أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راوند دلعو - المثيولوجيا و الأسطورة على مذبح العقل















المزيد.....

المثيولوجيا و الأسطورة على مذبح العقل


راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)


الحوار المتمدن-العدد: 6493 - 2020 / 2 / 17 - 03:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(المثيولوجيا و الأسطورة
على مذبح العقل)

من كتابي #على_مذبح_العقل

قلم #راوند_دلعو

لقد كنت ميتاً تماماً ، إلى أن فتحت هذا الصندوق ...

لقد كنت مُكَبّلاً بالفناء و الصمت ... إلى أن نظرتُ خارج هذا الصندوق ...

لقد كنت عدماً حقيقياً ... إلى أن فَكَّرتُ خارجَ الصندوق ...

صندوق التقاليد و المثيولوجيات و الموروثات و الأديان ، صندوق الضغوط الاجتماعية ، و الأعراف النمطية ، و القوالب المنمذجة بمقاييس الأجداد ، تلك التي تتدحرج شاقولياً من الماضي العميق لِتَخِرَّ في الوعي الجمعي للقطيع ، فتبرمجه بشكل ساذج نمطي ، ثم تؤطره و تحنطه بجبس من تابويات الماضي المتخلف ، ثم لتبني لها جُدُرَاً من جهل حول كل فرد بما فيهم الطفل الذي كان في داخلي ... فتُصَندِقُ الناس بالخضوع لسطوة الموروثات و التقاليد و دهاليز الميثيولوجيا المضحكة المبكية ...

و لكن هأنذا .... أخرج من صندوق القرون الوسطى .... !!!!

أخرج من طينِهِ اللَّزِج و ترابه المزكوم بالدين و الجهل و الخرافة و الطائفية .... هأنذا أقهر عنجهية الجهل الزؤام ، بكتابة ميلادي بأحرف من خيوط الشمس و بريق النجوم و قوانين الفيزياء و الرياضيات .... و رائحة دمي الذي نزفتُ لكي أصل لهذه اللحظة ... لحظة الخروج من الصندوق .

حقاً ، لقد كنت جثة هامدة يجري بها التيار ، إلى أن دبّت الروح في أطرافي فسبحت لأخلق لنفسي تياري الخاص ، جبروتي الخاص ، لأقول لكل شيء في رأسي : " لا .. لن أصدقك إلا بدليل " ...

لقد كنت محروماً من لذة العقلانية ... لذة العيش بانسجام تام مع تلافيف هذا العضو القابع في جمجتي و المسمى بالدماغ !!!

لقد كنت أعيش في سجن التنافض الرهيب .... أمارس حياتي المهنية كمهندس اتصالات صباحاً ، فأكون عقلانياً في تعاملي مع المشاريع و الأرقام حتى النخاع ... فإذا ما عكفت إلى حياتي الخاصة ضربت بالمنطق و الخوارزميات و أسس التفكير العقلاني عرض الحائط ، ثم مارست ما تربيت عليه من مورث تم حقنه في رأسي الصغير مذ كنت طفلاً !!!!

الحق أقول لكم ، لقد شعرت بأنني دخلت في متاهات مرحلة من القصور الدماغي عند أول لحظة تبنيت فيها معلومة بلا دليل !! لكنني سكت و سلمت لجبروت التيار السائد بحكم طفولتي مستسلماً لسطوة القطيع وإرهاب التيار الاجتماعي في البيئة التي تربيت فيها .... فقد كان تيار الموروث الجارف أصلب من عظامي الطفولية الغضة ، و قد كان خوفي الطفولي أقوى من جرأة العقل في داخلي ...

ثم قست عظامي فرفعت رأسي و أفقت لأدرك أن الدماغ البشري عضو في غاية الأهمية، فكما أن الكِلية تتعطل أحياناً ليصاب صاحبها بالقصور الكلوي ، فتتوقف بسبب تعطلها وظيفة الإطراح كلها في الجسد ... كذلك الدماغ يتعطل عندما تصاب عملية التفكير المنطقي بخلل لتتعطل وظيفة التفكير كلها في الجسد !!! فيتحول المخلوق من كائن عاقل بشري إلى كائن قاصر العقل ، تحت بشري ، كائن قاصر الوظيفة التفكيرية التي مركزها الدماغ !!!!! ليفقد حيوية الجهاز الوحيد الذي يميزه عن باقي الرئيسيات كالقرود و السعادين ....

