أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع















المزيد.....

حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6498 - 2020 / 2 / 24 - 21:07
المحور: الادب والفن
    


1
كان غريباً أن يعود حسين ( حمو جمّو ) لأعمال قطع الطريق المشينة، بعدما تبجح أمام شقيقه في آخر مرة التقيا، أنه كان يقاوم الوجود الفرنسيّ في جبل لبنان بتشجيع من الأمير فيصل. ما ذكره كان حقيقة، وقد فعل ذلك على أثر نيله كمية من الذهب من يد شيخ عشيرة في القنيطرة عُدّ كصلة وصل مع الأمير. هذا الأخير، ما عتمَ أن تبرأ قدّام مبعوثي دول الحلفاء من الأعمال العدائية، الموجهة ضد القوات الفرنسية سواءً في الساحل السوريّ أو جبل لبنان. كان يأمل، في مقابل ذلك، أن يتم الاعتراف به كملك عقبَ انتهاء أعمال المؤتمر الوطني العام في صيف هذا العام 1919.
في النتيجة، انسحبت عصابة حمو جمّو من جبل لبنان ورجعت إلى بر الشام للاستئناف عمليات السلب والسطو. عندئذٍ ردت السلطات بإعادة اعتبار زعيم العصابة أخطر مطلوبٍ، موعزة لقوات الدرك بملاحقته للقبض عليه أو قتله. في حقيقة الحال، أنّ مبتدأ نشاط حمو جمّو خارج نطاق قطع الطريق، جرى في أعقاب اعتقاله لأول مرة وذلك في السنة الأولى للحرب: لقاء إطلاق سراحه، طُلبَ منه مضايقة النصارى بدعوى أنهم طابور خامس لدول الكفار. وقد دلل على أنه جديرٌ بالمهمة الملقاة على عاتقه، لدرجة طرح اسمه بعيد هزيمة الأتراك على طاولة تلك الدول ـ كبرهانٍ على ضرورة تواجد قواتها في سورية بشكل دائم، لحماية الأقليات الدينية من الاضطهاد.

***
بمجرد أن سمعت " ديا حسين " خبرَ اعتقال ابنها من جانب الحاكم العسكري، هبّت من فورها وما لبثت أن غادرت المنزل إلى الجادة، وهيَ تطلق صرخة النجدة بلغة قومها: " هاوار..! ". بعد نحو ساعة، احتشد جمعٌ من النسوة حول الأم الملولة وكان الوقت أضحى عند الظهيرة مع شمسٍ خريفية تشع بالدفء. إحدى النسوة، وستُدعى " طبّاشة " من لدُن الجيل التالي، كانت تضربَ إيقاعاً ثابتاً على طبل كبير مما يخصص للأعراس. في ذلك اليوم، كان الحاج صالح في ضيافة أحد أعيان الصالحية بهدف طمأنته عن سير المناوبات الليلية في البساتين غبَّ ازدياد حوادث السلب والسرقة مع نشوب الحرب. هكذا سارت المظاهرة النسائية باتجاه مركز المدينة، دونما أن يكون في وسع أحد وقفها.
الحاكم العسكريّ، جمال باشا ( سيُمنح لاحقاً لقبَ ‘ السفّاح ‘ من قبل السوريين )، سمعَ وهوَ في مكتبه بأمر الحشد النسائيّ المتجمع أمام بوابة السرايا وأن على رأسه والدة قاطع طريق، أعتقل لكونه أخطر مطلوب للعدالة. فكّر قليلاً، ثم نهضَ إلى ناحية النافذة، وكانت تطل على الفناء الداخلي للسرايا. عاد والتفت إلى ناحية الضابط المكلف بالحراسة، ليطلب منه إحضار تلك المرأة. كان الحاكم قد أحيط من قبل بمعلومات عن قاطع الطريق المعتقل، وأن أمه لديها كلب أسمته " جمال باشا ". دمدمَ عندئذٍ من بين شفتيه تهديداً، وكأنما المرأة المشنعة شخصه تقف أمامه. لكنها لم تتأخر في المثول بين يديه، وكانت مكشوفة الوجه على عادة نساء الكرد.
" هل تعرفين، يا امرأة، من يقف أمامك؟ "، قال لها بالعثمانية عبرَ مترجم يخدم كحاجب في المبنى. ثم أردفَ، يكز على أسنانه: " أنا جمال باشا، الحاكم العسكري لسورية والذي بلغ بك الجرأة أن تطلقي اسمه على كلبك "
" حاشا أن يكون الأمر مثلما تصورتَ، يا جناب الباشا. بل إنني من شدة إعجابي بشخصك، أعطيتُ اسمك لكلبي الوفي! "، قالت الأمُ بنبرة قوية وكانت محتفظة برباطة جأشها. رفع الباشا حاجبيه، مستغرباً من صراحتها المماثلة للقحّة. لكن المرأة استدركت في الحال، موضّحةً: " كلبي شعره أحمر، وقد علمتُ من جار شاهدك عن قرب أن شعرك بنفس اللون "
" مفهوم، مفهوم.. "، قاطعها الباشا وكان مزاجه قد تغيّر وربما راقه تبريرها. ثم سألها عن سبب خرقها لقانون الطوارئ، الذي يمنع أي شكل من التجمع بله التظاهر. أجابت بصوت مرتجف: " ضع نفسك في مكاني، يا باشا؛ لو لم يكن لك في العالم سوى ابنان، أحدهما مقبوض عليه والآخر مختفٍ في الجبل لأنه مطلوبٌ "
" لو كنتُ في محلك، كما شئتِ، لانتظرتُ حكم العدالة بالمقبوض عليه ولنصحت الآخرَ بتسليم نفسه "
" لقد ربيتُ كلاهما ليسَ فقط على احترام العدالة، بل وأيضاً على نصرة بني عثمان على الكفار. وابني المقبوض عليه لديك، في وسعك سؤاله عن ذلك وسيجيبك بنفسه "، قالتها بثقة. حدق فيها ملياً، وكان يفكّر بم سيجيبها. قال لها أخيراً: " سأطلق سراحه لخاطر صراحتك، ولكنني في مرة أخرى لن أكون رحيماً به ". أرادت أن تشكره، لولا أن جرس الهاتف لعلع في ذات اللحظة. بينما تناول الباشا السماعة بيد، أشار للمترجم بيده الأخرى أن يخرج من الحجرة مع المرأة.

