أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - تحليل قصيدة - رياح حارقة - لعبدالرحمن بكري(المقطع الأخير)















المزيد.....

تحليل قصيدة - رياح حارقة - لعبدالرحمن بكري(المقطع الأخير)


محمد هالي

الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 19 - 22:27
المحور: الادب والفن
    


تحليل قصيدة "رياح حارقة" لعبد الرحمن بكري(المقطع الأخير)

ليس المقطع الأول من القصدية الا مقدمة للمقطع الثاني، هي تنتقل من الماضي المقاوم الى ازمات الحاضر المستكين، فهو يحمل شخصية لها اعتبارتها في الماضي (المقاوم) ليضعها في مرآة الحاضر: أزمات تلطخ الثابت بالمتسخ، عبر دعابة الصور الجديدة الملتئمة باللؤم، و الخساسة، فما سيزيف الا متعب في صد الهجومات من كل صوب، و حدب ، هو الفرح المغشوش، و الجميل المتسخ، هي تلوينات تفبركها شركات الموضة الجديدة، و مصحات التجميل المتلاشية في كافة ربوع العالم، تفرز الحقيقة خطأ، و الوهم جمالا، فكل ضغينة تنجلي رفقة و حنوا، إنه مجرد رقص على آفة الحروب، و استنزاف الثروات، و انحطاط للوقت، و لا محركا لساكن، كل ما في الأمر طلاسم تجر ذيول الهزائم..
هو ذا الوقت الجديد، يبعثره بكري على مقاسه، يرميه في حيرة الذات و يضعها أمام ازماتها الجديدة، بهذا يوبخ ذاك الصعلوك المتعالي في التلال، في مساءلة وجودية الذات(الحاضر) في الآخر(الغائب)، بصيغة تماثلية صعبة الانصهار: "
فما تغني عنك اليوم صورتك،
في مساحيق التجميل بديلا
يا شبيه ملامحي
." لم تبق الا الذكريات المتناثرة في "شريط الاحزان" "في منفاك الافتراضي" "معلقا بحبال البهتان،" لا يعلم متى وجد؟ و أين انتهت به المصاعب في آخر المطاف؟ هو ذابل الحضور كغصن لم تسعفه تعرية اليوم على البقاء، هو حائر بين أسئلة تجر ذيول الهزيمة و الاستهتار، منحط كالوليمة المغشوشة في مقاهي النسيان:
"متى انحلت شرنقة
.. تنحتك فيها العناكب،
محطة في أرشيف النسيان،
كآخر معقل الاعيان.."
للحقيقة أخطاؤها و كل ما هو واضح يصبح في متاهات الأيام مجرد أحداث، لكن الاعتراف بالجميل فضيلة، و لو على مستوى الاعتراف بما تم، و ما يحدث، و ما رسمته الأقدام المتعبة التي كانت تصد التعرية في التلال ، مدمية الى حد الاحمرار، من اجل رسم بعض سلالة المجابهة ، لهذا ينبثق الاعتراف، المترسخ في الذاكرة ، انه الاحتفاظ الدائم ، و الصون الجميل وهو لا يخلو من مديح:
"تذكرني في كل تفاصيل الوقت،
أنك سيد الأرض ..
أنك هنا،
كنت ترقص ثملا ،
على فصول العصيان.."
ما بين اليأس و الأمل تتقاطع الترانيم النثرية السردية و تتأهب الرؤى المتفائلة والمتشائمة و اليائسة ، بين ما مضى، وما هو حادث، و ما ستحمله الأيام القادمة، احتمالية حضور المقاوم كما كان يتمنى بزغاريد الاعتراف الفاضل، المليء بالسموّ، و الجلال، أ هو "سيد الارض" أم أن الأمر سييبقى مجرد " محطة في أرشيف النسيان" ؟
فما تنطوي عليه الوقائع سوى المتاجرة بقيم اولئك الذين تحملوا عبء الانتصار، الذين تحملوا قساوة التلال، و صعوبة التصدي للدخيل، هي معاناة من يحمل قيم النبل حين يحضر الاحتفاء بالذكريات:
"لو كان الامر مدونا
في مفكرة الاهل
لوضعت له برواز الشهيد
تتعاقب فيه صورة الاحتفاء
على وتيرة أناشيد الفجر"
و تبقى "لو" التمني تتأرجح ضمن وجع الاحتمال، تتصبب عرقا، حين تبرز الوقائع، و ترى ان الاهل تاهوا في رغد العيش المتعب، هم يتصارعون على البقاء كتجمع النمل في شقاء الادخار، هم تائهون، مقصيون، لهذا يبقى "بكري" هو الوحيد المبصر لضياع الشهيد في دهاليز الاهمال، و النسيان، مادام الاهل في غفل عن الماضي، و احتضنهم ما سماه "ألان دونو" ب"نظام التفاهة" هو النظام المتسم بجبروته و قساوته، فيقع المقاوم في بطش الحاضر، و سقوطه في مشاكل العصر الجديد، المليء بالأحداث الأليمة: بروز الطائفية ، و النزعات الاقصائية ، و الحروب المنتشرة في كل البلدان العربية، فلم يعد للماضي حضورا للاحتفاء بل اصبح ما هو مؤلم في الماضي هو الأمل، و المبتغى ، و المتوخى، و كأن آلام و تعب المناضل في تلك الحقبة تذهب سودا، و هذا ما سرده "بكري" بشكل واضح في هذا المقطع، المليء بالرموز و الدلالات:
فلا المكان في عينيك ..
يستعر،
تحت رقصات الصرع،
في كفوف مدافن الأحياء،
حتى .. شاخت تلك الأراجيف،
تتناقلها وجاهة السفهاء،
في قصائد سجع الرهبان..
هو ذا الألم الذي أفرزته القصيدة ، إنها تأهبت لتجعل من الماضي المقاوم على أمل عيش رغيد للأجيال القادمة ، فسقط المقاوم في "مدافن الأحياء" و "وجاهة السفهاء" و "قصائد سجع الرهبان"..
غير أن بكري لم يطفئ الأنوار كلها، فهو يفتح أبواب الأمل لما هو آت، فهو يعلنها صراحة في انفجار الشمس، ثورة، تغيير، رجة؟، انقلاب الأحداث... لتكون هي الحقيقة الجديدة "و لا الحقيقة في حضنك تندحر" أي أمل ما كان يناضل عليه في التلال الوعرة يندحر "أمام وقع انفجار الشمس"، تعيد له الاعتبار ك"سيد الارض"، و تدونه" على مفرق من النصر" كما كان يتوخاه و يطمح اليه، و في هذا التغير المنتظر في المستقبل، يرسم الشاعر قصيدته على منوال الحلول المنتظرة، فعلى هذه الترانيم ينشد قصيدته، بوقع الختام المبني على الحلول الناجعة أعلاه:
"أنذاك ينتفض صوتي ،
على مقصلة الخيبة ،
توقظني،
تراتيل الشجر.."
بهذا تكون القصيدة قد سبحت بنا في أزمنة ثلاثة : الماضي الذي ارتبط بالاستعمار مما فرض على الاجيال المرتبطة به أن تقاوم ، و يتحمل قساوة الجرائم التي ارتكبها المحتل من نهب و قتل فكان المقاوم في وضعية يتحمل الصعاب من أجل غد مشرق:
يقتات من نعل حاف ..
صدمته صخرة سيزيف ..
تدمي أصابع رجليه
كلما تجرأ على ركوب التلال
و الحاضر المأزوم، المحبط ، والخالي من كل بصيص المقاومة، و يغلب عليه كنف النسيان و عدم الاعتراف بالشهيد، و لا بالمقاومة، استوعبته ثقافة التفاهة و الالهاء ، لا هو مستوعب لما هو قائم، هو جيل وصفه محمد جسوس ب"جيل الضباع"،
ترتدي درع الصمت..
لتخفي أسرار الأسفار
فلا المكان في عينيك ..
يستعر
تحت رقصات الصرع
في كفوف مدافن الأحياء
حتى .. شاخت تلك الأراجيف
تتناقلها وجاهة السفهاء
في قصائد سجع الرهبان

