الياس ديلمي
الحوار المتمدن-العدد: 6492 - 2020 / 2 / 14 - 19:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خُرافَة لم يَكُن مُخرِّفًا فِي ذلك اليَومْ، والأُسطُورَة لم تَكُن يَومًا تَخريفًا، فرُبما كان خُرافة كذابًا أو ربما كان صادقًا، لكنَه لم يَكُن مُخرِفًا في ذلك اليوم عندما سَرد لقومِه أساطيرًا رَأوها عجيبَة وغريبَة، فمَن هو خُرافَة؟
تُخبرنا الميثولوجيا العربية التِي يَعتبرُها كهنَة التاريخ –زُورًا وبُهتانًا- أحداثًا حقيقيَةً وقعَت ذات لحظَةٍ زمنيةٍ، بأنّ خُرافَة هو رجُل مِن قبيلَة عذرَة حسب الزبيدي في كتابِه تاج العروس ، ذات يوم غاب خُرافة عن قومِه واختفَى عن أنظارهم مُدّةً مِن الزمن، فلمّا عاد مِن غَيبَته أخبرَهم بأنّ الجِنّ استَهوَته فاختطَفتهُ، وأخذ يَحكي لهم ما رآه في عالمهم المُدهش، فعجِب النّاس وتعجّبوا مِن أحاديثِه الغريبَة، لهذا جرى على ألسنتهم مقُولة (حديثُ خُرافة)، ليتطوَّر الأمر بعد ذلك الَى وصفِ كلِّ حديثٍ لا يقبلُه عقلُ انسانٍ بعبارَة (أكذبُ مِن خرافة) الى أن صارَ مَثلًا يُضربُ به، واشتقَّ بعد ذلك فُقهاء اللغة مفاهيم الخُرافَة، الخَرَف والتخريف مِن تلك الميثولوجيا العربية الشّهيرة، حيث في كتابه لسان العرب يقُول ابنُ منظُور: [الخَرَف بالتحريك هو فساد العقل مِن الكبر، والخرافة هي الحديث المُستملح من الكذب، أما المسعودي في كتابه (مروج الذهب) فيربط حكايات ألف ليلة وليلة بالخُرافات اعتمادًا على تلك الميثولوجيا لأنّه يراها صَنيعَة سردية مُختلقَة مِن مادّة الخيال لتمرير أفكارٍ معيّنة.
مع ذلك عرفنا هوية خُرافَة ولم نعرفْ معنى الخُرافَة، عرفنا أسطُورة خُرافَة ولم نُفرّق بين الأسطورة والخُرافة، لذلك ظلَمنا الأسطُورَة عندما وصفناها بالخُرافة، وظلمنا كلّ مَن حدَّثنا أحاديثًا كأحاديثِ خُرافَة فوصَفناه بالكذِب، فصارَ كلَّ ساردٍ لأساطير الأسطُورَة مُخرِّفًا، دون أن نَنتبه الى أنّ مرضَ الخَرَفَ (Dementia) لا علاقَة لهُ بالأساطير والأدب الروائي، وكذلك دُون أن نتقصَّى أثَر مَن يُوظّفُ خُرافةَ لتأسيس الخرافَة، ويسطُر ما أسَّسَه مِن أساطيرٍ وخرافَاتٍ في كُتبٍ، ينشُرُها على أنّها حقائقَ تاريخية يَقينيّةٍ لا تقبلُ النِّقاش.
#الياس_ديلمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