فبيتُ سِرِّ إنسانيتك كإنسان ، هو أن تكون وظيفة التكفير عندك سليمة و حرة من أي قيد لا منطقي و عندها نسميها "عقلانية حرة " و نسميك إنساناً عاقلاً .... و نستطيع عندها فقط أن نقرر بهدوء أن مركز التفكير في دماغ هذا الإنسان سليم و خال من أي إعاقة أو آفة ...

فأساس التفكير خارج الصندوق هو تفعيل مكامن الإنسانية التي تبلورها عملية التفكير العقلاني الحر المنضبط بالمنطق الذي نتج عنه المنهج العلمي التجريبي ، ذلك المنهج المنطلق من النظرة النقدية تجاه كل الأفكار محل التبني ، من أصغرها و أكثرها تفصيلاً في حياتنا إلى أكبرها و أكثرها ضخامة ... فهأنذا أشك في كل شيء حتى وجودي إلى أن أجد دليلاً على ذلك ..

ثم إن التفكير خارج الصندوق تجربة ممتعة لا يشعر بها إلا من عاشها بتفاصيلها ....فأنا أشعر بالشفقة على أولئك الذين يتربون في المجتمعات المتحضرة ، إذ تتم تنشئتهم على العقلانية الحرة منذ نعومة أظفارهم ... و ذلك لأنهم قد حرموا بشكل أو بآخر من اللحظة الأمتع في الحياة و هي لحظة الخروج الأول من الصندوق إلى فضاءات العقل الحر السليم .... هأنذا كالطير أحلق حراً كيفما أشاء خارج الصندوق .... و لا يقيد حركتي إلا فضاء المنطق و رحابة العقلانية الواسعة .... و فيزياء الحرية في كل شيء.

ثم لا أخفيكم بأن التفكير خارج الصندوق مرعب في بداياته و صادم، بل يهز كيان المرء بعنف غير مسبوق حيث يصدمه بفوات جزء من العمر في ترهات الموروثات السطحية و النمطيات اللاعقلانية و المثيولوجيات الخرافية .

و لكنه ممتع إلى حد الثمالة بعد تلقي الصدمة الأولى ! ممتع لدرجة أنني أريد أن أخرج إلى الشارع لأصرخ بملئ حنجرتي الصغيرة : " أيها الناس ، لقد خرجت من الصندوق !! خرجت من الصندوق العفن !! ، أنا اليوم إنسان كوني جديد بلا أي قيد أو شرط ، خال من الخضوع للقهر الفكري و السجن النمطي .... لقد قتلت سجاني للتو !! لقد قتلته بسيف المنطق و رمح العقلانية الحرة ، لقد قتلت الخرافة بيدي و فككت شيفرة المثيولوجيا التي سيطرت علي طفولتي لسنوات !!!".

عندما تفكر خارج الصندوق ، تتنفس الحرية و الموضوعية و تتقبل الآخر المخالف لك بالرأي بكل رحابة صدر ، فتجد نفسك و قد خرجت من سجن المزدوجة الخرافية القائمة على ( الحق و الباطل) ، إذ لا وجود لحق مطلق و باطل مطلق ، ثم ستجد نفسك و قد استبدلتها بمزدوجة ( الحقيقة و الوهم ) ، لتخضع للحقيقة و فقط الحقيقة و تنبذ الوهم كل الوهم .....

إن الخروج من الصندوق مجرمٌ خطير و قاتل متمرس لكل الأساطير و الخرافات التي قبعت في ذهنك بحكم المولد ...
بل هو البطل الأول في عالم الإثارة.... إذ يأخذك في عوالم من الحرية بكل ما تحمله حروفها من قداسة ( ح ر ي ة )...لدرجة أنك تستطيع استنشاقها بعصبونات خلايا دماغك الرمادية ... تلك الخلايا التي عانت طيلة سنين الطفولة من قيود الخرافات و اللامنطقيات و اللاعقلانيات و غيرها من الطفيليات و الجراثيم و الفيروسات في عالم الفكر ....
ها هو التفكير خارج الصندوق يفتحك على كل شيء ، فأنت أمام ضوء الحقيقة و فقط الحقيقة .... ممعناً في كونيتك مصراً على إنسانيتك في أعمق معانيها ...
أطلق سراح التفكير خارج الصندوق لتكتشف فيك إنسانيتك البكر ، تلك الإنسانية التي دُفِنت بين ركامات العادات و التقاليد المجرمة التي حُقِنتَ بها و الأساطير الرخوة التي تم حشو رأسك بها ، ليصبح كالإسفنجة ممتصاً لكل ما يلقى عليه من سوائل نتنة و نجاسات فكرية عفنة ، فيحولك عبداً للخرافة ....