2
فور نيله العفو من الحاكم العسكريّ، بفضل كلب والدته " جمال باشا "، انطلق حمو جمّو مرة أخرى إلى بر الشام بغيَة مواصلة أعمال قطع الطريق. لكنه اختص هذه المرة بقرى القلمون المسيحية، وذلك عملاً باتفاق مع ذلك الحاكم في مقابل غض الطرف عن نشاطاته المخالفة للقانون. لم تكن المجاعة العامة قد دهمت بعدُ البلدَ، بل وبدا الريفُ كأنه لا علاقة له بأمور الحرب وأنها من اختصاص العاصمة الإدارية، حَسْب. هذا مع أن أفراد الجندرمة أحاطوا بالقرى المسيحية، وقد شُحنوا بمعلومة مصدرها الحاكم العسكريّ نفسه، تفيد أن أولئك السكان ولاؤهم غيرُ مضمونٍ ومن الممكن أن يشكلوا جبهة خلفية لدول الحلفاء من خلال تخريب خطوط سكك الحديد وإشعال النار بمخازن الغلال وغير ذلك من الأعمال المعادية.
في العام الأول من الحرب، ما كان لقاطع الطريق أيّ علاقة نسائية وانحصر اهتمامه بتقوية العصابة ورفدها برجال من الحارة يثق بهم. " ابن بوغا "، كان من أقارب الحاج حسن، الذين يقيمون في حارة الوانلية، تورط فيما مضى بحادثة ثأر؛ ومنذ ذلك الوقت ينشط في عصابة حمو جمّو حتى أصبح ساعده الأيمن. هوَ ذا في منتصف صيف العام الأول من الحرب، يعتلي صخرة مشرفة على بريّة صيدنايا، المعدة من أكثر الأماكن قدسية لدى النصارى لاحتضانها الدير الكبير. قال لزعيمه، مشيراً إلى المساحات ذات اللون الأصفر: " تمت أعمال حصاد الحبوب، ويبدو الموسم ممتازاً هذا العام. ولو أن حصاد العنب سيتأخر، وبالتالي، لن نحظى بالنبيذ قبل حلول الخريف "
" نحصّل أولاً الجزية من أولئك الكفار، وفيما بعد نسكر بنبيذهم اللعين! "، علّقَ أحد أفراد العصابة وكان الأصغر سناً. رفعَ الزعيمُ نفسه إلى قمة الصخرة، ثم استقام على قدميه وألقى بدَوره نظرة على المساكب، الأشبه برأس صبيّ أشقر تم حلق شعره ناعماً: " إنهم يدفعون جزءاً من المحصول للكنيسة، ونحن نستولي عليه أخيراً. لكن البطرك، مع ذلك، لن يفلت من يدي هذه المرة. إنه يخامر مع خصوم الدولة، الذين يقتلون أولادنا على الجبهات في كردستان "
" كيف ذلك، يا آغا، وهوَ لا يغادر الدير؟ "، استفهم ذلك المسلح الفتى. التفت إليه الزعيم، رامقاً إياه بنظرة عالم أمام غلام غر، ثم عاد بنظره إلى السهل دونَ أن يعطي جواباً. تكفل عندئذٍ الجوابَ، ابنُ بوغا: " يا غشيم، اليوم في وسع المرء التكلم مع أي مكان في العالم بفضل الهاتف، عدا عن خدمة الرسائل والبرقيات ". ثم استدرك، ضاحكاً: " غير أنني أشك بفهمك ما تعنيه تلك الاختراعات، أنتَ مَن خرجت من الحي لأول مرة قبل عام واحد بفضل عصابتنا "
" حسناً، يا عم، أنت عليمٌ بكل الأمور لكن سوء حظك جعلك عضواً في عصابة لا معلم مدرسة "
" ماذا يقول هذا الغر؟ "، تساءل مساعدُ الزعيم مطلقاً من جديد ضحكته. هنا تدخل حمو جمّو، موجهاً كلامه لهذا الأخير: " دعونا من اللغو، ولنفكّر بخطة مجدية تمكننا من دخول الدير "
" لا حاجة لنا لخطة، يا آغا. يكفي أن يسمعوا اسمك حتى يفتحوا الأبواب، هم من يعتقدون بأن الشيطان نسج جلدك من الحديد بحيث لا تخترقه طلقات الرصاص ولا شظايا القنابل "
" عُدنا للغو، ياو! "، نفخَ الزعيمُ كلمته بنفاد صبر. عند ذلك اقتربَ أكبر أعضاء العصابة بالعُمر، وكانوا يدعونه " شيرو " بالنظر لهيئته الشبيهة بالأسد؛ شعر كث ومشعث، مصبوغ بحناء حمراء، وأذنان طويلتان مترهلتان. قال أن لديه خطة، يأمل أن تكون ناجحة.

