أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حسين محمود التلاوي - بين -ميكيافيللي- و-ثامسطيوس-... هل نتذكر -بيدبا- كذلك؟!















المزيد.....

بين -ميكيافيللي- و-ثامسطيوس-... هل نتذكر -بيدبا- كذلك؟!


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 6493 - 2020 / 2 / 17 - 22:49
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


على الدوام هناك أحد المقربين من الملك. ويمكن لهذا الشخص أن يحمل أية صفة؛ فهو المستشار، وهو الناصح، وهو المضحِك، وهو كاتم الأسرار، وهو الوزير الأول، وغير ذلك من المسميات التي يمكن أن تطلق على هذا الشخص. لكن تختلف المسميات، ويبقى الوصف الرئيسي؛ وهو أن هذا الشخص مسموع الكلمة لدى الملك، وهو الملجأ الأخير له عند الملمات. ولعل تعبير "دبرني يا وزير" الذي يقال عندما تعيي المرء الحيلة، يدل على المكانة التي يحظى بها هذا الشخص المقرب الملقب بـ"الوزير" في ذلك التعبير؛ فهو صاحب التدبير في وقت فراغ الجعبة من أية أسهم يمكن إطلاقها لحل المشكلة.
كان "ميكيافيللي" مقربًا، وكان "ثامسطيوس" كذلك أيضًا. لكن بين الشخصين تفصل سنوات وأنماط من الشخصية والكثير من الأمور التي تجعل فكرة المقارنة صعبة للوهلة الأولى. حسنًا، ربما ليس من الجائز أن نقارن بين الشخصيات، لكن المقارنة بين الأفكار مسموح بها، ومتاحة؛ فهناك كتابان عند النظر إلى أي منهما لا يسمع المرء سوى أن يفكر في الكتاب الآخر.
هذان الكتابان هما "رسالة ثامسطيوس إلى يوليان الملك في السياسة وتدبير المملكة" لمؤلفه ثامسطيوس، وكتاب "الأمير" لمؤلفه "نيكولو ميكيافيللي". الكتاب الأول يتناول خواطر وأفكار في تدبير شئون الحكم على شكل رسائل يوجهها المفكر والمربي "ثامسطيوس" إلى يوليان الإمبراطور الروماني مقدمًا له النصح والنصيحة فيما يتعلق بالكيفية التي يدار بها الملك ويساس بها الأتباع. كذلك فإن كتاب "الأمير" لا يقف بعيدًا عن تلك المنطقة؛ فهو كتاب ألفه "نيكولو ميكيافيللي" رجل الدولة والمفكر وأهداه إلى " لورينزو الثاني دي ميديتشي" على أمل أن يستعيد به منصبه الذي فقده بعد تولي أسرة "دي ميديتشي" الحكم، وكان يتضمن كذلك أفكارًا خاصة بكيفية إدارة الدولة وسياسة الرعية.