أطلق سراح التفكير خارج الصندوق لتشعر بكمالك ، فأنت اليوم إنسان كامل بكل ما تحمله الكلمة من معان ... فأعضاؤك البيولوجية تكتمل لأول مرة بعد أن أضيف إليها الدماغ متمتعاً و لأول مرة بوظيفته الطبيعية الحرة ( العقلانية الحرة من كل قيد أسطوري )...

أطلق سراح التفكير خارج الصندوق ليعود بك إلى صفاء العقل ، إلى طفولتك الحقيقية البريئة ... أطلق سراح التفكير خارج الصندوق لتنتصر في حرب الوجود و العدم ... لتثبت وجودك الحقيقي في عوالم الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و العلوم و جميع اللغات الكونية الواقعية .... ثم كحل دماغك بدراسة المغالطات المنطقية ، لتصقل و تلمع عملية التفكير لديك بأدوات الموضوعية و الحيادية و عدم التحيز ...

ثم أدر عنفة العقل ليعمل حراً بفطرته التي تطورت عبر ملايين السنين !!!

نعم ، ها هو يعمل بحرية و واقعية ، يعمل بزيت المنطق و وقود العقلانية الحرة ... بعد أن حَصَّنتَهُ بتجنُّب المغالطات المنطقية و الأقيسة الفاسدة و اللامنطقيات الطفيلية ، ثم برمجته على أساسيات المعرفة الإبستيمولوجية و المنهج العلمي التجريبي الحديث.

فالتفكير خارج الصندوق يعلن ميلاد العقل الذي فيك و يقتل الإقصائي الذي في داخلك ... ليسحق المزدوجة الكريهة التي كبلتك لسنين ، تلك المزدوجة الأخرى الخبيثة التي دمرت الكثير من المجتمعات الإنسانية ... مزدوجة ( مؤمن _ كافر ) ....

فالتفكير خارج الصندوق يمنحك ميلاداً جديداً ، ككائن جديد كلياً ... يختلف تماماً عن ذاك الكائن الغبي الذي يتصرف بلا معنى و لا منطق و لا حكمة ...
فلتعلن ميلادك الآن في هذه اللحظة و لتفكر خارج الصندوق ، ضارباً بعرض الحائط كل ما تم حشوه في رأسك من خزعبلات سفسطائية لا قيمة لها ....

كن مشاغباً فكريَّا و فكِّر خارج الصندوق ... حطم جدرانه تحطيماً زلزله زلزلةً بل هُدَّهُ هَدّاً ثم اسحقه سحقاً ... و هشمه تهشيماً ثم أحرقه ... بل أحرق كل الآفاق التي ستحجزك في حدودها مهما اتسعت ، فالحرية أبعد من أي أفق و أعلى من أي سور و أرحب من أي بحر.

فالشغب السلوكي ينتج عن حالة من عدم الانضباط بالقواعد السلوكية ذات المنبع الأخلاقي ، أما الشغب الفكري الذي أنصحك به فينتج عن حالة الانضباط التام بالمنهج العلمي العقلاني ، فلتُشاغِبْ فكريَّاً منذ هذه اللحظة و لتخرج عن كل نمط مكروه.

فهذا النوع المحمود من الشغب ناتج عن عدم قبولك لما يتعارض مع المنطق العقلاني من موروثات وميثيولوجيات و أساطير ، لتتشرف بموقع المتصادم باستمرار مع أصحاب الفكر النمطي الموروث .

كم أحب أن أكون مشاغباً فكرياً لأقدم كل جديد ، لأكسر كل نمط ، لأكتشف المجهول ... لأتجرأ على ما لم يتجرأ عليه من سبقني ....

