أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - اشتقاقات الغياب - قراءة شعرية في نصوص محدثة















المزيد.....



اشتقاقات الغياب - قراءة شعرية في نصوص محدثة


هاشم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 6497 - 2020 / 2 / 23 - 16:07
المحور: الادب والفن
    


لعل واحد من الأسرار الآسرة لديمومة القول حتى يصبح شعراً هو عطفه على بعد يحفر جدله في مساحة غير معّرفة، كما هي ليست واقعية، حتى وإن كانت اسقاطاته مشبعة زمنيا ومكانيا. وعند هذا الحد يكون الحال كمقولة ثنائية، واقعة وغائبة، اشبه بالحفر بإزميل فتكون جودة الملمح الشعري كما تمثال او نصب، حتى وان كان مجرداً، فأن ملامحه الواقعية تشي بإمكانية الشاعر على حسن صنعته. اما شاعريته فهو أمر مختلف محكوم بتطرف الانسجام بين ذات الشاعر وبيانه. وعليه نجد في المضامين السياقية الشعرية القديمة والمحدثة نوعا من التشابه والإسقاط وحتى التناص ذلك بسبب درجة الاحتباس الإنساني الداخلي لدى الشاعر/الصانع. اما حسن الإصغاء لصوت الشاعر نفسه بنفسه يشمر tabs الحالة المنتخبة شعريا الى الحافة، والحافة هنا كما في كل الفنون الإبداعية، يعتريها التوجس والانقباض، حتى يتم تجاوز حالة الخوف التي تشبه الهلع احياناً. لنأخذ مثالاً: إنك تريد ان تقدم مساهمة انسانية بارعة لكن عقلك يبقى عاطلا على الاتيان بكلمة واحدة، وتبقى صفحتك بيضاء امام الحاسوب او تحت قلمك وورقتك المنتخبة للأشياء الجميلة. مثال بسيط كل معني بالكتابة يواجهه. فما العلة بذلك؟

في اطلاتي على باب "اشتغالات" العدد التامرائي المزدوج (السابع والثامن)، وهي مجلة ثقافية دورية يصدرها اتحاد الأدباء والكتاب في ديالى، الحّت عليّ هذه الفكرة كمدخل لتسجل التالي كقراءة في الأشعار. ولكي اكون اكثر قربا من القارئ جعلت اتتبع مساراتها برغم تنوعها لكي اتوصل الى نسق ضمني، هو كيف تعامل شعراء المجلة مع فكرة "الغياب"!. ثم لماذا الغياب على وجه التحديد؟ هذا ما اجهله لحد اللحظة، لكنني وجدته في المنتج الشعري للقصائد. وبهذا الكشف الأولي اكون نفسي قد تجاوزت الحد من مخاوفي بإنصاف النصوص، كل على حدة، كنص متماسك، وهي بنية بنائية تفكيكية اود دعوة قارئي لمرافقتي فيها، وليس حكما على ما أقول.

تتجلى فكرة الغياب في مضامين شتى فيمكنك اشتقاق المفهوم والتوسع فيه لما اراد خيالك وقدرتك وحتى تغريبك له والعودة له متى ما شئت، هذا ان امسكت بخيط القصيد الذهبي، فلا تحزن ان فلت منك تعبيرا او اشتقاقا تعتز به وتريد تضمينه. ذلك ان توالدية المعنى تتيسر مع التلقائية ونظام القول (اللاوعي) على وفق الرمز الحرفي وما تيسره الحالة كسيميائية لانتاج المضامين الجديدة فلا تخيفك التعقيدات المنهجية والسلوكية البنائية، وبذلك تكون قد تخطيت الحاجز الأساس لما هو ابداعي وملهم.
هذا المدخل النظري المعشق يسدي لنا، مع القارئ، امكانية التأمل بالحالة الشاعرية للشاعر بحرية، فهنا، كما أشرنا ان الشاعر أطلق ذاته لطاقة البوح، لا يهم ان كان تجربة خاصة او متبصرة او حتى متخيلة، فالبناء الواقعي للقصيدة له مصدر واحد هو الاستئناس بالعقل وليس تشغيله معرفياً في حال الكتابة. فإنك لا تستطيع اجتراح ابداع مع التفكير الملزم، انما مع فيض الاشتغالات اللاواعية يكون الازدهار واقعا. قبل ان انتهي من هذا المدخل، اشير الى فكرة رفاهية التفكير، وهي واحدة من عناصر الشد والجذب وما بعدها العطاء المرجو، الذي بموجبه لا يكون المبدع راضيا عن منتجه مهما كان جودة صنيعه.
حسنا لنسقط ما تقدم على قراءتنا لمنجز الشعراء المساهمين في هذا العدد (البعقوبي) المزدوج تحت باب “اشتغالات” وهو اسم ملفت تعدت صورته وصوته الى ابعد من المساهمة، يشعرنا بالطمأنينة كقارئين بأننا سننظر الى كيان مشتغل في مشغل ذهني وكأنه يدعو الشعراء وغيرهم الى وضع مساهماتهم بحرية، فالكثير منا يرتاب من كلمة شعر او شاعرية كمساهمة معقودة على ذوي الصنعة، لكن حماس القائمين على المجلة الأثيرة وضعوا اسم الباب "اشتغالات" لدراية منهم ان الكثير من المساهمات المشاكسة تأتي كذلك من غير ذوي الإختصاص، لكنهم متلبسون ومهمومون الى حد بعيد بالصوت الشعري وبالمغامرة الكلامية في خلق التعابير الملآئمة لانتاج قصيدة او مادة مهمة تكون كما اسلفنا على نحو تقديم مساهمة انسانية باهرة.

1
في نصي "مفازة السعادات"، "وقبعة الأمل" لطالب عبد العزيز تصدى الشاعر للفكرة بالعتب معاندا المصير الانساني بالهلاك مخاطبا «لماذا اخذتهم الى هناك" وهو حال مبهم يفسر وجوده تاليه «لقد أنبتوا الدفلى كثيفة في مفازة السعادات» بتغريب واضح بين صورة الورد وطعمه المر، وهذه مغامرة ابداعية بحد ذاتها قد تكون فاشلة ان لم ينتبه لها الشاعر، حتى جاء اسقاطه بتساؤله «ولمَ لم يكن الوقت كافيا للموت؟» وهذا القول كذلك يبقى صامتا من دوت تدعيم. على ما يبدو ان الشاعر كان صبورا على نصه فأحسن ذلك، لينهي مقطعه الأول في تفسيره لمتاهته الشاعرية بقوله «لا أجد في الأفق أشرعة متعجلة بهم». هذه الكثافة بمحمولاتها الفنية النقية المعبرة عن حالة لوجان روح الشاعر كما الغائبين تذكرنا بعيون القصائد الكبيرة الصادمة التي لا تقبل الاستزادة ولو بالقدر اليسير، عندها يكون البناء الدرامي مكتمل الأوجه. فهو امام حالة هذيانية قسرية قوامها الغياب حتى ينتشله من واقعه في مقطع القصيدة التالي، وهذا في صالح الشاعر كذلك، اصطبر عليه ليستجمع قواه غضباً وعناداً لمشيئة القدر الغيبي لما سماه الشاعر واستبدله بـ (الغياب) بقوله «أنحني لما أسميه انتظارك»، وهذا النوع من المشاكسة هو في الواقع مصمم على وفق الشعور بالدفء والحرارة، بمعنى عناد الشاعر ان لا يرتضي القدر المحتوم مهما كان صارخا حتى ينهي مقطعه بـ «...عن ما ظلّ من جذاذاتها أملاً وقبعات»، فيمكن قراءتها بزوايا مختلفة منفرجة وحادة، منتظرة وغائبة، مرتقبة وذات مصدات ذاتية صرفة، حتى لا يمكن تفسيرها ظاهرياً، وهو الأمر الذي يضعف الشعر بميله للمعلن عن الصامت الكثيف لكنه في المتناول الملموس بالنسبة للقارئ.
وعليه عمد الشاعر على تغليب الجانب الحسي الشعوري لمكان الغياب، ذلك أن توصيف المكان هو اثبات حالة الموت، وهذا خلاف مقصده الشاعري وما اراده، ومن جانب آخر اراد ان يكون واقعياً امانة لفعل (الغياب) فأطلق عقله الباطن ليسجل ما هو اعلى بكثير من واقعة الحياة والموت فأسدى تلك الروح اللائبة بالبحث عن الحبيب، اي كان، فسجل الشاعر اختراقه لهذا الحاجز، فكان شعره في المقطعين او القصيدتين لحظتان ذهبتا الى ما بعد الغياب ذاته.

2
المقاطع الشعرية الرقيقة، لـ دنيا ميخائيل "ألواح" اقول عنها رقيقة ليس لأنها لفتاة أو امرأة، ولكن في رقة الشعر تكمن تلك المفاصل الضالعة بالأسر والسحر ذات الشحنة الجريئة والجسورة لمحتوى القول الشعري. تواجهنا الشاعرة بكثافة انسانية باهرة الاختزال، متنقلة وحاملة لما قبله، وكأن النص الشعري غير عابئ بفواصل الترقيم، شخصيا لا اراه ضروريا، فقرأته كنسيج واحد. حقيقة هذه المقاطع عصية على الكتابة مثلما هي عصية على ذهابها من دون ترك بصمة ساحرة. وطالما عكفنا على متابعة مدلولات الغياب واشتقاقاتها الشاعرية كبُنى اختراقية، فأننا نرى في كل مقطع منها تسجيل دلالي محدث للفكرة ذاتها بداً من «سقوط الضوء» ومتون النص الرحبة الأخرى حتى اطلالة الرحيل بقولها «ما لون رحيلك».

من الملفت ان دنيا ميخائيل تمتلك سلطة ابهار بصياغة الفكرة، او بالأحرى ترجمتها على نحو دلالي يعقد صلته بتصميم (model) داخلي مركز، على نحو وحدات، على الأغلب هي توائُم بين وجدانية لاهبة وصوت دافئ وبين انقباض لابد ان يخرج بقوة. دعنا نتابع بعضا منها.
تقول الشاعرة «عندنا دقيقة واحدة.. وانا احبك». هنا لحظة الانتظار التي ستفجر الغياب مع "التصميم" (الحب)، الذي يندفع في قول شعري نابض. وفي مقطع آخر: «أينسى البحرُ أمواجه.. مثلما نستنا الكهوف»، «الكثير منهم ماتوا تحت نجوم لا تعرف أسماءهم»، هذا "التصميم" الشعري اتى على نحو مفارقة فادحة الثمن وشاقة كتعبير عن الفراق والغياب، حتى عدم القبول الأخير بالغياب الدائم. وكتدعيم على قولنا نلاحظ هذه الاستبانة في القول الشعري «تتغير الفصول. وتأتي بألوان أخرى. وانت تأتي وترحل، ما لون رحيلك؟
فأشدد على القول بأن الغياب لدى دنيا هو حضور بمعنى من معانيه التي تستطيع اخراجها وتتمكن من مخاطبتها وحتى الإستئناس معها، فهل يمكننا القول يا ترى ان وجدانيتها بلغت حد التطرف بالحب والاشتغال على اعادة التشكيل الرمزي المعشّق بغرابة الولادة برغم الغياب؟ اظن ذلك.

3
في نص حكمت الحاج "سيلفي لفتاة جميلة يظهر فيه وجه شاعر هرم" يبدو جلياً اسقاط العنوان على المتن، بما في ذلك التورية المنتخبة للشاعر بصورة من يحب بغياب الأزمنة وبتوظيف محدث لمفردة (اللوفياثان) المعقدة والمعبرة عن ازمة جديدة في زمن جديد، كنظرة فلسفية. يرقى هذا النص الذي كتبه الشاعر بنفس كلاسيكي الى مستوى حداثي مركب من حيث التفصيل، بحيث نشهد فيه اثرا واضحا لملحمية مختزلة. وسيظهر العتاب فيه على نحو واضح في النسيج الشعري الذي ينم عن معرفة تاريخية للحد الذي تشتبك فيه بعض التعابير والاستعارات بتصرف ملفت «الا هبي بصحنك ولا تأتي لتصبحينا...»، وكأن المرتجى امرٌ معروف مسبقا محتفى بالفشل، وان الغياب هو روح الواقعة حتى قبل ان تحصل «لم نكن مغرمين، بأي كتاب، سوى كتاب الوهم وانعدام اليقين». ومع هذه اللوعة يتم عدد من التنويعات الخادمة للنص تظهر تباعا كـ«الخراب» و«سنابك الفاتحين» حتى رثاءه الواضح قوله «بلاد ما بين النهرين التقيتها.. وكانت امرأة الحكايا ومساء الليل...»، وكأن السيرة الألف ليلية هي قدر الغياب فتكون مفتاح الشاعر على خزينه المعرفي التاريخي ليحولها كشهادة شعر شفيفة مطعونة بقلق الأزمنة المتعاقبة، حتى يحاصره الاشتياق فيتجاوز عقدة الشعر الى الافصاح «هو ذا يأتي مع السحاب، فوق بغداد العواصم والبحار...». لينهي الشاعر نصه بكتلة صامتة صادمة من المحبة والشقاء معاتبا «كيف ينمحي هذا بطرفة عين.. تحت شفرة الكره والبغضاء. واسمعي من تكونين...» موجة، بسمة، ضباب. و«يفوز بقلبك الآثم فلا يغلبه الموت...».
من الملاحظ في جهد الشاعر عدد من الانقباضات والتوترات احيلها الى كثافة النص الشعري، وعلى ما يبدو انها طريقة الشاعر باشتغاله، غير انه لا يمتثل لها، فيختار صوره بعناية ومتحررا من بنية الزامية في القول الشعري. وهذا في حساب الشاعر ومهنيته وتجربته.

4
“اطاردني باتجاهك في الغبار" لـ فهمي الصالح، نواجه نصاً مركباً ينقسم الى مستويين متعامدين، قل متقابلين، الأول لغياب المقاتل والثاني لغياب المُحب، وما بينهما الروح الضالعة بالأسر؛ أسر الحرب، «واخطو على الدمارات باحتلام تعاويذ تبرق من بين اصابع الناي»، وأسر الحبيب «أشباحا وضفائر تتجسد بتلافيف امرأة خمرية كدمية ملتهبة»، في وقت نجهل فيه الاثنين فهما غائبان في البنية الشعرية، في سياقية متزامنة ومدمجة، واضحة ومتخفية، موصولة وطافرة. هذه التقنية الشعرية اضفت على النص جمالية ساطعة كسرت الرتابة، فهي متداخلة في معاني القصيدة، وفي الأغلب غير متوقعة، للحد التي تمسك بجلباب القارئ لإعادة فقرة سبقتها. فما الذي اسداه الشاعر لفكرة الغياب في نصه على وفق تقنيته يا ترى؟
يمكنني ان اقول الكثير عن هذه القصيدة، لكنني اشطح الى فكرة التأمل الزمني لحادثين او مقامين، وكلاهما ينتهي الى مصاب مجحف غير منصف، بحيث تتداخل الشظايا غير المرئية في جسد الزمنين فيصابا بالضمور والنحافة تدريجياً، مما جعل الحالة القصدية متنامية سلبياً، بمعنى التلاشي التدريجي وكأنها تنحر ذاتها بذاتها، «فلا تكتئبي على طول فراق شرس يلتهم الأظافر بيننا»، في وقت نشهد للشاعر شدة نحيبه على ما لا تسعفه أصابعه بالإبقاء على ما يتسرب من بينها تباعا، فيكون شاهدا على الضياع الابدي، وهو الغياب في الحالة الأولى من دون طلقة، وفي الثانية من دون همس، فيعاود نص الشاعر مصيره بالبحث مجددا.

5
في النص الشعري الهادئ "وصايا العاشقين" لـ منتهى عمران، نلاحظ فيه استخدام الحواس كمجسات لإيصال فكرة الغياب في القصيدة. واذ تعتمد الشاعرة على تشغيل منابت انسانية اصيلة لا يمكن تجاهلها في حال العاطفة، فأنها تترك لها مساحة التعبير لتأخذ الحيّز الشعري بأكمله. بطبيعة الحال هذا الاشتغال الحسي لا يمكن له النهوض بمكنونات النص من دون العناية بجمالية التعبير وزهوه بنفسه وكأنه يؤشر لذاته بذاته. ففي قصائد من هذا النوع تكون البصمة الشاعرية الحسية مذابة في نسيج القول، كما عند جبران مثلاً.
لنلاحظ تنقلات القصيدة التي بدأتها منتهى بما أسمتها «المدن الباردة» بإشارة للغربة او السفر او حتى الاغتراب فاستعانت بصوت النقود لتصل الى الصوت «الرنين» وهو سمعي، وبنبضات القلب للحس المكرر الملازم، واستخدمت صورة الزهرة لتصل لرائحة الأنثى المبهجة للمسافر الذي يشتد حصريا مع كثافة الأمكنة الجديدة، ولنطق الأسماء جاء تعبير الشفاه يحمل دلالتين: لذة القول، والحب الذي هو الهمس والتشكيل، حتى تنتهي للعين/الصورة الملازمة قبل الدلالة الباهرة للنص بقولها «ألم أقل لك لا يلائم العاشقين.. السفر». يبقى ان اقول ان كثافة الصورة لدى منتهى عمران هو مصمت معبّر عن الغياب الذي يتلبس المسافر بسبب حدس المراقب الحسي لصوت الشاعر.

6

في معارضته المحدثة لقصيدة "مالك بن الريب" بإشارة ضمنية معلنة، ينحى الشاعر عبد المنعم الملطاشي في قصيدته "حوار مع مالك بن الريب" الى ما يشبه المساومة على مصدرية واقعة الموت، وهو غياب واقعي وليس متصور على أثر المرثية الذاتية الشهيرة لمالك بن الريب. ساعد ذلك الملطاشي على ترك مساحة مناسبة لاشتقاق معاني الألم والتعبير عنها بحرية ان لم تكن كبيرة ورحبة . وعليه فأن جملة من الاحتباسات الشاعرية جاءت مبثوثة على نحو ما يشبه النجيل وهو يغطي بتواتر مثير مساحة هضبية تتشابه مع المساحة التي اكتنفت حالة الموت السابقة لابن الريب، بداً بالعتب الذي بدأه «على اي جرح تسكب الماء يا صبح...» حتى الشموخ المتفرد للواقعة بقوله «وقمة موتٍ لا يجاورها سفح...» مع استمرار الشاعر برفد النص بالضمانات، وجميعها من بيئة العتب، ليواجه بعدها نص الشاعر ابن الريب ذاته الذاهب طوعا لمواجهة الموت موقنا بمصيره. اما كشف الشاعر فأنه انطوى على نظرة تحدي مصحوبة بإصرار النص على نحو مستدام وكأنه، بل هو كذلك، يغذي نفسه بنفسه، وهذا هو نجاح الشاعر بالإمساك بجوهرة منتخبة ازدهر بها النص في جميع مستوياته. ومن المهم ان نذكر ان تقنية القصيدة بالرغم من حداثتها فأنها تنتمي، كمجاراة، الى روحية البناء العمودي، وهذا أمر يصعب تجاوز الإخلال به من حيث البنى الشاعرية، إن لم يكن الشاعر متمكناً من نصه ونظام خلقه وابداعه، فأسدى ذلك جمالية تفردت بها القصيدة برغم قتامة جوها التي استبدلت بالهيبة والوقار.

7
"مدن ومدن" قصيدة مشتَغلة على وقع التنوع الانزياحي لما توفره المدينة ليس كحاضرة جغرافية، انما بما انتهت اليه الوقائع. ومع هذه الفرضية واصل حازم رشك التميمي ذات النفس التي فرض قُصرهُ لوعة المدينة وكأنها في رمقها الأخير، فبدت مجهدة ومتعبة لا تحمل غير مآلها وشدة انقضاض صروف الدهر عليها. ارى أن جانب الإقحام السجعي لنهايات المقاطع أضعف بناءها العمودي، بمعنى ارتفاعها، اضافة لتقنين جماليتها. الى غير ذلك حفرت المقاطع المنتخبة بأصوات المدينة مصائر ونهايات يذكرنا الشاعر بقتامتها فلا ناسف على غيابها مع علتها وموتها السريري. اتقن الشاعر صناعته الشعرية وعشّقها بقوة القول مع ضمان عدم انفلات الأمثلة الى ما هو أكثر من الانتخاب كحالة شاعرية «تسبق الكلام والصورة» حسب الناقدة حمدة خميس، بحيث تواجهنا عروضا شعرية لآخرين بقصائد دورانية تكاد تكون غير منتهية، وهو أمر يرهق القصيدة ككائن يتوجب العناية به، بمعنى الاستعراض التركيبي غير المبرر، فيؤدي بالقارئ الى تقليب النص من دون متابعته كفكرة وجودية محددة. أستطيع القول ان التميمي استطاع الإمساك بفكرة الغياب كضامنة تشبه المطرقة لا تخشى انسيابية النص تحت ضرباتها بسبب تَشْييِء مخرجاتها الى نسبها المتوازنة وعلاماتها الواضحة.

8
يوسع الشاعر رعد زامل في نصه "تعثرت بالجثث" المكمن/الجوهر فيلحقه بالأبدية الكونية كتعبير عن استدامة فاعلة لأثر الغياب، فيبدأ قصيدته بـانفعال «لم يتداركني الغيم بالمطر.. غداة نطفة على الرمال..». ويتجه بذات الأزر والمضاء، وهو حق الشاعر، في رسم المشاهد من دون توانٍ بعد ان ادرك حجم الخراب المتروك على ذاتٍ سلبت ما كان ينبغي أن يكون لها وما يفترض أن يكون بحوزتها من مفاتن ومباهج فكشفت استلابها مقاطع القصيدة تباعاً. ومع التصاعد الدرامي الرامي لتوفير فرصة مناسبة لفهم هذا الاشتباك، اجاز لنصه ان يلقي احماله وشذوره كعصيات تئد ما كان ينبغي ان يكون عكسه كازدهار.
هذا النوع من القول اسميه بـ الجارف لسبب شدة طفوحه كمصدرية للألم، لذاتٍ لا تملك اشد أدواة الكفاح والمساعدة بساطةً، الأمر الذي وضع القارئ في حقل الشاعر ذاته: «ملوثا بغبار الخلق» ثم «بالكثير من الجثث». وهذا مرافقة جزائية للوجود، فيأتي النص مصحوبا بآلام وجودية صارخة، غير مهتم حتى بشكل الولادة الجديد بعد سلسلة الأقدار التي اذابت فرصة اي أمل يعقد، او حتى على أي تقدير، أن يعقد صلة مراضاة لتباشير سراب خادع. انه نص ملتهب ومطعون باللهاث والكثافة، نلاحظ فيه، على نحو واضح، قصر نفس الشاعر بسبب احتشاد الماضي ليدلق جحيم دواخله من دون مقدمات. اعتقد ان هذا النموذج الشعري ارتقى الى حسية صادمة احسن الزامل استخدامها فلم تترهل قصيدته لأبعد مما هو ضروري، ذلك ان الغياب اضحى اشتراطا حتى آخر القول «...أولد حتما.. أولد وفي عيني حمامة مذبوحة.

9
مفردات يومية (شاي، نرجيلة، شيخ...) اختارها عبد الله الشوربجي كبداية لقصيدته "أبو تمام لا يشرب القهوة" ليكون اغترابه مركّباً وعسيراً بسبب قوة التعشيق بين ماضوي سحيق، وحاضر لا يليق، بل نقرأ انقطاعات نكملها بأسمائها كمفردات لها دلالاتها التاريخية، تحمل استعادات آنية لم يفصح عنها الشاعر صراحة لكنها واقعة وشاخصة. في هذه الحوارية المخففة، يتصارع اثنان على ريادتها الأول: بصفة قوله «لا تسطيع معي صبرا» وهي بنية توارثية أصيلة، والثاني: «يا شيخ حلمك..»، وهو تعبير متوازي، وما بينهما من استنجادات معرفية شاغلت التوسع الى الانقباض والاكتفاء بالإشارة من خلال بعض الرموز التاريخية، كذلك كأبي تمام وموسى والخضر. هذا النص القصير المكثف، يسدي كما سابقه درجة من الانقباض المتأصل لكنه مكتفٍ بالإشارة "الصوفية" الخفية للـ(الشيخ) وقرينه: «وهل في قلبهم مني»؟ حتى ينتهي للضياع الذي دخل الزمنين بضربة واحدة «فابن العلقمي هنا، والموصلي غريب العود واللحن». فلا نخفي اعجابنا بنظام القصيدة بلهاثها ومرارتها وعمق معانيها ثم تساؤلاتها بين مقاطعها القليلة كاشتقاق لغياب حاصل.