بين المفكر ورجل الدولة
لسنا في مجال التوسع في التعريف بكل من "ثامسطيوس" و"ميكيافيللي"؛ فما ورد هنا إلى الآن يكفي لإلقاء الضوء على ما يتعلق بموضوعنا هنا. والغرض هنا هو المقارنة السريعة "للغاية" بين الكتابين، وليس بين الشخصين إلا بما يتطلبه الأمر لتحقيق الغرض من تلك المقارنة.
الجانب الأول الذي يمكن أن يقارن من خلاله الكتابان هو المدخل؛ فالمدخل الذي اتبعه "ثامسطيوس" كان مدخلًا فلسفيًّا أخلاقيًّا؛ حيث كان الغرض الرئيسي من رسائله "صلاح الملك وصلاح المواطنين"، بينما كان المدخل الذي اختاره "ميكيافيللي" هو المدخل السياسي العملي التطبيقي؛ حيث الغرض الرئيسي من الكتاب "صلاح الملك لاستمرار الدولة الجمهورية".
يوضح المدخل الفارق بين الرجلين؛ فالأول "ثامسطيوس" مربٍّ وفيلسوف عمل في مناصب الدولة انطلاقًا من هذه الخلفية ونتيجة قربه من الإمبراطور "يوليان"، أما الثاني "ميكيافيللي" فهو رجل دولة عمل سكرتيرًا للدولة في جمهورية فلورنسا، وكان يوشك أن يعدم لولا التقلبات السياسية التي أنجته من تلك العقوبة، كما كانت السبب في أن ينالها من الأساس. لكنه كذلك مفكر، وإن تفكيره امتزج بممارسة السياسة في الميدان على عكس "ثامسطيوس" الذي كان منصبه السياسي سفيرًا؛ أي يعمل على نقل وجهات النظر بما لديه من قدرة على الحديث والنظر والتدبر؛ والدبلوماسية في ذلك تحتاج إلى من يتمتع بحس الفيلسوف أكثر من تمتعه بحس السياسي.
كان للمدخل تأثير على الأسلوب في التناول بطبيعة الحال؛ فقد اعتمد ثامسطيوس على استخلاص أحكام أخلاقية ونفسية من دراسته للفلاسفة وأحوال البشر والسياسة، وبنى نصائحه على تلك الأحكام المستخلصة. أما "ميكيافيللي" فقد استخلص أحكام سياسية ونفسية من دراسة الدول السابقة والحالية؛ فكان يأتي إلى نموذج الدولة القائمة أو البائدة، ويدرس عوامل قيامها واستمرارها وقوتها وضعفها، ويستخلص الأحكام ثم يقدم النصيحة.
ولعل الفترة الزمنية التي عاش فيها كل منهما كان لها تأثير كبير على طريقة التفكير؛ حيث كان "ثامسطيوس" في فترة تأسيس الإمبراطورية الرومانية المسيحية؛ فقد عاصر "قسطنطين" الإمبراطور الذي جعل المسيحية دين الدولة، وكذلك "يوليان" الذي ارتد عن المسيحية، وعاصر كذلك العودة إلى الإيمان مرة أخرى، ورأى كيف أن الفلسفات الهلنستية كان لها الدور الأكبر في بناء الإمبراطورية الرومانية؛ ومن ثم لا عجب في أن يكون للفلسفة اليد الطولى في رسائله.
على الجانب الآخر كان "ميكيافيللي" يعيش في عصر الدولة؛ فقد كانت الدول تتأسس، وتتشكل، وتأخذ أطرًا تنظيمية على أساس القومية أو المصالح المشتركة وغيرها من الأسس. وعاصر إرهاصات الدولة الجمهورية بالتحديد بعيدًا عن الملكيات.
كان كذلك للفترة الزمنية تأثيرها على الهدف الرئيسي من عمل كل واحد منهما؛ فكان "ثامسطيوس" يهدف إلى "تأهيل الملوك" وإعدادهم إلى العمل السياسي، وهو ما يتفق مع عمله كمربٍّ، بينما كان هدف "ميكيافيللي" هو "توجيه الحاكم" وليس تأهيله من الأساس؛ فهو حاكم، وصار يملك المنصب؛ ومن ثم لا يملك المستشار إلا توجيهه، وهو ما يتفق مع عمله كسكرتير للدولة.

بيدبا
ينتمي كل من "ثامسطيوس" و"ميكيافيللي" إلى الحضارة الغربية بدءً من الحضارة اليونانية وتطورها إلى الحضارة الرومانية وصولًا إلى المدنية الغربية الحديثة. لكن في الجانب الآخر من العالم وفي أحد أقاصي خريطة الحضارة الإنسانية يقف "بيدبا" الفيلسوف مقدمًا نموذجًا مماثلًا لهذين الكتابين، وذلك بكتابه "كليلة ودمنة" الذي كتبه إلى الملك دبشليم الذي كان يواجه مشكلات في حكم شعب مملكته في الهند؛ فكتب له "بيدبا" أو "فيشو شارما" هذا الكتاب الذي يتضمن النصائح بشكل مبطن من خلال حكايات من عالم الحيوان.
كان "بيدبا" مستشارًا، لكنه كما يقال كان يخشى غضبة الملك عليه؛ لذا ألف الكتاب ليقدم للملك العظة والنصيحة دون أن يثير غضبه. لكن بعض الروايات تقول إن الكتاب جرى تأليفه أساسًا بطلب من الملك "دبشليم" لكي يتذكره الناس بشيء. لكن في واقع الأمر المؤشرات تقول إن تأليف الكتاب بغرض النصيحة المبطنة هو الأقرب للتصديق.
كان "بيدبا" مستشارًا لكن في ذلك الوقت الذي يتراوح ما بين آخر ألف قبل الميلاد إلى أول ثلاثة قرون بعد الميلاد، لا يأتي الشخص لمنصب مستشارية الملك إلا إذا كان فيلسوفًا في المقام الأول. وكان ذلك باديًا بشدة في حكايات الكتاب التي كانت لا تخلو من العظة والعبرة العامة بعيدًا عن إطار السياسة والمملكة؛ حيث كان الكتاب مؤلَّفًا بإحساس الفيلسوف لا رجل الدولة، ولكن الغرض منه تقديم النصيحة لإدارة المملكة سواءً كان مكتوبًا بطلب من الملك أو لنصحه وإرشاده بطريقة لا تثير حفيظته.