و المستقبل الذي يضعه بكري في اطار الانتظارات الممكنة، و ما ستسفر عنه المخاضات الكثيرة المتفجرة حاليا في كل بقع العالم، هي حلول ممكنة ما دامت وضعية الشعوب دائما تتغير عبر خاصية المد و الجزر، قد يتحول الايجاب الى سيء أو السيء الى الإيجاب في أية لحظة:
"تندحر،
أمام وقع انفجار الشمس،
تدونك على مفرق من النصر،
هبوب ريح..
أنذاك ينتفض صوتي ،
على مقصلة الخيبة ،
توقظني ،
تراتيل الشجر.."
و ما هو ثابت في هذه الازمنة يحتاج الى "رياح حارقة" قد تصيب أو تخطء كما حدث في البلدان العربية : تونس، ليبيا، مصر، اليمن، و سوريا ، والعراق، السودان ... فالريح لا زالت حارقة و لم تنطفئ بعد... الى ذلك الحين ننتظر:
"انفجار الشمس"
"أنذاك ينتفض صوتي ،
على مقصلة الخيبة ،
توقظني،
تراتيل الشجر..
بهذه الصور الشعرية المتيرة و المتميزة، الموغلة في الغموض، يكون بكري قد لا مس الكثير من المعطيات التي افرزها " نظام التفاهة" الجديد.
محمد هالي








:



#محمد_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيء من التاريخ
- نظموا أنفسكم
- تحليل قصيدة لعبد الرحمن بكري(1)
- قضايا البحر
- عجبا أيها الليل
- ترنيمات
- أيام عسيرة
- ما سيقع
- آسفي: كنت هناك
- أيها الناس
- على منوال دموعي
- هلوسة اليوم
- لحظة غروب
- همسات
- لا أعلم
- لعنة الحب.. !
- قصيدتا الوغز
- الابداع المشترك: ترنيمات على لب الوجع
- ذبل شجرة
- ذهب عام يأتي عام


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - تحليل قصيدة - رياح حارقة - لعبدالرحمن بكري(المقطع الأخير)