***
عربة مشدودة بفرس أبيض، وكان يقودها شيخٌ عليه أسمال فلاحين فقراء، كانت متجهة إلى الدير محملة بأكياس من الغلال، المحصودة منذ أمد قصير. اعترضها أفراد العصابة، ثم طلبوا من السائق الذهاب إلى منزله وألا يفتح فمه بكلمة وإلا سيفقد حياته مع أفراد أسرته. تولى زمام العربة المدعو شيرو، صاحب الخطة، بينما أخفى اثنان من العصابة نفسيهما بين الأكياس. هكذا سارت العربة وهيَ تتمايل على الأرض الوعرة، وصولاً إلى باب الدير الرئيس، الذي يُصعد إليه عبرَ سلالم حجرية أنيقة. ما أن حرك السائق جرساً عدة مرات ( بحسب ما علمه من ذلك العجوز )، إلا والباب يفتح ليخرج منه عدة شبان وما لبثوا أن دلفوا من خلال الدرج كي يساعدوا في حمل جوالات الحبوب.
" أدوا التحية للآغا حمو جمّو، المصنوع جلده من الحديد..! "، صاح بهم المسلح الأصغر سناً وهوَ يصوب فوهة البندقية نحوهم. أقرب الشبان إلى العربة، وكان بديناً، وقفَ فاغرَ الفم وقد شحبَ وجهه بشدة. هنا لوح شيرو السوط في الهواء قبل أن ينزله على كتف الشاب، صائحاً: " هيه، أيها البغل الكافر، هل أصبتَ بالصمم؟ ". لكن قبل أن يأتي المخاطَبُ المسكينُ بأي حركة أو نأمة، كان المسلحان المختبئان في العربة قد ارتقيا الدرج بسرعة، ليضمنا السيطرة على بوابة الدير.

* مستهل الفصل التاسع/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 1
- مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن/ 2
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن
- عصير الحصرم 77
- المنزل المنحوس
- حديث عن عائشة: الفصل السابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 4
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الرابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع