أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (1)














المزيد.....

لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (1)


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6492 - 2020 / 2 / 16 - 13:42
المحور: حقوق الانسان
    



بعضُ الناس لا يفضِّلون احتساءَ الكوب حتى آخرَ قطرة. يتركون في قاعه شيئًا تُسمّيه الأدبياتُ العربية: "السؤر"، وهو المتبقّي من أيّ شيء. فلماذا يُضحّي إنسانٌ بما تبقّى له من عمر، ويقتل نفسَه، مثلما شهدنا الفترة الأخيرة في عدة حالات متلاحقة في مجتمعنا المصري، لشباب وشابات أنهوا أعمارَهم دون سبب هائل يبرر انتحارهم؟!
ربما نجدُ الإجابةَ في رواية "باولو كويللو": “ڤيرونيكا تُقرّر أن تموت"Veronica Decides to Die . امرأة شابة قررت أن تذهب إلى الموت بإرادتها. ليس من أزمة نفسية أو صدمة أو أيّ من دوافع الانتحار المعروفة. لكنها ببساطة عزمت على مباغتة الموت، بدلا من انتظاره، كما ينتظره عمومُ البشر. قرّرت أن تتجرع كأس الموت، وهي صحيحةُ البدن سليمة العقل، دون شيخوخة أو مرض. فقد أنجزت كلَّ ما يمكن إنجازه في الحياة، وما تبقّى لها من سنوات وعقود، سوف تتكرر على نحو رتيب مُضجر؛ ففيمَ الاستمرار؟! ابتلعت حفنة أقراص، ونامت لكيلا تصحو أبدًا. ولدهشتها، فتحت عينيها في مصحة للأمراض العقلية، وأوهمها الطبيبُ أن جزءًا من قلبها قد تلف بسبب جرعة الأقراص المنوّمة؛ وأنها ستموت خلال أسابيع قليلة. وتكتمل الحكايةُ برصد الأيام الأخيرة التي بدّلت رؤيةَ المرأة للحياة، وأرهفت وعيها بقيمة كلّ لحظة تعيشها. واصلت الليلَ بالنهار كي تتعلم عزف البيانو في المصحّة، وصادقت المرضى، وأحبّت، وحلُمت، ثم تمنت ألا تموت. ما فعله الطبيبُ هو "حقن" المنتحرة، الزاهدة في الحياة، بمصل "الوعي بالحياة"، إن جاز القول؛ عن طريق إيهامها بأن ساعاتٍ قليلةً هي كل ما تبقى لها في هذه الدنيا؛ فرغبت في الحياة وهزمت الموت. أو لنقل هزمت رغبتها في الموت.
أراد "كويللو" في تلك الرواية أن يؤسِّس نزعة: "الوعي بالحياة، والوعي بالموت”. الوعي الذي يُشكّل كثافةَ وجود الإنسان، ومدى استعداده للحياة، أو للموت. الوعي بقيمة الحياة، ثم ضرورة أن يمتلكَ الإنسانُ حلمًا وهدفًا، وإيمانه بقيمة ذلك الحلم، وقدرته على تحقيقه، ثم العيش وتكريس كلّ لحظات عمره لتحقيقه. المنتحرُ عادة يخفق في مرحلة من تلك المراحل. إما أن تكون حياتُه بلا حلم. أو لديه حُلمٌ، ولا يؤمن بقدرته على تحقيقه. أو أنه لا يبذل الجهد الكافي لتحقيقه؛ فيشعر بعجزه، ويُنهي حياتَه. إنها قيمة أن يمتلكَ كلُّ إنسان "مشروعًا" حقيقيًّا يعيشُ من أجله. والمشروعُ؛ ليس بالضرورة أن يكون عظيمًا أو هائلاً. فليس ثمّة مشروعٌ عظيم وآخر تافه. كلُّ مشروع كبيرٌ، مهما صَغُر، وكلُّ حلمٍ عظيمٌ، مهما تضاءل. فالرجلُ الجميل الذي يخبز الخبزَ للناس، والسيدة الجميلة التي تجلس على قارعة الطريق "تُفصِّصُ" حبّات البازلاء لتبيعها مغلّفةً للموظفّات في طريقهن من العمل إلى البيت، كلاهما لديه مشروعٌ محترم يستحق الحياة. مساعدةُ الناس على الحياة، هو أغلى المشاريع وأغنى الأحلام. ولكن هناك من البشر من لا يمتلكون الوعي بذلك، وأولئك في مرمى سهام الانتحار.
تذكّروا معي الفيلم المصري الجميل "أنت عمري"، بطولة الموهوبين: “نيلي كريم”، وهاني سلامة”. ولد وبنت. كلاهما يمتلك "الحُلم". ولا يفصلهما عن تحقيقه، إلا اقترابُ لحظة الموت الوشيك؛ لأن كليهما مصابٌ بالسرطان. نقاطُ التشابه هي: 1- كلاهما يمتلكان الحلم، 2- كلاهما يمتلكان القدرة على تحقيقه، 3- كلاهما أوشك على الموت قبل تحقيق الحلم. أما نقطة الاختلاف فكانت: أن أحدهما آمن بقدرته على تحقيق الحلم، والآخر لم يؤمن بتحقيقه. اختلفت درجاتُ "الوعي بالموت" أو "الوعي بالحياة"، لدى كلٍّ منهما. هذا التباين في الوعي هو عقدةُ هذه الدراما.
"نيللي كريم"، باليرينا جميلة تحلم بالرقص مع فرقة البولشوي الروسية في أوبرا "جيزيل". هذا حلمها. وهو شبه متحقق لأن البولشوي اختارتها لتمثل اسمَ مصر في هذا العرض العالميّ، ولم يتبق إلا أن يتأخر الموتُ قليلا كي يسمح ليوم العرض أن يسبقَه. "هاني سلامة"، مهندس ثريّ يحب زوجته الجميلة "منّة شلبي"، وطفله. يحلم باستمرار الحياة وحسب، حتى يرى طفلَه مهندسًا ناجحًا مثله!
وضعتْنا الدراما أمام قيمة: "الإيمان بالحلم". والإيمان بالقدرة على تحقيقة، وبـحتمية الإصرار على التحقق، وقبل هذا وذاك، “الوعي بقيمة الحياة”. هنا انقسم البطلان. فالبنت "آمنت" بحلمها وكان وعيها بالحياة حاضرًا، بينما كان وعي الولد بالموت أعلى. ونكمل يوم "الاثنين”. ودائمًا “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لينين… ضابطُ إيقاعِ الضحك الرفيع
- النحلة والدبور … إهداء المايسترو لحبيبته نيڤين
- هنا الإمارات … ومصرُ تصنعُ الحياة
- وسام القديس جورج … لقاهر الإرهاب الأسود
- معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020
- معرض القاهرة الدولي للدواء 2020
- أوسكار فاروق حسني
- صحنُ قلقاس أخضر … على مائدة قبطية
- الرئيس والبابا … وباقةُ زهور بيضاء
- الحَجُّ العالميُّ إلى أرض مصر
- أطرق باب بيت ... لا يعرف الحزن
- لا أملكُ إلا ابتسامتي!
- على عتبة الطفل الصامتٍ
- قُبلةُ حبيبي … بألفِ عام
- جيشُ مصر العظيم ... هو جيش العرب
- 100 مليون مقاتل مصري ... في وجه الغزو العثماني
- ميري كريسماس … بأمرِ الحُبِّ وحِمى القانون
- 51 بحبّه!
- العشبُ الداعشيُّ … والأراضي البور
- الجميلةُ ... المَنسيّة!


المزيد.....




- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لماذا ينتحرُ المنتحرون؟ (1)