10
"الموت في المدن الغريبة" اشتغال لـ هيثم كامل الزبيدي، يدخل معه الشاعر كمنتصر سلبي لواقعة الموت «سنموت في المدن الغريبة هادئين»، بمهجرية طافحة ومركبة لحملها عدد من المتناقضات التي ما كان لها ان تكون كذلك فاستسلمت الى المفارقة بسبب وقوع نسيج القصيدة بين بابي الغياب والعتب من جهة، وبين الدهشة من جهة أخرى، «...والبحر الذي جئنا ليغسلنا من الخجل..» و«...خيبة بجباهنا في كل صبح كلما ابتسمت الينا العابرات». حاول الشاعر ان يختصر مقاطعه الشعرية فيسقطها على تجربة ما قوامها خمسون عاماً، كانت كافية كشواهد فضية مضيئة برغم قتامتها، فتأتي الأسئلة واضحة وقابلة للاستزادة والتمدد. وهب الشاعر مقاطعه حسية واقعية لا تقبل الشك، خرجت من تلك العقود التي استهدفتها المعايشة لتنتهي الى الترويض المخيف ومواجهة الموت ببسالة «مر هو الموت الأليف.. سمج بلا طعم هو الموت العنيف »، في وقت يتشابك فيه الرضا بين المقدر «ويقنعون بما أتاهم شاكرين» وهو عتب واضح، وبين فروض «مت بالرصاص» وهو كناية لعكسه، بمعنى عدم القبول، حتى مقطع القصيدة الأثير والصادم «واليوم جئنا كي نموت كميتة النبلاء لا دمع ولا نوح ولا حتى ارتجاف». وبهذا أوجز الشاعر، بل كشف، صلة الغياب الجغرافي، بما بدأه، مع الغائب النستولوجي الذي لم يفض الا الى قدر مشابه، وكلاهما برادوكسي بامتياز أحسن الزبيدي نسج معناه واجاده.

11
"مغارة الغياب" قصيدة كاشفة بعنوانها، اشتغل فيها الشاعر أحمد جارالله ياسين على عدد من المستويات الزمنية، محكومة جميعها بشخوص حية تنفس الشاعر معها ذُراها من اول لحظة صورية فلمية متحركة ماتعة «في طفولتي لم يكن لي اصدقاء سوى (بدر وأنيس)...» فاشتملت على الغياب كحالة متدرجة، وفرض وجوده كواقع حال مع عدم استكمال التجارب بين طفولة وصبا ورشد. كل له غياب مؤثر وله شراكاته التي ستشتد فيصبح صوت الشاعر صدىً موارب على غياب عظيم «الذين التهمتهم الحروب... أولائك الذين لم يكونوا من قماش...»، فلم يسترجعهم حتى بالخيال الذي اضحى يابساً. استطاع ياسين الإمساك بمستويات النص الذي لم يقبل الاكتفاء بالمشاهد، كحالة شعورية جمعية، بل جعلها مؤطرة بالدلالة لفعل الغياب وعمقه. صدق القول وواقعيته اضفت عليه صمتاً نقله الى الكثافة والرقة الشاعرية، وهذا ما عظّم من تأثيره الوجداني وازاد نجواه. أستطيع القول: انه نص متميز ومتكامل.

12
يفاجئنا حمد محمود الدوخي بنصه "قصيدتها" بترنيمة طقوسية غائبة «إنها امرأة قادمة.. من زوايا الضريح... » كرثائية غيابية مُستعادة من بيئة حياة ذاهبة لا فكاك من قدرها لأي سبب. من جهة اخرى يُبقي الشاعر فيه على شلال دافق لقبضة من المشاعر يتركها تتوزع بين مصائر (امرأة، سلمى، جارة... )، جمعتها تفاصيل حياة محاها الفراق فتكشفه نتف ذكريات مُجهدة بّراقة بمفردات يومية، (هدايا، غسيل الملابس، كوب شاي، اريكة وقميص). استطاع الشاعرخلق مساحةٍ بسط فيها سلطانه المهيب وصورته الاثيرة، مكتفياً بنزرها المتواضع بحيث ينهي الشاعر واقعية النص عند مقطعه «قد تتذكرني الآن عند سواي» حتى الهم نصه بصورتين سرياليتين كبيرتين طافرتين:
«قد تتذكرني الآن .. فوق الأريكة -لون الأريكة كالبرتقالة-... عند المرايا -المرايا عمودية-» فأدهشنا بتغريب مغامر قد لا نراه كثيرا في النتاج الشعري، فكان شكلا آخر للحنين. اضفى تركيز التعبير على النص الشعري، برغم وضوحه، نوعا من التورية المقصودة لم تكن طاغية انما جاءت لتزيد فضول القارئ لكشف خفايا النص.

13
تواجهنا اسئلة (المعرفة) في قصيدة "افكار مشعثة" لـ فاطمة شاوتي، وهو اشتغال صعب تحدث عنه الكاتب آرثر ميلر في تجربته الكتابية، فهنا المعرفة تلاقح وليس تناقل، وهي تأسيس وليس تذكّر. واجهنا النص بعدد من الأسماء بدأتها الكاتبة بـ "نتشه" كدرجة اولى في سلميّة القصيدة لتسلّم مضامينها تباعاً الى أعلام اخرى، "ڤان كوخ، بيكاسو، الأم تيريزا، "إيفا براون" و"هتلر". القصيدة مبنية على فكرة التناقض وجدوى المحاولة فـ«كل قصيدة لا تركض في الشارع العام.. هي قصيدة زانية...». تبلغ الشاعرة مع عباراتها الشعرية صدق معانيها لتجدل معان انسانية كثيفة الأسئلة «سؤال... وسؤال... وسؤال...».
قلنا اشتغال صعب! لأنه متعدي لما ابعد منه وضعته "شاوتي" في خانة انسانية صرفة في أمثلتها/اعلامها المنتخبين: كسر رأس السؤال لدى نتشه، العطب السمعي لدى "فان كوخ"، عبث اللون والمنمنمات لدى "بيكاسو"، السماحة والوضوح لدى "الأم تيريزا"، صمت الأسئلة لدى عشيقة هتلر "إيفا براون"، حتى شهقة القصيدة وصرختها غير الحذرة «لنتعلم كيف نقص التأويل من الأوهام». هذه القصيدة يمكن الاستعانة بها كمدخل بحثي متخصص، ذلك لانفتاحها او مواربتها على حُزم زمنية متحولة متناقضة كاشفة لعدد من مستويات التعاسة والتدني غير الرافض، بل المنتج لشيء مخالف للنشاط الإنساني الراقي، وهو غياب بحد ذاته.

14
يطالعنا سليم داود الغزيل في اشتغاله "هذه الفتاة تشبه غيمة" بحنين مُستلهم على نحو فطري، او حتى اراد له ان يكون متخيلا، لكنه منتمي بكل الأحوال الى عقدة محددة ومآل لواقع حال انتهى اليه الوجود الإنساني للأنثى، وعلى وجه التحديد الشرقي منه، او ما يلازم حالنا. فبدأ بالنقيض المبتلى، وهو كشف عدد من المستويات توزعت على (الشاعرة وصاحبة العطر والشجرة الحالمة والذاكرة والأنوثة). الكثير من الشعراء انحاز لهذه المستويات من باب التكريم، لكن شاعرنا يضعها بخانة عتمتها واستلاب مشروعها الإنساني فيأتي صوته «كلّما رسمت مدينة.. احتلت الأنثى ذاكرتها». لم يشتمل النص على قطوع حادة مما عطّل انزياحه وأضعف رسمه البياني، لكن اشتغالا من هذا النوع كان له تأثيره الذي اصفه بالانسيابية البينية والصفاء، الأمر الذي عزز قدرته بالوضوح والاكتفاء، وهذا في صالح النص بطريقة التعاطي مع الحالة الشعرية كتهدج يترك بصمته بيسر وجمال أكثر، فلم يؤاخذ على تموجات صارخة، انه نص معافى وكاشف حسب.

15
هناء أحمد كتبت في اشتغالها "قصيدة سمراء" عن سيرة الوقت، شاغلت فيه ارتعاشات مختلفة توزعت بين ازمنة جميعها غائبة لكنها متوثبة وكأن عود ثقاب يديم لهيبها. بُنيت قصيدتها على الغياب ذاته «نتعطل في الطريق نفسه.. لكننا لم نلتق...» فكان كافياً ان يضخ ذكريات محتسبة ومحتبسة من بنى تخيلية محدثة فاستخدمت أسماء بعض الشهور لتظهر تقنية بارعة، فلكل شهر له تحولاته «ربما التقينا في آذار.. ربما قفزنا في أيلول.. ربما هوينا في تشرين. وعلى ما يبدو وما يكشفه النسيج الشعري الذي يظهر هادئا بمظهره، لكنه متوهج، بل مندفع من حيث احالاته الزمنية، فأن درجة اعتناء هناء بالاختراق الضمني رافق صورها بنزوع مشاكسة وحادة
اضفت عليها صفة التفرد وعدم الاكتفاء لتنهي قصيدتها على نحو مخالف من بدايتها قولها: «لم نلتق.. لكننا لن نفترق». شغلت هناء المساحة بين الحالين: عدم اللقاء وبين عدم الافتراق بفصوص من الـ(الربما) وهي فكرة احالة شرطية بالمقياس الشاعري الحسي وقاسية بعض الشيء لضخها العاطفي، ثم مزجت تحولاتها بالتراكيب الفتية حتى جمالية المشهد الصارخ «جاء صوتك على مهل وقشرني» بمثابة الجائزة لمدخرات الغياب المستلب كواقع بالرغم من نحولته وتهذيبه وشدة اناقته شعريا.

