة الثقافية له.

ويمكن لتأسيس الإطار النظري الخاص بعلم البيانات، والمعتمد على الثقافة أن يعمل على تغيير وجهة التخصص نحو المستوى الأعلى. وكما يركز علم المعلومات - باعتباره علمًا ركينًا (حقيقيًّا)- على المعنى، ويبحث ظاهرة المعلومات في سياقٍ ثقافيّ (Buckland, 2017)، يتعين على علم البيانات أن يرسِّخ قواعده في السياق الثقافي، وأن يسعى إلى بلوغ مراتب العلم الركين (الحقيقي) بدلًا من كونه علمًا أوليًّا (غير ناضج). ونحن نقر بطبيعة الحال بالأهمية الكبيرة للأساليب النظرية، والكمية مثل: تعلم الآلة، وعلم الإحصاء، والتنقيب في البيانات، غير أنه ينبغي التأكيد على أن الاعتماد على تلك الأساليب وحدها لن يمكِّن علم البيانات من النمو والارتقاء، والتحول إلى تخصصٍ أساسيٍّ أو عام في منظومة العلم، وما من سبيل لإدراك تلك الغاية سوى بالاعتماد على الثقافة.



استنتاجات ختامية

يعيد الوضع الراهن إلى الأذهان الصورة التي رسمها بروكس (Brooks, 1991) لما كانت عليه البدايات الأولى لتعلم علم المعلومات في كلية لندن الجامعية University College London في عام 1966م، حيث كانت مدرسة المكتبات تتبع كلية الآداب، ولم يكن لها حينئذٍ صوت مسموع في خضم الحوارات متعددة التخصصات لعلوم المعلومات، حيث يذكر بأنه كان من الصعوبة بمكان وضع تصورٍ للطريقة التي يمكن من خلالها تطوير علم معلومات ذا بالٍ في مدرسة مكتبات في تلك الحقبة، ومرَّ نصف قرنٍ من الزمان، وتغيرت الأشياء عما كانت عليه تغيرًا جوهريًا، وتضطلع اليوم مدارس علم المكتبات والمعلومات في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والدول الآسيوية بدورٍ ضروريٍّ ورياديٍّ في بعض الأوقات، لدراسة التخصصات البينية لعلم المعلومات. إن البحث، والتعليم المرتبطين بعلم المعلومات في مدارس علم المكتبات والمعلومات وصلا إلى مرحلةٍ غير مسبوقةٍ من النمو والازدهار، وربما كانت الأفضل عبر تاريخ علم المعلومات الممتد، ولمواجهة التحديات والفرص الخاصة بعلم البيانات، فلا يوجد سبب يدعونا للارتياب فيما يمكن أن يقدمه علم المعلومات من مساهماتٍ متميزةٍ لدعم علم البيانات، ومن ثم الإفادة من التفاعل مع ذلك الشريك الأساسي والقوي لعلم البيانات.



شكر وتقدير

تعتمد هذه الورقة البحثية على العرض الشفهي المعنون بـ: "علم المعلومات إلى علم البيانات"، ضمن ورشة عمل الاتجاهات الحديثة لمدارس علم المعلومات iSchools، في مؤتمر علم المعلومات iConference المنعقد في واهان Wahan، الصين، 2017. وهذه الورقة البحثية هي إحدى إنجازات المشروعات المموَّلة من جامعة تيانجين العادية Tianjin Normal University: "رعاية أفضل المواهب الوطنية"، و"الفريق الإبداعي للشباب الأكاديمي المتميز"، و"التمويل الوطني للعلوم الاجتماعية"، و" آلية مواجهة المعلومات المتاحة على الخط المباشر المعتمدة على علاقات المعلومات الدلالية ". (رقم 18BTQ068).



المراجع

1- موقع مكتبتي للكتب الالكترونية٬ على الرابط : https://maktabeti.com/ ٬ تاريخ التصفح : ٢٣١١٢٠١١
(2) Agarwal, R. and Dhar, V. (2014), “Big data, data science, and analytics: the opportunity and challenge for IS research”, Information Systems Research, Vol. 25 No. 3, pp. 443-448.

(3) Badia, A. (2014), “Data, information, knowledge: an information science analysis”, Journal of Association for Information Science and Technology, Vol. 65 No. 6, pp. 1279-1287.

(4) Bates, M.J. (1999), “The invisible substrate of information science”, Journal of the American Society for Information Science, Vol. 50 No. 12, pp. 1043-1050.

(5) Blair, D. (2006), “The data-document distinction revisited”, ACM SIGMIS Database, Vol. 37 No. 1, pp. 77-96.

(6) Borgman, C. (2012), “The conundrum of sharing research data”, Journal of the American Society for Information Science and Technology, Vol. 63 No. 6, pp. 1059-1078.

(7) Borko, H. (1968), “Information science: what is it?”, American Documentation, Vol. 19 No. 1, pp. 3-5. Briet, S. (1951/2006), What is Documentation?, Scarecrow Press, Lanham, MD.



#محمد_ابراهيم_حسن_الصبحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد ابراهيم حسن الصبحي - توأمة علم البيانات مع علم المعلومات بمدارس علم المكتبات والمعلومات