فالتفكير خارج الصندوق كالتنفس للدماغ البشري ، فالشهيق هو تبني الدماغ للأفكار العقلانية المنطقية التي لها دور الأكسجين ، و الزفير هو نبذ الدماغ للتجارب الخاطئة و التهيؤات المخالفة للواقع ( خرافات_ أساطير_ موروثات بلا دليل _ تجارب خاطئة) و التي لها دور غاز ثاني أكسيد الكربون السام !!!
تنفس كي تعيش إنساناً كامل الإنسانية .... توقف عن التنفس كي تخنق رئتَي دماغك في غباء الخرافة.
كم أشفق على أولئك الذين يتقوقعون طيلة أعمارهم في الموروث .... فصدورهم مليئة بالغازات السامة التي تقتلهم يومياً ، و أدمغتهم مصابة بموت سريري مع إرجاء التنفيذ إلى يوم الموت الحقيقي ، كما أنني أخص بالشفقة حملة الشهادات العلمية من أطباء و مهندسين و غيرهم ... إذ أنهم تأقلموا مع مرض التناقض و الانفصام ... فهم يخرجون من الصندوق في ساعات ممارساتهم لمهنهم المبنية على العقلانية و المنطق الفكري ، ثم يعودون في حياتهم الشخصية إلى ذلك الصندوق العفن ، ليمارسوا تمتمات و طقوساً لا علاقة لها بالمنطق لا من قريب و لا من بعيد !!!

غريب ذلك المهندس الذي يخرج من السجن ثمان ساعات كل يوم ( فترة العمل ) ، ثم يعود إليه طواعية بقية يومه ، غريب ذلك الطبيب الذي تتيح له مهنته التحرر من جدران الصندوق أثناء عمله ليعود فيكبل نفسه بقيود الخرافة فإذا به يرحل إلى شجرة مقدسة ليطوف بها !!! أو يأكل بطريقة معينة ظاناً أن ذاك يقربه إلى شبح ما !!! أو يمارس حركات لا عقلانية متوهماً أن لذلك رصيد ما في عالم ما ورائي ما ؟ أو يهاجر ليموت في سبيل ميثيولوجيات و أساطير مضحكة بطريقة تعارضها المستحكم مع المنطق و العقل !!!

يتمتع هذا النوع من البشر بقدرة فائقة على التلون ، فلسان حالهم كمن أنشأ برزخاً من فولاذ في دماغة فقسمه إلى قسمين : قسم يدار بالعقلانية المنطقية الحرة ، و قسم يسلم لموروثات و عقائد غبية !!! إنه نوع مزمن من الإنفصام ، و مغالاة مفرطة في الشيزوفرينيا !!!

و لو حاولنا تفسير هذه الظاهرة لرددنا كل ذلك للدوافع السيكولوجية ، ففي الحياة العملية حيث لا سلطة للخوف الكهنوتي الماورائي من المجهول ، يمارس الإنسان فطرته الأولى المتمثلة بالعقلانية الحرة ، أما في الحياة الشخصية التي تحفها الأسئلة العميقة الماورائية المجهولة ، فللخوف و الإرهاب الكهنوتي سطوة كبرى تجعل من العقلانية قزماً يقاد بيد المقدس الموروث و ينحني له !!! لذلك نجد هذا الطبيب و قد أطلق العنان لعقلانيته في حياته العملية حيث لا سلطة للإرهاب النفسي الكهنوتي ، أما في حياته الشخصية فيخضع تماماً للموروث المرعب المكبِّل للعقل كالحمل الوديع يقاد من ترقوته إلى مذبحه الرهيب .

و نستطيع أن نقسم دماغ هذا الكائن التحت بشري و الفوق قردي إلى قسمين : قسم خارج تغطية الكهنوت حيث السيادة للعقلانية الحرة و قسم تحت تغطية الكهنوت فإذا به مكبل بالخرافة .
الحر هو من يوجه لهذا البرزخ الصعقة تلو الأخرى و لا يتركه إلا و قد خر منهدماً ! ليوحد بين جميع أجزاء دماغه تحت رحابة العقلانية و كبريائها و صفائها و تحررها .... و إلا فلا يستحق أن يكون طبيباً أو مهندساً بل يجب على الجامعات المحترمة أن تسحب الشهادات العلمية من أولئك الممارسين للتصرفات اللاعقلانية في حياتهم ، إذ يُخشى أن يؤثر ذلك على حياتهم العلمية فيرتكبوا الكوارث أثناء مزاولتهم لمهنهم .

