مشروع الطاقة النووية الحرارية -ITER- : البشرية تقبل على بناء -الشمس الأرضية-

محمد النعماني
(Mohammed Al Nommany)

الحوار المتمدن-العدد: 1572 - 2006 / 6 / 5 - 12:28
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    

اختتمت في بروكسل قبل أيام أعمال لقاء وزاري بمشاركة روسيا والاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة واليابان والهند وكوريا الجنوبية – الدول التي سخرت قدراتها لبناء أول مفاعل نووي حراري اختباري في العالم في إطار مشروع يعرف كـ"ITER" (International Thermonuclear Experimental Reactor). وأتاح اللقاء تنسيق مواقف الأطراف فيما يتعلق بتجسيد هذا المشروع وإصدار سلسلة من البيانات المشتركة والتوقيع بالأحرف الأولى على الوثائق التي أعدت لهذا اللقاء بما فيها الاتفاقية حول منظمة "ITER" الدولية. ويمكننا أن نشبه كل هذا بطلقة انطلاق تؤذن ببدء مشروع فريد يبشر بحل المشاكل الماثلة أمام البشرية في مجال الطاقة. وسوف يوقع رؤساء الدول اتفاقية بناء المفاعل النووي الحراري أثناء قمة "الثماني الكبار" المرتقبة في يوليو القادم في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية. أما الدول المشتركة في المشروع التي لا تنتمي الى نادي "الثماني" فسوف تبرم الاتفاقية طبقا للإجراءات الوطنية المتبعة فيها.

وقال نائب مدير الوكالة الفيدرالية الروسية للطاقة الذرية فلاديمير ترافين الذي مثل الجانب الروسي في اللقاء الوزاري في معرض تعليقه على هذا الحدث "إن تجسيد مشروع "ITER" يكتسب أهمية كبيرة للغاية لكونه يمهد الطريق الملموس الى استخدام مصدر جديد للطاقة لما فيه خير للبشرية جمعاء". وأبرز في غضون ذلك إيجابيات الطاقة النووية الحرارية وفي مقدمتها عدم استنفاد وقودها عمليا ونظافتها وأمانها من الناحية البيئية. ويؤكد هذه الحقيقة أيضا الأكاديمي يفغيني فيليخوف رئيس معهد كورتشاتوف مدير المجلس المعني بتصميم المفاعل النووي الحراري الدولي بقوله "إن الطاقة النووية الحرارية هي ما يحلم فيه علماء الفيزياء. لكونها أكثر أمانا من الطاقة النووية إلى درجة لا تقاس. فهي لا تهدد بخطر الانفجارات على غرار انفجار تشيرنوبيل وتسرب المواد المشعة لأنها تعتمد لا على مبدأ الانشطار ولكن على مبدأ اندماج العناصر الذي لا يثير التفاعل التسلسلي".

ويتوفر الوقود للمفاعل النووي الحراري (نظائر الهيدروجين) على الأرض بكميات لا تنضب. بيد أن المحطة النووية الحرارية لتوليد الكهرباء منشأة غاية في التعقيد من حيث تركيبها والتكنولوجيات المستعملة فيها. وعلى حد قول فيليخوف "إن شدة الضغط والحرارة داخل المفاعل تبلغ درجات ظلت معها مسألة إشعال البلازما النووية الحرارية حلما يتعذر تجسيده خلال فترة طويلة من الزمن".

وسوف يدخل مشروع "ITER" في سجل تاريخ البشرية كمشروع عالمي طموح جرى تنفيذه بالاستناد الى تضافر جهود حضارتنا. ويتفوق هذا المشروع من حيث الطاقات الفكرية والتوظيفات المالية على المحطة المدارية الدولية. وسوف تبلغ درجة الحرارة في قلب المفاعل النووي الحراري 150 مليون درجة مئوية (نذكر بالمناسبة أن درجة الحرارة داخل الشمس هي 20 مليون درجة مئوية). ذلك أن تحت هذه الدرجة من الحرارة بالذات تحترق نظائر الهيدروجين دون أن تترك النفايات المشعة. في الوقت نفسه يزيد مردود الطاقة من الوحدة من الوقود النووي الحراري بمقدار 10 ملايين مرة على ما يولده احتراق الوحدة من الوقود العضوي و100 مرة على مردود انشطار نواة اليورانيوم في مفاعلات المحطات الكهرذرية.

وأجرى المشتركون في المشروع مناقشات طويلة حول موقع بناء المفاعل. وتنافست على استضافته اليابان وفرنسا وفي نهاية المطاف نالت الأخيرة قصب السبق. وسوف تمهد ساحة بناء المفاعل في محافظة بروفانس (مركز كاداراش النووي) بفرنسا. وسيتم تنفيذ المشروع على أساس التعاون القائم على عولمة الإنجازات الفكرية ونبذ المبدأ حيث "يملك البعض كل شيء والبعض الآخر يكتفي بالاستهلاك لا غير". وهنا تعتبر كل البلدان أطرافا متكافئة.

وأشار فلاديمير ترافين قائلا: "يطيب لي أن أذكر هنا أن النماذج الأولى من نظام حفظ البلازما بواسطة الحقل المغنطيسي "توكاماك" والذي يوضع في أساس مشروع "ITER" كانت وليدة لأفكار العلماء الروس". وكانت نظرية "توكاماك" (غرفة البكرات المغنطيسية على شكل حلقة المرساة) هي الوحيدة التي احتفظت بحيويتها من أصل 114 نظرية أخرى للمفاعل النووي تقدم بها علم الفيزياء العالمي.

وقبل نصف القرن لم يستطع سوى شخصين في العالم بأسره – هما عالما الفيزياء الروسيان الأكاديمي إيغور تام الحائز على جائزة نوبل وتلميذه الشاب طالب الدراسات العليا أندريه ساخاروف الذي حاز فيما بعد أيضا على العضوية في الأكاديمية وجائزة نوبل – أن يتكلما حول هذا الموضوع ويتفاهمان. وقد أقترح أندريه ساخاروف في ستينات القرن الماضي تطبيق نظرية "توكاماك". ثم جرى اختبارها العملي بنجاح في معهد كورتشاتوف. وأسهم العلماء الروس بقسط هام في دفع مشروع بناء المفاعل النووي الحراري الدولي إلى الأمام بإنجازاتهم في مجال الموصلات الفائقة التوصيل والأساليب الأصيلة للتسخين الدقيق لبلازما الإلكترونات.

وإلى جانب إسهامها الفكري تشترك روسيا في هذا المشروع بالموارد المالية التي تشكل 10 بالمائة من قيمة المشروع البالغة إجمالا 13 مليار دولار. وسوف يجري تجميع المفاعل وحدة وحدة تورد فيما بعد من البلدان المشتركة الى ساحة البناء. ويزيد عدد القطع في المفاعل النووي الحراري على عددها في طائرة "بوينغ – 747" مائة مرة وفي غضون ذلك يجب أن يطابق كل برغي كل صامولة بدقة مطلقة. وتتولى هيئة إدارة دولية قيادة المشروع. وسوف تتحقق عملية الإدارة من خلال نظام "غلورياد" للاتصال وهو نظام قادر على نقل حزم ضخمة من المعلومات بسرعة فائقة بدون أي خسائر.

كم من الوقت تتطلب ترجمة هذا المشروع الى واقع الحياة؟ يرى الأكاديمي فيليخوف "إذا بدأنا العمل بصورة منظمة في هذا العام فسوف ننتهي من بناء المفاعل بعد 10 سنوات. وبعدها سنحتاج الى مزيد من الوقت من أجل بناء المحطة الكهربائية العاملة على التفاعل النووي الحراري وإجراء بعض الأبحاث الإضافية". وأكد العالم الروسي أن الهدف من المفاعل النووي الحراري الدولي هو اجتياز المانع الأخير الذي يعترض الطريق الى بناء أول محطة نووية حرارية لتوليد الكهرباء تعد بحل المشاكل الطاقية والبيئية الماثلة أمام البشرية.

#محمد_النعماني (هاشتاغ)       Mohammed__Al_Nommany#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات