أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (2)














المزيد.....

لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (2)


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 19 - 00:39
المحور: حقوق الانسان
    


Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot

حدّثتكم يومَ الخميس الماضي عن "نزعة الانتحار" لدى الأشخاص الذين لا يملكون ما يكفي من قيمة "الوعي بالحياة”. يعيشون وفقط؛ دون إدراك حقيقي لقيمة كل يوم وكل ساعة، ولا يدركون أن العمرَ، مهما قَصُر، يعني كنوزًا من الأحلام والجمال والعمل والإنجاز والتحقّق وخدمة الإنسانية.
من خلال رواية "باولو كويللو" تلصَّصنا على حياة ڤيرونيكا، الشابة الجميلة التي ذهبت إلى الموت بإرادتها؛ رغم عدم مرورها بأزمة تدفعها إلى الانتحار! قرّرتِ أن تباغتَ الموت بدلا من انتظاره يباغتها؛ كما يفعلُ عمومُ البشر كلَّ يومٍ بخوف وترقّب ورفض وهروب. ابتلعَّتِ السُّمَ فقط لأنها ضجرت من مرور الأيام والسنوات على الوتيرة ذاتها، فرفضت الاستمرار في رتابة العمر. وحين أخبرها الطبيبُ أن جزءًا من قلبها قد تلف، وأن أسابيعَ قليلةً هي كل ما تبقى لها من عمر، أفاقت على صحوة: "الوعي بالحياة". فقرّرت أن تعيش تلك الأيام القليلة بكامل طاقتها ووعيها. تعلّمت عزف البيانو وأحبّت شخصًا، وصادقت زملاء المصحّة وساعدت المرضى، فوجدت لحياتها معنى وتشبّثت بها.
أما أنا فأؤمن أن "شخصية المنتحر" عادةً ما تُخفقُ في مرحلة من مراحل الأمل: إما عدم الوقوف على حلم ما أو هدف، أو عدم الإيمان بالقدرة على تحقيقه، وبالتالي عدم السعي للوصول، فيكون الانتحارُ هو البديل الأيسر. وتكلّمنا عن فيلم "أنت عمري"، الذي تباينت فيه شخصيتا رجل وامرأة أوشكا على الموت بالسرطان. الباليرينا الطموح "نيللي كريم"، قرّرت أن تحقّق حلمَها قبل موتها، لأنها آمنت بالحلم. بينما استسلم المهندس اليائس "هاني سلامة" لحتمية الموت الوشيك، فراح ينتظره بتسجيل صوته على إسطوانات حتى يسمعها ابنُه الطفلُ حين يكبُر. فعاشت الباليرينا، ومات المهندس، رغم أن السرطان كان لديها في مراحل أقسى.
لحظة معرفة المريض بموته الوشيك أصعبُ من لحظة الموت ذاتها. تلك هي النقطة المفصلية التي تتبدّل بعدها الحياةُ فلا نعودُ نرى الأشياء على نفس النحو أبدًا. بعد تلك المعرفة لا شيءَ يُفرحُ ولا شيءَ يُحزن. تغدو الحياةُ بلون الرماد المحايد البليد، انتظارًا للحظة النهاية. لكن الأمر جدّ مختلفٌ عند أولي العزم القابضين على زمام أحلامهم، الواثقين في أنفسهم، وفي قدراتهم، وفي رسالاتهم.