فأنا لا أستطيع أن أسلم صحتي الجسدية لطبيب يؤمن بقدسية عشبة ما و نجاسة عشبة أخرى ، لأن الميثيولوجيا التي تربى عليها أخبرته بذلك !!
كما أنني لا أستطيع أن أوكل أمر تصميم منزلي إلى مهندس يؤمن بقدسية نوع من الحيوانات و الأعشاب و نجاسة أنواع أخرى ، لأن موروثه الميثيولوجي أخبره بذلك !!! كيف أثق بتصميمه لمنزلي في حين أنه يؤمن بأشياء غير منطقية ؟ كيف أوكل إليه أكثر الأمور حَرَجَاً و دِقَّة و منطقية في حين يمارس أهم أجزاء حياته بشكل غير عقلاني و غير منطقي ؟؟!

بيد أنني أعشق أولئك الذين يفكرون خارج الصندوق و يحكمون على الأشياء بموضوعية و عقلانية و لو خالفوني بما توصلوا إليه من نتائج فكرية.......

و أشفق على حبيسي الصندوق من أتباع العقائد الموروثة وإن وافقوني بالنتائج الفكرية!!

فيكفي الأول شرفاً أنه باحث ، أما الثاني فهو مجرد وارث.

لكن الكارثة الكبرى التي تعاني منها مجتمعاتنا هي وجود طبقة من عابدي الصندوق !! طبقة من الأذلاء الخانعين للخرافة ، طبقة لا تستطيع العيش خارج صندوق الميثيولوجيا و الموروثات و لا لحظة ، فهم كبعض أنواع السمك الذي يعيش في برك الماء الآسن النجس ، قد طوروا أنواعاً من الغلاصم التي باتت مرتبطة بهذا الماء القذر ... فإذا ما أخرجتهم إلى صفاء و رحابة البحر ماتوا ...

طبقة وظيفتها أن تدهن جدران الصندوق بلون السماء لكي تقنع القطيع الموجود داخل الصندوق من الضحايا و المغيبين أنه خارج الصندوق !!!
يؤولون الموروث و يبررون الخرافات و يشرعنون التقاليد الفاشلة و العادات المضحكة بحذلقات لفظية و سفسطات لغوية مريضة ... يبيعون الكذب المعلب للشعوب البسيطة كجرعات مخدر ، ليقتلوا كل نزعة عقلانية أو شبه عقلانية قد ترد في ذهن أحد الضحايا....

كل ذلك العهر الفكري كي يقنعوا القطيع الذي يرزح داخل الصندوق بأنه ليس داخل الصندوق !!!!
إنها طبقة مستشرية في مجتمعاتنا و تمارس وظيفة تاريخية قذرة ضد عجلة التطور و التحضر ، فلا زلت أخشى أن يلتهمنا الصندوق بجدرانه قبل أن نخرج منه بسبب هذه الطبقة الخبيثة من أشباه البشر !!
فشتان بين من جعل وظيفته في هذه الحياة طلاء جدران الصندوق بلون السماء ليكذب على حواس القطيع فيقنعهم برحابة الصندوق ، و بين من انتفض و كسر جدران الصندوق ثم أحرقها ليحرر الناس بالعلم ، ثم ليحلق عالياً في عالم العقلانية الحقيقية ....

و هناك طبقة لا تقل إجراماً عن الطبقة السابقة ، وظيفتها ترميم الآيل إلى السقوط من جدران الصندوق !! فإذا ما لاحظ هؤلاء أن أحد جدران الموروث آيل إلى السقوط أقاموه و دعموه ليمنعوا النور من الدخول فلا يلفح أعين الطبقة المغيبة ... ليضمنوا استمراريتها في القطيع ... و بالتالي استمرارية المنافع المادية التي تعود عليهم من هذه الطبقة الغبية التي تصرف أموالها لهؤلاء الكهنة من رجال الدين.