16
"نص هارب من ديوان الميلاد" مرثية راصدة لـ اسماعيل الحسيني، اثقلتها القافية بعض الشيء ورفعتها الموسيقى الداخلية الشجية للنص. وإذ ان منهجي بالنقد لا يسمح لي برصد الشعر (عموديا) بل اتجنبه انصافا، لذلك أسعى لالتقائي بوحدة نسيجه وجودة التركيب الداخلي وتداخل مبنى القصيدة شعريا. مهد لي ذلك ان اجد في اشتغال الحسيني، كذلك بنائيا، ميلاً لتأشير غياب كامل، او ناضج بتنقلاته من حيث الوقت وتحولاته، ومن حيث الوقائع كذلك، احسن الشاعر فض غبارها لتكشف وتتحدث عن مصائرها/شخوصها، فلم يكن مفتونا بالتقديم فبدأ مرثيته بـ«كانوا سجوناً منذ عقد فائت..»، ثم يلاحق الأزمنة تباعاً على وفق تشكيلٍ له صورته وصوته في كل مقطع، له ما يميزه ويوقظ صمته، فتأتي الشهادة صرخة بأثر رجعي يباغتنا وكأنه يحصل للتو. ومن الملفت ان الشاعر لم يجامل نصه، فواصل مساقط الألم حتى النهاية بقوله: «لم أدخّر قبرا لآخر ليلة.. فابن السبيل ستقتنيه حصاة». انه نص مشبع بوضوح الصورة وجودة تعامل الحركة الشعرية معها.

17
النص الأخير من الاشتغالات لـ ماري ظواهرة "ماري ولا تفرح كثيراً"، اشتمل النص على عدد من المقاطع يحكمها الغياب على نحو واضح، توزع بين شخص/اشخاص وبين أشياء. اختارت ماري مقطعين احتاجتهما للتعريف على ما يبدو قبل الانتقال الى الحركية. انطوى المقطعان على حسية مباغتة مرتجفة «تفيض بداخلي مشاعر متناقضة..» و«الكلام بداخلي.. لا أحب البوح للشمس.. أسير فيتبعني ظلي» قبل أن تدخل الى محور القصيدة وهو (الذكرى والغياب). مقاطع تبدو منفصلة، فيصعب تجميعها اذ لم ننتبه الى الاسقاط الذي ارادته ماري وهو (غياب الفرح) الذي تعاملت معه على نحو منتهيات استدلالية وضعتها في كل مقطع او في نهايته. اجادت الشاعرة تقنيتها على شكل بناء عمودي ينهض بما يليه ويوفر فرصة لتعميق ما يغيب من الأمنيات بين رغبات وواقع حال منتهي. تشوب تجربة الشاعرة في هذا الاشتغال نوعا من المشاكسة السلبية فهي لا تقبل المساومة، بل ترتضي الألم كنتيجة تحمل رتُجها، فكل محمولات القصيدة الأولية «اتكئ على قوس الألوان» و«تنبت العطور في الزهور» وهي صور مضيئة، لم تخفف من غلواء الشجن والمصائر لتنتهي بتعبير اسقاطي بدأته كعنوان «لا تفرح كثيرا».

وكخاتمة اقول: أن قصائد اشتغالات العدد المزدوج لـ "تامرّا" منتقاة بما يوحد اتجاهها برغم اختلاف الاسلوب ونوع التجربة، وهذا ما لم نألفه في الكثير من ابواب المجلات المهمة، لا يعني ذلك نقصاً او نقدا، انما هو اشارة لحسن الانتقاء الذي سيدهش القارئ ويفضي الى متابعته النصوص بهدوء ورضا. وعليه يسيكون الجواب على سؤالي الأول: ثم لماذا الغياب على وجه التحديد؟ بمثابة كشف سيكولوجية النصوص المتضامنة من حيث فكرة الفقدان بجميع أوجهه، ايا كانت دوافعها، فهي تنهل من سلطان شعري متأمل لا يفترض التجربة بقدر الحسي الذي يتربع بسلطة الفقدان وتوارثها حتى يصبح الغياب له هذا الحفر الذي سيشغل الشعراء ومنتجهم لوقت قد لا يبدو قصيرا.



#هاشم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوپه-ديناري
- حبيبا الساحةِ
- -قافل-
- -شو بدي بالبلاد الله يخلي لأولاد-
- لنْ نخذلكَ في الخامسِ والعشرين
- سنغنيكَ لأنك غيرتَ العالمَ! حبيبي...
- وشمٌ على خصرِكَ أيلول - الى وليد وإبراهيم وكلِّهم
- هوية / سبع دقائق قبل الموت
- بطنها المأوى / دنى غالي: التركيب الخاص والسلوك الظاهر
- عادل مراد/ موقف انساني باسل «شيء يشبه الحكايات»
- عبد الحليم المدني، سيرة في سيرة السيد عبد الكريم المدني
- تحولات أسئلة النص في رواية -عشاق وفونوغراف وأزمنة- للكاتبة ل ...
- القلادة: حداثة النص بين الإسقاط والتناص والتأويل
- جنان جاسم حلاوي وغابة النخيل الإنسانية
- غروب الوليد - الى وليد جمعة
- سودوكي (رحيل صباح المرعي)
- الزمان والسرد في النظام القصصي لشاكر الأنباري في روايته أنا ...
- الخيال: التقديم والنهايات - دراسة نقدية في أدب برهان شاوي من ...
- المدني في رحلته الأثيرية الى نبتون
- فاطمة الفلاحي: الصورة ومنجم الضوء ورحلة الألم وحداثة النص


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - اشتقاقات الغياب - قراءة شعرية في نصوص محدثة