تختلف تلك اللحظة من شخص إلى آخر. تصبحُ نهايةً وخوارًا عند اليائسين الضعفاء، وتغدو نقطةَ بداية وانطلاق لدى ذوي العزم الأقوياء. لم تذرف الباليرينا القوية دمعةً حين عرفت باقتراب لحظة موتها. رحبت بموتها، بشرط أن تحقق أولا حلمها بالرقص مع فريق البولشوي على خشبة دار الأوبرا المصرية. بينما امتدت تلك اللحظةُ كالأبد عند المهندس اليائس، فانهار وذرف الدمع، وهجر بيتَه وزوجته وأباه وطفله، وانعزل عن العالم، لكي يموت وحيدًا. تمامًا كما تفعلُ الأفيالُ حين تعلم بدنو الأجل، فتذهب إلى مكان قصيّ للموت دون رفيق. الباليرينا آمنت بحُلمها، وآمن المهندس بموته. إيمانُها هزم الموتَ، بينما ضعفُ إيمانه عضّد الموتَ. حلمُها صلبٌ متماسك، وحلمُه مُخترَق بثغرةٍ في كعبه؛ نفذَ منها سهمُ الهدم.
ظلَّت البايرينا ترقص طوال الوقت حتى يداهمُها الموتُ راقصةً فوق خشبة المسرح، مثلما قضت ڤيرونيكا/ باولو كويللو ساعاتِها الأخيرةَ تعزف البيانو كي تموتَ فوق أصابعه.
قدمت الباليرينا رقصات شديدة الجمال، مزجت بين ألوان وطعوم من الرقصات والثقافات والحضارات، لا تجتمع إلا في خطوات موهوبة بحجم "نيللي كريم" لتشكّلَ قطعةً رفيعة من الجمال والثراء، غزلتها من خيوط الرقص الشرقيّ والغربيّ والرعويّ والبدويّ والفرعونيّ والهنديّ والأسبانيّ والأوبراليّ في رقصة واحدة، مع إحساس رفيع بالحركة والسكنة والتوقيع، وكأنها تضمُّ الكوكبَ كلَّه بجسدها قبل فراقه.
وقف المريضان المقبلان على الموت فوق جسر قصر النيل. قالت الباليرينا لرفيق الموت إنها بالأمس حلمتْ أنها قابلتْ فارسًا وركضتْ معه تحت المطر. فقال لها المهندسُ إنه رأى الحلمَ ذاته، ولكن من دون مطر، لأنه فصلُ الصيف. يركضان معا فتمطرُ السماءُ رغم الصيف. هنا تيمة الفيلم: "الإيمان بالحلم وحتمية تحقيقه". هنا نتذكّر مقولة "باولو كويللو" في رواية "الخيميائي" Alchemist : (لو تمنيتَ شيئًا ما بصدق، فإن العالمَ كلَّه يتآمرُ لكي يحققه). وكانت الفتاةُ أكثر إيمانًا بأحلامها، فأمطرتِ السماء. تحية احترام للموهوبين "هاني سلامة، ونيللي كريم". احلموا، وصدقوا أحلامكم؛ وآمنوا بقدرتكم على تحقيقها. وقبل هذا وذاك، امتلكوا: “الوعي بقيمة الحياة”. ودائمًا “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (1)
- لينين… ضابطُ إيقاعِ الضحك الرفيع
- النحلة والدبور … إهداء المايسترو لحبيبته نيڤين
- هنا الإمارات … ومصرُ تصنعُ الحياة
- وسام القديس جورج … لقاهر الإرهاب الأسود
- معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020
- معرض القاهرة الدولي للدواء 2020
- أوسكار فاروق حسني
- صحنُ قلقاس أخضر … على مائدة قبطية
- الرئيس والبابا … وباقةُ زهور بيضاء
- الحَجُّ العالميُّ إلى أرض مصر
- أطرق باب بيت ... لا يعرف الحزن
- لا أملكُ إلا ابتسامتي!
- على عتبة الطفل الصامتٍ
- قُبلةُ حبيبي … بألفِ عام
- جيشُ مصر العظيم ... هو جيش العرب
- 100 مليون مقاتل مصري ... في وجه الغزو العثماني
- ميري كريسماس … بأمرِ الحُبِّ وحِمى القانون
- 51 بحبّه!
- العشبُ الداعشيُّ … والأراضي البور


المزيد.....




- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (2)