و لو قمنا بدراسة معمقة لما يحدث داخل الصندوق لوجدنا أن هناك ملايين الضحايا الذين تم الضحك عليهم من قِبَلِ أولئك الدهَّانِين المُدَاهِنِين و النجارين المرممين لجدران الصندوق !!! فقد اجتمعتُ مع مئات البسطاء الذين يمارسون الطقوس المضرة غير العقلانية و هم على يقين راسخ بصحة و منطقية ما يفعلون ... فإذا ما سألتهم لماذا تفعلون ذلك ... استشهدوا بقول الشخص الفلاني أو ( العلّامة ) الفلاني ، الذي مات منذ عصور !!!
ثم ماذا عن أولئك الذين يصممون لأنفسهم صندوقاً حديدياً داخل الصندوق ليختبؤوا فيه كالدودة تحت سابع أرض !!! فلا يكفيهم خُرافيَّة و غباء صندوق الموروث الذي يصرون على البقاء فيه ، بل يبنون لأنفسهم صندوقاً ضمن الصندوق ، و فوق ذلك تراهم متيقنين بأن الكون يدور حول مكعبهم الصغير هذا ، أو فلنقل علبة كبريتهم المجهرية !!!

اِحرق صندوقك الموروث و تمرد عليه ، اخرج منه مارداً يسع الكون بجبروته ...
لا تجعل نفسك إمَّعة تدور في فلك مصممي الصناديق و مرمميها و مُدهِّنِيها ... كن حراً كما ولدت ... صفحة بيضاء لا يقودها إلا حواسها الخمسة و عقلانيتها التي تتراقص بحُرِّيَّة على إيقاعات المنطق الحر السليم... كن إنساناً.

فالخوف من الفكرة هو عدو تبنيها ، لا تخف من الأفكار الجديدة فهي التي تعبر بك إلى عالم الحقيقة.
لا ..... لا تخف من الأفكار الجديدة .... حلّلها بحيادية ، قلّبها بموضوعية ، اغسلها بروح النقد ، مشطها بكاشف المغالطات المنطقية ، افحصها بعين العقلانية الحرة ، طببها بالمنطق السليم ، هندسها بالحرية ، تعامل معها بشفافية بعيداً عن الخوف ، ثم احكم عليها و تبنى ما يتوافق منها مع المنهج العلمي التجريبي ، ثم ضعها على مذبح العقل .

و إياك أن تخشى من التبني بعد الفحص السليم.
و لتستمر في تطوير طريقة فحصك للأفكار لتضمن سلامة المنتج الفكري الذي تتبناه و دليلك على ذلك هو تغيرك المستمر و عدم بقائك على فكرة واحدة طيلة حياتك فهذا من الغباء إلا إذا كانت من الأفكار المبرهنة بشكل علمي رصين .

فالخوف هو سلاح المقدس الموروث بينما الجرأة هي سلاح الحقيقة المكتشفة.

ثم لنرقص معاً بحرية مفرطة بين دماء و جثث الأفكار المتخلفة و الموروثات اللامنطقية.... على مذبح العقل !!!

على مذبح العقل !!!



#راوند_دلعو (هاشتاغ)       Rawand_Dalao#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعوب الحناجر و الخناجر
- تحرير الله ممن سرقوه
- الثورة الدموية و الثورة السلمية
- الفرق بين التعليم و التفهيم
- خلاف عائلي في قبيلة قريش
- وثنيّة النّص
- فطرة الله التي فطر الناس عليها
- الأثر السلبي لمناهج التفكير الدينية في سياق المعرفة البشرية
- قراءة التاريخ
- الديانة الإسلامية أم الديانة المحمدية ؟
- صباح الميم و الياء
- القرآنيون ما بين علمنة الخرافة و عقلنة الوهم
- القلب النزيف
- ياسمينة على ضريح الله _ قيثاريّة النسرين
- إنه لمن الظلم بمكان !
- نظام اتصالات رديء بين الله و أنبيائه
- أكذوبة العروبة ... أكذوبة ملعوبة !
- مصطلحات قرآنية أهانت المرأة _ الإعجاز الإشمئزازي في القرآن
- بالغتُ باسمِكِ ( شعر عمودي )
- اعتناق الديانة المحمدية على أسس علمية


المزيد.....




- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راوند دلعو - المثيولوجيا و الأسطورة على مذبح العقل