فكرة وجود المستشار للحاكم قديمة قدم الإنسان نفسه؛ فمنذ تأسست الممالك، وصار هناك ملك ورعية وأعداء ومشكلات، وكل تلك الأمور تحتاج إلى النصيحة المخلصة. ومن الحكام من طلب النصيحة، ومنهم من تلقاها بنفس راضية، ومنهم من كان يأبى النصيحة فكان لا بد من التورية.
لكن مربط الفرس هنا: هل يستمع الحاكم إلى النصيحة المخلصة، إن لم يكن هو من طلبها؟!



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ناديجدا كروبسكايا: المتطوعون الصغار (مقال مترجم)
- ألا يزال المواطن المصري الرقمَ الصعبَ؟!
- رباعية قصيرة للغاية -من وحي القمر والسماء-
- جورجي بليخانوف: الاشتراكية والأممية (مقال مترجم)
- نيكولاي بوخارين: عصر الإنجازات الكبرى (مقال مترجم)
- زريف الطول والعلامة السرية (مسرحية من فصل واحد)
- نيكولاي بوخارين: الجيش الأحمر والثورة المضادة (مقال مترجم)
- أم سكر
- نيكولاي سميتانين: من يدير الصناعة السوفييتية؟ (كتيب كامل مُت ...
- بلاك فرايداي... وايت فرايداي... المجتمع لوحةً والاقتصاد رسَّ ...
- نيكولاي بوخارين: تنظيم الجيش وهيكل المجتمع (مقال مترجم)
- كوندرسيه... كيف تتطور البشرية؟!
- الذي صعد إلى القمر
- عبر الهاتف (ما قبل الزمن المحمول)
- فتاة المطر
- من هنا... وهناك...
- رؤى... خماسية شديدة القصر
- حكاية ثورة: ليس على سبيل التأريخ ولا التحليل... (2) الشباب.. ...
- حكاية ثورة: ليس على سبيل التأريخ ولا التحليل... (1) لماذا ال ...
- المشهد المصري: إنهم يأكلون البطيخ...


المزيد.....




- شاهد..قرية تبتلعها الرمال بعد أن -تخلى- عنها سكانها في سلطنة ...
- الأمن الروسي يعتقل 143 متورطا في تصنيع الأسلحة والاتجار بها ...
- وزارة الخارجية الروسية تصر على تحميل أوكرانيا مسؤولية هجوم م ...
- الحرب على غزة| وضع صحي كارثي في غزة وأيرلندا تنظم إلى دعوى ا ...
- ضغوط برلمانية على الحكومة البريطانية لحظر بيع الأسلحة لإسرائ ...
- استمرار الغارات على غزة وتبادل للقصف على الحدود بين لبنان وإ ...
- تسونامي سياسي يجتاح السنغال!!
- سيمونيان لمراسل غربي: ببساطة.. نحن لسنا أنتم ولا نكن لكم قدر ...
- قائد الجيش اللبناني يعزّي السفير الروسي بضحايا هجوم -كروكوس- ...
- مصر تعلن موعد تشغيل المفاعلات النووية


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - حسين محمود التلاوي - بين -ميكيافيللي- و-ثامسطيوس-... هل نتذكر -بيدبا- كذلك؟!